التناقض فى تشريع الطلاق بين القرآن والفقه السني

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


مقدمة:
1- هناك لغة مشتركة بين تشريع الطلاق فى الفقه السنى وتشريعه فى العصر الجاهلى تتمثل فى أن الرجل يملك أن يطلق زوجته أو زوجاته بمجرد كلمة ، وفى أدبيات العصر الجاهلى أن أشهر طبيب عربى وهو الحارث بن كلدة حين استقذر إمرأته فقال لها (كنتى فبنتى) أى كنتى زوجة فاصبحتى بائنا أى مطلقة بينونة قاطعة ؛ فخرجت من بيته وانتهت علاقتها به .
وهذا التشريع الجاهلى ألغاه القرآن الكريم فى تشريعاته التفصيلية فى الطلاق ، ولكن مالبث الفقه السنى أن تجاهل تشريع القرآن الكريم وأرجع التشريع الجاهلى الذى يؤكد على حق الرجل فى التطليق بكلمة دون شهود ، وتحت هذا الإطار اختلفوا فى فروع كثيرة .
ومع الأسف الشديد فان الطلاق على الطريقة السنية هو أهم ما تم تطبيقه من التشريعات فى مجتمعات المسلمين ، ولا يزال تطبيقه مستمرا . والنتيجة المحققة هى خراب البيوت وظلم المرأة قديما وحديثا ، وقيام تلك الفجوة الهائلة بين تشريع الطلاق فى القرآن وتشريعه لدى الفقهاء .

2- أساس التناقض بين تشريع الطلاق الاسلامى فى القرآن وتشريعه فى الفقه السنى يكمن فى تناقض المقصد التشريعى بينهما. ان تشريع الطلاق فى القرآن له هدف أو مقصد أساسى هو الحرص على رعاية الأسرة ومن خلال هذا الهدف صيغت تشريعات الزواج والطلاق وفى عقوبة الزنا والقذف والزى والاستئذان ..الخ . بل أن الدارس لتشريعات القرآن يلاحظ قلة التشريعات القرآنية والتزامها فى الأغلب الى وضع القواعد الكلية دون الدخول فى التفصيلات الدقيقة الا فى موضوعات الطلاق والأحوال الشخصية ، تجد فيها التفصيلات التشريعية مع ذكر القواعد والاحتكام للعرف أى المتعارف على أنه عدل وحق وانه مناسب للحال ،هذا مع التأكيد المستمر فى كل آيةعلى مراعاة التقوى والخوف من الله تعالى حتى يلتزم المسلمون بهذه التشريعات وتطبيقها أفضل تطبيق ابتغاء مرضاة الله تعالى عز وجل. كل ذلك حتى لا يحدث ظلم للمرأة ـ وهى الطرف الضعيف ـ الذى ظلمه العصر الجاهلى ونزل القرآن الكريم لرفع الظلم عن جميع المظلومين ومنهم المرأة .
تناسى الفقه السنى كل هذه التفصيلات وكل الوصايا والتحذيرات لأن تشريعات فقهائنا السنيين فى العصور الوسطى غلب عليها هدف أساسى هو التشريع الذكورى الذى يراعى متطلبات الرجل ولا يرى فى المرآة إلا مخلوقا من الدرجة الثانية ناقصا العقل والدين حسبما قال البخارى فى أحاديثه المفتراة .

الطلاق فى تشريع الفقهاء
1- يقول سيد سابق شيخ الاخوان المسلمين فى كتابه المشهور{فقه السنة }الذى أوجز معالم الفقه السنى ، انه قد اجمع الفقهاء من الخلف الى السلف على أن الطلاق يقع بدون إشهاد ، لأن الطلاق من حقوق الرجل ، والرجل لا يحتاج إلى بينة كى يباشر حقه ،وقال انه لم يرد عن النبى (ص) ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد فى الطلاق .( فقه السنة 2 / 220) . ومعناه أن الرجل يطلق المرأة بمجرد كلمة دون شهود ، ويطرد زوجته من بيته بمجرد كلمة قد يقولها غاضبا أو مازحا أو ناسيا. وهذا ما يحدث حتى الآن. والأساس فيه حق الرجل ـ فى الفقه السنى - فى أن يطلق زوجته بدون شهود، كما كان يحدث فى العصر الجاهلى.
الا أن الشيخ سيد سايق يتناقض سريعا مع نفسه فى نفس الصفحة فيذكر أن هناك من الصحابة من اشترط الإشهاد فى الطلاق ؛ ومنهم الإمام على بن ابى طالب ؛ وعمران بن الحصين ؛ ومن التابعين الإمام محمد الباقر وجعفر الصادق وبنوهما أئمة آل البيت وعطاء وابن جريح وابن سيرين، كما روى احاديث منسوبة للنبى تفيد إشتراط الإشهاد فى الطلاق (فقه السنة 2/220:221) .الواضح هنا انه يتكلم على الفقه الشيعى الذى يشترط الاشهاد فى الطلاق. وعموما فالفقه الشيعى أكثر انصافا للمرأة ، نظرا لمكانة السيدة فاطمة الزهراء رضى الله تعالى عنها ـ عندهم .

