سورة إبراهيم
سميت بهذا الاسم لذكر قصة إبراهيم(ص)فيها .
"بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد"المعنى بحكم الرب النافع المفيد العدل وحى أوحيناه لك لتبعد الخلق من الضلالات إلى الهدى بأمر إلههم إلى دين القوى الشاكر ،يبين الله لنبيه(ص)أن الله وهو الرب الرحمن الرحيم أى النافع المفيد باسمه والمراد بحكمه الر كتاب أنزلناه إليك وهذا يعنى أن الله قد حكم أن العدل هو آيات القرآن أى الوحى أوحيناه لك مصداق لقوله بسورة النمل"تلك آيات القرآن "والسبب فى إنزال الوحى عليه هو أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور والمراد أن يبعد الخلق عن الكفر إلى الإسلام بإذن ربهم والمراد بأمر خالقهم وفسر النور بأنه صراط العزيز الحميد والمراد دين القوى الشاكر والرسول يهديهم إليه أى يعرفهم به والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"الله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك فى ضلال بعيد"المعنى الله الذى يملك الذى فى السموات والذى فى الأرض وألم للمكذبين من عقاب عظيم يفضلون المعيشة الأولى على جنة القيامة ويبعدون عن دين الله ويريدونها ظالمة أولئك فى عذاب مستمر ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله له ما فى السموات وما فى الأرض والمراد يملك الذى فى السموات والأرض من المخلوقات مصداق لقوله بسورة الجاثية "ولله ملك السموات والأرض "ويبين له أن الويل وهو الألم نصيب الكافرين أى الظالمين من العذاب الشديد وهو العقاب الأليم مصداق لقوله بسورة الزخرف"فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم "والكفار يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة أى يفضلون متاع المعيشة الأولى على متاع القيامة أى يفضلون الكفر على الإيمان مصداق التوبة "استحبوا الكفر على الإيمان "وفسرهم بأنهم يصدون عن سبيل الله والمراد يبعدون عن دين الله وفسرهم بأنهم يبغونها عوجا أى يريدون الدنيا محكومة بالظلم وهو الجهل مصداق لقوله بسورة الأنعام "أفحكم الجاهلية يبغون "ويبين لنا أنهم فى ضلال بعيد أى فى عذاب مستمر فى الآخرة مصداق لقوله بسورة سبأ"بل الذين لا يؤمنون بالآخرة فى العذاب والضلال البعيد".
"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وهو العزيز الحكيم "المعنى وما بعثنا من مبعوث إلا بلغة ناسه فيبعد من يريد ويقرب من يريد وهو القوى القاضى ،يبين الله لنبيه(ص)أن ما من رسول أرسله الله والمراد ما من مبعوث بعثه إلى قومه إلا كانت رسالته بلسان قومه أى بلغة شعبه والمراد أنه أرسل كل نبى بلغة شعبه والسبب أن يبين لهم أى يوضح لهم ما يريد منهم ونتيجة الإرسال هى أن يضل من يشاء أى يعذب من يريد وهو من يكفر أى ويرحم من يريد وهو من يؤمن مصداق لقوله العنكبوت "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء"والله هو العزيز أى القوى وهو الحكيم أى القاضى بالعدل والخطاب وما بعده من قصى موسى(ص) للنبى(ص).
"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن فى ذلك لآيات لكل صبار شكور "المعنى ولقد بعثنا موسى (ص)بعلاماتنا أن أبعد أهلك عن الضلالات إلى الحق أى أعلمهم بأحكام الله أن فى ذلك لعظات لكل مطيع متبع ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أرسل موسى بآياته والمراد بعث موسى (ص)بعلاماته من معجزات ووحى لقومه وفى هذا قال بسورة الأعراف"ثم بعثنا من بعد موسى بآياتنا"والسبب فى بعثه أن يخرج قومه من الظلمات إلى النور والمراد أن يبعد ناسه عن الكفر إلى الإسلام وفسر هذا بأنه يذكرهم بأيام الله أى يعرفهم آيات الله مصداق لقوله بسورة الكهف"وذكر بآيات ربه "ويبين الله أن فى ذلك وهو ما حدث لموسى (ص)وقومه آيات أى عظات لكل صبار شكور أى مطيع متبع للوحى .
"وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم "المعنى وقد قال موسى (ص)لشعبه اعلموا رحمة الله بكم حين أنقذكم من قوم فرعون يذيقونكم أشد العقاب أى يقتلون أولادكم ويستعبدون إناثكم وفى ذلكم اختبار من إلهكم كبير ،يبين الله لنبيه (ص) أن موسى (ص)قال لقومه وهم شعبه :اذكروا نعمة الله عليكم والمراد اعرفوا فضل الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون أى حين أنقذكم من قوم فرعون يسومونكم سوء العذاب أى يذيقونكم أشد العقاب ويذبحون أبناءكم أى "يقتلون أبناءكم "كما قال بسورة الأعراف والمراد يقتلون أولادكم ويستحيون نساءكم أى ويستعبدون أى يستخدمون إناثكم خادمات وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم أى وفى العذاب اختبار من إلهكم كبير وهذا يعنى أن بنى إسرائيل قسمهم فرعون قسم للقتل هو العيال وقسم للاستحياء وهو الاستعباد وهو النساء والقسم الثالث وهو الرجال ليتجرعوا ذل قتل أولادهم واستعباد أهلهم .
"وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد "المعنى وقد قال إلهكم لئن أطعتم لأرحمنكم ولئن كذبتم إن عقابى لعظيم ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لقومه :وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم والمراد وقد حكم إلهكم لئن أطعتم الله لأرحمنكم أى أجعلكم تفوزون مصداق لقوله بسورة الأحزاب"ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما"ولئن كفرتم إن عذابى لشديد أى ولئن عصيتم الله إن عقابى لكم عظيم وهو النار مصداق لقول بسورة الجن"ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم".
"وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن فى الأرض جميعا فإن الله لغنى حميد"المعنى وقال موسى (ص)إن تعصوا أنتم ومن فى البلاد كلهم فإن الله لرزاق شاكر ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لهم :إن تكفروا أى تعصوا حكم الله أنتم ومن فى الأرض وهى البلاد جميعا فإن الله لغنى حميد أى لمستكفى شاكر من يطيع حكمه وهذا يعنى أن موسى (ص)يقول لهم إن الله مستكفى لا تغنيه عبادتهم له ولا يفقره تكذيبهم له .
"ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم فى أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب "المعنى هل لم يبلغكم خبر الذين من قبلكم شعب نوح(ص)وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعرفهم إلا الله أتتهم مبعوثوهم بالآيات فجعلوا نياتهم على ألسنتهم وقالوا إنا كذبنا بما بعثتم به وإنا لفى تكذيب للذى تقولون لنا عظيم ،يسأل الله الناس :ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم والمراد هل لم تبلغكم قصص الذين من قبلكم قوم أى شعب نوح(ص)وعاد وثمود والذين من بعد وفاتهم لا يعلمهم أى لا يعرفهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات أى أتتهم مبعوثوهم بالآيات المعجزة والوحى فكانت النتيجة أن ردوا أيديهم فى أفواههم والمراد جعلوا نياتهم على ألسنتهم والمراد أظهروا الذى فى قلوبهم بكلماتهم فقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به والمراد إنا كذبنا بالذى بعثتم به وهو حكم الله ومعجزاته وإنا لفى شك مما تدعوننا إليه مريب والمراد وإنا لفى كفر بالذى تطالبوننا بطاعته عظيم وهذا يعنى أنهم أعلنوا كفرهم للرسل(ص).
"قالت رسلهم أفى الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين "المعنى قالت مبعوثوهم أبدين الله باطل خالق السموات والأرض يناديكم ليعفو عن خطاياكم ويبقيكم إلى موعد محدد قالوا إن أنتم إلا ناس شبهنا تحبون أن تردونا عن الذى كان يطيع آباؤنا فجيئونا بدليل واضح ،يبين الله لنبيه(ص)أن الرسل(ص)قالت للأقوام أفى الله شك والمراد أبدين الله باطل ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن دين الله ليس به باطل أى ظلم أى كذب فهو فاطر السموات والأرض أى "خالق كل شىء "مصداق لقوله بسورة الرعد ،يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم أى يناديكم ليترك عقابكم على سيئاتكم وهذا يعنى أن الله يريد أن يطهرهم ليدخلهم الجنة مصداق لقوله بسورة البقرة "والله يدعوا للجنة والمغفرة "ويؤخركم إلى أجل مسمى والمراد ويبقيكم حتى موعد محدد وهذا يعنى أنه يبقى على حياتهم الدنيا حتى موعد موتهم فقالت الأقوام إن أنتم إلا بشر مثلنا أى إن أنتم إلا ناس شبهنا وهذا يعنى أنهم لا يتميزون عنهم بشىء حتى يطلبوا منهم عبادة الله وقالوا :تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا والمراد تحبون أن تبعدونا عن الذى كان يطيع آباؤنا وهذا يعنى أن هدف الرسل(ص)فى رأى الكفار هو إبعادهم عن دين الأباء وقالوا فأتونا بسلطان مبين أى فجيئونا ببرهان واضح وهذا يعنى أنهم يطلبون من الرسل(ص)إحضار معجزة ليثبتوا صدق رسوليتهم والخطاب وما بعده للناس حتى نهاية قصة القوم.
"قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن تأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ومالنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما أذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون "المعنى قالت لهم مبعوثوهم إن نحن إلا ناس شبهكم ولكن يتفضل الله على من يريد من خلقه وما كان لنا أن نجيئكم بمعجزة إلا بأمر الله وبطاعة الله فليحتمى المحتمون وما لنا ألا نحتمى بطاعة الله وقد عرفنا أحكامنا ولنطيعن الله رغم ما أضررتمونا وبطاعة الله فليحتمى المحتمون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الرسل وهم الأنبياء(ص)قالوا للأقوام إن نحن إلا بشر مثلكم والمراد نحن ناس شبهكم وهذا يعنى إقرارهم ببشريتهم وأنهم لا يتميزون عنهم ،وقالوا ولكن الله يمن على من يشاء من عباده أى ولكن الله يتفضل على من يريد وهذا يعنى أنهم يقولون أن الله هو الذى ميزهم عن غيرهم من البشر برسالتهم ولم يميزوا هم أنفسهم وقالوا وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله والمراد ما كان لنا أن نحضر لكم معجزة إلا بأمر الله وهذا يعنى أن الرسل(ص)يقرون أنهم لا يقدرون على الإتيان بالمعجزات إلا بعد أن يريد الله ،وقالوا وعلى الله فليتوكل المؤمنون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المصدقون وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا والمراد وما لنا ألا نحتمى بطاعة حكم الله من عذابه وقد علمنا أحكامنا وهذا يعنى أن الله ما دام قد هداهم أى علمهم أحكامه فقد وجب عليهم طاعتها وقالوا ولنصبرن على ما أذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون والمراد ولنتبعن حكم الله رغم ما أضررتمونا وبطاعة حكم الله فليحتمى المحتمون ،وهذا يعنى أنهم سيطيعون حكم الله برغم الضرر الذى يصيبهم الكفار به وفسروا هذا بأنهم يتوكلون على الله أى يحتمون بطاعة حكم الله من كل أذى .
"وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكنكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامى وخاف وعيد"المعنى وقال الذين كذبوا لأنبيائهم لنطردنكم من بلادنا أو لترجعن إلى ديننا فألقى لهم خالقهم لندمرن الكافرين ولنعطينكم البلاد من بعد دمارهم ذلك لمن خشى عقابى أى خشى عذابى ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله قالوا لرسلهم وهم مبعوثى الله :لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن فى ملتنا أى لنطردنكم من بلادنا أو لترجعن إلى ديننا وهذا يعنى أنهم خيروهم بين الطرد من البلاد وبين العودة إلى الكفر فأوحى إليهم ربهم والمراد فألقى إلى الرسل(ص)خالقهم الوحى التالى لنهلكن الظالمين والمراد لندمرن الكافرين وهذا يعنى أنه سيميتهم ،ولنسكننكم الأرض من بعدهم والمراد ولنعطينكم البلاد من بعد دمارهم وهذا يعنى أنه يعطيهم وراثة الأرض مصداق لقوله بسورة الأنبياء"إن الأرض يرثها عبادى الصالحون " ذلك وهو الوراثة لمن خاف مقامى أى خاف وعيد والمراد من خشى عذاب الله مصداق لقوله بسورة هود"لمن خاف عذاب الآخرة ".
"واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان بميت ومن ورائه عذاب غليظ "المعنى واستعجلوا وخسر كل متكبر عاصى من خلفه النار ويروى من سائل كريه يشربه ولا يكاد يقبله ويجيئه الألم من كل مكان وما هو بمستريح ومن خلفه عقاب شديد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار استفتحوا والمراد استعجلوا العذاب وخاب كل جبار عنيد والمراد خسر كل متكبر مخالف لوحى الله من ورائه جهنم والمراد ومن خلف عذاب الدنيا للكافر عذابا دائما هو عذاب النار ويبين له أن الكافر يسقى من ماء صديد أى يروى من سائل كريه هو الغساق وهو يتجرعه أى يشربه على دفعات ولا يكاد يسيغه والمراد ولا يهم يقبله وهذا يعنى أن طعم هذا الماء كريه غير مقبول أبدا والكافر يأتيه الموت من كل مكان فى جهنم والمراد تجيئه أسباب الهلاك من كل جهة فتؤلمه ومع ذلك فليس بميت أى بمستريح من هذا الألم ومن وراء العذاب أى من بعد العقاب عذاب غليظ أى عقاب مؤلم آخر وهذا يعنى العذاب فى النار مستمر لا ينتهى والخطاب وما بعده ومابعده للنبى(ص) .
"مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شىء ذلك هو الضلال البعيد"المعنى شبه الذين كذبوا بخالقهم أفعالهم كتراب أطاحت به الرياح فى يوم شديد لا يستطيعون مما عملوا على أمر ذلك هو التيه العظيم ،يبين الله لللنبى(ص) أن مثل أعمال الذين كفروا بربهم والمراد أن شبه أفعال الذين كذبوا بحكم خالقهم هو رماد اشتدت به الريح فى يوم عاصف أى تراب أطاح به الهواء فى يوم كثير الهواء المتحرك ووجه الشبه هو الأعمال هى الرماد واشتداد الريح بالرماد فى يوم عاصف معناه ضياع التراب فى كل جهة وكذلك أعمال الكافر ضاعت فى كل شهوة من الشهوات التى هى آلهته التى يعبدها ولذا فهى هباء منثور ،من أجل ذلك لا يقدرون مما كسبوا على شىء والمراد لا يستطيعون من الذى عملوا على أمر وهذا يعنى أنهم لا يستطيعون عمل أى إنقاذ لهم بسبب ما صنعوا من السيئات ويبين الله لنا أن ذلك وهو العمل الكفرى هو الضلال البعيد أى الكفر العظيم .
"ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز "المعنى هل لم تعلم أن الله أنشأ السموات والأرض للعدل إن يرد يميتكم ويجىء بناس آخرين وما ذلك على الله بممتنع ،يسأل الله نبيه(ص)ألم تر أن الله خلق السموات والأرض بالحق والمراد ألم تعرف أن الله أنشأ السموات والأرض للعدل ؟والغرض من السؤال هو إخبار كل إنسان أن سبب خلق السموات والأرض هو إقامة الحق وهو العدل فيها ،ويبين للناس إن يشأ يذهبكم والمراد إن يرد الله يفنيكم ويأت بخلق آخرين والمراد ويستخلف ناس آخرين مصداق لقوله بسورة الأنعام"ويستخلف من بعدكم ما يشاء"ويبين أن ذلك وهو الذهاب أى التدمير والإتيان بخلق جديد ليس على الله بعزيز أى ليس بممتنع وإنما يسير مصداق لقوله بسورة التغابن"ذلك على الله يسير "والقول حتى بالحق خطاب للنبى (ص)محذوف بعضه وما بعده للناس محذوف بعضه والخطاب فى القول التالى وما بعده وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص) .
"وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شىء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص "المعنى وظهروا لله كلهم فقال الصغار للذين استعظموا إنا كنا لكم طائعين فهل أنتم متحملون عنا من عقاب الله من بعض قالوا لو أرشدنا الله لأرشدناكم سيان عندنا أفزعنا أم احتملنا ما لنا من منقذ،يبين الله للنبى(ص) أن الكفار برزوا لله جميعا والمراد اداركوا أى دخلوا النار كلهم فقال الضعفاء وهم الصغار أى الأتباع للذين استكبروا وهم الذين استعظموا وهم السادة :إنا كنا لكم تبعا أى طائعين لحكمكم فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شىء والمراد فهل أنتم متحملون عنا نصيبا من نار الله من بعض مصداق لقوله بسورة غافر"فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار"وهذا يعنى أنهم يطلبون من السادة أن يتحملوا بعض العذاب عنهم كما أنهم أطاعوهم فى الدنيا ،فرد المستكبرون :لو هدانا الله لهديناكم والمراد لو أرشدنا الله لأرشدناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص والمراد سيان لدينا أفزعنا أم تحملنا ما لنا من مهرب وهذا يعنى أنهم كانوا سيعلمون الصغار الحق لو علمهم الله كما يعنى أن الجزع وهو الفزع وهو الصراخ والبكاء والخوف من العذاب يتساوى عندهم بتحمل العذاب فليس هناك محيص أى مهرب أى منقذ من العذاب .
"وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم إنى كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم "المعنى وقال الكافر لما انتهى الحكم إن الله أخبركم خبر الصدق وأخبرتكم فنقضتكم وما كان لى عليكم من سلطة إلا أن ناديتكم فلا تعاتبونى وعاتبوا أنفسكم ما أنا بمنقذكم وما أنتم بمنقذى إنى كذبت بما ألهتمونى من قبل إن الكافرين لهم عقاب شديد ،يبين الله للنبى(ص) أن الشيطان وهو الكافر أى الشهوة وهى الهوى الضال فى الكفار قال لما قضى الأمر والمراد لما انتهى الحكم وهو حكم الله فى الناس يوم القيامة :إن الله وعدكم وعد الحق والمراد إن الرب أخبركم خبر الصدق مصداق لقوله بسورة الأحقاف"وعد الصدق"وهذا يعنى أن الله صدقهم الوعد ،وقال ووعدتكم فأخلفتكم والمراد وأخبرتكم فنكثت قولى وهذا اعتراف منه بأن الله وحيه حق وأن قول الشيطان كذب باطل ،وقال وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى والمراد وليس لى عليكم من قوة إلا أن وسوست لكم فأطعتمونى وهذا يعنى أن كل سلطة الشيطان وهو الهوى الضال على الناس هى الدعوة أى الوسوسة فقط وكانت نتيجة الوسوسة هى الاستجابة وهى طاعة الهوى الضال،وقال :فلا تلومونى ولوموا أنفسكم والمراد فلا تعاتبونى وعاتبوا أنفسكم وهذا يعنى أن الهوى الضال ينهاهم عن معاتبته وإلقاء المسئولية عليه ويأمرهم أن يعاتبوا أنفسهم أى يلقوا بالمسئولية على أنفسهم المستجيبة له ،وقال ما أنا بمصرخكم والمراد ما أنا بمنقذكم وما أنتم بمصرخى أى منقذى وهذا يعنى أنه لا ينفعهم ولا هم ينفعونه عند الله ،إنى كفرت بما أشركتمون من قبل والمراد إنى كذبت بالذى أطعتمونى فى الدنيا وهذا يعنى أنه يكذبهم فى أنهم عبدوه ،إن الظالمين وهم الكفار لهم عذاب أليم أى عقاب مذل مهين مصداق لقوله بسورة البقرة "وللكافرين عذاب مهين ".
