مصر فى القرآن الكريم ـ الفصل الأول
رابعا : قوم فرعون

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٣ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

ملأ فرعون :
1 ـ بعد أن قضت الدولة الحديثة منذ عهد أحمس علي أمراء الإقطاع المحليين نبتت
أرستقراطية جديدة
، وهم الموظفون الملكيون الذين وصلوا إلي قمة النظام الإداري
والعسكري
، وكافأهم الفرعون بالهدايا والمنح ،وكان فرعون يملك الأرض ويقوم
الفلاحون
بزراعتها لصالح التاج تحت إردارة بعض موظفى التاج الفرعونى ، وهم من ( الml; ( الملأ ) .
أهمّ ما يميّز ( الملأ ) هو إخلاصهم للفرعون الى درجة أن يرتبطوا به ، ونفهم هذا من خلال آيات القرآن الكريم التى تربطهم بفرعون. ونقرأ هنا أمثلة تؤكد أن رسالة موسى وهارون موجهة ليس للشعب المصرى الأعزل و لكن لفرعون وملئه:
(ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ )( الأعراف 103 ) (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ) (يونس 75) (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ )(هود: ـ 97 ) (ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)( المؤمنون: ـ  46 ) (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ)(القصص 32) (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ)(الزخرف 46) (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ)( يونس 83 ).
هؤلاء الملأ كانوا القادة وقمة الأتباع من قوم فرعون فقال عنهم:(قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ) (الأعراف 109 ، 127 ) .
وقد ذكر القرآن شخصيتين هامتين من ملأ فرعون هما هامان وقارون ، ومن تحليل ما ورد عنهما نعرف كيف كان يصل الفرد الى الملأ القريب من فرعون .
 
2 ـ هامان كانت له سلطة حربية بجانب سلطته المدنية نفهم ذلك من قوله تعالي (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ)( القصص 8 )فنسب الجنود لهامان وفرعون معا ،أى كان فرعون هو القائد الأعلى للقوات المسلحة بينما كان هامان هو القائد العام لها.  
أما عن سلطته المدنية فتتضح من تكليف فرعون له بأن يبني صرحا. (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ )( غافر37 )(فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى)(القصص38 ). وربما كانت رتبته العسكرية تخول له القيام بألأعمال المدنية المعمارية ، وهذا شأن النظم العسكرية التى يقوم فيها الجيش بمعظم المهام.
وبالتالى فقد كانت المهارة الحربية هى أهم معيار للوصول للطبقة العليا أو (الملأ ) الفرعونى.
 