2- إلا أن المهم أن السائد فى الفقه السنى هو أن الطلاق من حق الرجل يمارسه كيف يشاء وبدون إشهاد إى شهود ؛ فإذا قال لها أنتى طالق باللسان أو الإشارة أو بالكتابة أو بالكناية أو بأى طريقة وبأى لفظ ينوى به الطلاق أصبحت طالقا وتخرج من بيته ومن حياته . ثم قاموا بالتفريع واختلفوا فى التفريعات ؛ مثل طلاق المكره ـ بضم الميم وسكون الكاف ـ وطلاق السكران وطلاق الهزل وطلاق الغضبان وطلاق الغافل والساهى والمدهوش والطلاق المعلق على شرط ؛والطلاق التنجيزى السريع . وفى أغلب الأحوال فالطلاق يقع لأنه فى يد الزوج وبمشيئته.
ومن المحزن أن الفقهاء السنيين توسعوا فى اباحة الطلاق بالإشارة ؛ أى يشير لزوجته فتصبح طالقا دون أن يتكلم ، واختلفوا فى مثل هذه التفريعات مع اتفاقهم على أن لفظ الطلاق ومعانيه المختلفة يقع بها الطلاق بمجرد النطق ؛ وبدون شهود. بل أنه إذا تلفظ بالطلاق بالثلاث أجاز بعضهم أن تقع الطلقات الثلاث بمجرد النطق بحيث لا ترجع إليه إلا بعد أن تتزوج غيره . وأحكام الطلاق فى هذه التفريعات لا حصر لها ؛ وهى فى صالح الرجل ؛ والضحية هى المرأة والأولاد والأسرة . واذا انهارت الأسرة من الداخل وتفكك الأبناء بالطلاق السهل السريع الظالم انتشر العداء بين الأخوة والأقارب أصيب المجتمع بالوهن . وهو ما ينعم به المجتمع المسلم حتى الآن. والفضل للفقه السنى .

تشريع الطلاق فى القرآن :
الطلاق هو لمحاولة التوفيق بين الزوجين
عكس الفقه السنى فان رعاية الأسرة هى المقصد التشريعى الأساسى لمعظم تشريعات القرآن الإجتماعية عموما . وفى تشريعات القرآن الكريم فى الطلاق فان هناك حقيقة قرآنية أغفلها جهل أئمة الفقه السنى ، وهى أن الطلاق لا يعنى نهاية العلاقة الزوجية ، بل هو مرحلة انتقالية لمحاولة اعادة الحياة الى مجاريها بين الزوجين المتنازعين. الطلاق فى التشريع القرآنى ليس لقطع الزواج وانهائه بل هو مجرد مرحلة فى العلاقات الزوجية تسبقه وتتلوه مراحل . الطلاق فى تشريعات القرآن ليس نهاية المطاف لأنه مرحلة لمحاولة التوفيق بين الزوجين فإذا تعذر التوفيق أصبح الطلاق إنفصالا كاملا أو مفارقة أو سراحا أو تسريحا للمرأة أى إطلاقا لسراحها . والطلاق أيضا فى تشريعات القرآن مسبوق بعدة أحكام مماثلة تسهم كلها فى إستقرار الأسرة وتدفع عنها عوامل الإنهيار . وتدعيم الأسرة هو المقصد .
هذا يستلزم توضيحا مختصرا بقدر الامكان .
ما قبل الطلاق
القواعد التشريعية الأساسية فى التعامل بين الزوجين تتجلى فى آيتين فى سورة النساء(34؛19) وهما باختصار شديد :
1- قوامة الرجل أى مسئوليته عن الزوجة ورعايته لها، وتتحقق هذه القوامة بقيامه بالإنفاق عليها بعد ان دفع صداقها .( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) النساء 34 )
بدون الانفاق لا تكون للرجل قوامة على الزوجة الا برضاها واختيارها. كما أن للزوجة أن تشترط أن تكون العصمة بيدها ، أو ان تكون لها القوامة على الرجل . ان عقد الزواج مجال للتفاوض بين الطرفين يضع فيه كل طرف ما يعبر مكانته ومقدرته، وما يتم الاتفاق عليه فى العقد يصبح سارى المفعول طبقا لأمر الله تعالى للمؤمنين فى أول سورة المائدة بالوفاء بالعقود..
2- معاملةالزوج للزوجة بالمعروف حتى ولوكان كارها لها. ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا ) النساء 19 )
وفى إطار تلك القاعدتين التشريعتين نفهم تشريع القرآن فى إصلاح الشقاق بين الزوجين. فقد يكون السبب من الزوجة( نشوز الزوجة ) أو من الزوج ( نشوز الزوج ) أو منهما معا ( الشقاق بين الزوجين ).
وفى كل حالة وضع القرآن الكريم علاجا مناسبا غفل الفقه السنى عن تدبره والاتعاظ به.
أولا :نشوز الزوجة هو تحويلها انسجام العلاقة الزوجية الى نشازونكد ونغص ومغص .وهذا يحدث اذا لم تكن الزوجة أمينة على نفسها وبيتها وزوجها، هنا تبدأ المشاكل وتتكاثرلتحول البيت الهادىء الساكن الى اصوات نشاز، يقول تعالى فى وصف الزوجات الفاضلات والزوجات التواشزالمستحقات للتهذيب ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء 34 )
فإذا خاف الزوج نشوز زوجته عليه فعليه ـ فى ضوء مسئوليته عنها ومعاملته لها بالمعروف وحرصه على دوام العلاقة الزوجية واستقرار البيت ـ بأن يعالج ذلك النشوز بالوعظ أولا ، ثم ثانيا بالهجر فى المضاجع، وأخيرا بالضرب. وهو هنا يتعامل أساسا بتقوى الله تعالى لأنه إذا ظلمها كان الله تعالى خصما له (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء 34).
بامكانها اذا كانت تكرهه وتريد أن تتركه أن تفتدى منه بأن ترد اليه المهر أو جزءا منه حسبما يقع عليه الاتفاق ، وهو ما يعرف عند الفقهاء بالخلع. فكما أن الطلاق من حق الرجل فان الافتداء ( بالمصطلح القرآنى ) أو الخلع ( بالمفهوم الفقهى ) من حق المرأة .
لكننا هنا مع زوجة ينفق عليها زوجها ويرعاها ويتقى الله تعالى فى معاملتها وهى لا تريد الانفصال عنه ، وبدلا من ان ترد له حسن المعاملة والرعاية بالمثل فانها تنشز عليه وتحيل حياته الى موسيقى نشازمن الشجاروالمشاكل. فى هذه الحال عليه اصلاحها بالطرق الثلاثة المشار اليها.
نؤكد ثانيا على أن هذا كله فى إطار الزوجة التى دفع زوجها صداقها وله عليها القوامة بإنفاقه عليها . وهناك حالة أخرى للزوجة التى تشترط أن تكون العصمة بيدها أو تشترط أن تكون لها القوامة بأموالها وجاهها ، وتصيغ عقد الزوجية على هذا الأساس فيصبح لازما لأن المؤمنين مطالبون بالوفاء بالعقود (المائدة:1) كما ان هناك حالة اخرى للزوجة التى تنفر من زوجها وتريد الإنفصال عنه وهذا ميسور لها إذا افتدت نفسها منه بأن تدفع له ما أخذته منه من مهر أو بما يتفقان عليه من فدية تدفعها مقابل الإنفصال ( البقرة:299) .
ضرب الزوجة لمنعها من النشوز:

الفقه السنى ركز على موضوع الضرب وأفاض فيه ليحقق رغبته الذكورية فى امتهان المرأة ، متناسيا أن الضرب "أمر" جاء فى سياق الاصلاح – وهو "أمر" استثنائى مرتبط بظروفه اذ يخضع لقاعدة تشريعية واجبة ومستمرة تؤكد على معاملة الزوجة بالمعروف حتى لو كان الزوج كارها لها.
والكارهون للاسلام ركزوا على الكلمة القرآنية الوحيدة(وَاضْرِبُوهُنَّ ) وأقاموا عليها مناحة مستمرة، متجاهلين ما جاء فى عشرات الآيات الأخرى من حفظ لحقوق المرأة ورعاية لها ، وأن هذا الحفظ والرعاية لا تعنىالحصانةالمطلقة للمرأة من التوجيه والتهذيب اذا كانت محتاجة لذلك ، ومتجاهلين أن الحقوق لا بد أن تقابلها واجبات ، فاذا تمتعت المرأة بحقوقها واكلت حقوق الزوج وسممت حياته فلا بد من علاجها . الضرب هنا وسيلة للتأديب ونوع من الرعاية والاهتمام وليس للكراهية أو الانتقام لأن الحياة الزوجية لا مجال فيها للكراهية والانتقام ، ومتجاهلين ان الضرب هنا محاط بتشريعات قبله وبعده تجعله استثناءا للضرورة لمن يستحق فى ظرف من الظروف وليس قاعدة مستمرة، ومتجاهلين أن أحدهم اذا رزق بزوجة من النوع الناشز المستحق للضرب وفق تشريعات القرآن فانه لن يكتفى بضربها بل ربما يرتكب فى حقها جريمة . بل وتناسوا المكتوب فى معاملة المرأة فى كتبهم من تحقير للمرأة واساءة لمعاملتها لمجرد كونها امرأة ، ولا نريد الخوض فى المزيد مما يخرج عن موضوعنا ، ومتناسين ما يحدث الآن من انتهاك لحقوق المرأة وضرب لها فى أرقى المجتمعات سواء كانت زوجة شرعية أو فى ظل معاشرة مستمرة بدون سقف الزواج الشرعى الذى يحمى المرأة ويصون كرامتها وآدميتها فى شبابها وشيخوختها، ومتناسين أن هذه التشريعات القرآنية المتقدمة فى رعاية المرأة سبقت العصر الذى نزلت فيه ، وكانت ثورة تشريعية فى المجتمع البدوى العربى الذى لا يرى فى المرأة الا مجرد متاع مملوك للرجل، والدليل ان الفقه السنى نفسه جاء متسقا مع ثقافة العصور الوسطى فى ظلم المرأة وانتهاك حقوقها فاتيح له التطبيق بينما تجاهل معظم المسلمين تشريعات القرآن عن المرأة لأنها كانت تتناقض مع ثقافة العصور الوسطى السائدة ، وهم أيضا تجاهلوا أن الفقه السنى ذاته مع قسوته على المرأة فقد كان أرحم بها من ثقافة الأروربيين فى العصور الوسطى ، وأن المرأة الغربية حتى فى عصرنا لا تزال اقل حقوقا مما يتيحه لها القرآن الكريم.

