آحمد صبحي منصور
في
الثلاثاء ١٠ - يناير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً
نص السؤال
آحمد صبحي منصور
أولا :
سبقتك فى قولك . هذا المقال سبق نشره فى جريدة الأهالى المصرية بتاريخ 4/ 5/ 1994 ، بعنوان إفلاس . قلت فيه :
( 1 ـ نشرت الأهرام في 23 مارس1994قصة مرعبة تحت عنوان " صرخة " حكاها شاب أراد السفر لأحدى الدول الأوربية ليعمل هناك , وكانت منطقة العبور هي مالطة, وتقوم العصابات هناك على تهريب الشباب مقابل سبعمائة دولار ومثلها لقبطان سفينة التهريب وأثناء التهريب يجردون الشباب من جميع متعلقاتهم ويبحرون بهم ليلا وفوق رؤوسهم مسلحيو بالرشاشات , فإذا حدث وضبطتهم الشرطة النهرية يطلق المسلحون نيران الرشاشات على ذلك الشباب الذين جردوه من هويته ومتعلقاته ثم يسقطون جثثهم في البحر عن طريق فتحات سرية حتى لا يتعرض القبطان للمسائلة القانونية . ويحكي الشاب أن دوره كان التالي وقد سبقته دفعة من الشباب المصري والتونسي وقد انتظر الشاب حتى عاد القبطان وسأله عن رفاقه فأخبره القبطان أنهم وصلوا بالسلام إلى الشاطئ الأوربي , ولكن سمع الشاب بعدها عن وجود جثث لشباب طافية تحمل الملامح العربية , وذهب هناك وفوجئ بأنهم رفاقه الذين سبقوه وقد وجد الرصاص قد انتشر في أجسادهم , وعلم أن التهريب يعتمد على الحظ والنصيب , مجموعة تنجو ومجموعة تموت أما المهربون فهم دائما في أمان ..
2 ـ قرأت ذلك المقال وتدافعت سحب الغضب والإكتئاب إلى نفسى .. ليس فقط من أولئك المجرمين الخونة الذين يقتلون الشباب الأبرياء ويخدعونهم , ولكن من تلك الحكومات التي ضاع على يديها زهرة الشباب .
3 ـ إن ذلك الشباب قضى حياته في العلم والتعليم وتخرج في الجامعات قد ملأ صدره بالطموح والوضع الأفضل ويفاجأ بانضمامه إلى طوابير العاطلين ، يجتر مرارة الحرمان والإحباط ، خصوصا حين يجد أفضل الفرص في المشروعات والوظائف قد حجزها الأكابر لأبنائهم , فيتحول اليأس لديه إلى تطرف وإرهاب يقتل نفسه والآخرين ، أو يضطر للهجرة كارها للوطن ، وربما يذهب إلى بلد أوربي ويسعده الحظ فيعمل جرسونا يخدم أحد أبناء الأكابر إذا حل في أحد الفنادق الأوربية ..!! وربما لا يسعده الحظ فيسقط قتيلا على يد عصابات مالطة أو غيرها أو يسقط قتيلا برصاص البوليس أو الإرهاب ,أو تمتص بلاد النفط حيويته ودماءه وتعيده إلى مصر مطرودا ليموت فيها ..
4 ـ ويبدو أن هذا هو المصير المناسب للشباب المصري من الكادحين ، وكل ذنبهم أنهم ليسوا من أولاد الأكابر .. ويبدو أنهم يأخذون قسطا من التعليم لتتسع مداركهم وليتسع إحساسهم بالحرمان والإحباط والظلم , ولو ظلوا كآبائهم فلاحين أو عمالا لارتضوا الظلم وما عرفوا لأنفسهم حقوقا , ولكننا نفتح أمامهم أبواب العلم ونبث فيها مقررات التطرف بين السطور على أنها الإسلام , ثم إذا تخرج قنبلة موقوتة وضعنا في القنبلة فتيلا متأججا هو البطالة والفساد ، أي حددنا له طريقا وحيدا يسير فيه , وهو طريق التطرف والإرهاب , فإذا استوعب الدرس من التعليم والإعلام ومن روائح الفساد ومن معاناة البطالة وتحول إلى متطرف عريق وجد هراوات البوليس تقع على رأسه حتى يتحول من متطرف عريق إلى إرهابي مسجل خطر . وفي لحظات اليأس من الجميع والقرف من الجميع – وحيث يطارده الجميع – يقوم بعمل انتحاري عشوائي فيسقط أبرياء وضحايا ، والحكومة سعيدة ، فقد أقنعتنا بأنها البديل الأفضل وأننا نرضي بها حتى لا نقع في براثن الإرهاب ، وبعد الصلح مع إسرائيل سقطت حجة العدو الخارجي الذي كانت الحكومات تتعلل بها لتبقى جاثمة فوق أنفاسنا . صحيح لم تعد هناك جبهة خارجية أمام العدو ولكن خلقت الحكومة لها عدوا جديدا وأصبحت للحرب جبهة داخلية .. وفي هذه الجبهة الداخلية كل الطرق تؤدي بنا إلى القرافة .. من أسوان إلى مالطة .. )
أخيرا
أترك لك المقارنة بين مصر عام 1994 ومصر عام 2023 .