3 ـ وإذا كانت ( الجندية )أو الاحتراف العسكرى من وسائل الوصول للطبقة العليا ،أو( الملأ ) فقد كان قارون ( المدنى غير العسكرى ) يمثل المهارة الاقتصادية والسياسية التى تمكن صاحبها من الوصول للطبقة العليا حتى لو كان من أقلية مغضوب عليها.
ورد ذكر قارون في موضعين في القرآن مرتبطا بفرعون وهامان علي أنه من كبار أتباع فرعون الذين كذبوا بموسي.(وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ)(العنكبوت 39 ) (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ،إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ )(غافر 23 ، 24 )
ويفص
ّل القرآن قولهم ــ ومنهم قارون بالطبع ــ (فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)( غافر 25 )وفي موضع آخر يقول تعالي عن قارون: "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ)( القصص 76 )  
ومعناه أن قارون كان من بني إسرائيل ولكنه بغي عليهم
وخانهم فأصبح من ملأ فرعون، وحين جاءت دعوة موسي كان قارون في خندق واحد مع فرعون وآله ضد موسي وقومه.
ويذكر القرآن أن قارون اتخذ نفس الموقف مع فرعون فأشار مع هامان بقتل أبناء الذين آمنوا مع موسي . ولكن قارون ـ شأن كل خائن لقومه ــ آثر في الوقت العصيب أن يمسك بالعصا من منتصفها فلم يشترك في الحملة التي طارد فيها فرعون بني إسرائيل وموسي .
أى ظل فى مصر تاركا سيده الفرعون يطارد بنى اسرائيل ثم يغرق فى البحر الأحمر بجنده وملئه.
وهكذا نجا
قارون من نهاية فرعون ولكن إلي حين .
وبعد انهيار النظام الفرعوني كان قارون أعرف الناس بكيفية استغلال الموقف واستثماره فاستحوذ علي كل ما يعرفه من كنوز وثروات مصر المخبأة ، فاغتر بالمال ، وأعرض عن الاستماع للنصيحة، وكاد أن يفتتن به الضعفاء في الإيمان ، وجعله الله عبرة لبني إسرائيل حين خسف به الأرض وبكنوزه وداره .نفهم هذا كله من قوله تعالى عن قارون (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ( القصص76 : 83 ).
ولا ريب أن قارون كان يتمتع بذكاء نادر وصل به إلي أن يلحق بملأ فرعون مع كونه من القوم المستضعفين ، ثم بعد انهيار فرعون ونظامه تمكن بذلك الذكاء من الاستحواذ علي الثروة لنفسه وحين نصحه قومه بان يتصرف في المال وفق ما يرضي رب العزة قال لهم: " إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي." ( القصص 78 )
وقد اغتر قارون بهذا
(العلم) فاستحق نهايته المفجعة ، وحلّت به اللعنة ، وتحققت فيه دعوة موسى حين قال (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ) ( يونس 88 : 89 ). أى تحققت دعوة موسى على فرعون وملئه فى مرحلتين : الأولى فى غرق فرعون وجنده ، والثانية فى الخسف بقارون وما سلبه من الكنوز الظاهرة فى القصور الفرعونية بعد غرق فرعون وملئه .
4 ـ قارون كان يتكلم بنفس منطق آل فرعون فى التعويل على ( العلم ) والذى كان يعنى وقتها السحر . وقد واجهوا معجزات موسي بالبحث عن كل ساحر " عليم". وفرعون كان يقدر هذه النوعية من العلم التي تعني المهارة في الخداع والدهاء، وبهذه الموهبة( السحر )  تنفتح الأبواب لكي يصير أحدهم من بين الملأ المقرب للفرعون.
لقد اقترح الملأ علي فرعون "قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ،يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ "( الشعراء 36 : 37 )
وحين جاء السحرة " العلماء" انتهزوا الفرصة ليلحقوا بطبقة الصفوة من ملأ فرعون.
" فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ،قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ "( الشعراء 41 ـ )
وحين خيب السحرة أمل فرعون فأعلنوا أمامه إيمانهم بموسي ورسالته كافأهم فرعون بالصلب وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فالذي يقترب من فرعون ثم يناله غضب الفرعون لابد أن يتحمل سوء العاقبة ، وذلك هو الدين الذي يعرفه كل الملأ الذي يحوم حول كل فرعون .
إن الوصول للدائرة الضيقة حول فرعون لا تسمح لأحد باختراقها إلا لمن كان ذا موهبة خاصة فإذا ساء حظه جاء حتفه.

5 ـ لقد جاءت كلمة الملأ مرة واحدة في قصة يوسف حين طلب الملك الهكسوسي منهم أن يفتوه في رؤياه ولم يجد منهم إلا التكاسل والتثاؤب ، أما في قصة موسي وفرعون فكانت كلمة الملأ تأتي مرادفة لكلمة فرعون تدليلا من القرآن علي أن الملأ هم الامتداد الطبيعي للفرعون ؛ رأيه هو رأيهم ، ورأيهم هو رأيه .
بل إن كلمة " ملائه" و " ملائهم" لم تأت في القرآن إلا عن فرعون دليلا علي أن فرعون قد امتلك أولئك الملأ الذين نسبهم القرآن له.
وجاء كلمة" ملئه " ست مرات ، بينما جاءت كلمة " ملئهم " مرة واحدة في قوله تعالي:
"
فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ "( يونس 83 )
ومجيء كلمة الملأ مضافة إلي ميم الجمع تعني أن الملأ
االلفرعونى كانوا طبقات ودرجات ومجموعات، أو ما يعرف الآن بمراكز القوي التي تنشأ حول الحاكم المنفرد بالسلطة وتتشعب ذيولها فى كل قرية ومدينة .
وحين قتل موسي ذلك الرجل المصري وصل النبأ إلي " الملأ
المحلى " فتآمروا علي قتل موسي. ولاشك أن أولئك الملأ كانوا في المستوي الأدنى الذي يشرف علي مجريات الشارع المصري في العاصمة، بدليل أن الأمر لم يصل إلي فرعون في حينه ، وأولئك الملأ المحليين  أخذوا علي عاتقهم أن يتآمروا علي موسي ويقتلوه بأنفسهم ، وعلم بالأمر واحد من الرجال في أطراف المدينة فجاء وحذر موسي :(وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) ( القصص 20 ).
لو كان أولئك الملأ من الطبقة العليا القريبة من إذن الفرعون لأسروا إليه بما حدث ولأصدروا حكم الإعدام علي موسي واعتقلوه ونفذوا فيه الإعدام قبل أن يصل الخبر إلي رجل يعيش في حواري العاصمة فيأتي ليحذر موسي .
لقد كان الملأ ـ أو زعماء قوم فرعون ـ طبقات ودرجات ، ولكنهم جميعا كانوا رهن إشارته فاتبعوا أمره فأوردهم التهلكة في الدنيا
، وسيأتي يوم القيامة إماما لهم يتقدمهم إلي النار.
وبهذا أخبر رب العز
ة " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ،إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ،يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ "( هود 97 : 98 )