ثانيا : نشوز الزوج :بأن تشكو الزوجة من مجرد إعراضه عنها أو انشغاله عنها أو بالتعبير المصرى شديد الدلالة :" مش بيديها وشه " ، فعليها وعليه معا أن يعقدا بينهما صلحا يقوم على أساس التخلى عن الأنانية وشح النفس (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) النساء 128).
الملاحظ هنا أن اعراض الزوجة عن زوجها لا يعتبره القرآن الكريم نشوزا ، لأن نشوز الزوجة هى أن تحيل حياته الى خلافات مستمرة تستدعى ان يتدخل لاصلاحها بالطرق الثلاثة السالفة – وهو الزوج الذى يتقى الله تعالى فى تعامله معها فلا يظلمها ولا يقصر فى حقوقها. نشوز الزوج هو مجرد اعراضه عن زوجته ، لأن من حق الزوجة على زوجها ان يقبل عليها بوجهه ويوليها اهتمامها، فاذا تجاهلها أو أهملها أو فقد اهتمامه بها كان ذلك نشوزا منه لا بد من علاجه بجلسة مصارحة حميمة يتعهد فيها الطرفان بالتخلى عن الأنانية أو بالتعبير القرآنى ( شح النفس )، وهما اذ يفعلان ذلك لا بد أن يتذكرا أن رب العزة جل وعلا شاهد عليهما باعتبارهما مسئولين أمامه على حفظ بيتهما ورعايته.

ثالثا : وإذا تحول النشوز الى شقاق بينهما معا أصبح على المجتمع أن يتدخل فى صورة القضاء ؛ بإنتخاب ممثل عن الزوج وممثل عن الزوجة يريدان الإصلاح بين الزوجين والتوفيق بينهما (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء 35) . الله تعالى هنا وضع مسئولية الاصلاح على الحكمين، مؤكدا انهما معا اذا أرادا باخلاص صلح الزوجين جاء توفيق الله تعالى مؤكدا على صدق نيتهما فى الصلح. والمعنى ان ارادتهما الاصلاح يتبعها توفيق الله فى عقد الصلح ، والمعنى أيضا أن الفشل هو مسئولية الحكمين.
رابعا :

قد يكره الرجل زوجته ولا يتمثل وصية الله تعالى فيها فلا يعاملها بالمعروف(النساء 19) وقد يصل فى كراهيته له إلى درجة الظلم والضرب تعديا ناسيا قوله تعالى (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء 34) وينسى تهديد الله تعالى له إن هو ظلمها . هو هنا مستحق لعقاب رب العزة فى الدنيا والآخرة.
وقد يصل فى نسيانه لأوامرربه وكراهيته لزوجته إلى الإيلاء ؛ وهو هجر الزوجة جنسيا وإهمالها كليا بحيث يكون الفراق واقعيا فى إطار زواج شكلى . هنا يتدخل تشريع القرآن ليفرض على الزوج مهلة أربعة أشهر عليه أن يعود لزوجته ويعطيها حقها فى الجنس؛ وإلا فالطلاق (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) البقرة226؛227) طبعا تطبيق هذا التشريع يعنى لجوء الزوجة للقاضى ، فى دولة تطبق شرع الله تعالى الحقيقى فى القرآن وليس تشريع فقهاء التخلف والظلم. وعلى القاضى أن يحكم عليه اما أن يستأنف علاقته الجنسية بها أو يطلقها.
ومع ذلك فإن هذا الطلاق ليس نهاية المطاف ..
أنه هدنة لاستئناف الحياة الزوجية واصلاحها ، أو مقدمة لانهائها..

مراحل الطلاق فى التشريع القرآنى
كما أن للمجتمع دورا فى الإصلاح بين الزوجين إذا حدث بينهما شقاق ( النساء 35 ) أو إذا هجر الزوج زوجته لدرجة الإيلاء ( البقرة226- 227) فإن للمجتمع دورا فى الطلاق بحيث يكون على الطلاق إشهاد من المجتمع يتمثل فى وجود شاهدى عدل، أى إثنين من الشهود يمثلان المجتمع ، أى يقوم المجتمع بمنحهما مصداقية رسمية ليكونا شهودا رسميين يمكن استدعاؤهما بواسطة الزوجين أو أحدهما لضبط موضوع الطلاق وما قد يترتب عليه، وذلك معنى قوله تعالى فى سورة الطلاق (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) الطلاق 2 ).
وإجراءات الطلاق كالأتى:
الطلاق الأول:
1- إذا أراد الزوج الطلاق فعليه بالإشهاد على الطلاق فكما تزوج بشاهدى عدل فعليه أن يتزوج بشاهدى عدل ، فيستحضر الشاهدين ويعلن أمامهما أن زوجته طالق.
2- وهنا يوجب القرآن ان تظل الزوجة فى بيتها وهو بيت الزوجية طيلة مدة العدة. ويحرص القرآن الكريم على التأكيد على ان تلك الزوجة المطلقة لا تزال فى بيتها ، وينسب ملكية البيت لها حتى مع وقوع الطلاق، ويحرم أن يطردها زوجها من بيتها مطلقا إلا فى حالة واحدة وهى ضبطها متلبسة فى واقعة زنا مثبتة ، وتلك حدود الله التى نص عليها القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمرا ) الطلاق 1 ).
وقوله تعالى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) يعنى ان مدة أو فترة الطلاق هى مدة أو فترة العدة التالية لوقوع الطلاق أمام الشاهدين. وفى فترة الطلاق/العدة لا يجوز على الاطلاق طرد المرأة من بيتها الا فى حالة اثبات الزنا عليها.
3- وهى فى فترة العدة تعتبر زوجته يجوز له ان يعاشرها جنسيا ، واذا عاشرها جنسيا فقد زال موضوع الطلاق وأصبح كأن لم يكن ، وعادت بينهما الحياة الى مجاريها بدون أية آثار جانبية، عليهما فقط اشعار الشاهدين بأن الموضوع زال وانتهى.

