على غير العادة.. حوار إسلامي/ يهودي صريح بباريس

في الإثنين ١٨ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

على غير العادة.. حوار إسلامي/ يهودي صريح بباريس

هادي يحمد




جانب من المؤتمر
باريس- بعكس العديد من الملتقيات المشابهة أكد ملتقى للحوار بين الأديان الثلاثة "اليهودية والمسيحية والإسلام" عقد بالعاصمة الفرنسية باريس الأحد 17-5-2009 أن الصراع العربي الإسرائيلي هو "صراع سياسي ولكنه يحمل أبعادا دينية عميقة لا يجب التغافل عنها".
وشدد المجتمعون في الملتقى الذي جاء بعنوان "العيش سويا في القرن الـ21.. أي مساهمة للمؤمنين من أجل السلام في الأرض المقدسة" على أن تحقيق السلام في المنطقة لن يتم إلا بتحقيق العدالة وتمكين الشعب الفلسطيني من دولته المستقلة.

وفي كلمته بافتتاح الملتقى قال غالب بن شيخ رئيس الفرع الفرنسي للندوة العالمية للأديان من أجل السلام وهي الجهة المنظمة للملتقى بمشاركة مركز الدوحة الدولي لحوار الأديان: "نحن نقر أن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع سياسي بالدرجة الأولى، ولكنه يحمل أبعادا دينية عميقة لا يجب التغافل عنها، ومهمة هذا الملتقى هي البحث في التوراة والإنجيل والقرآن عما يساعد على تحقيق السلام والعدل في المنطقة".

طالع أيضا:

حل الصراع قبل الحوار.. عنوان ملتقى ديني بباريس
خبراء: حوار الأديان الثلاثي مدخل للتطبيع

وبرغم مقاطعة الجهات الرسمية للجالية اليهودية بفرنسا وعلى رأسها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية للملتقى، فإنه قد سجل حضور بعض الشخصيات الدينية اليهودية المستقلة على غرار الباحث التلمودي "هرفي آيلي بوخبزة" الذي أكد أن "البحث عن معاني السلام والعدالة في النصوص المقدسة يتوقف على رغبتنا فيما نبحث عنه وهدفنا من البحث".

وأضاف موضحا: "فمثلما قد يأتينا البعض بكل الآيات والنصوص التي تدعو إلى الحرب والقتال والعداوة فإننا يمكننا من خلال قراءتنا أن نأتيهم بكل النصوص التي تدعو إلى السلام"، مستشهدا بقول الفيلسوف اليهودي الأندلسي ابن ميمون "كل رسالة التوراة وشروحها هي دعوة للسلام".

ونوه بوخبزة إلى أن "علاقة اليهودي بأرض إسرائيل أو بفلسطين أو بالأرض المقدسة هي علاقة روحية بالأساس، وهناك مقولة تلمودية تقول: إن الذي يعيش خارج أرض إسرائيل كمن لا رب له، وبالتالي فنحن هنا إزاء علاقة روحية دينية لا علاقة لها بما هو سياسي وبمعاني السيادة على الأرض، ومثل هذا الفهم يمكن أن يكون مدخلا للحل السياسي لا يتعارض مع اليهودية وتشبث اليهود بالأراضي المقدسة".

الكافر والغوي

إعادة قراءة النصوص الدينية والبحث فيها عما يساعد على تحقيق العدل والسلام أكد عليها كذلك الباحث الإسلامي محمد عزاب الذي استند إلى مقولة لسيدنا علي رضي الله عنه جاء فيها أن "القرآن لا ينطق وإنما تنطق به الرجال".

وأشار إلى "الحاجة لإعادة قراءة صورة الآخر في نصوصنا المقدسة، سواء في القرآن أو في التوراة مثل تعبير (غوي) في التوراة والذي يعني غير اليهودي، ومصطلح (الكافر) في القرآن"، مؤكدا أن "عملا نظريا كهذا لن يؤدي لتحقيق السلام، إذا لم نحقق معنى آخر وهو تحقيق العدالة".

الشيخ أحمد جاب الله مدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية أكد بدوره على ارتباط معاني الإخوة والعفو بمعاني تحقيق العدالة قائلا: إن "الرسالة القرآنية مبنية على قيم الإخوة داخل الدائرة الإسلامية، وإخوة أخرى أوسع داخل الدائرة الإنسانية؛ وهو ما يفسر استعمال القرآن باستمرار تعابير مثل (يا أيها الناس) و(يا بني آدم) وهي تعابير تحدد أن اللقاء والتعايش فريضة، وأن العفو والصفح ممكن التحقيق بشرط تحقيق العدل".

