ردا على تساؤل أخى الاستاذ زهير قوطوش :

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠١ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


فى مقالته المنشورة بتاريخ أول ديسمبر2009 بعنوان ( تساؤلات من سورة المائدة ) تساءل أخى الأستاذ زهير قوطوش عن قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( المائدة 106 : 108 ) وقال (ما معنى ذوا عدل منكم؟ما معنى أو أخران من غيركم؟ ما معنى تحبوسوهما من بعد الصلاة؟ ما معنى فأخران يقومان مقامهما؟ ما معنى من الذين استحق عليهما الأوليان؟.
وأقول :
1 ـ الآيات الكريمة فى تشريع الوصية عند الموت .
والوصية نوعان :
1 ـ وصية بالنصح والهداية ودعوة الأبناء والأقارب للتمسك بالحق و الموت على دين الاسلام ، وهذا ما كان يفعله الأنبياء (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ( البقرة 132 : 133 ).
2 ـ وصية مالية تتعلق بالميراث . ومعروف أنّه قبل توزيع التركة على المستحقين من الورثة فلابد من :
· إعطاء الأقارب واليتامى والمساكين شيئا من التركة مع قول المعروف لهم دون منّ ودون أذى : (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ) ( النساء 8 ) .
· دفع الديون و تنفيذ الوصية ، وبعدها يمكن توزيع الميراث حسب المقرر فى كتاب الله جل وعلا ، وجاءفى سياق توزيع الميراث قوله جل وعلا (بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ )( مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ )( النساء 11: 12 ).
1. الملاحظ أن توزيع الميراث محدد بالنصف و الثلث والربع و الثمن، والسدس..الخ ، ولابدمن الالتزام بهذه النسب لأنها حدود الله جل وعلا وشرعه ، وقد قال رب العزةعمن يمنع صاحب ميراث من حقه (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) ( النساء13: 14).
2. وفى نفس الوقت فتوزيع الميراث لا يشمل كل الأقارب . لذلك تأتى الوصية لتعالج هذا الموضوع ولتعطى مرونة يوازن فيها الموصى قبل موته بين حال من سيرثه، ومن لا يرثه ، فقد يكون من الورثة من يستحق التفضيل ، وقد يكون من غيرالورثة من يستحق الاهتمام ، وهناك الوالدان أو واحد منهما ، ولهما أولأحدهما بعدموت الإبن أو البنت ـ الحق فى الميراث مع ثبوت الحق فى الوصيةالمالية.
3. والوصية المالية تتنوع أيضا حسب حال الموصّى عند الموت .
* هناك من يموت على فراشه بين أهله ، وفى هذه الحالة يقول جل وعلا : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( البقرة 180 : 182 ).أى إن الواجب على المؤمن المسلم أن يوصى قبل موته ليترك خيرا يضاف الى كتاب حسناته قبل أن يقفل نهائيا. وبينت الآيةالكريمة مستحقى الوصية، وحددت منهم الوالدين ـ إذا كانا أحياء ، أوأحدهما. وتركت بقية المستحقين بدون تعيين سوى أنهم من الأقربين ـ أى أقرب الأقارب ، وقد يكون أحدهما وارثا و قد لا يكون .
ولم تحدد الأية الكريمة المقدار الموصّى به مما سيكون تركة وميراثا ، وتركت هذا التحديد مسئولية الموصّى ، مكتفية بأن يكون هذا التحديد بالمعروف ، أى بالمتعارف على أنه عدل وحق طبقا لحال المستفيد بالوصية ، مع الاشارة الى التقوى ليكون الموصى متقيالله جل وعلا و هويوصى بالخيرقبل الموت .
وقد يوصى المؤمن متحريا المعروف والعدل والتقوى ويموت ، ولكن يحدث تغير أوتحريف للوصية. هنايكون الاثم على ذلك الذى غيّر وبدّل ، وليس على من مات متحريا فى وصيته بالعدل و المعروف.
وقد يكون الموصى نفسه غير أمين ، فيوصى بالظلم والاحجاف والغبن ، وهنا تتدخل السلطة فى الاصلاح و التعديل .
· النوع الاخر من الوصية المالية هى الوصية فى السفر وعند المطاردة والقتال ، أوبالتعبير القرآنى ( الضرب فى الأرض ) بمعنى السفرالمرتبط بالمشقة والتعب والنضال والكفاح والجهاد . وفيه يكون إحتمال الموت والقتل واردا .أى يكون أحدهم فى كامل صحته و لكن يتعرض للقتل أو الموت المفاجىء . وهنايأتى تشريع الوصية قبل الموت فى تلك الحال الطارئة .
المشرف على الموت هنا فى سفر بعيد عن أهله ولكن معه صحبة من الناس ، منهم من يعرفه ويعرف صلاحه وعدله وتقواه ، ومنهم من لا يعرفه ،أى من الغرباء ولكن جمعهم الطريق .
يجب على الموصّى أن يختار من بين من يعرفهم إثنين يظهر على حالهما أنهما الأكثر عدلا ، ليكونا شاهدين أساسيين ويختار أيضا من بين الناس الآخرين ( الأجانب ) إثنين آخرين يسمعان الوصية مع الاثنين المعروفين له ليكونا شاهدين على الشاهدين الأساسيين ، أو شاهدين إحتياطيين ، يقول لهم وصيته ، وعلي الشاهدين الأساسيين الذهاب بتلك الشهادةالى ولاة الأمور فى بلدة المتوفى .
يقوم ولاة الأمر باستقبال الشاهدين الأساسيين واستضافتهما ، ثم بعد أداء الصلاة ، وفى حضورالناس ـ يقسم الشاهدان على صحة شهادتهما ، يقولان فى صيغة محددة ( لا نشترى بعهد الله ثمنا قليلا ، ولا نحابى شخصا ذاقربى ، ولا نكتم شهادة الله ، إنا إذن من الآثمين ) ويقولان الوصية التى سمعاها من المتوفى فى غربته وسفره .
إذا تمتع الشاهدان بالثقةوالتصديق فليست هناك حاجة الى هذا القسم .
إذا تبين كذب هذين الشاهدين يتم استدعاء الشاهدين الأجنبيين الغريبين(الاحتياطيين ) ، فإذا تبين أن لهما شهادة مخالفة ، فيشهدان بها ، ويقسمان علنا ويقولان (لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) .
وجودالشاهدين الآخرين ضرورى لكى يقوم الشاهدان الأوليان بنقل الشهادة صحيحة .
هذا معنى قوله جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( المائدة 106 : 108 )
هذا بالطبع لوتيسر وجود هؤلاءالشهود .إن لم يتيسر فليس هذا التشريع واردا .
والله جل وعلا هوالأعلم .

 

اجمالي القراءات 15930