(1) عرف الإنسان تزييف الحقائق منذ أن عرف تدوين التاريخ :
وكتابة التاريخ منذ أن بدأت وهي تسير في ركب السلطان تلهث وراءه لتكتب ما يحلو له أن يقال عنه . وقد يقال أن الوثائق قد تكون أقرب للصدق ولكن الوثائق لا تسد كل الفراغات ، ولا تحكي ما قبلها وما بعدها ولا نعرف ظروف كتابتها ولا نستطيع التأكد اليقيني من صدقها .
وهكذا تظل هناك فجوة هائلة ببين التاريخ الحقيقي الذي دار في الدهاليز وعمق الظلام ، وبين التاريخ المكتوب الذي وصل إليe;ينا يعبر عن وجهة نظر المؤرخ وعواطفه..
ومن هنا تظل الحقيقة التاريخية في كتابات البشر حقائق نسبية يجوز عليها الصدق والكذب ولا يمكن التأكد من صدقها .
فعلي سبيل المثال يقول المؤرخ مثلا :" إن السلطان أرسل رسالة إلي الملك الفلاني " هذه حقيقة تاريخية ذكرها مؤرخ قد يكون قريبا من السلطان مطلعا علي سره مما أعطاه الفرصة لكي يورد هذه الواقعة التاريخية ، ولكن وجود المؤرخ إلي جوار السلطان يعطينا الحق في التشكك في وفي انحيازه للسلطان وتعبيره عنه أكثر من تعبيره عن الحقيقة التاريخية ..
وقد يكون المؤرخ بعيدا عن السلطة .. إذن فكل ما يكتبه عن السلطان يدخل في إطار الشائعات والتقولات مما يزيد في التشكك في روايته ..
ثم تبدأ الاحتمالات ربما يكون السلطان قد أرسل الرسالة وربما كانت مناورة ، وربما لا علم للسلطان مطلقا بهذه الرسالة .. وربما وربما ، وهكذا تظل الفجوة بين التاريخ الحقيقي والتاريخ المكتوب .
وتزيد هذه الفجوة في التأريخ للمؤامرات السياسية ما نجح منها وما لم ينجح .. والتاريخ السياسي في أغلبه مؤامرات واتصالات سرية وعلاقات مريبة ومناورات وتحركات وهمية ، والمكتوب عنها قد يذكر شيئا طفا علي السطح ومن وجهة نظر الكاتب ، ولكن تظل أغلبية الحقائق بمنأى عن قلم المؤرخ .
ثم إذا افترضنا أن مؤرخا عثر علي الحقيقة بأكملها ودونها . هنا ينتقل الشك إلي المؤرخ نفسه وإلي أمانته في النقل وموقفه السياسي والحزبي والعقيدي والعاطفي من أبطال الحدث التاريخي .. الأمر الذي يجعل الشك هو الأصل في النظرة للمؤلفات التاريخية ، وتظل بها حقائق نسبية..
* * *
(2) وتختلف الحال بالنسبة للقصص القرآني ، فبالإضافة إلي أنه حقيقة مطلقة لا شك فيها ، فهو ينفذ للغيب .
ففي مكان ما وفي وقت محدد عقد أخوة يوسف مؤتمرا سريا للتآمر علي أخيهم يوسف بسبب حسدهم له . لأن أباهم يحبه أكثر من حبه لهم ، لم يعلم الأب بذلك الاجتماع السري ولا بالذي دار فيه . ولكن الله كان محيطا بنجواهم وتآمرهم .. وذكر ذلك بتفصيلاته " يوسف 7: 10 " ثم بعد أن قص سيرة يوسف وأخوته قال في النهاية يخاطب خاتم المرسلين من الله:
" ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ" (12/102).
ما ذكره القرآن كان غيبا ، وما كان خاتم النبيين حاضرا له ولم يشهد ذلك الاجتماع السري لأخوة يوسف وهم يمكرون بأخيهم.