4 -ومدة العدة التى تظل يها المطلقة فى بيت زوجها هى للمرأة العادية ثلاث حيضات تطهر منهن كى تتأكدإن كانت حاملا منه أم لا ، ويحرم القرآن عليها أن تكتم حملها أو تخفيه ( البقرة 228 ) فإن لم تكن تحيض أصلا أو بلغت سن الياس فمدة عدتها ثلاث أشهر. فإذا ظهرت براءة الرحم من الحمل إنتهت عدتها بمرور ثلاث حيضات أو ثلاثة أشهر، أما إذا ظهر أنها حامل فإن عدتها تستمر إلى أن تضع حملها وبعده تنتهى عدتها بخلو رحمها ( البقرة 228 ، الطلاق 4 )
5- وبإنتهاء عدة المطلقة وهى فى بيتها مع زوجها – وبدون أن يعاشرها جنسيا ويتصالحا - تنتهى مرحلة الطلاق أو تصل مدة الطلاق الى نهايتها ،وتدخل الزوجة والزوج فى وضع جديد أمام الشاهدين .
6- يأتى الشاهدان فى نهاية فترة الطلاق ( العدة) ويقومان بتخيير الزوج بين شيئين :
(ا) إما أن يتمسك بالزواج ويحتفظ بالزوجة ويتعهد أمام الشاهدين بمعاملتها بالمعروف وألا يكون دافعه للتمسك بها هو للاضرار بها ، فان فعل رجعت الحياة الزوجية بينهما الى مجاريها ولكن تحسب عليه أمام الشاهدين أنه قام بتطليق زوجته طلقة ، وتظل تلك الطلقة ترفرف فوق رءوسهما.
(ب) واما أن يتمسك بالانفصال التام عنها ، وحينئذ يتحول الطلاق إلى فراق نهائى أو سراح ، وحينئذ تخرج من بيته الذى لم يعد بيتها ، وتصبح حرة يمكن أن تتزوج بمجرد خروجها من ذلك البيت، فقد انتهت عدتها وانتهت مرحلة طلاقها بانتهاء العدة داخل بيتها دون أن يلمسها ودون أى محاولة للاتفاق والصلح. بخروجها تبدأ مرحلة جديدة تتزوج من تشاء بعقد جديد ومهر جديد حتى لو كان زوجها السابق.
7- ويحرم القرآن أن يتمسك الزوج بزوجته ليوقع بها الضرر، ويحذر الله تعالى من ذلك أشد التحذير (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )البقرة 231 ) الواضح هنا أن ثلث الآية فقط جاء فى التشريع ، وهو انه اذا بلغت فترة الطلاق نهايتها فعلى الزوج ان يختار بين الاحتفاظ بها بالمعروف –أى بالعدل والانصاف والاحسان – أو يفارقها أى ينفصل عنها بالمعروف، مع التحذيرمن الله تعالى من أن يحاول الزوج الاحتفاظ بها للاضرار بها. بعد هذا التشريع تتالت عبارات التحذير والوعظ والتنبيه على التقوى والخوف من الله تعالى. كل ذلك لرعاية حقوق المرأة.
7- كما يحذر الله تعالى من عضل الزوجة بعد إنتهاء العلاقة الزوجية بأن يمنعوها عن الزواج (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )البقرة 232 )
أى انه بمجرد خروجها يكون من حقها الزواج ممن يعرض الزواج عليها حتى لو كان زوجها السابق. ويحرم الله تعالى على ولى أمرها أو أى شخص آخر ان يمنعها من حقها فى الزواج طالما تراضيا بالمعروف – أى المتعارف على أنه خير وعدل واحسان ومناسب للطرفين. وكالعادةيأتى معظم الآية فى التحذير والوعظ حتى يلتزم المسلمون بتنفيذ هذا التشريع وحفظ حق هذه المرأة وألا يعضلها احد ، أى يمنعها من الزواج.
الخلاصة:
أنه بمجرد أن يختار الزوج الفراق وإطلاق سراح الزوجة بعد إتمام عدتها فى بيته فإن الزوجة تخرج من بيتها وهى بريئة الرحم من أى شبهة حمل ، وتستطيع الزواج بعدها مباشرة بمن تشاء. وحتى لو أراد الزوج السابق أن يرجع اليها فلن يتمكن إلا بعقد جديد وصداق جديد .
وهنا يكون الطلاق مجردمرحلة – هى مرحلة العدة – يأتى بعدها الإنفصال التام وهو الفراق أو السراح.
ويكون الطلاق أيضا مجرد مرحلة لإعادة الوئام فى حالتين إذا حدث صلح او مجرد لقاء جنسى بين الزوجين أثناء العدة ، وهنا تكمن الحكمة فى وجوب أن تظل الزوجة فى كنف زوجها وفى بيتها أى بيته ، ينفق عليها ويرعاها فإذا حدث الصلح إنهار موضوع الطلاق من أساسه كأنه لم يكن ، اما اذا استمرت القطيعة بينهما الى انتهاء العدة وجاء الشاهدان وتم تخيير الزوج فأختار امساك الزوجة حينئذ يكون الطلاق ايضا طريقا لاستبقاء الحياة الزوجية ؛ ولكن تحلق فوق رأسيهما تلك الطلقة السابقة التى يعرفها الشاهدان والمجتمع والناس.