6 ـ وللقرآن الكريم طريقة فريدة يوضح بها التطابق والتجاوب في الرأي بين فرعون وملائه وذلك بأن يسند الرأي الواحد مرة لفرعون ومرة أخري للملأ ، أى إن الملأ ينطقون لفرعون بما يريد ،أو إن الملأ حول فرعون يبحثون عن الرأي الذي يرضي هوي فرعون ليقولوه له، أو إن فرعون يعبر عن رأى الملأ. وإذا كان الرأي واحدا في النهاية فمن الممكن أن ينسب لفرعون أو للملأ أولهما معا، فالملأ في الحقيقة هم امتداد الفرعون.
يقول تعالي: "
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ." ( الأعراف 127 )
فالملأ هنا هم أحرص من فرعون علي ملك فرعون أو هم ملكيون أكثر من الملك.
ويقول تعالي:
" فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ " ( غافر 25 ) .نفس الرأى قاله فرعون وقاله ملأ فرعون.
إن هذه النوعية من الحاشية الملكية تفرش الورود أمام
كل فرعون في طريقه للهلاك السريع..!!
 
جند فرعون هم قوم فرعون :

1 ـ لقد كان الملأ هم قادة الجند الفرعوني وكبار موظفيه في العاصمة والأقاليم.
أما
حين نتحدث عن قوم فرعون فالقوم حينئذ يشملون جند فرعون مع ملأ فرعون ، فقوم فرعون هم الجند والملأ معا.
كان الجند هم القطيع الذي يتم حشده من كل مدائن مصر خلف فرعون وملائه. و(جند) فرعون مع ملأ فرعون هم معا ( قوم فرعون) الذين هرولوا خلف فرعون يطاردون معه موسي واستقروا في قاع البحر.
ويقول تعالي عن (قوم ) فرعون .
" فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ،فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ " ( الزخرف 54 ) إذن أغرق الله (قوم) فرعون ( أجمعين) ويقول تعالي عن (جند) فرعون. " وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ،فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ .."( القصص 39 : 40 )
إذن غرق(جند) فرعون الذين هم (قوم) فرعون.

2 ـ ويقول مؤرخ عصر الرعامسة أن الجنود لم يكونوا يتعلمون مهنة أخري سوي مهنة حمل السلاح التي كانوا يتوارثونها وكانوا جميعا من ذوي الأملاك ، اى كانوا يشرفون على الاقطاعات الزراعية التى يزرعها الفلاحون المصريون لصالح الفرعون الذى كان يملك الأرض ومن عليها.
 
النظام الاقطاعى العسكرى فى مصر الفرعونية

1ـ ومعني ذلك أننا أمام نظام الإقطاع العسكري حيث يقوم جيش الفرعون بالإشراف علي زراعة الأرض التي تقسم علي القادة والجنود ويتم تسخير الفلاحين في زراعتها في مقابل ما يقيم أودهم . وقد استمر الإقطاع العسكري الزراعي في مصر في فترات لاحقه كان آخرها في العصر المملوكي ( 1250ــ 1517م) وعاش الإقطاع العسكري فترات طويلة في أوربا فى العصور الوسطي.
وكانت بدايته في مصر في عصر الرعامسة ..
 
