اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ.
عزمت بسم الله،
يخبرنا الوليّ الحميد سبحانه قائلا: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ(6)وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ(7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(8)أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(9)وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(10)... إلى أن يقول المولى سبحانه: شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ(13). الشورى.
بدأ الله سبحانه الآية الكريمة بإخبار النبي ومن سيتأسى به من بعده أن الله تعالى وحده هو الحفيظ على الذين اتخذوا من دونه أولياء، وما أنت عليهم بوكيل ولا حفيظ، أي لست موكلا على هدايتهم ولا أنت عليهم بحفيظ، ويؤكد ذلك قوله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ(104). الأنعام. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ(57) هود، "87" هود، "21" سباء.
بعد أن أخبرنا المولى تعالى عن قوم هود وقوم شعيب أخبرنا الله تعالى عن آخر الأنبياء قائلا: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. "7" الشورى.
لاحظوا أعزائي قول الولي سبحانه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) أي أن الله تعالى أوحى إلى عبده قرآنا عربيا بلسان القوم لينذر به، ولا نجد ولو إشارة إلى وحي أو حديث غيره أمر الله الرسول عليه الصلاة والسلام بتبليغه مع القرآن، بل أكّد ونفى ذلك المولى تعالى على أنه لا يوجد حديث غيره، وتحدى خلقه من الإنس والجن أن يأتوا بمثله (أي القرآن) ولن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، يقول سبحانه: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ(34). الطور. "88" الإسراء، "13" هود، "38" يونس، "23" البقرة.
وتحدى المولى تعالى خلقه فقال: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ(34)... إلى أن يقول سبحانه: وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(10). الجاثية. "50" المرسلات، "185" الأعراف. ثم نجد أن الله تعالى أخبرنا عن الوعيد والحكم الذي أعده لمن يكتم ما أنزل في الكتاب وهذا دليل قاطع على عدم وجود كتاب آخر مع كتاب الله، يقول سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللَّاعِنُونَ(159). البقرة، "176" البقرة. لقد أنزل الله البينات والهدى في الكتاب المحفوظ بقدرته سبحانه، ولم يقل سبحانه بيناه في الكتب أو بوحي ثان!!! وبما أن الروايات المنسوبة إلى الرسول الذي أنزل إليه الكتاب الذي فيه البينات والهدى لم يشر إليه المولى، ولم يحفظها كما حفظ القرآن العظيم، أقول بما أن الأمر كذلك فهي أي الكتب التي تحمل في طياتها روايات مختلفات، وتناقضات مع كتاب الله سبحانه، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون من عند الله تعالى لأنه سبحانه في سورة النساء الآية "82" يقول: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.
نعم يا ربي أُشهدك وأُشهد ملائكتك والقراء، أننا وجدنا اختلافا كثيرا في الكتب المنسوبة إلى أقوال الرسول محمد عليه الصلاة و وجب علينا التسليم بما جاء به. كل هذه الآيات تؤكد على عدم وجود وحي مع القرآن العظيم، ومن غير المعقول أن ينزل الله وحيا ثانيا مع القرآن ولا يخبر عباده به ليكون الرسول على تبليغه شهيدا ويكون الناس من بعده شهداء على العباد، ثم يؤكد المولى سبحانه على أنه وحده الولي الحميد الذي سوف يفصل بين عباده في ما اختلفوا فيه، وفي نظري هنا مربط الفرس كما يقال، فهل الاختلاف الذي سوف يفصل فيه الولي الحميد يكون في فهم كل نفس لآيات الله المنزلة على رسوله، ( القرآن)، أم يكون الفصل بين العباد أولا في الذين اتخذوا من دون الله أولياء ؟ واتبعوا حديثا غير أحسن الحديث اعتقادا أو ظنا منهم أنه من عند الله، وما هو من عند الله لوجود الاختلاف الكثير فيه، وقد أخبرنا الولي سبحانه عن الميزان الذي إليه نحتكم لنتأكد ما إذا كان ما ينسب إلى الوحي هو من عند الله، أو هو مجرد قول البشر لا علاقة له بأحسن الحديث، "82" النساء.
لقد أخبرنا العليم الحكيم في أحسن الحديث عن الذي عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يوثر إن هذا إلا قول البشر، يقول المولى سبحانه: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ(29). ص. ولمن شاء من أولي الألباب أن يتذكر فعليه بالتدبر في ( سورة المدثر من بدايتها إلى النهاية). ولا نجد ولو إشارة إلى التدبر أو الاستمساك بكتاب آخر غير القرآن الذي جعله الله مهيمنا على ما سبقه من الكتب المنزلة من عنده سبحانه، لأنها لم تحفظ كما حفظ الله آخر الرسائل ( القرآن العظيم) بقدرته تعالى...
يقول المولى سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(10)الشورى. ما معنى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ ) هل ( فيه) يعود إلى الاختلاف في فهم القرآن الذي كان المولى تعالى يتحدث عنه، أم عن أي اختلاف يحصل؟
لاحظوا معي أعزائي ما قال الله تعالى على لسان الرسول (ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ). فما معنى (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )؟ نجد في كتاب الله تعالى آيات كثيرة تتحدث عن الإنابة إلى الله تعالى، ومنها شهادة الله تعالى على إبراهيم عليه السلام في قوله سبحانه: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ(75). هود. ألا يتمنى كل فرد منا أن يتأسى بأبي الأنبياء فيكون حليما أواها منيبا؟ ولا ننتظر حتى يمسنا ضر ثم ندعوه سبحانه منيبين إليه، وبمجرد أن يذيقنا رحمة منه ويكشف عنا الضر نشرك الله بإتباع غير ما أنزل الله على رسوله!!! يقول سبحانه: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ(33). الروم. والله تعالى يحذر عباده في كثير من الآيات لعلهم يرجعون (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(21)) السجدة.
وما الزلازل والفيضانات والفتن هنا وهناك إلا من العذاب الأدنى لعل الناس يرجعون إلى كتاب الله تعالى فيحلوا حلاله ويحرموا حرامه. يقول المولى تعالى: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمْ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنْ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ(9). سباء.
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ(7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8). ق. الإنابة إلى الله لا تكون إلا بإخلاص العبادة له وحده، فكما لا شريك له في ملكه، فلا يمكن أن يكون له شريك في حديثه الذي قال عنه سبحانه: أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(185). الأعراف. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23). الزمر. تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ(6). الجاثية. فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ(44) القمر. ـ مع الأسف المسلمون تقشعر جلودهم وتلين قلوبهم عند سماعهم لرواية نسبت إلى الرسول عليه السلام، أو عندما يتحدث واعظ أو مرشد في مناسبة ما، أما عند تلاوة القرآن فتجد الناس لا يبالون وكأنهم لا يسمعون!! لأن في قلبهم مرض .ـ
إذن حسب أحسن الحديث المنزل بالحق الذي يُتلى ويتعبد به، لا يوجد حديث مثله يُليّن القلوب والجلود إلى ذكر الله، وهدى يهدي به الله من يشاء ويضل من يشاء إلا القرآن العظيم الذي هو النور والصراط المستقيم، وبه وحده يهدي الله من أناب إليه يقول سبحانه: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ(27). الرعد. فالذين آمنوا بوحدانية الله تعالى وأخلصوا العبادة له وحده أولائك هم الذين يجتبيهم الله تعالى إليه ويهدي إليه من ينيب. اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ.
يتبع بإذن الله تعالى والسلام عليكم.