الطلاق الثانى
فاذا عادا الى النزاع والشقاق وعزم على تطليقها للمرة الثانية ؛ فعلية ان يسير فى نفس الاجراءات ؛ استحضار الشاهدين واعلان الطلاق امامهما ؛ وتظل فى بيته فترة العدة ؛ فاذا تصالحا قبل انتهاء العدة - أى مدة الطلاق -اصبح الطلاق الثانى لاغيا ويبلغا الشاهدين بانتهاء الطلاق والغائه قبل تمام العدة وقبل احتساب طلقة عليهما . أما اذا استمرا بدون صلح وبدون مراجعة الى ان تنتهى عدة الطلاق أو أجل الطلاق وحضر الشاهدان يتم تخييرالزوج بين امساكها بالمعروف او فراقها بالمعروف؛ فاذا اختار امساكها كانت عليه طلقة ثانيا وأستأنفا حياتهما الزوجية . اما اذا اختار فراقها خرجت من بيتها واصبح من حقها الزواج . يقول تعالى عن الطلاق الأول والطلاق الثانى (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) البقرة 229 ) أى فى كل مرة من المرتين يتم تخيير الزوج بين أن يمسكها بالمعروف أو ان يفارقها بالاحسان . ويختلف الأمر فى الطلاق الثالث حيث لا يستطيع الاحتفاظ بها وارجاعها لعصمته الا بعد أن تتزوج شخصا آخر ثم تطلق من ذلك الشخص الآخر.
الطلاق الثالث
ونفترض انه امسكها بعد الطلقة الثانية وأستأنفا حياتهما الزوجية للمرة الثالثة ؛ ولكن احتدم الشقاق بينهما كالعادة وأراد أن يطلقها للمرة الثالثة ،فان الاجراءت تتم كالسابق من حضور الشاهدين ليسمعا اعلان الطلاق ؛ وبقاء الزوجة فى بيت الزوجية الى ان تتم عدتها . ولكن بعد ان تتم العدة لا يكون له حق الخيار؛ اذ تخرج من بيته، وتتزوج من تشاء الا هو، اذ لا يستطيع ان يتزوجها الا بعد ان تتزوج شخصا اخر ؛ ثم يطلقها ذلك الشخص الاخرويتم الانفصال النهائى بينهما بالفراق أو السراح بانتهاء فترة الطلاق أو العدة . بعدها يمكن للشخص الاول ان يسترجعها بعقد جديد (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ البقرة 230. )

الخلاصة:
ومن هنا يتضح أن إجراءات الطلاق يمكن أن تؤدى إلى إعادة الحياة الزوجية إلى مجاريها كما يمكن أن تؤدى إلى الفراق النهائى ؛ وذلك معنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمرا ) الطلاق :1) أى أن آلية الطلاق تشمل إحصاء مدة العدة وهى تعيش فى كنف زوجها أو بتعبير القرآن فى (بيوتهن) ثم إذا تمت العدة وبلغ الأجل يكون التخيير (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) ا لطلاق 2) (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بمعروف ٌ : البقرة 231) ولعل الله تعالى يحدث أمرا فتعود الحياة لمجاريها، وإلاخرجت بعد إنقضاء العدة إمرأة حرة صالحة للزواج بعدها بدقائق.

ما بعد الطلاق.
وفى كل الأحوال فالتشريع القرآنى يحرص على أن يكون إمساكها بمعروف وإطلاق سراحها بمعروف كما كان يحرص على أن تكون معاشرتها الزوجية بالمعروف . كما يحرص على سداد متعة طلاقها أيضا بالمعروف ؛ وحقوق الرضاعة إذا كانت مرضعة لطفلها يكون أيضا بالتراضى وبالمعروف .... وكلها حقوق للمرآة يؤكد عليها تشريع القرآن مثلما أكد من قبل على حقوقها فى الصداق وفى المؤخر (البقرة229؛231؛233؛236؛241.النساء 19؛الاحزاب49؛الطلاق2).

متعة الطلاق
اذا طلق زوجته قبل الدخول بها وبدون أن يكون لها شرط مفروض فى عقد الزواج – أى مؤخر صداق - فليس الزوج مطالبا بالاجراءات السابقة ولا بالمؤخر . عليه فقط أن يدفع لها متعة - أى مبلغا من المال - تتمتع به مقابل طلاقها وانفصالها عنه.
هذه المتعة المالية حق للمطلقة حتى لو لم يدخل بها الزوج ولم تكن قد فرضت لنفسها مؤخر صداق. هذه المتعة يمكن تقديرها حسب حالة الرجل المالية. لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) البقرة 236 )
واذا طلق زوجته قبل الدخول بها ولكن كان قد فرض لها مؤخر صداق فعليه أن يدفع نصف المؤخر المفروض عليه فى عقد الزواج ، الا اذا تنازلت المرأة أو ولى أمرها عن حقها فى نصف المؤخر. ويدعو رب العزة الى ايثار العفو والتسامح والفضل فى هذه القضية لتصفو النفوس (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة 237 )
وفى كل الأحوال فلا بد للمطلقة من متعة طلاق، سواء كان الطلاق بدون عدة – اذا لم يدخل بها - أو كان الطلاق بعد الدخول وانتهى الى فراق وانفصال . كل مطلقة انتهت علاقتها بزوجها لها متعة طلاق ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) 241 ) يقول الله تعالى - بعد أن جاء بالتفصيلات الخاصة بالطلاق وغيره - يخاطب المسلمين بأهمية هذا الشرح والبيان والتفصيل فى تشريع القرآن الكريم (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) البقرة 242 ) لكن فقهاء السنة لم يعقلوا بيان الله تعالى فى القرآن الكريم.!!

