أرسل لي الأخ الدكتور نضال الصالح ,هذا التعليق على مقالتي رسالة الحيران . أنقلها إليكم مع محاولة التعليق عليها بمقالة بسيطة ومختصرة .
تعليق الأخ نضال
"أخي العزيز زهير الإيمان أو عدمه قضية شعورية عفوية داخلية ولا علاقة لها بالعقل أو المنطق، فإما أن تؤمن أو لا تؤمن. وكما حدثتك في مجادلاتنا الخاصة بأنني أستطيع أن أقدم لك عشرات الأدلة على عدم وجود الله ومنها من خلق الله، وتستطيع أن تقدم لي عشرات الأ&Iumلأدلة على وجوده ومنها من خلق العالم، وسنظل ندور في حلقة مفرغة. البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة. أعود وأقول أن الإيمان وعدمه لا علاقة له بالعقل والمنطق، إما أن تؤمن أو لا تؤمن. فيا فالحقيقة لا يا صديقي أن قضية وجود الله أو عدمه هي قضية لاهوتية فلسفية . لا تطعم خبزا ولا تحرر أرضا. والله الذي تؤمن به المؤسسة الدينية وتفرضه علينا هو إله متخيل فصلته المؤسسة الدينية على قدر فكرها وهو إله شراني كلياني عدواني حسود ولا يمكن له أن يمثل الله الذي خلق هذا الكون. هنيئا لك بإيمانك وأنا في بعض الأحيان أحسدك على هذا الإيمان فلك علاقة تعلق عليها كل آلام البشر ومنها آلامك الخاصة فكله من عند الله وهذه حكمته. وتحياتي لك "
أخوك د. نضال الصالح
الأخ العزيز الدكتور نضال الصالح.
قرأت تعليقك باهتمام حول مقالتي رسالة الحيران. وأحببت قدر إمكانياتي الثقافية والمعرفية المتواضعة ,أن أوضح لك موقفي من بعض المحاور التي وردت في تعليقك المذكور أعلاه.وخاصة ما جاء في تعليقك أو قولك:
"الإيمان أو عدمه قضية شعورية عفوية داخلية ولا علاقة لها بالعقل أو المنطق فإما أن تؤمن أو لا تؤمن".
لا أخفيك سراً ,بأنني كنت والى فترة قريبة أؤمن بمقولتك هذه , بأن الإيمان لا علاقة له لا بالعقل ولا بالمنطق. بمعنى أخر أن الإيمان هو التسليم بدون نقاش.وخاصة فيما يتعلق بالغيبيات ,الله ,الملائكة , القيامة,الحساب.....الخ. لكن الإنسان بطبيعته لا يقف عند حدود المقولات الغيبية دون البحث المستمر عن حقيقتها وماهيتها ومحاولة إثباتها من خلال العقل .وإلا ما كان إنساناً.
التسليم أو الإيمان بدون محاكمة العقل فُرض على الناس في مرحلة ما ,عندما تعارض العلم مع غيبيات المؤسسة الدينية .وأنت تذكر أن الكنيسة التي اعتبرت في يوم من الأيام أن مركزية الكون هي الأرض ,وقفت موقف المدافع عن تصورها ضد العلم والعلماء الذين وجدوا من خلال التجربة أن الأرض ليست هي مركز الكون ,بل الشمس هي المركز ,وان الأرض تدور حول الشمس.يومها قضت الكنيسة بالحرمان والقتل على من يخالفها الرأي.وفرضت آنذاك مفهوم الإيمان بالغيب والتسليم فيه بدون المحاكمة العقلية, وكان كل من يخالف ذلك ويعترض باستخدام العقل فهو مرتد بلغة العصر.
قبل الدخول في صلب الموضوع ,لابد لنا من الاتفاق على قضية هامة جداً ,وتعتبر مدخلاً لهذا الرد, وهي الإنسان, وماهية الإنسان, واختلافه عن باقي المخلوقات الأرضية والعلوية.
الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي أستطيع أن اسميه المخلوق الباحث.المخلوق الذي يبحث في وجود الله ,ومشكلة العالم, ومشكلة الإنسان.وكونه مخلوق باحث ,لابد له من أن يستخدم عقله في عملية البحث هذه.كل إنسان في هذا الكون له تساؤلاته الكونية,حتى الذين يدَّعون أنهم لا يملكون منهجاً لهم ,محال, هم يطرحون نفس الأسئلة التي يطرحها الفيلسوف والعالم ...بغض النظر عن النتائج.
من هو هذا الإنسان؟ .
