قبل الخوض في هذا البحث يجب ذكر حقائق هامة لا بد من الإشارة إليها كمقدمة حتي لا يتسرع القارئ فيحكم علي كاتب تلك السطور بالكفر والذندقة (والعياذ بالله).... إذ أنه (أي الكاتب) قد آمن بالله تعالي ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بعقله وقلبه معاً وهو بذلك قطعاً يخدم المسلمين ويصحح لهم معتقداتهم الموروثة من الأجيال الغابرة التي عانت من تعصب حكامها الدينيين سواء في الدولة الأموية أو العباسية أو غير ذلك...... فليكن القارئ محايداً فيما يقرORN;رأ وليناقش بموضوعية، فالتعصب الأعمى لم ولن يجدي نفعا.
1- إن الحقائق التاريخية حقائق نسبية يجوز فيها الصدق والكذب، أما حقائق القرآن الكريم فحقائقه مطلقة لا يجوز فيها الكذب بحال من الأحوال، لذا فإن تلك الدراسة المتواضعة تدخل في نطاق البحث التاريخي لا في نطاق الإيمان...
2- إن المذهب الشيعي قد وصل به الأمر إلي حد تكفير الخلفاء الراشدين (باستثناء الإمام سيدنا علي رضي الله تعالي عنه)، بينما نجد أن المذهب السني كان الطرف الآخر للنقيض فنجده قد قام بتقديس الصحابة ورفعهم إلي مصاف الأنبياء الذين كانت أخطاؤهم كانت لا تعدو مجرد هفوات تعد من المم، وبالطبع فإن هذا ليس له أي مبرر إطلاقاً سواء كان من القرآن الكريم أو من التاريخ نفسه الذين يستشهدون به....!!.
3- إن تعريف معني الصحابي مختلًف فيه عند أهل السنة أنفسهم، فإذا سألتهم عن تعريف كلمة (صحابة)، فإنك سرعان ما تجد التضارب الصارخ في أقوالهم، فكيف يجزمون بأشياء هي موضع خلاف بينهم فيرفعونها إلي مرتبة اليقين....؟؟...!!...
4- إن القرآن الكريم لم يذكر اسم أي صحابي (إن صحت هذه التسمية) في القرآن الكريم سوي (زيد) فقط، ألا يدل ذلك ضمناً علي نهي القرآن الكريم لنا عن الخوض فيما لا نعلم فنقول بألسنتنا ما ليس لنا به علم ونضمر في قلوبنا المزيد من الآثام دون أن ندري مصداقاً لقوله تعالي: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء 36)
والآن أترككم مع هذا البحث المتواضع:
هل رضي الله تعالي عن جميع الصحابة..؟؟..
لم يخبرنا الله تعالي بذلك في القرآن الكريم، فمشكلة أهل المذاهب أنهم لم يستطيعوا أن يفرقوا بين معني (صحابي) ومعني (الذين رضي الله تعالي عنهم لتقواهم وورعهم)، وبالطبع فإن تلك المشكلة تنبع من مشكلة أكبر منها وهي أن هؤلاء لم يقرأوا كتبهم الصفراء والتي جاء بها الكثير من الإدانة للصحابة فيدافعون عن الكثير منهم دفاع المستميت دون علم بما هو موجود في كتبهم ودون علم بما أخبر القرآن الكريم عن هذا الموضوع شيئاً..!!.
ولعل أبرز آية يستشهدون بها في تقديس الصحابة (!!!) هي:
(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة 100).
وبالطبع فإنهم لم يتنبهوا كعادتهم إلي أن المقصود بالسابقين يختلف عن مقصود (الأولين)، فالمقصود بالسابقين الذين أخبرنا الله تعالي عنهم هو علو شأنهم ورفعتهم نتيجة لأعمالهم الصالحة وإخلاصهم لله تعالي وليس السبق الزمني...!!... والدليل علي ذلك قوله تعالي: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ*فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ*ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ*وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) (الواقعة 10- 14).
فالله تعالي يقرر في الآيات الكريمة السابقة أن هناك سابقين من الأولين ومن الآخرين أيضاً.... لذا فإن السبق هنا هو في العمل والإخلاص لله وليس السبق الزمني كما يعتقدون خطأ.
ثم إنهم قد أغفلوا حقيقة هامة جداً في (التوبة 100)، فإن سياق الآية يدل علي أن السابقين ليس المقصود بهم الأولين، وهذا بدليل أن الله تعالي قال: (والذين اتبعوهم بإحسان)، فالإتباع هنا في أي زمن لاحق لهم حتي قيام الساعة.
جلهم بلفظ (صحابي):
إنهم يظنوا أن معني الصحابي هو كل من عاصر الرسول وصاحبه وكان مؤمناً وقلبه خالياً من النفاق، وبالطبع فهذا الفهم مغلوط تماماً وتكذبه آيات القرآن الكريم نفسه، ففضلاً عن استحالة حكم أي شخص علي ما في قلوب الناس من ناحية الكفر والإيمان (وقد حكموا هم عليهم بالإيمان دون علم) إلا أن لسان حال إيمانهم يقول أنه من ولد في حياة الرسول حتي ولو كان طفلاً لا يدري ولا يعقل فهو أيضاً من الصحابة، وعلي منطقهم هذا فإن من وجد ولو للحظة في حياة الرسول وهو مؤمن فهو من الصحابة أيضاً....!!...
