على غرار أوباما .. بريطانيا تغازل العالم الإسلامي
محيط - جهان مصطفى
ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطانى
تصريحات وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند المفاجئة بشأن ضرورة التقارب مع العالم الإسلامي يبدو أنها ليست بعيدة عن الخطاب الذي يعتزم الرئيس الأمريكي باراك أوباما توجيهه للعالم الإسلامي من القاهرة في 4 يونيو بل إنها قد تلخص محتوى هذا الخطاب المرتقب بالنظر للتحالف الوثيق بين واشنطن ولندن.
وكان وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند وجه في 21 مايو / أيار ومن خلال مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية كلمة إلى العالم الإسلامي انتقد فيها الحرب في العراق ووضعها في خانة الحروب الإستعمارية التي يجب أن تضاف إلى قائمة الأحكام المسبقة التي سيذكرها التاريخ البريطاني.
وأقر ميليباند الذي سبق له واعتذر عن استخدام عبارة "الحرب على الإرهاب" بالأضرار التي سببتها الحرب في العراق على موقف بريطانيا ، قائلا :" إن غزو العراق وتداعياته قد ولد شعورا بالمرارة والريبة والإستياء في العالم الإسلامي".
وعلى الرغم من أنه لم يعتذر عن التصويت لصالح الحرب في عام 2003 ، إلا أنه قال :"من الجيد أن أكون واضحا حول كيف يمكن أن ينظر العالم لبريطانيا نتيجة قرارها بدعم الرئيس السابق جورج بوش".
ودعا إلى قيام "تحالف جديد للتوافق" بين الغرب والعالم الإسلامي ، قائلا :"إن هناك أخطاء ارتكبت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001، وإن إجراءات اتخذت لمكافحة الإرهاب تم تفسيرها على أساس أنها ضد الإسلام".
واعترف بأنه "أخطأ" عندما تحدث عن العالم الإسلامي على أساس أنه يتألف من "معتدلين" و"متطرفين" ، قائلاً إن العالم الإسلامي أكبر من أن يُحصر بهذا الانقسام.
وأضاف أنه من الأخطاء التي ارتكبها الغرب أيضاً وضع الجماعات الإسلامية ذات الأهداف الوطنية في الإطار ذاته مع القاعدة ذات المشروع الإسلامي العالمي، موضحا أن حركة طالبان ، مثلاً، اعتبرت مثل القاعدة على رغم أنها في الواقع عبارة عن مجموعات متعددة من القبائل البشتونية على الحدود الأفغانية - الباكستانية لها أهدافها المحلية .
وأشار إلى أن حركة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان يمكن أن يندرجا أيضاً في إطار الجماعات التي لها هدف وطني ، قائلا :" على الرغم أن هناك أشياء في دستور حماس تثير تساؤلات حول الحدود التي تتوقف عندها تطلعاتها، إلا أن الأكيد أن حماس ليست الشيء نفسه كالقاعدة".
التصريحات السابقة اعتبرت بمثابة تراجع كبير عن سياسة بريطانيا في السنوات الأخيرة والتي اتخذت موقفا منحازا لإسرائيل ظهر بوضوح في حرب "تموز" في لبنان والعدوان الإسرائيلي الأخير على
غزة ، ولذا تساءل البعض " لماذا جاءت في هذا التوقيت ؟".
يرجح كثيرون أنها لا تخرج عن سياسة التغيير التي جاء بها أوباما والتي تقوم على الحوار حتى مع الأعداء ، ويبدو أن تصريحات ميليباند جاءت بتنسيق تام مع واشنطن بهدف معرفة ردود الأفعال وخاصة الإسرائيلية منها حول خطاب أوباما المرتقب للعالم الإسلامي ، أي أنها كانت بمثابة بالون اختبار .
ولعل التصريحات التي خرجت من داخل بريطانيا وأمريكا في الأسابيع الأخيرة تدعم الفرضية السابقة ، ففي 6 مايو / أيار أكد مبعوث اللجنة الرباعية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير وجود اتصالات غير مباشرة مع حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة، قائلا :" لا توجد لدينا اتصالات مباشرة مع حماس لكن هناك اتصالات تجري عبر أطراف أخرى ".
وأوضح بلير أن العملية السياسية في المنطقة تمر بفترة انتقالية للوصول إلى الوقت المناسب للتحرك على ثلاثة مسارات رئيسية هي التقدم باتجاه إجراء مفاوضات سياسية نحو حل الدولتين، وإحداث تغيير جذري للأوضاع الراهنة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشيرًا إلى أهمية التحركات الاجتماعية الدبلوماسية المقبلة التي سوف تشارك فيها واشنطن وقادة عرب إضافة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وأشار إلى أن الأشهر الستة المقبلة سوف تحدد طبيعة المسار الذي يتوجب العمل من أجل تحقيقه استناداً إلى دعم رؤية الدولتين وبعد هذا الالتزام يجب التقدم وتمكين الفلسطينيين من بناء الدولة الفلسطينية.
وفي 28 إبريل/ نيسان ، أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة البريطانية مارتن دي أن الباب مفتوح للحوار مع حركة "حماس" الفلسطينية ، قائلا :" ليس لدينا اتصالات مع حماس في الوقت الحاضر، إلا أن الباب مفتوح للحوار مع الحركة ، الحل الأنسب للصراع العربي الإسرائيلي يقوم على المفاوضات وحل الدولتين، دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة شاملة ومستدامة تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل وأن تكون القدس عاصمة الدولتين، وإيجاد حل عادل لمشكلة عودة اللاجئين".
وفي 29 إبريل/ نيسان ، ذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية أن هناك حالة من القلق تسود إسرائيل حول نية إدارة أوباما الاعتراف بحكومة فلسطينية تضم حركة حماس الفلسطينية ، مشيرة إلى أن إسرائيل فوجئت بما نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية حول اقتراحات في الكونجرس بإجراء تغيير في القانون يتيح استمرار تحويل المساعدات المالية إلى السلطة الفلسطينية حتى لو كانت حركة حماس جزءا من الحكومة الفلسطينية الجديدة التي سيتم التوافق عليها في حوار الفصائل الفلسطينية في القاهرة.
والخلاصة أن هناك توجها في الغرب للحوار مع العالم الإسلامي وحركات المقاومة ، إلا أن هذا لايعني تغييرا جوهريا بقدر ما هو محاولة لتحسين صورته التي اهتزت كثيرا جراء حروب بوش في العراق وأفغانستان ، بالإضافة للأمر الأهم وهو رغبة الغرب في تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية وهذا لن يتحقق إلا من خلال الثروات والأموال العربية وخاصة الخليجية منها.