هناك منظور مع كل أسف ساد ,ومازال سائداً في الكثير من المؤلفات التي عالجت موضوع الإنسان في الغرب خاصة. حيث اُعتبر الإنسان على أنه,حيوان ناطق ,حيوان اجتماعي ,حيوان اقتصادي ,حيوان صناعي .....وهكذا وكما تلاحظ معي أن صفة الإنسان في المنظور الثقافي الغربي هي حيوان بالدرجة الأولى يضاف إليها صفة أخرى حسب التطور المعرفي ....مثلاً الآن يقولون أن الإنسان هو حيوان دعائي إعلامي ,حيوان انترنيتي ...وهكذا.
المنظور القرآني لم يصف الإنسان على الإطلاق, بأنه حيوان.القرآن أخبرنا بقصة أدم وحواء ,كونه مسجود للملائكة ....معنى هذا السجود له ,أنه مخلوق استثنائي .صحيح أن خلقه تطور على مراحل حتى وصل الى مرحلة الحمإ المسنون .وهذه المرحلة مازالت ترافق الإنسان ,وهي ما تفسر كون بعض البشر كالحيوانات ,بل ويمكنني أن أقول أن الحيوانات أكثر رحمة من هؤلاء البشر ,الذين مازال الحمإ المسنون غالباً على صفاتهم الإنسانية.
لو تابعنا موضوع الخلق ...يقول الله تعالى "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي"
هذه النفخة هي من روح الله ,فصار الإنسان بمقتضاها في تكوينه يحمل صفات الحمأ المسنون ,ونفخة الروح الإلهية.هذه النفخة من روح الله هي التي أيقظت في هذا المخلوق الشيء الإلهي فيه,تحرك فيه الضمير ,أنشأه نشأة أخرى.أصبح مشروعاً ألهياً بكل معنى الكلمة ,حتى عندما اعترضت الملائكة ...قال لهم أني اعلم ما لا تعلمون. وأنت ترى أنه على هذه الأرض هناك أناس يعملون ليل نهار من أجل اكتمال المشروع الإلهي في الإنسان كما أراده الله لهذه المخلوق .الطيبين ,الصالحين,العارفين ,الأتقياء المؤمنين....الخ .كل هؤلاء قاموا بإرادتهم وبنور الله بتفعيل نفخة الروح هذه لاستكمال أرادة الله في مخلوقه
الاستثنائي أنه الإنسان الكائن الإلهي ,ولله فيه مراد.
الدراماالإنسانية يا أخي ,يمكن أن أشبهها لك بميزان الحرارة ....على مستوى ا لصفر يقف أكثر البشر يتفكرون ويبحثون بحرية كاملة , بإرادتهم واختيارهم.إما يرتفعون الى منسوب ما فوق الصفر حتى يتجاوزوا مواصفات الملائكة بل وأكثر..أو يهبطون الى الحضيض والدرك الشيطاني أي تحت الصفر.
القرآن يا أخي لم يذكر آية واحدة, تدل على أن غير الإنسان وصف بالإيمان.أبداً ولا حتى الملائكة لم يذكر القرآن أن الملائكة أمنت ...هي مبرمجة على التسبيح وتنفيذ الأوامر الإلهية .الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي خصصه الله عز وجل بالإيمان.والإيمان لا يستطيع الإنسان كمخلوق أن يصل إليه إلا بالحرية التي حملها الإنسان وأبت كل المخلوقات حملها...أنها الأمانة .الله عرض الأمانة أي الحرية على الإنسان ولم يجبره عليها فحملها الإنسان باختياره,وصار حراً
"إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"
.لو انتفت حرية الإنسان يا أخي لكنا مثل باقي المخلوقات في الطبيعة.لهذا نحن نعرف الله بحريتنا...أمنا بالله بحريتنا....أي الإنسان أمام خيارين الإيمان بالله ,أو عدم الإيمان ....فلا حرية إلا بوجود النقيضين.....لماذا هذا أمن ...وهذا لم يؤمن...
هل هي قضية عفوية , ولا علاقة لها بالعقل,لو كانت على هذا الشكل لأمن كل الناس, .... والواقع يثبت عكس ذلك.
الإنسان عبر عنه القرآن بقوله(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَافَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا .....)
هو في حالة مجاهدة ما بين الفجور والتقوى ....كيف يجاهد ...ماذا يستخدم ليصل إما الى الفجور وإما إلى الإيمان والتقوى ....طبعاً عقله الذي كرمه الله عز وجل به.
ومع ذلك يبقى النور الإلهي يشع على الإنسان على الكون ,ليهديه الى جانب بحثه المستمر الى الإيمان بحرية كاملة بعد صدق النية.هناك من يبحث عن الله بعقله ولكن بسوء نية فهذا سيصل الى الشيطان ويبرر وصوله الى هذا الدرك بشتى التبريرات اللاعقلية.
أما فكرتك الأخيرة ,كوني وجدت الله وأصبح كالعلاقة (معاذ الله) اعلق عليها الآلام البشرية وآلامي الخاصة ...فهذه تحتاج الى مقالة أخرى.ولكن أذكرك بالآية الكريمة
"مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا"