مفهوم ( الارهاب ) فى القرآن الكريم

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٥ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

معنى الارهاب فى القرآن الكريم :

1 ـ على خلاف الشائع يأتى معنى الارهاب فى القرآن الكريم كأداة للاصلاح والسمو الخلقى وكسبيل لتحقيق السلام .

2 ـ مفهوم الارهاب ومشتقاته تأتى فى سياق الالتزام بالوصايا العشر التى جاءت فى الكتب السماوية ، والالتزام بكل أوامر الله جل وعلا التى تحض على العدل والاحسان وتنهى عن الفحشاء و المنكر والبغى ، وفى إطار التمسك بأنه لا اله إلا اله جل وعلا . وفى هذا السياق يأتى النصح و التحذير بأن نخاف و(نرهب ) الله جل وعلا ، وفى هذا الاطار نفهم قوله سبحانه وتعالى لبنى اسرائيل :(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) ( البقرة 40 ).وهم إن خافوا الله جل وعلا وشعروا بالرهبة منه أطاعوه وتمسكوا بحسن الخلق ، ولذلك فان الذين يرهبون الله جل وعلا هم الذين يتمسكون بكتابه و يلتزمون بأوامره ، وهذا ما جاء وصفا للمتقين من أصحاب موسى : (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ) ( الأعراف 154 )
وللبشر جميعا يقول الواحد القهار (وَقَالَ اللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) أى يجب على البشر الخشية من الله جل وعلا و الخوف من عقابه فلا ييتخذون معه الاها آخر .
ولآن الرهبة والتقوى مترادفان بمعنى الخوف فإن الآية التالية تقول تكمل الموضوع :( وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ ) ( النحل 51 : 52). أى فلله جل وعلا ملك السماوات والأرض ، واليه جل وعلا يرجع الأمر فى الدين ، فهو وحده الذى يحاسب الناس على عقائدهم وعباداتهم ومكنون أسرارهم ،أى له وحده الدين دائما ، واليه وحده الحكم بينهم فى اليوم الآخر الذى هو يوم الحساب ( الدينونة ) أو ( يوم الدين )، وبالتالى لا مجال للكهنوت الذى يزعم التوسط بين الله جل وعلا وبين الناس ، ويزعم انه يتحدث باسم الله أو يحكم باسم الله أو يشارك الله جل وعلا فى الحكم والأمر ، فلله جل وعلا وحده الخلق والأمر : ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) ( الأعراف 54 ).
فالخوف من الله جل وعلا يجمع مفهومى التقوى والارهاب ، والتقوى بمعنى الخوف جاءت فى قوله سبحانه وتعالى ( وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) ( آل عمران 130 : 131 ) أى نتقى الله تعالى و نتقى عذاب النار ،أو بمعنى آخر نرهب الله جل وعلا ونرهب عذاب النار.
والمؤمن الذى يرهب الله جل وعلا ويتحسب ليوم القيامة و ويشعر بالرهبة من عذاب الآخرة لا بد ان يلتزم فى حياته الدنيا حسن الخلق مع الناس وتأدية العبادات لله تعالى وحده و تنقية عقيدته من تقديس المخلوقات من البشر و الحجر . وهذا هو دور مفهوم الارهاب فى الاصلاح و السمو الخلقى بالناس .
وكان أنبياء الله جل وعلا أفضل الناس خلقا لأنهم كانوا أكثر الناس رهبة من الله وأكثر الناس طمعا فى رحمة الله ،وكانوا عليهم سلام الله يدعون الله ويرجون رهبة ورغبة ، يقول جل وعلا عن طائفة من أنبياء بنى اسرائيل : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) ( الأنبياء 90 ). أى بسبب ( الارهاب ) كانوا يسارعون فى عمل الخيرات ، ولولا أن النار تنتظر من يستحقها ويرهبها المؤمن ما التفت الى المسارعة فى الخير.
وتدور نصائح رب العزة والدعوة فى القرآن الكريم بين الانذار والتبشير ، او بالمصطلح التراثى ( الترغيب و الترهيب ) ، وبهما معا يسير المؤمن خطاه فى هذه الدنيا ، إذا لاحت له المعصية شعر بالرهبة من الله جل وعلا فأسرع باصلاح نفسه رهبة وخوفا من العذاب فى الدنيا والآخرة ،وإذا عمل عملا صالحا استبشر خيرا ورجا قبول هذا العمل ليدخل الجنة موقنا أن الله جل وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملا ،وأنه تعالى لا يخلف وعده أبدا.
أما المعتدى الباغى الطالم العاصى فلا يخشى الله جل وعلا ، ولا يرهبه ، لذا يظل سادرا فى عصيانه يظن أنه لن يموت ، وحين تأتيه ملائكة الموت عند الاحتضار يصرخ طالبا مهلة أخرى على أمل أن يصلح من شأنه ، ولكن عبثا ما يطلب ، يقول تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ َلعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ( المؤمنون 99 ك 100) ( وانفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المنافقون : 10 ، 11 )
3 ـ هذا المعتدى إن كان دولة متعدية باغية فلن تتورع عن الهجوم على جارتها إن كانت الجارة دولة ضعيفة ، لذا لابد لتلك الدولة الضعيفة أن تستعد بكل ما تستطيع من قوة ـ لا لتعتدى ولكن لتحمى حدودها من تلك الدولة الكافرة المتعدية الباغية المعتدية . والدولة الاسلامية الحقيقية لا تغتدى على أحد ، ولا تدخل فى حرب إلا مضطرة لتدافع عن نفسها ، وحتى تكون فى أمن وحتى يتحقق السلام وحتى تردع تلك الدولة المتعدية الطامعة فلا بد للدولة الاسلامية من أن تكون قوية على أتم استعداد للدفاع ، وبهذه القوة تؤسس السلام لأنها تردع و ( ترهب ) الدولة المعتدية فلا تفكر فى العدوان ن وبسياسة الردع هذه يتم حقن الدماء هنا وهناك ،ويتحقق السلام . من هنا نفهم أن مصطلح الارهاب أى الردع وتخويف العدو الباغى يعنى السلام ، ومن هنا أيضا نفهم قوله جل وعلا :(وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ ا للَّهِ وَعَدُوَّكُمْ و) فإن جنحت تلك الدولة المعتدية َللسلام ـ حتى لو تظاهرا وخداعا ـ فإن على الدولة الاسلامية قبول السلام ، توكلا على الله جل وعلا وأملا فى نصره وتأييده ، تقول الآية التالية ( وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) ( الأنفال 60 : 62)ز
أى إن الارهاب يعنى السمو الخلقى للافراد كما يعنى التمسك بالسلام بالنسبة للدول .
وهذا يتناقض مع الفهم الشائع لمصطلح تلارهاب فى عصرنا .
4 ـ لذلك نؤكد مرارا وتكرارا على ان نفهم القرآن الكريم وفق مصطلحاته هو ووفقا للغته العربية التى كان ينطق بها منذ 14 قرنا .
إذ بعد انتهاء القرآن الكريم نزولا وبعد موت خاتم المرسلين محمد عليهم جميعا السلام ـ دخل العرب فى الفتوحات ونشروا لغتهم العربية فأصبحت لغة عالمية استوعبت الكثير من الثقافات و الحضارات والألفاظ،
ثم انقسم العرب و المسلمون الى طوائف شتى ومذاهب متعددة ، فى العقائد و التشريعات والمذاهب الفقهية و العقلية و الفلسفية ، وأصبح لكل منها مصطلحاتها ومفاهيمها و لغتها الخاصة التى أضيفت للغة العربية ، ولا تزال تلك اللغة العربية تعيش بيننا كأقدم اللغات الحية ’ ولكن ليست هى تماما لغة القرآن الكريم التى كانت من 14 قرنا .
لذا نعيد التأكيد على فهم القرآن الكريم وفق لغة القرآن الكريم .
آخر السطر :
فى مشروع ( اصلاح التعليم المصرى ) الذى تبناه مركز ابن خلدون عام 1999 ، وتوليت فيه كتابة مقترحات بديلة لمادة التربية الدينية تعبر عن التسامح فى الاسلام ، كان طبيعيا توضيح المنهج فى فهم القرآن الكريم وفق مصطلحاته ، فقلت العبارة السابقة بعد الشرح : ( لذا نعيد التأكيد على فهم القرآن الكريم وفق لغة القرآن الكريم .). و هبّ أحد الشيوخ صارخا يتهمنى بأننى أقول إن القرآن الكريم نزل بلغة غير اللغة العربية .
يومها ضحكت ..ولا زلت ..فشر البلية ما يضحك .!!


 

اجمالي القراءات 51076