قال:
إن أخي أصابه مس من الشيطان ، وقد ذهبنا به إلي طبيب روحاني . فوصف له العلاج بالقرآن ، ونحن نعتقد في أن شفاءه قريب ..
قلت :
هذا كله خرافة يرفضها الإسلام ..
قال :
إن المس الشيطاني ذكره القرآن
قلت :
فعلا .. ولكن معناه مختلف عما يقوله أهل التخريف
قال :
كيف ؟
قلت :
إن معني المس الشيطاني في القرآن هو الاحتلال والغواية التي يؤديها الشيطان معنا نحن البشر ..
قال :
هذا معني جديد لم أسمعه من قبل ..
قلت :
هو المعني الذي يحويه السياق القرآني ..
قال :
إذن اذكر المواضع التي تؤيد هذا الرأي ..
قلت :
إن تعبير المس الشيطاني ورد في القرآن الكريم ثلاث مرات تفيد كلها الغواية والاضلال وليس ذلك المفهوم الخرافي الذي يعني إحداث المرض النفسي أو الجسدي ..
قال :
إن الدليل الذي نحتج به هو قوله تعالي عمن يأكل الربا :( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )(البقرة 275") فالذي يتخبطه الشيطان من المس يكون مجنونا أو مصابا في أعصابه ثم هناك دليل آخر ..
قلت :
دعنا مع هذه الآية أولا .. نتدبرها ثم نتوقف مع الآية الأخرى .. هذه الآية تصف ذلك المفتون بالمال وجمعه بالربا ، وهو يتخبط في الدنيا ليجمع أكبر قدر من أموال الناس ، ليس له أصدقاء دائمون وإنما مصالح دائمة ، لذلك فهو يتخبط في علاقاته ، ويصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم ، وذلك هو الاضلال الشيطاني الذي يحول الإنسان إلي مجنون بالمال ..
قال :
هذه صورة تقريبية لا بأس بها ، ولكن ما قولك في قوله تعالي عن النبي أيوب حين دعا ربه:( أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ)( ص41") هذا دليل قاطع لأن أيوب كان مريضا ، وهو يجعل لمس الشيطاني السبب في مرضه ..
قلت :
كان مرض أيوب سابقا لهذه الدعوة ، وحدث باستمرار مرضه أن تركته زوجته ، وهنا دور الشيطان في التفريق بين المرء وزوجه والإفساد بينهما ، وذلك هو كل ما يستطيعه الشيطان وإخوان السوء الذين يوقعون بالأصدقاء والأزواج ..
قال :
ذلك كلامك .. وهو استنتاج يحتاج إلي دليل من القرآن ..
قلت :
يقول تعالي في قصة أيوب " ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) ( الأنبياء 83 ـ ). أي أنه أصابه الضرر والمرض فدعا ربه ليشفيه ، فاستجاب له ربه وكشف عنه الضرر ، وأصلح الله مابينه وبين أهله ، والأهل في تعبير القرآن هم الزوجة .. والمعقول أن الإنسان قد يصبر علي المرض، ولكن لا يصبر المريض حين يوقع أهل السوء بينه وبين زوجته ، وحينئذ يشكو لربه قائلا : إن الشيطان قد مسه بالسوء .. لأن ذلك هو دور الشيطان ..
قال :
هذه كلها أدلة احتمالية والآيتان يمكن تطويع معناهما لرأيك ورأي غيرك .. أي أنها من المتشابهات ..
قلت :
والآيات المتشابهة كلها تؤدي في النهاية معني واحدا ..
قال :
هذا إذا جئت بها جميعا .. هنا يتحول الاحتمال إلي تأكيد ..
قلت :
الذي يؤكد أن معني المس الشيطاني هو مجرد الغواية والاضلال فقط قوله تعالي : (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ)(الأعراف 200 ـ ).فالله تعالي يأمر النبي بالإستعاذة بالله إذا نزغه الشيطان ، ثم تأتي الآية التالية توضح أن نزغ الشيطان هو المس الشيطاني فتقول إن المتقين إذا وسوس لهم الشيطان أو مسهم بالنزغ تذكروا الله واستعاذوا به من الشيطان فأبصروا طريقهم المستقيم ، أما إخوان الشيطان من البشر فقد استحوذ عليهم الشيطان يمد لهم في طريق الغواية إلي نهايته ..