نفقة المطلقة
نفقة المطلقة تعنى الطعام والملبس والسكن وسائر النفقة المعتادة لها باعتبارها زوجة لزوجها الذى ينفق عليها. هذه النفقة تجب للمطلقة اثناء اقامتها فى بيت الزوجية الذى هو بالتعبير القرآنى بيتها هى . وتستمر هذه الاقامة مدة العدة التى هى مدة الطلاق، فاذا كانت حاملا استمرت عدتها ومدة الطلاق الى أن تضع مولودها واستمرت النفقة طيلة هذه المدة. فاذا وضعت طفلا وانتهت عدتها بالوضع خرجت من بيته ولكن يكون على المولود له نفقة الرضاع والرضيع ونفقة المطلقة المسرحة المنفصلة عن زوجها السابق طالما كانت ترضع الطفل. وطالما ظل الطفل فى حضانتها فعليه نفقة الطفل مع انتهاء النفقة للأم.
يقول الله تعالى :(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة 233 )
مع أن سياق الحديث عن المطلقات الا ان التعبير القرآنى جاء بوصف (الوالدات ) ليجعل التشريع عاما للمطلقة والزوجة العادية وليؤكد أن المطلقة اذا ولدت لزوجها فلها نفس حقوق الزوجة فى موضوع الرضاعة – بأن ترضعه سنتين كاملتين اذا ارادت ان تعطيه حقه التام فى الرضاعة الطبيعية – وفى النفقة على الأم والرضيع ، اذ تشمل النفقة سائر ما تحتاجه الوالدة ورضيعها مع الكسوة طيلة العامين ، وأن يتم تقدير المتعة بالمتعارف على أنه عدل ومناسب لحال الرجل بحيث لا يحدث اضرار بالرجل الأب أو بالأم الوالدة ، فاذا مات الوالدان أو أحدهما كان على الوارث القيام بالمسئولية نفسها. واذا جاء وقت الفطام وانفصال الطفل عن صدر أمه والكف عن الرضاع فان تحديد هذا الوقت يجب أن يكون بالتراضى والتشاور بين الأب والأم. واذا أراد الأب أن يؤجر مرضعة للوليد فلا بأس اذا كان ذلك بالمعروف، وفى كل الأحوال فالله تعالى يراقب الجميع وعليهم أن يتقوه ويخشوه .
وفى تفصيلات أخرى يقول تعالى فى التأكيد على أن حقوق المطلقة فى النفقة تساوى حقوق الزوجة العادية ، وبنفس المستوى الذى يعيش فيه زوجها ، ويحرم رب العزة التضييق فى النفقة على المطلقة والاضرار بها ، ويؤكد على تدخل المجتمع ممثلا فلى الهيئات المختصة
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) الطلاق 6 )، هنا دعوة للمجتمع أو من يمثل المجتمع فى عقد مؤتمر أو جلسة للفصل فى هذه الموضوعات طبقا للمعروف المتعارف على أنه حق وخير وعدل ويسر وتيسير .
وفى نفس الوقت يترفق رب العزة بالرجل فيؤكد على أن تكون النفقة على قدر قدرته المالية ، مشجعا اياه على ان يكون كريما فى النفقة مع اعساره على وعد بأن يجعل الله تعالى عسره يسرا، فى هذا المجال. يقول ربى جل وعلا (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا. ) الطلاق 7 )
وفى هذا دعوة ضمنية تؤكد على ما أشرنا له من قبل وهو أن آيات التشريع القرآنى دائما تدعو الى مراعاة التقوى وأهمية أن يتعامل المؤمن مع ربه مباشرة فيخشاه وحده ويتقيه وحده ، وبذلك يقوم بتطبيق هذا التشريع ويعطى حق المرأة وهى الطرف الضعيف المعرض للظلم دائما، لذا كان على الطرف الأقوى وهو الرجل أن يتذكر من هو أقوى منه وهو رب العزة جل وعلا فيتقيه ويخشاه ويطمع فى فضله وفى رزقه .
أخيرا

