قصة حب
الدانوب الأزرق.

زهير قوطرش في السبت ٢٨ - نوفمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بمناسة حلول عيد الأضحى  أعاده الله علينا ونحن أكثر تسامحاً وحباً,أحببت أن أهدي لأخواتي وأخوتي ,بعيداً عن السياسة ,والألم ....قليلاً من الأدب ,وقليلاً من الحب

 
نهر الدانوب:
 
كما أنه لكل عظيم امرأة ,ولكل ثورة قائد ,أيضاً لكل حالة عشق شاطئ بحر ,أو ضفة نهر أو بحيرة .
الدانوب , هو قصة عشقي الأول والأخير .هو بيت أسراري الجميلة .نهر بهذا الجمال يجتاز القارة الأوربية من غربها الى الى شرقها ,حاملاً مع حركة أمواجه البطيئة ألف قصة عشق وحب بكل ما فيها من سعادة وألم,ليقذفها الى جوف البحر الأسود, لتختلط مع ملايين من القصص الغرامية ,مُشكلة معاً على سطح أمواجه حكايات حب لا تنتهي.
كم ألف الشعراء معلقات في زرقتك .وكم ألف الكتاب مؤلفات  في وصف جمالك ,وكم وضع الملحنون مقطوعات موسيقية خالدة اقتبسوا عنوانها من زرقة لونك (الدانوب الأزرق).حيث تموجت ذاتهم في ذاتك أيها النهر العظيم.
نهر الدانوب مثله مثل كل الأنهار ,خاطبته اللغات, وكأنه كائن مخاطب.ضفافه وعمقه المائي كلها صفحات كُتب عليها أحاديث المناجاة ....وعمق الصمت.
 الجلوس الى ضفتيه , يعمق في الإنسان مساحة الحرية والاتساع,يفتح أمام الإنسان كل الخيارات , ويعطيه المدى ,ليسترجع كل الذكريات التي سُجنت في اللاوعي,قد يضحك ,وقد يبكي ,أو قد يصمت ليتوحد معه في انسيابه وحركته التي لا تتوقف.
للدانوب الأزرق تسابيح مثله مثل كل المخلوقات الأرضية,ولكن لا يفهم تسبحيها إلا العشاق والمحبين.
من لغة عشق الشرق أتيت إليك أيها النهر الساحر .حملت معي كل حكايا  الحب ,ومفردات العشق والغرام ,التي حكيتها الى حبيبتي وعشقي الأول والأخير, فانبهرت بمعانيها الجميلة ,وخافت أن أكون بائعاً للهوى كعادة الشرقي .فَكنت أنت الشاهد على صدق مشاعري .وكنت أنت المستشار لحبنا وعشقنا.
وكنت أيها الدانوب محراب العشق الذي كنت أصلي إليه مع حبيبتي كلما هاجت بنا الأشواق , كنا نهرب إليك ,لنحكي لك بصمت قصة حب قد بدأت تُرسم على أمواجك ,نسألك ونحن ننظر إليك بعيون ملؤها الأمل, نسألك هل قصة حبنا ستخلد على أمواجك كأجمل قصة حب عرفتها البشرية؟ كنا نسمع تسابيحك ومباركتك لنا ,و كنا نفهم كل لغات العشق التي كنت تتقنها ,نستلهم منها المفردات الجميلة التي روت حديقة حبنا الغض..
وكم خانتنا الكلمات عندما كنا نجلس أنا وحبيبتي على صخرة قبعت على ضفتك التي فصلت الغابة عن الماء.و كم كنت منقذنا وملهمنا بعد صمتنا الطقوسي ,وتأملنا للونك وعمقك ,وسحرك ومداك ,عندها كانت تتدافع المعاني الرائعة من قلبينا ,وكأننا كنا نقرأها كلمة ,كلمة , سطرت  على أمواجك المتهادية .وبدون شعور كنا نتعانق ,وتأخذنا القبلات التي كانت تنسينا وجودنا المادي ,لنتحول الى عالم الروح ,نسبح على زرقتك ,كنت تحملنا أيها الدانوب ,ليطول بنا العناق ,وتطول بنا القبلات ,حتى نسمع صفارة زورق أو باخرة تحمل أثقالها على سطحك الممتد.فنعود من جديد الى عالم المادة ,لنودعك عل أمل اللقاء القريب.
كنت عراب حبنا وعشقنا ,وكنت شاهداً على زواجنا .كم قالوا وكتبوا أن الزواج هو مقبرة للحب ,لكنك عَمّدت حبنا بطول البقاء .
شاءت الأقدار أن نودعك ,وكان وداعنا لك أبدي أنذاك . عدت الى الشرق لكني اصطحبت معي هذه المرة ابنتك  ابنة الدانوب الأزرق,كزوجة لي ...لنعيش في أقدم مدينة مأهولة بالسكان الى اليوم ,دمشق .
سألتني ابنة الدانوب ,ألا يوجد في مدينتكم الجميلة دانوباً أزرقاً وصخرة حب على ضفته لنجلس إليها كما أعتدنا مع نهر الدانوب.
استولى على الصمت ,وأغمضت عيناي مسترجعاً صورة بردى ,نهر دمشق الذي تغنى به الشعراء  يوما ما....
سألتني الذهاب لزيارته ,فهي تعشق الأنهار لأنها ابنة نهر عظيم .
صُدمت من هول ما رأت , نهر تحول  الى جدول صغير ,مياهه من مجاري مدينة دمشق .سقطت من عينيها دمعتين ,وسألتني ...أتدري لماذا جف نهركم هذا ,...أجبتها لا أدري... قالت لي وهي تشد على يدي ...لأن قصص حبكم وعشقكم قد جفت ,وما عاد يحمل بردى إلا الحزن والألم .فجفت عروقه .
خمسة عشر عاماً ...عشناها في مدينة دمشق ,كنا أوفياء للدانوب ,نذكره كل يوم ,وفي كل مناسبة .وهل ينسى العشاق عراب حبهم.
وعدت بعد ذلك مع حبيبتي إلى بلدها ,مهاجرين ....مللنا قصص الألم والحزن,وقصص السجون والقهر ,هربنا من طقوسية العادات التي كبلت قصص العشق .فأرض الله فسيحة وواسعة .
وما أن وصلنا ...الى مدينة العشق ,الى مدينة الدانوب , وقبل أن نفتح حقائب سفرنا ,نظرت إلي حبيبتي بشوق..... تذكرته قبل عودتي الى وطني ,طوقت بيديها صدري وقبلتني سائلة بصوت كله عشق ....هل نسيت.... أجبتها أبداً ...وبدون مقدمات .أسرعنا الى لقاء الدانوب الأزرق ...الذي استقبلنا بسحره الرائع ...وجلسنا على صخرة حبنا ...تعانقنا من جديد ,وغرقنا في قبلة طويلة .. كان طعمها كطعم قبلاتنا  القديمة ,بفارق..... أننا كبرنا  خمسة عشر عاماً من عمر حبنا الجميل.
اجمالي القراءات 18227