2 ـ والقرآن الكريم يعطي أضواء علي نظام الإقطاع العسكري الزراعي الفرعوني، ويظهر ذلك في تكرار كلمة" حشر" في أفعال فرعون، أي أنه كان يحشد جنده وأتباعه من كل مكان فى العمران المصرى ليأتوا اليه فى مكان محدد وموعد محدد.
ويقول تعالي يصف نوعية الحشد العسكري الفرعوني الذي يضم كل المدن المصرية والقرى الزراعية
، يقول جل وعلا: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ،فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ،إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ،وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ،وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ،فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) ( الشعراء 53 : 56 )  
أي أن فرعون أرسل منشورا إلي قادة الجيش في كل أنحاء المدائن المصرية ليحشروا
ـ أو ليحشدوا ـ قواتهم ويسيروا بها إلي فرعون ، وذلك المنشور يقول أن بني إسرائيل شرذمة قليلة ولكنهم يسببون الضيق للفرعون وأنه يحذرهم ، وطبقا لذلك الأمر خرج كل الجنود من اقطاعاتهم الزراعية وكنوزهم التي يديرونها ويشرفون عليها ، ووصفها القرآن بقوله:
" فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. "( الشعراء 57 : 58 )  
ويتكرر نفس المعني في قوله تعالي: "
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ،كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ " ( الدخان 25 ـ ).

4 ـ ويعتبر فريدا فى وقته هذا الحشد العسكرى القادم من جميع العمران المصرى ليتجمع فى نقطة واحدة مركزية هى الفرعون . ويمكن أن يكون موجودا قبل الرعامسة حيث كان أمراء المقاطعات والحكم اللامركزى فى مصر يشاركون الفرعون فى الحكم، إلا إن الجديد هنا هو تحكم قبضة فرعون المركزية فى الحكم ، فالحكام فى المقاطعات هم ملؤه التابعون المخلصون له ، وهو الذى يملك تعيينهم وعزلهم وقتلهم . ثم ـ وهذا هو الأهم ـ إنه لا بد من وسائل اتصال قوية ومرنة و مستمرة تعزز من التواصل والاتصال بين االفرعون وأؤلئك القادة ، وتجعل الفرعون كأنه موجود فى كل مكان . ووسائل الاتصال تلك من أهم وسائل السلطة المركزية المستبدة فى التحكم فى كل اطراف دولتها.
فهل كانت فى مصر تلك الوسائل فى عهد فرعون موسى؟
الاجابة نفهمها من القرآن الكريم.
فى القرآن الكريم إشارات إلي نظم متفوقة في الاتصال بين فرعون في عاصمته وفرق جيشه في سائر العمران المصري القديم . وعن طريق ذلك الاتصال المستقر والمستمر كانت كل فرق الجيش وكل قوم فرعون في متناول يده في اللحظة التي يريدها ، ويكفي انه جمع جنوده من كل الإنحاء ولحق بموسي .
وفى القرآن الكريم مثلان على دقة وتميز النظام الفرعونى فى الحشد و الحشر.
أولهما ينتمى الى الأعمال المدنية ، حين تم تجميع كل السحرة من كل أنحاء مصر ليأتوا فى وقت محدد للمباراة مع موسى : ( قَالَ لِلْمَلإٍ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ، قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ، فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ، لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ ) ( الشعراء 34 ـ )  
إذن ذهبت الرسل إلي كل المدائن تجمع أمهر السحرة وتنقلهم إلي العاصمة في وقت محدد .
ثم اندست مجموعات أخري من التنظيمات السرية للملأ الفرعونى بين الجماهير تحثهم علي حضور المباراة المرتقبة. وحتى يزيدوا في إثارة الجماهير لمشاهدة المباراة فإنهم لا يقطعون بفوز السحرة وإنما يقولون " لعل السحرة يفوزون" (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ، لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ)
ويقول تعالى يحكى عن فرعون بعد أن شهد آية موسى فى العصا و اليد : (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ) ( طه 57 : 60 )
هنا يتحدث الفرعون بلهجة الواثق من نفسه ، فيطلب من موسى أن يحدد ساعة الصفر مقدما ، ولأن موسى يعرف قدرة الفرعون على الحشد و الحشر فإنه يقول للفرعون: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ) ، وبسرعة يتصرف الفرعون مستغلا إمكانات الدولة فى الحشر وفى الحشد ،أو بالتعبير القرآنى (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ). فالقرآن يصف أجهزة فرعون في الاتصال والتأثير في الجماهير بأنه " كيد" وهو أفضل تعبير عن الأجهزة السرية التي تخدم الحاكم المطلق.
أما المثل الآخر فى الحشد والحشر فقد كان عسكريا . وطبقا للنظام الاقطاعى العسكرى فقد كان جند الفرعون موزعين فى الأقاليم يشرفون على الزراعة وتسيير أمور المملكة ، ويحكمهم نظام إتصال على أعلى مستوى متقدم فى ذلك الوقت ، مركزه قصر الفرعون . ومن الطبيعى أن يكون الحشد العسكرى أهم وأخطر أنواع الحشد . وحين علم فرعون بنية موسى على الهرب ببنى اسرائيل أمر نظامه فى الحشد و الحشر بتجميع كل الجنود من كل اقاليم مصر، فتم ذلك بسرعة جعلت جيش فرعون يكاد يلحق ببنى اسرائيل ويكاد يفتك بهم لولا التدخل الالهى ، يقول جل وعلا (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ،فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ،إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ،وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ،وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ،فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) ( الشعراء 52 : 59 )  

5 ـ وهناك عنصر حاضر غائب فى الموضوع ، وهذه هى طبيعة عمله. نتحدث هنا عن الأجهزة السرية للفرعون ، فمن الطبيعي أن يكون للفرعون عملاء سريون ، وإن كانت إشارات القرآن هي المصدر الوحيد ـ حسبما نعرف في هذا الشأن. ومن القرآن الكريم نستشف تنوع عمل الجهاز السرى للفرعون .
كان منهم من يتخصص فى التأثير على الجماهير ، وسبق أن أشرنا اليهم فى سياق التعرض لقوله جل وعلا :(وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ، لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ). وربما كان منهم ذلك ( الرجل ) الذى كان في أطراف المدينة ، وعلم بالمؤامرة فجاء وحذر موسي :(وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) ( القصص 20 ). ربما كان يعمل ( مرشدا ) للملأ المحلى ، وربما كان من بنى اسرائيل فخاف على موسى فبادر بنصحه .
ولا نستبعد وجود قارون عميلا للفرعون ضمن اجهزة الفرعون السرية التى كانت تتلصص على بنى اسرائيل..
 
ولكن أخطرهم هم اولئك الذين يعملون فى الشرطة و الجندية ويتخصصون فى إرهاب الناس.
وقد تتبع عملاء فرعون وجواسيسه كل أفراد بني إسرائيل في عصر موسي ، ولم يشعر بهم بنو إسرائيل ، ولم يشعر موسي أو هارون بذلك النظام السري الفرعوني الذي يعد عليهم أنفاسهم.
وتطلب الأمر أن يوحي الله تعالي لموسي يحذره من أولئك الجواسيس ، وجاء ذلك الوحي قبيل اللحظة الحاسمة" ساعة الصفر" أي وقت هروبهم من مصر للشرق.
يقول تعالي: (
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ )( الشعراء 53 ) (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ )( الدخان 23 )
أي كان بنو إسرائيل " متبعون" أي خلفهم جواسيس فرعون يتبعونهم حيث تحركوا .ومع إنهم تحركوا في ظلمات الليل سرا فإن البوليس السري الفرعوني ما لبث أن اكتشف السر وسارع بإبلاغه إلي فرعون ، وسرعان ما أرسل فرعون بالمنشور الذي يحشد به كل قواته من كل أنحاء مصر . (
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ..)"
واضح هنا أن النظام السري لفرعون كان يتكون من درجات مختلفة السرية .
ودليلنا علي ذلك ـ أيضا ـ ما نستشفه من قوله تعالي: "
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ."( يونس 87 )
فالله تعالي يأمر بني إسرائيل بأن يقيموا الصلاة في بيوت سرية خاصة في أنحاء مصر ، وقد جاءت هذه الآية بعد آيات أخري تفيد خوفهم من اضطهاد فرعون إلي درجة أن ذرية قليلة من بني إسرائيل هي التي آمنت لموسي ووثقت به . وتطلب الأمر أن يعتصموا بالله ويتوكلوا عليه ليستعينوا به في كربهم أمام اضطهاد الفرعون: (
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) ( يونس 83 ) .
ومعني ذلك أن رموز الإرهاب كانت تحيط ببني إسرائيل من الشرطة العلنية ونصف السرية.
وبعد أن كانوا يصلون لله في بيوت سرية فإن الأعين الفرعونية شديدة السرية كانت تلاحقهم. وحذر الله موسي من ذلك النظام السري الجهنمي . وفي النهاية كان مكر الله أسرع ، فأسرع فرعون بكيده إلي حتفه.
6 ـ ولأن جهاز الحكم الفرعون كله يخضع للمركزية الشديدة بما فيه نظام الاقطاع العسكرى فإن كل أفراد النظام المشرف على الحقول وإدراة الدولة مدنيا وإقتصاديا وعسكريا قد لحق بالفرعون فى ( نزهته الحربية) لكى يؤدب بنى اسرائيل الذين أرادوا الخلاص من إرهابه والتحرر من استبداده.