وكتابة التاريخ منذ أن بدأت وهي تسير في ركب السلطان تلهث وراءه لتكتب ما يحلو له أن يقال عنه . وقد يقال أن الوثائق قد تكون أقرب للصدق ولكن الوثائق لا تسد كل الفراغات ، ولا تحكي ما قبلها وما بعدها ولا نعرف ظروف كتابتها ولا نستطيع التأكد اليقيني من صدقها .
وهكذا تظل هناك فجوة هائلة ببين التاريخ الحقيقي الذي دار في الدهاليز وعمق الظلام ، وبين التاريخ المكتوب الذي وصل إليe;ينا يعبر عن وجهة نظر المؤرخ وعواطفه..
ومن هنا تظل الحقيقة التاريخية في كتابات البشر حقائق نسبية يجوز عليها الصدق والكذب ولا يمكن التأكد من صدقها .
فعلي سبيل المثال يقول المؤرخ مثلا :" إن السلطان أرسل رسالة إلي الملك الفلاني " هذه حقيقة تاريخية ذكرها مؤرخ قد يكون قريبا من السلطان مطلعا علي سره مما أعطاه الفرصة لكي يورد هذه الواقعة التاريخية ، ولكن وجود المؤرخ إلي جوار السلطان يعطينا الحق في التشكك في وفي انحيازه للسلطان وتعبيره عنه أكثر من تعبيره عن الحقيقة التاريخية ..
وقد يكون المؤرخ بعيدا عن السلطة .. إذن فكل ما يكتبه عن السلطان يدخل في إطار الشائعات والتقولات مما يزيد في التشكك في روايته ..
ثم تبدأ الاحتمالات ربما يكون السلطان قد أرسل الرسالة وربما كانت مناورة ، وربما لا علم للسلطان مطلقا بهذه الرسالة .. وربما وربما ، وهكذا تظل الفجوة بين التاريخ الحقيقي والتاريخ المكتوب .
وتزيد هذه الفجوة في التأريخ للمؤامرات السياسية ما نجح منها وما لم ينجح .. والتاريخ السياسي في أغلبه مؤامرات واتصالات سرية وعلاقات مريبة ومناورات وتحركات وهمية ، والمكتوب عنها قد يذكر شيئا طفا علي السطح ومن وجهة نظر الكاتب ، ولكن تظل أغلبية الحقائق بمنأى عن قلم المؤرخ .
ثم إذا افترضنا أن مؤرخا عثر علي الحقيقة بأكملها ودونها . هنا ينتقل الشك إلي المؤرخ نفسه وإلي أمانته في النقل وموقفه السياسي والحزبي والعقيدي والعاطفي من أبطال الحدث التاريخي .. الأمر الذي يجعل الشك هو الأصل في النظرة للمؤلفات التاريخية ، وتظل بها حقائق نسبية..
* * *
(2) وتختلف الحال بالنسبة للقصص القرآني ، فبالإضافة إلي أنه حقيقة مطلقة لا شك فيها ، فهو ينفذ للغيب .
ففي مكان ما وفي وقت محدد عقد أخوة يوسف مؤتمرا سريا للتآمر علي أخيهم يوسف بسبب حسدهم له . لأن أباهم يحبه أكثر من حبه لهم ، لم يعلم الأب بذلك الاجتماع السري ولا بالذي دار فيه . ولكن الله كان محيطا بنجواهم وتآمرهم .. وذكر ذلك بتفصيلاته " يوسف 7: 10 " ثم بعد أن قص سيرة يوسف وأخوته قال في النهاية يخاطب خاتم المرسلين من الله:
" ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ" (12/102).
ما ذكره القرآن كان غيبا ، وما كان خاتم النبيين حاضرا له ولم يشهد ذلك الاجتماع السري لأخوة يوسف وهم يمكرون بأخيهم.
ويقول تعالي :
" مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ ولا أكثر إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"(58/ 7)
التاريخ الحقيقي لكل إنسان ولكل مجموعة من البشر يعلمه الله ويسجله علينا . ثم تأتي نسخ من هذا التاريخ لكل أمة ولكل فرد يوم القيامة ، وأحدنا حين يقرأ تاريخ حياته الدنيا يتذكر مانسي .
"يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"(58/6)
ومن هذا التاريخ المسجل في علم الله كان قصص القرآن ينبيء عن غيب لا يعرفه إلا علام الغيوب ..
" مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ ولا أكثر إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"(58/ 7)
التاريخ الحقيقي لكل إنسان ولكل مجموعة من البشر يعلمه الله ويسجله علينا . ثم تأتي نسخ من هذا التاريخ لكل أمة ولكل فرد يوم القيامة ، وأحدنا حين يقرأ تاريخ حياته الدنيا يتذكر مانسي .
"يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"(58/6)
ومن هذا التاريخ المسجل في علم الله كان قصص القرآن ينبيء عن غيب لا يعرفه إلا علام الغيوب ..
في وقت ما وفي مكان ما بقصر فرعون رفعت امرأة فرعون رأسها تدعو الله تقول ."رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"(66/21) فرعون كان لا يدري بما يحدث في فراشه ، ولا يعلم ما في قلب زوجته ، ولكن الله يعلم ، وقد سجل لنا أحاسيس هذه السيدة المؤمنة وخلد ذكراها ..
وهذه ناحية يتميز بها القصص القرآني عن روايات المؤرخين السطحية..
وهذه ناحية يتميز بها القصص القرآني عن روايات المؤرخين السطحية..
(3) والقصص القرآني يخبرنا بالأقوال والأفعال وبالأحاسيس التي أفصحت أو لم تفصح عنها الأقوال .. ويكفي أن نتابع التطور الطبيعي لمشاعر امرأة العزيز حين فاجأها زوجها فتنطق بين كرامتها المجروحة وببين خوفها علي يوسف .. ومحاولة تبرئة نفسها :
"مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ "(12/25)
لم تطلب إعدامه ولكن أرادت عقابه ..
ثم حين تذهب مع رغبتها للنهاية انتصارا لكرامتها وأنوثتها :
"فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ "(12/32)
ثم في النهاية حين تتوب في أروع ما يكون موقف التوبة وأمام شهود من علية القوم وفي بلاط الملك : " قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ، وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ " (12/51: 53).
(4) وبلاغة اللفظ القرآني في القصص إعجاز تاريخي مستقل .
حين اتهم يوسف ـ وهو عزيز مصر ـ أخاه بالسرقة لكي يستبقيه معه ، كان تعليق أخوة يوسف علي اتهام أخيهم بالسرقة : " قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ " (12/77)
ثم يقولوا " فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ " لنا من قبل " فالقرآن يعبر بلفظة موجزة عن استمرار كراهيتهم ليوسف .. بعد أن أضاعوه بسنين طويلة ..
وحين قالوا ليوسف ـ وهم لا يعرفونه ـ " يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه " قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ"(12/79)
لم يقل "معاذ الله أن نأخذ إلا من سرق متاعنا " .. لأن أخاه لم يسرق في واقع الأمر ..!!
ويستمر حقد الأخوة علي يوسف الغائب إلي قبيل النهاية " وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ "(12/94: 95)
يواجهون أباهم الضرير الحزين علي ابنه المفقود بقولهم " تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ "
أي أن حقدهم علي يوسف تتأجج ناره كلما شهدوا أن حب أبيهم ليوسف يزداد تأججا..
ومنذ أن عقدوا مؤتمرهم الآثم منذ كان يوسف طفلا" إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ " (21/8)
أي وصفوا آباهم النبي بأنه في ضلال مبين واستمر هذا رأيهم فيه إلي قبيل النهاية.
وجاءت النهاية حين وصل قميص يوسف فألقوه علي وجه الأب المكلوم " فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ، قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ " (12/96: 97)
* * *
وقد تأتي لنا بلاغة القرآن بحكمة بين السطور :
فالقرآن يتحدث عن الاتهام من يوسف لأخيه بالسرقة وماجري فيها فيقول :
" فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ " (12/76)
الله تعالي يقول عن حيلة يوسف " كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ " وحيلة يوسف كانت لا تخلو من تحايل.! ألم يقل تعالي عن يوسف :"فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ" (12/70)
وما كانوا سارقين .. !!
* * *
وقد تأتي لنا بلاغة القرآن بحكمة بين السطور :
فالقرآن يتحدث عن الاتهام من يوسف لأخيه بالسرقة وماجري فيها فيقول :
" فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ " (12/76)
الله تعالي يقول عن حيلة يوسف " كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ " وحيلة يوسف كانت لا تخلو من تحايل.! ألم يقل تعالي عن يوسف :"فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ" (12/70)
وما كانوا سارقين .. !!
(5) وبلاغة القرآن في القصص تظهر أيضا عند حذف اللفظ والاستدلال عليه بالقرينة يقول تعالي:"فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ واعتدت لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ " (12/31)
لقد أرادت امرأة العزيز أن تفاجيء النسوة بيوسف .وصورت الآية هذه المفاجأة في أسلوبها التصويري حين أوجزت وحذفت بعض الفقرات لتعطي طابع المفاجأة . تقول الآية :
" وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً "
وتترك القاريء يتخيل أولئك النسوة المترفات في صخبهن وثرثرتهن وهن لا يعلمن شيئا عن المفاجأة وتأتي النقلة إلي داخل القصر وامرأة العزيز تأمر يوسف بعيدا عن مكان النسوة
" وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ " ثم تنتقل الآية مباشرة إلي مكان النسوة " فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ " لم تقل فدخل عليهن فلما رأينه أكبرنه لأن ذلك يضعف من تأثير المفاجأة .. ثم تصور الآية ذهول النسوة حين رأين جمال يوسف فتعلقت به أبصارهن وأخذت السكاكين في أيديهن تمارس عملها في الأيدي الناعمة بدلا من الفاكهة وهن ينطقن " وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ " لم تذكر الآية كل هذه التفصيلات وتركتها تنمو في عقل القاريء وخياله ..
* * *
اقرأوا القرآن يرحمكم الله .
* أحمــد صبحي منصور *
* * *
الفهــــرس
التمهيد :
الفصل الأول :
الحياة السياسية في مصر القديمة من خلال آيات القرآن الكريم
أولا : كلمة مصر في القرآن الكريم
ثانيا : لمحات قرآنية عن النظام السياسي المصري في عصر يوسف
عليه السلام
ثالثا : لمحات قرآنية عن النظام السياسي المصري في عصر موسي عليه السلام
ببين ملك الهكسوس وفروعون مصر
من هو فرعون موسي
فرعون موسي : ملامح شخصية
أتباع فرعون
سياسة فرعون الداخلية
الفصل الثاني :
المجتمع المصري القديم في القرآن الكريم
لمحة عامة
الحياة الدينية
تأثر بني إسرائيل بالديانة المصرية القديمة .
الحياة العقلية العلمية
العمارة في مصر القديمة
الحياة الاقتصادية
الفصل الثالث :
مواعظ ودروس :
الخاتمـــه
ملاحظة :
أرجو أن يراجع القارىء الكريم أول مقال فى هذه السلسلة وهو بعنوان ( قبل أن تقرأ هذا الكتاب ) ويوجز ظروف تأليفه ونشره ، لأننى كنت أكتب بنصف قلم حتى لا اسبب إحراجا للاستاذ عبد الوارث الدسوقى فلم أتعرض لكل شىء وقتها يخص (مصر فى القرآن الكريم ).
والآن ، وبعد أختلاف الظروف سأكمل ما لم أكتبه خلال ملاحق ، كل ملحق منها سيكون مقالا يتناول تفصيلات عن سيناء و الشعب المصرى فى عصر الفراعنة ، و عقلية الاستبداد الفرعونى .
والله جل وعلا هو المستعان .
وكل عام وانتم بخير..