"وأدخل الذين أمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام "المعنى وأسكن الذين صدقوا وفعلوا الحسنات حدائق تسير من أسفل أرضها العيون مقيمين فيها بأمر خالقهم قولهم فيها خير ،يبين الله للنبى(ص) أن الله أدخل والمراد أسكن الذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد أسكنهم حدائق تسير فى أسفل أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة وهم خالدين فيها أى "ماكثين فيها "كما قال بسورة الكهف والمراد مقيمين فيها دوما بإذن ربهم وهو حكم إلههم ،وتحيتهم فيها سلام والمراد وقولهم فى الجنات هو خير وهذا يعنى أن كلامهم فى الجنة هو الحق وليس اللغو مصداق لقوله بسورة الواقعة "لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ".
"ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون "المعنى ألم تعلم كيف قال الله تشبيها كلمة نافعة كنبتة نافعة جذرها دائم وغصنها فى الجو تحضر ثمرها كل موسم بأمر خالقها ويقول الله الأشباه للبشر لعلهم يتفهمون ،يسأل الله رسوله(ص)ألم تر كيف ضرب الله مثلا أى هل لم تعلم كيف قال الله تشبيها هو كلمة طيبة كشجرة طيبة والمراد حديث نافع كنبات نافع أصلها ثابت أى جذرها باق وفرعها فى السماء أى وغصونها فى الجو ،تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها والمراد تثمر ثمرها كل موسم بأمر خالقها ؟والغرض من السؤال هو إخبار الرسول(ص)والناس أن الكلمة الطيبة وهى وحى الله تشبه الشجرة الطيبة فى أن أصلها وهو جذرها ثابت أى دائم لا يموت وغصونها فى السماء والمراد أن الوحى فروعه وهى الأعمال ترفع للسماء كالأغصان والشجرة كما تثمر الثمر فى كل موسم فإن العمل بالوحى يثمر ثماره مرتين مرة فى الدنيا ومرة فى القيامة ،ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون أى ويقول الله التشبيهات للخلق والسبب فى قول التشبيهات أن يعقلوا فيفهموا المطلوب منهم وهو طاعة وحى الله فيطيعوا الوحى والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للكفار.
"ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار "المعنى وشبه حديث باطل كنبات ضار اقتلع من على الأرض ليس لها ثبات ،يبين الله لنبيه(ص)أن الكلمة الخبيثة وهى الكلام الباطل يشبه الشجرة الخبيثة وهى النبات الضار الذى اجتث من فوق الأرض أى الذى اقتلع من على الأرض ما لها من قرار أى ثبات أى دوام ،والتشابه هو الكلمة الخبيثة هى الشجرة الخبيثة والإقتلاع من على الأرض يشبه أن أديان الباطل مأخوذة من كل قولة على الأرض قيلت من أى إنسان وكما أن الشجرة ليس لها قرار أى دوام فإن أديان الباطل متغيرة هالكة .
"يثبت الله الذين أمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الأخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء"المعنى يثيب الله الذين صدقوا بالقول الدائم فى المعيشة الأولى وفى القيامة ويعذب الله الكافرين ويصنع الله الذى يريد ،يبين الله للنبى (ص)أن الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله يثبتهم أى يرحمهم الله بالتالى :القول الثابت والمراد يشكرهم على طاعتهم للحديث الدائم وهو الوحى المنزل مصداق لقوله بسورة النحل"قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين أمنوا" وهذا الشكر يكون فى الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى وفى الأخرة وهى القيامة ،ويبين له أنه يضل الله الظالمين أى يعذب الله الكافرين مصداق لقوله بسورة الفتح"يعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات "ويبين له أنه يفعل ما يشاء أى "إن الله يحكم ما يريد"كما قال بسورة المائدة والمراد أنه يصنع الذى يحب والخطاب وما بعده وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار "المعنى هل لم تعلم بالذين غيروا منحة الله كذبا وأدخلوا ناسهم سجن الخسران النار يذوقونها وقبح المقام ،يسأل الله رسوله(ص)ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله والمراد هل لم تعرف بالذين تركوا حكم الله وأحلوا قومهم دار البوار والمراد وأدخلوا شعبهم مكان العذاب جهنم وهى النار يصلونها أى يذوقونها وبئس القرار أى وقبح المهاد مصداق لقوله بسورة آل عمران "وبئس المهاد"والغرض من السؤال هو إخبار الرسول (ص)وكل مسلم أن الكفار تركوا طاعة نعمة أى حكم الله وعملوا بالكفر وهو الباطل فكان عقابهم هو دخولهم مع أهلهم النار حيث العذاب المستمر .
"وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار"المعنى واخترعوا لله شركاء ليبعدوا عن دينه قل تلذذوا فإن مرجعكم إلى جهنم ،يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار جعلوا لله أندادا والمراد اختلقوا لله شركاء مصداق لقوله بسورة الرعد "وجعلوا لله شركاء"وهذا يعنى أنهم اخترعوا من خيالهم شركاء لله والسبب أن يضلوا عن سبيله أى يبعدوا عن دينه وهذا يعنى أنهم يعصون حكم الله ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول تمتعوا فإن مصيركم إلى النار أى تلذذوا بمتاع الدنيا فإن مرجعكم إلى الجحيم مصداق لقوله بسورة الصافات "ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ".