وقد غرق نظام الحكم الفرعونى مع فرعون فى البحر الأحمر . وبقى الشعب المصرى العامل فى الحقول .. وبقى معهم قارون (العالم ) بالكنوز و(العارف)من أين تؤكل الكتف . وناتى للسؤال الهام :
هل يشمل تعبير " قوم فرعون " كل المصريين ؟
1 ـ من القرآن نفهم أن قوم فرعون هم جنده الذين كانوا يحضرون مؤتمراه الشعبية والذين كان يستحضرهم من كل الأنحاء ليطارد بهم خصومه، فغرق فغرقوا معه تاركين خلفهم أرض مصر
الزراعية عامرة بما فيها من كنوز وجنات وعيون.
ومعناه أن الفلاحين المصريين كان لا شأن لهم بما يجري من السياسة الفرعونية وتطوراتها.
ولم يكن منتظرا أن يتركوا حقولهم ليحضروا مؤتمرا لفرعون في العاصمة، ولم يكونوا مؤهلين ليشتركوا في أعمال عسكرية. كان الفلاحون من ضحايا الفرعون شأنهم في ذلك شأن بني إسرائيل فنجوا من الغرق ورضوا بتحمل الظلم ـ ولا يزالون.
2 ـ يقول مؤرخ عصر الرعامسة أن أحقر المهن جميعا هي مهنة الزراعة التي يفني فيها الفلاحون ، وطالما كانوا يتعرضون لأذى سادتهم . ويستغلهم السادة ومحصلو الضرائب علي السواء " وهذه هى حال رجل الحقول . تسجن زوجته ويؤخذ أولاده رهائن". أى نظام الرهائن المعمول بهم به فى أى نظام مستبد .
وعندما تبدأ سنابل القمح في الاصفرار يري الفلاح سادته ومعهم عدد كبير من الكتبه والمساحين والموظفين ورجال الشرطة يبدأون عملهم بمسح الحقل ثم يقدرون كمية الحبوب بالكيل ، ويكونون فكرة دقيقة عما يستطيع الفلاح أن يقدمه إلي مندوبي الخزينة ، وبعد إتمام الحصاد يحضر الكتبة والكيالون فيستولون علي المحصول ويعاقبون الفلاح الذي يخفي جزءا من المقرر عليه. ثم يتم تجميع المحاصيل كلها في صوامع ضخمة علي شكل أقماع السكر".
وما سجله مؤرخو عصر الرعامسة كان يتكرر في العصرين المملوكي والعثماني وربما حتى الآن..

3 ـ لقد اختار الفلاح المصري أن يتحمل الظلم فاستحق الخلود الدنيوي مع النيل والتربة
.. بينما دفع الفراعنة الظلمة الثمن من حياتهم وسلطانهم.، وليس هذا بشىء مقابل الخلود فى النار يوم القيامة ، يقول جل وعلا : "
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ، إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ، يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ، وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ"
لقد حكم فرعون موسي بالحديد والنار وكان الاضطهاد للضعفاء أبرز سياسته الداخلية.
أى كان المصريون ينقسمون قسمين فقط بدون وسط أو ( طبقة وسطى )، ألأولى هم فرعون وملؤه وجنده ( قوم فرعون ) ، ثم الشعب المصرى الكادح فى الحقول وفى أطراف و حواشى المدن . وبينما كان الضجيج وصنع الأحداث والظلم يأتى من فرعون وقومه كان الشعب المصرى مستكينا خاضعا يكدّ فى إنتاج الخير لفرعون وقومه ..
ولا يزال .!!
ملاحظة :
فى ملاحق للكتاب ستاتى فصول إضافية لم تكن فى الكتاب فى الكتاب الأصلى ، سيكون منها فصل عن الشعب المصرى فى عصر فرعون ، تعطى ـ بعون الله جل وعلا ـ المزيد فى هذه الجزئية .
 
اجمالي القراءات 65234