1- كما قلنا فان الملاحظ بوجه عام فى كل التشريعات الخاصة بحقوق الزوجة أن الله تعالى يخاطب ضمير الرجال ويحذرهم بكل الأساليب من إيقاع الضرر بالزوجة ؛ إذا كان الزوج يكرهها أو يضربها ظلما أو يريد إستبقائها (كالارض الوقف) أويمنعها حقها فى المتعة الجنسية، أو كان يريد منعها عن حقها فى الزواج أو العودة لزوجها ..بل إن بعض الآيات –كما قلنا من قبل - يأتى ثلثها فقط فى الحكم التشريعى ويأتى ثلثا الاية فى الوعظ والتحذير (البقرة231) ونحو ذلك فى نفس الموضوع فى سورة الطلاق (آية 2؛3 ) كما تكررنفس المنهج فى النهى عن عضل النساء ( البقرة232)
كما ان حرص التشريع القرآنى على حقوق المرأة يتجلى أيضا فى جعل المجتمع شاهدا وحكما ومراقبا وقاضيا فى كل المشاكل التى تحدث بين الزوجين اذا عجزا عن معالجة النشوز بينهما وتحول النشوز الى شقاق وصراخ يستدعى تدخل المجتمع وسلطته المخولة باصلاح الأسرة وحماية المرأة. ورأينا تدخل المجتمع فى موضوع الايلاء وفى الاشهاد فى مدة الطلاق والعدة ، وفى تحول الطلاق الى انفصال وفراق وسراح ، وتدخل المجتمع فى الآثار الجانبية للانفصال والطلاق من تقدير للمتعة والنفقة وسائر حقوق المرأة والمولود ، وسريان ذلك كله بالمعروف والاحسان .
ومن أسف أن بعض المجتمعات المتحضرة – كما فى أمريكا – قد سنت مثيلا لهذه التشريعات القرآنية فى قوانينها لحماية الأسرة وعلاج المشاكل النفسية والاجتماعية بين الزوجين ، ومناصرة الزوجات المظلومات ..ألخ. بينما أضاع الفقه السنى وأئمته كل هذا الاعجاز القرآنى فى التشريع ، والسابق لأوانه .
2 - إن حرص التشريع القرآنى على القسط مع النساء لا يعدله إلا حرص فقهاء العصور الوسطى على ظلم المرأة . واذا كان الاسلام قد كفل حقوق المرأة فى أشد العصور الوسطى ظلاما وفى أكثر بقاع الأرض وحشية وجاهلية فان المسلمين السنيين فى عصر حضارتهم ما لبثوا أن أضاعوا تشريعات القرآن الكريم بما قاله أئمة الفقه السنى . بدأ ذلك بالامام مالك ثم الشافعى ثم ابن حنبل والبخارى ومسلم وأشباههم، وأرسوا ظلما للمرأة المسلمة لا يزال سائدا ومستمرا ومطبقا بدليل الاستغراب الذى يصاحب القارىء لهذا المقال.
جاءت تفصيلات الكتاب العزيز تغطى كل المطلوب فى موضوع الحياة الزوجيةوالطلاق والفراق والسراح وحقوق المرأة فى أقل من عشرين آية فقط شديدة الوضوح لكل من أقبل على القرآن الكريم بعقل مفتوح يريد الهداية والتعلم منه، بينما كتب أئمة الفقه السنى فى الطلاق وتفريعاته آلاف الصفحات ملئت ظلما وتزويرا وأكاذيب وتخلفا واختلافا وحمقا بحيث لا يخرج العاقل من قراءتها الا بالقرف. المشكلة أن الماعز فى عصرنا لا تقرأ واذا قرأت لا ترى ولا تفهم .. لأنها ماعز.!!
انه عداء حقيقى للاسلام أرساه أولئك الأئمة فى العصور الوسطى ، ثم جاءت النكبة الوهابية السلفية لتؤكد هذا العداء للاسلام تحت شعار الاسلام . ولهذا فان الاسلام يواجه نفس العداء ويعانى اتهامات جديدة بالارهاب والتطرف والتعصب والجمود بفضل شيوخ السنة القدامى والجدد .
3- كان مفترضا للنهضة الاصلاحية التى بدأها الأمام محمد عبده أن تستمر وتثمرتحريرا لحياتنا الاجتماعية والدينية وعتقا للمرأة بالذات من أفكار التخلف السنى ، ولكن جاء رشيد رضا تلميذ محمد عبده ليعمل خادما للسعودية وينشىء من أجلها حركة الاخوان المسلمين عن طريق تلميذه حسن البنا . وعمل الاخوان المسلمون على اجهاض المشروع الاصلاحى لمحمد عبده لصالح الحاكمية والوصول للسلطة على أساس الوهابية، وهى أشد أنواع الفقه الحنبلى تعصبا وتخلفا وتزمتا. وبذلك تم تعليب المرأة المسلمة فى كفن أسود ذى عين واحدة يقال له نقاب ، لتصبح مجرد جثة متحركة تسعى على قدمين يصرخ من مرآها الأطفال .
واذا كان فقهاء السنة القدامى يعبرون عن اتجاه سائد فى ثقافة العصور الوسطى المتعصبة المتطرفة المتزمتة بطبيعتها فكيف نجد عذرا لفقهاء السنة الحنبلية الوهابية وقادة الحركة السلفية فى عصرنا وهو عصر حقوق الانسان والديمقراطية والقرية الكونية الواحدة ؟
أكل ذلك من أجل أن يركبوا أكتافنا ويصلوا الى الحكم ؟ أمن أجل تطبيق ذلك الفقه السلفى السنى الحنبلى المتخلف يؤفعون شعار : " تطبيق الشريعة"؟. لو كانت شريعة القرآن هى التى يقصدون لجعلونى اماما لهم وما كان عداؤهم الشديد لمن يكتفى بالقرآن مصدرا للتشريع ، ولكنها شريعة الفقه السنى وأئمته القدامى والجدد .
لا رضى الله تعالى عنهم جميعا.


اجمالي القراءات 62239