"قل لعبادى الذين أمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتى يوم لا بيع فيه ولا خلال"المعنى قل لخلقى الذين صدقوا يطيعوا الدين أى يعملوا بالذى أوحينا لهم خفاء وظهورا من قبل أن يحضر يوم لا فدية فيه ولا صداقة ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لعباده الذين أمنوا وهم خلقه الذين صدقوا بالوحى :أقيموا الصلاة أى أطيعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى"أن أقيموا الدين "وفسر هذا فقال وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية والمراد ويعملوا بالذى ألقينا لهم خفاء وظهورا وهذا يعنى أن المؤمنين يطيعون الوحى فى الخفاء والظهور من قبل أن يأتى أى يحضر يوم لا بيع أى شراء فيه والمراد لا أحد يستطيع أن يدفع مقابل لإخراجه من النار ولا خلال أى صداقة فلا صديق يفيد صديق الكافر بكلامه والخطاب للنبى ومنه للمؤمنين.
"الله الذى خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وأتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار "المعنى الله الذى أنشأ السموات والأرض وأسقط من السحاب مطرا فأنبت من الأنواع نفعا لكم وهىء لكم السفن لتسير فى الماء بإذنه وهىء الشمس والقمر مستمرين وهىء لكم الليل والنهار وأعطاكم من كل الذى طلبتموه وإن تحسبوا منح الله لا تقدروها إن الإنسان لمجرم فاسق،يبين الله للناس أن الله الذى سخر أى أنشأ أى "فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام ويبين لهم أنه أنزل من السماء ماء والمراد أسقط من السحاب مطرا فأخرج به من الثمرات رزقا لكم والمراد فأنبت به من الأنواع نفعا لكم وهذا يعنى أن الماء سبب خروج المنافع من الأرض ،ويبين لهم أنه سخر لهم الفلك لتجرى فى البحر بأمره والمراد أنه هيء لهم السفن لتتحرك فى الماء بنعمة الله وهى الرياح وغيره من المحركات مصداق لقوله بسورة لقمان"ألم تر أن الفلك تجرى فى البحر بنعمة الله" ويبين لهم أنه سخر أى خلق لهم الشمس والقمر دائبين أى مستمرين فى الحركة حتى موعد محدد مصداق لقوله بسورة الروم"وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى "،ويبين لهم أنه أتاهم من كل ما سألوه والمراد أنه أعطاهم من كل ما طلبوه وهذا يعنى أنه لم يعطهم كل شىء وإنما أعطاهم بعض مما طلبوه ،ويبين لهم إن يعدوا نعمة الله لا يحصوها والمراد إن يحسبوا منح الله لهم لا يحسبوها والمراد لا يقدروا على حسابها من كثرتها ،ويبين لهم أن الإنسان لظلوم كفار أى مكذب مخالف لحكم الله والخطاب للناس.
"وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد أمنا واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم "المعنى ولقد قال إبراهيم (ص)إلهى اجعل هذه القرية مطمئنة وامنعنى وأولادى أن نطيع الأوثان إلهى إنهن أبعدن كثيرا من البشر فمن أطاعنى فإنه منى ومن خالفنى فإنك عفو نافع ،يبين الله لنبيه (ص)أن إبراهيم (ص)قال أى دعا الله :رب اجعل هذا البلد أمنا أى إلهى اجعل هذه القرية مطمئنة وهذا يعنى أنه دعا لمكة أن تكون قرية هادئة مطمئنة ،وقال واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام والمراد وامنعنى وأولادى أن نتبع الأوثان وهذا يعنى أن إبراهيم(ص)طلب من الله أن يمنعه وأولاده من اتباع أديان الشياطين ،وقال رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعنى فهو منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم والمراد إلهى إنهن أبعدن كثيرا من الخلق فمن أطاعنى فهو على دينى ومن خالفنى فإنك عفو نافع،يبين إبراهيم (ص)لله أن الكفار وهى الأصنام أى أهواء الناس الضال وهى الشهوات أضلوا كثيرا من الناس والمراد أبعدوا كثيرا من الخلق عن دينك فمن تبعنى أى أطاعى الحكم المنزل على فإنه منى والمراد على دينى ومن خالف الحكم المنزل على فإنك عفو نافع لهم وهذا يعنى أنه يطلب لهم الرحمة وهو خطأ منه لأن الله لا يعفو عن من مات كافرا والخطاب وما بعده من القصة للنبى(ص)ومنه للناس.
"ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون "المعنى إلهنا إنى أقمت من عيالى بمكان غير صاحب نبات عند مسجدك المحرم إلهنا ليطيعوا الدين فاجعل قلوب من البشر تميل لهم وأعطهم من المنافع وامنحهم من المنافع لعلهم يطيعون ،يبين الله لنبيه(ص)أن إبراهيم (ص)قال ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم والمراد إلهنا إنى جعلت من أولادى فى مكان غير ذى نبات لدى مسجدك العتيق وهذا يعنى أنه جعل إسماعيل(ص)يقيم فى مكة التى لم يكن فيها أى زرع فى ذلك الوقت ،وقال ربنا ليقيموا الصلاة والمراد إلهنا ليتبعوا الدين وهذا يعنى أن سبب جعلهم يقيمون هناك هو أن يطيعوا حكم الله ويقول فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم والمراد فاجعل نفوس من الخلق تميل لهم وهذا يعنى أنه يطلب منه أن يخلق فى نفوس البشر ميل للحج فى مكة وقال وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون والمراد وأعطهم من المنافع لعلهم يطيعون حكمك وهذا يعنى أنه يطلب منه أن يعطى عياله المنافع المتعددة حتى يتبعوا حكم الله .
"ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن وما يخفى على الله من شىء فى الأرض ولا فى السماء الحمد لله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربى لسميع الدعاء"المعنى إلهنا إنك تعرف الذى نكتم والذى نظهر وما يغيب عن الله من أمر فى السماء ولا فى الأرض الطاعة لله الذى أعطانى فى العجز إسماعيل (ص)وإسحاق(ص)إن إلهى لمجيب النداء،يبين الله لنبيه(ص)أن إبراهيم (ص)قال ربنا أى إلهنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن والمراد إنك تعرف الذى نسر والذى نظهر وهذا إقرار بمعرفته لكل أمر وفسر هذا بقوله وما يخفى على الله من شىء والمراد ولا يغيب عن علم الله من أمر فى السموات والأرض ،الحمد لله والمراد الطاعة لحكم الله الذى وهب لى على الكبر والمراد الذى أعطانى على العجز إسماعيل (ص)وإسحاق(ص)وهذا إقرار منه أنه كان عاجزا عن الإنجاب لكبره ،إن ربى لسميع الدعاء أى إن إلهى لمجيب النداء وهذا يعنى أنه طلب من الله أن يعطيه أولاد من قبل فاستجاب الله لطلبه .
"رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب "المعنى إلهى أبقنى مطيع الدين ومن أولادى إلهنا واستجب ندائى إلهنا اعفو عنى وعن أبى وللمصدقين يوم يحدث الجزاء،يبين الله لنبيه (ص)أن إبراهيم (ص)قال رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى والمراد إلهنا أبقنى متبع الإسلام ومن نسلى وهذا يعنى أنه يطلب من الله أن يبقيه مطيع لأحكام الإسلام وكذلك نسله مطيع للإسلام مصداق لقوله بسورة البقرة "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك" ،ربنا وتقبل دعاء والمراد إلهنا واستجب ندائى وهو هنا يطلب من الله أن يحقق طلبه وهو بقاؤه مسلما هو وذريته وقال واغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب والمراد وارحمنى وأبى والمصدقين بى يوم يحدث الجزاء وهذا يعنى أنه يطلب الغفران وهو العفو أى ترك العذاب وهو الرحمة لنفسه ولوالده الذى وعده بالإستغفار له وللمؤمنين فى يوم يحدث البعث والجزاء.
"ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعى رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء"المعنى ولا تظنن الله غائبا عن الذى يصنع الكافرون إنما يبقيهم ليوم تقوم فيه الأشخاص مستجيبين مخفضى وجوههم لا يعود لهم نظرهم وكلماتهم سراب ،يبين الله لنبيه (ص)أن عليه ألا يحسب الله غافلا عما يعمل الظالمون والمراد ألا يظن الله غائبا عن الذى يفعل الكافرون وهذا يعنى أن الله عالم بكل شىء يفعلونه وسيحاسبهم عليه ،ويبين له أنه إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار والمراد إنما يبقيهم بلا عقاب حتى يوم تقوم فيه الناس مصداق لقوله بسورة المطففين "يوم يقوم الناس "وهم فى هذا اليوم مهطعين أى مستجيبين لدعاء وهو نداء الله للبعث وفى هذا قال بسورة الإسراء"يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده "وقوله بسورة القمر"مهطعين إلى الداع"وهم مقنعى رءوسهم أى خافضى وجوههم أى ذليلى النفوس مصداق لقوله بسورة المعارج"ترهقهم ذلة "وهم لا يرتد إليهم طرفهم والمراد لا يعود إليهم بصرهم وهو عقلهم ومن ثم فهم يحشرون عميا أى كفارا مصداق لقوله بسورة طه"ونحشرهم يوم القيامة عميا " وأفئدتهم هواء والمراد وكلماتهم أى ودعواتهم سراب والمراد لا أثر لها فى ذلك اليوم مصداق لقوله بسورة الرعد "وما دعاء الكافرين إلا فى ضلال "والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال "المعنى وأخبر الخلق يوم يجيئهم العقاب فيقول الذين كفروا إلهنا أرجعنا إلى موعد ثانى نطع دينك أى نطيع أنبيائك أو لم تكونوا حلفتم من قبل ما لكم من بعث وأقمتم فى بيوت الذين أهلكوا أنفسهم وظهر لكم كيف عاقبناهم وقلنا لكم الأحكام ،يطلب الله من نبيه (ص)أن ينذر الناس والمراد أن يبلغ الخلق أن يوم يأتيهم العذاب أى يوم يدخلون النار يقول الذين ظلموا أى كفروا بحكم الله ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل والمراد إلهنا أرجعنا إلى حياة ثانية نطع دينك أى نطع الأنبياء(ص) مصداق لقوله بسورة المؤمنون "رب ارجعون لعلى أعمل صالحا فى ما تركت" وهذا يعنى أنهم يطلبون من الله أن يعيدهم للدنيا مرة ثانية حتى يؤمنوا ويطيعوا حكم الله حتى يدخلوا الجنة فيقول الله لهم على لسان الملائكة أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال أى هل لم تكونوا حلفتم من قبل ما لكم من بعث مصداق لقوله بسورة النحل "وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " وهذا يعنى أن الكفار حلفوا أنهم لن يتغيروا بعد موتهم من تراب وفتات إلى أجسام حية بها نفوس مرة أخرى وقال وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم والمراد وأقمتم فى بيوت الذين خسروا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم أى وعرفتم كيف عاقبناهم وضربنا لكم الأمثال أى وقلنا لكم أحكام الله ؟وهذا يعنى أنهم سكنوا فى نفس مواضع سكن الكفار قبلهم وهم قد عرفوا مصير الكفار قبلهم كما عرفوا الأمثال وهى وحى الله ومع هذا لم يؤمنوا .
"وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال "المعنى وقد عملوا كيدهم ولدى الله عملهم وإن كان عملهم لتفنى منه الرواسى ، يبين الله لنبيه(ص)أن الكفار مكروا مكرهم أى عملوا كيدهم مصداق لقوله بسورة الطارق"إنهم يكيدون كيدا "وهذا يعنى أنهم عملوا أعمالهم فى الدنيا وعند الله مكرهم وهو طائرهم أى عملهم مصداق لقوله بسورة النمل"طائركم عند الله "وهذا يعنى أن الله سجل عملهم فى كتبهم ويبين أن مكرهم وهو عملهم السوء لتزول منه الجبال والمراد لتفنى منه الرواسى والمراد تتغير الجبال بسبب عملهم .
"فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار "المعنى فلا تظنن الله منكث قوله لأنبيائه (ص)إن الله قوى صاحب عذاب يوم تغير الأرض سوى الأرض والسموات وظهروا لله الأحد الغالب،يطلب الله من نبيه(ص)ألا يحسب الله مخلف وعده رسله والمراد ألا يظن الله ناقض قوله للأنبياء(ص)فى الوحى وهذا يعنى أن عليه أن يعتقد أن الله سيحقق قوله بعذاب الكفار ورحمة المؤمنين ،ويبين له أنه عزيز أى قوى أى قادر على تحقيق قوله وهو ذو انتقام أى "وذو عقاب أليم "كما قال بسورة فصلت وهذا يكون يوم تبدل أى تخلق الأرض غير الأرض والسموات وهذا يعنى أن الله يهدم السموات والأرض ويخلق سموات وأرض جديدة وفى ذلك اليوم يبرز الجميع لله أى يحشر الكل فى كون الله الجديد مصداق لقوله بسورة الكهف"وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا"وهو الواحد أى الأحد الذى لا شريك له القهار وهو الغالب على أمره ".
"وترى المجرمين يومئذ مقرنين فى الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار"المعنى وتشاهد الكافرين يومذاك مقيدين فى السلاسل ثيابهم من نار أى تصيب جلودهم النار ،يبين الله لنبيه(ص)أنه يوم القيامة يرى المجرمين مقرنين فى الأصفاد والمراد يشاهدهم مقيدين بالسلاسل وسرابيلهم من قطران والمراد وثيابهم من نار هى النحاس المذاب مصداق لقوله بسورة الحج"قطعت لهم ثياب من نار"وفسر هذا بأنه تغشى وجوههم النار والمراد تلفح جلودهم النار وهذا يعنى أن النار تصلى جلودهم مصداق لقوله بسورة النساء"سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"ليجزى الله كل نفس بما كسبت إن الله سريع الحساب "المعنى ليعطى الله كل فرد بما صنع إن الله شديد العقاب ،يبين الله لنبيه(ص)أنه يجزى كل نفس بما كسبت والمراد يوفى كل فرد جزاء ما عمل مصداق لقوله بسورة الزمر"ووفيت كل نفس ما عملت "وهذا يعنى أنه يدخل المسيئين النار والمحسنين الحسنى وهى الجنة وفى هذا قال بسورة النجم "ليجزى الذين أساءوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا الحسنى"والله سريع الحساب أى "سريع العقاب "كما قال بسورة الأنعام والمراد شديد العقاب للكافر شديد الرحمة بالمسلم.
"هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب "المعنى هذا بيان للخلق وليخبروا به وليعرفوا أنما هو رب واحد وليطع أهل العقول يبين الله لنبيه(ص)أن القرآن بلاغ للناس أى بيان للخلق كما قال بسورة آل عمران"هذا بيان للناس" لمعرفة الحق من الباطل والواجب عليه أن ينذروا به أى يبلغوا به وفسر هذا بأن يعلموا أى يعرفوا أنما هو إله واحد والمراد رب واحد لا إله معه ويبين له أن أولى الألباب وهم أصحاب العقول هم الذين يذكرون أى يتقون مصداق لقوله بسورة الحشر "فاتقوا الله يا أولى الألباب"والمراد يطيعوا حكم الله .