رسالة إلى أسيادنا الذين فى ائتلاف الضغط الأمريكانى!

في السبت ١٦ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

رسالة إلى أسيادنا الذين فى ائتلاف الضغط الأمريكانى!

بقلم صلاح عيسى ١٦/ ٥/ ٢٠٠٩
وجه «ائتلاف المنظمات المصرية ـ الأمريكية»، يوم الثلاثاء الماضى خطاباً للرئيس الأمريكى أوباما يطالبه فيه بأن يثير مع الرئيس مبارك خلال زيارته المرتقبة لواشنطن فى نهاية هذا الشهر، قضايا الإصلاح السياسى وقانون الطوارئ وسيادة القانون، واستقلال القضاء واحترام الحقوق الإنسانية وحقوق الأقليات.

ولو أنصف هذا الائتلاف ـ الذى يتشكل من ست منظمات هى «المركز العالمى للقرآن» و«جمعية المسلمين الأمريكيين» و«التجمع القبطى الأمريكى» و«مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية» و«أصوات من أجل الديمقراطية فى مصر» و«تحالف المصريين الأمريكيين» تضم فى عضويتها أمريكيين من أصل مصرى، ومصريين يجمعون بين الجنسيتين ومهاجرين ولاجئين مصريين إلى أمريكا ـ لوجَّه هذا الخطاب إلى الرئيس مبارك، بحكم أنه المعنى مباشرة بأمره، وبحكم أن المطالب الواردة فيه تتعلق بالشأن الداخلى المصرى، ولقصر مخاطبته للرئيس أوباما على مطالبته بما يدخل فى اختصاص الإدارة الأمريكية، ويتعلق بسياساتها،

ومن بينها أن يؤكد عزم إدارته، على العدول عن الأسلوب الفظ الذى كان سلفه يتدخل به فى الشؤون الداخلية المصرية، وعلى عدم التلويح بقطع المعونات والمساعدات الأمريكية كورقة ضغط لإكراه الإدارة المصرية على اتباع سياسات دولية وإقليمية تتعارض مع مصالحها الوطنية ومع المصالح العربية، وأن تمارس ضغطاً فعالاً على إسرائيل، لكى تجلو عن بقية الأراضى العربية المحتلة، وتعترف بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته، وهو الملف الرئيسى الذى سيكون موضوع مباحثات أوباما مع الرئيس مبارك!

فإذا كان لابد من ممارسة «ضغط» ما، خلال اللقاء بين «مبارك» و«أوباما»، ألم يكن من الإنصاف ومن ضرورات التوازن والموضوعية، أن يجمع ائتلاف المنظمات المصرية ـ الأمريكية، بين مطالبة «أوباما» بالضغط على «مبارك» لاحترام حقوق الأقليات والإنسان فى مصر، ومطالبة «مبارك» بأن يضغط ـ كذلك ـ على أوباما لكى تحترم الإدارة الأمريكية حقوق الأقلية المسلمة فى أمريكا، وتوقف كل أشكال التمييز ضدها.

وباستثناء مطلب الضغط على «مبارك» فليس لدى أى اعتراض على المطالب التى يرفعها ائتلاف المنظمات الأمريكية ـ المصرية فى ذاتها، فهى لا تختلف كثيراً عما أقوله ويقوله غيرى من الإصلاحيين المصريين، وينشرونه فى الصحف المصرية ويبثونه فى قنوات التليفزيون المصرية، بما فى ذلك التى تملكها الحكومة ويتحدثون عنها تحت قبة البرلمان وفى الاجتماعات العامة،

وفى الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات والاعتصامات، التى لا يمر يوم دون أن تشهد المدن المصرية عدداً منها، وهى كلها أساليب «ضغط» يمارسها المصريون على حكومتهم وعلى رئيسهم لتحقيق المطالب نفسها، من إلغاء حالة الطوارئ، إلى ضمان استقلال القضاء، ومن احترام حقوق الإنسان إلى احترام حقوق الأقليات.. بل إن ضغوطهم تشمل مطالب أخرى اقتصادية وقومية أوسع مدى بكثير مما يحلم به الائتلاف،

ويطالب «أوباما» بالضغط من أجل تحقيقه، فلماذا لا يتفضل السادة أعضاء هذا الائتلاف، ويشرفوننا بزيارتهم لكى يشتركوا فى مظاهرة أو يقودوا اعتصاماً، أو يقفوا على سلالم نقابة الصحفيين أو سلالم مبنى مجلس الدولة، ويمارسوا بعضاً من «الضغط» المصرى، بدلاً من استيراد «الضغط» من أمريكا، فى بلد يعانى نصف سكانه من الارتفاع الشديد فى الضغط.. ويعانى النصف الثانى من انخفاضه الشديد!

وما ينبغى أن يدركه الرئيس «أوباما» هو أن التدخلات الأمريكية الفظة فى الشؤون الداخلية المصرية فى عهد إدارة بوش، خاصة ما يتعلق منها بقضايا الإصلاح السياسى والدستورى، قد ساهمت فى تعقيد قضية الإصلاح، وفى إبطاء مسيرتها، بحكم أن لدى الشعب المصرى حساسية مفرطة تجاه الضغوط الأجنبية، حتى لو كانت تهدف إلى تحقيق مطالبه، على نحو أصبح معه ينحاز تلقائياً إلى جانب الحكومة التى تقاوم هذه الضغوط أو تتجاهلها، ويتحامل تلقائياً ضد الذين يحرضون أى حكومة أجنبية على التدخل فى الشؤون الداخلية، وضد الذين يتبنون المطالب والشعارات المصحوبة بضغط أجنبى، حتى لو كانوا يرفضون هذا التحريض!

باختصار ووضوح: مسألة الإصلاح السياسى والدستورى، وما يتفرع عنها من حقوق الأقليات إلى حقوق الإنسان ومن إلغاء الطوارئ إلى استغلال القضاء هى مسألة وطنية مصرية داخلية، وهى موضوع صراع بين معسكر الإصلاحيين الذى يسعى لتحديث النظام السياسى المصرى، ليتحول إلى نظام ديمقراطى عصرى لدولة مدنية ويضم قوى عديدة تشمل أحزاباً وتيارات سياسية معارضة وجناحاً من الحزب الحاكم، ومعسكر المحافظين الذى يسعى للإبقاء على هذا النظام بصيغته الدستورية والسياسية الراهنة، أو الارتداد عنه إلى نظام أكثر استبدادية وهو يضم الجناح الأقوى من الحزب الحاكم، ويشمل أحزاباً وتيارات معارضة.

ذلك صراع بدأ وسوف يستمر، لأن حسمه يتطلب زمنا، إلى أن ينجح الإصلاحيون فى استنهاض الأغلبية الصامتة لكى تشارك فيه،وفى توعيتها وتنظيمها على نحو يصوب المعادلة السياسية المختلة، والرؤى المشوشة ويقودنا إلى الأمام، بدلاً من أن يشدنا إلى الخلف، وإلى أسوأ مما نحن فيه!

ويا أسيادنا الذين فى ائتلاف المصريين الأمريكيين: بلاش حكاية «الضغط الأمريكانى».. عندنا من «الضغط» ما يكفينا!

اجمالي القراءات 4906