ولفت جاب الله في هذا السياق إلى الحرب الأخيرة في قطاع غزة وما أسفرت عنه من استشهاد أكثر من 1400 فلسطيني وجرح 5450 آخرين فضلاً عن دمار واسع بالقطاع، وهو ما يتطلب برأيه "الإرادة والتصميم حتى لا تكون كلمات من قبيل السلام مجرد شعارات".

وبين الموقفين الإسلامي واليهودي حرص الموقف المسيحي في الملتقى على التزام دور الوسيط المحايد باعتبار أن "المسيحية تمثل العبارة بين العالمين اليهودي والإسلامي تاريخيا" كما قال الكاردينال "مارك ستنقار" في مداخلته.

واستشهد الكاردينال بمقولة لبابا الفاتيكان السابق أكد فيها أنه "لا يمكن تحقيق السلام في الأراضي المقدسة دون تحقيق العدل، ولا يمكن تحقيق العدل دون العفو والصفح".

وأضاف ستنقار: "ربما الأصعب من تحطيم الجدران التي تعزل اليوم بين المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي هو عملية تحطيم جدران الكره التي تفصل بين الشعبين، والحوار الديني يمثل معبرا أساسيا لتحطيم هذا الجدار".

الجلاد والضحية

المصارحات في الملتقى ذهبت إلى أبعد من مجرد الخوض في الصراع العربي الإسرائيلي، إلى التطرق إلى أمور خلافية حول حقيقة هذا الصراع، حيث اعتبر الباحث اليهودي لوران كلاين أن "عودة الشعب اليهودي إلى الأرض المقدسة بعد ثلاثة قرون من تهجيره منها عبر عملية إحياء ديني وقومي هو أمر تعتبر فيه الحركة الصهيونية حركة تحرر قومي للشعب اليهودي".

وأردف الباحث: "ولا يجب الخلط بين الحركة الصهيونية وممارسة هذا الحزب أو ذاك"، مستدركا: "هذه العودة إلى أرض إسرائيل أوقعت الصهيونية في تحدٍّ كبير وهو وجود الشعب الفلسطيني، ومن هنا يجب أن نبحث في إمكانيات العيش سويا لأننا ليس لنا خيار آخر، كما أن إنكار المحرقة النازية ضد اليهود على سبيل المثال لا يعين على تفهم معاناة الشعب الفلسطيني".

الرد على تصريحات كلاين لم يأت من رجال الدين الإسلامي بل جاء من أستاذ العلوم السياسية الفرنسي "جون بول شانيول" الذي ذكر الحضور بالواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بقوله: "هناك اليوم نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية بعد أن كانوا 10 آلاف فقط في أوائل الثمانينيات، فضلا عما عاشه قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة، وصعود حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل والتي لا تعترف أصلا بمقولات التعايش".

وفي السياق ذاته هاجم الحاخام ريفون كاريجور الأطراف اليهودية الداعية لـ"مشروع إسرائيل الكبرى ونفي الآخر وتبرر ممارسات إسرائيل"، معتبرا إياها "عائقا أمام تحقيق السلام"، مشيرا إلى أن "الأيديولوجيا الإسلامية التي تبرر عدم اعتراف حماس بإسرائيل تمثل أيضا عائقا أمام تحقيق التعايش الثنائي، وهو خيار يؤدي إلى العنف".

بيد أن الحاج تهامي إبريز رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية دعا من أجل إنجاح هذا الحوار إلى "عدم المساواة بين الجلاد والضحية"، مشيرا إلى "أننا إزاء وضعية غير متوازنة ومتساوية، وما حدث في غزة هو نموذج يؤكد أن الحوار الذي يغيب فيه إقرار الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة".

وعقد في شهر ديسمبر من العام الماضي بباريس المؤتمر الثالث "للأئمة والحاخامات من أجل السلام" وسط تحفظات حول تركيز المؤتمر على الجانب الديني وتغييب الجانب السياسي، وخاصة الصراع العربي الإسرائيلي من المناقشات.

كما اعتبر خبراء أن الحوار الثلاثي بين الأديان (الإسلامي- المسيحي- اليهودي) هو مجرد مدخل للتطبيع مع إسرائيل، استنادا إلى تجاهل مثل هذا النوع من الحوار للانتهاكات الإسرائيلية وحقوق الفلسطينيين، واقتصاره فقط على الأبعاد القيمية والإنسانية التي يتفق عليها الجميع.

اجمالي القراءات 3354