ومن هنا يجب أن يتدبروا قول الله تعالي في الآيتين الكريمتين: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (النجم 2)، وقوله: (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ) (التكوير 22).... ومن الجلي أن نستنتج أن هؤلاء الكفار كانوا صحبة مع الرسول صلي الله عليه وسلم يصاحبونه ويصاحبهم.... فهل الكفار أيضاً قلوبهم مؤمنة وخالية من النفاق..؟؟...!!!...
الصحبة لا تعني بالضرورة الإيمان والصلاح:
يقول الله تعالي: (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء 61)، وبالطبع فإنه من المعلوم أن أصحاب موسي كان منهم المؤمن وكان منهم أيضاً من عبدوا العجل بعد ذلك (كالسامري مثلاً).
أما الآية الوحيدة التي ذكرها الله تعالي فيما يتعلق بصحبة المؤمنين للرسول صلي الله عليه وسلم فهي تتكلم عن صاحب واحد فقط له: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا..) (التوبة 40).
وبكل تأكيد أن الصاحب هنا هو رجل مؤمن صالح، ولكن ليس معني ذلك أن الصحبة هنا تعني الصلاح بالضرورة كما أوضحنا سابقاً في الآيات الكريمة: (الشعراء 61)، (النجم 2)، (التكوير 22)، ثم هناك آية أخري تؤكد ذلك تماماً حيث يقول ربنا جل وعلا: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا) (الكهف 34)، ومن الواضح أن الصاحب في الآية الكريمة السابقة كان كافراً ويحاور مؤمناً..... فأين ذلك مما يزعمون..؟؟..!.
ومن عجب أننا نجد أن بعض المسلمين (بل السواد الأعظم منهم) يجزمون بأن هذا الصاحب هو أبو بكر الصديق، فإذا حاولت أن تناقشة مجرد مناقشة فسرعان ما سوف تجده هاج وماج واتهمك بالكفر وبالتطاول وازدراء الدين وإشاعة الفتنة... وهكذا...!!..
ونستنتج من ذلك أن الصحبة لا تعني شيئاً سوي المصاحبة أو الاجتماع....!!... فهل قال الله تعالي أن الصاحب يكون قد رضي الله عنه...؟؟.. هل قال الله تعالي أن الصاحب هو صاحب الجنة فقط أم صاحب النار أيضاً..؟؟... بل إن الله تعالي قد عرف في كتابه الكريم الصاحب في كل مرة بأنه صاحب من..؟؟.. فمرة يكون صاحب الجنة ومرة يكون صاحب النار ومرة يكون صاحب الكهف ومرة أصحاب موسي ومرة أصحاب القبور، وهكذا...!!...
وبالطبع فإن الله تعالي قد رضي عن الصادقين المخلصين المؤمنين فقط من أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم كما رضي عن أصحاب موسي المؤمنين أيضاً، والمقصود بالصادقين هنا هم الذين كانوا ينصرون الله والرسول، فقد قال تعالي: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحشر 8).
أي أن الرضا الرباني جاء نتيجة الهجرة ونصرة الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ) (الصف 14)، من الذين هاجروا من مكة ومن الذين آووا ونصروا من أهل المدينة وليس كل من رأي الرسول أو عاصر النبي لحظة من عمره كما يزعمون..!!..
ثم يقول تعالي: (....وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح 29)، فعلي الرغم من أن الله تعالي قال: (والذين آمنوا معه) ولم يقل (وصحابته)، ووصف حالهم بأنهم كانوا ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله تعالي ورضواناً وأن سيماهم في وجوههم من أثر السجود، إلا أنه وعد في آخر الآية الذين آمنوا وعملوا الصالحات فقط، ونلاحظ هنا كلمة: (منهم)، وهي للتبعيض تدل علي أن القلوب لا يعلمها إلا الله تعالي فقط دون سواه.!!.
أي أن تعميم مصطلح الصحابي الذي رضي الله تعالي عنه علي كل من أسلم وعاصر الرسول إنما هو مصطلح مغلوط تماماً، لأن الإيمان في القلب ولا يعلم ما في القلوب إلا الله تعالي فقط
وقد اعتمد أحد الدكاترة (الدكتور منيع) علي رواية غامضة ضعيفة جداً بل وموضوعة (وذلك بمقاييس أهل السنة والجماعة)، وإليك أيها القارئ نص الرواية:
(3797 حدثنا محمد بن يحيي حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا عبيده بن أبي رائطة عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: الله الله في أصحابي، الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي فمن أحبهم فيحبني ومن أبغضهم فيبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله ومن آذي الله يوشك أن يأخذه، قال أبو عيسي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه).
ونلاحظ ما يلي:
أولاً: الرواية تقول أنه حديث غريب، وهو خبر آحاد ظني الثبوت بشهادة الأزهر، فكيف نعتمد عليه في الدين...؟؟..!!... فهل تريد منا أن نعتمد علي قطعي الثبوت أم ظني الثبوت، وسواء صحيح أو ضعيف فكلهم ظني الثبوت، فهل علم هذا دكتورنا الفاضل...؟؟...!!...
ثانياً: هل يعتقد الدكتور أن أحد الصحابة اسمه بن مغفل..؟؟.. أم أن هذا سب علني..؟؟.. والله تعالي يحذرنا من الغفلة...
ثالثاً: من كان يقصد رسول الله تعالي بكلمة أصحابي...؟؟.. هل هم الذين تأخذهم الملائكة إلي النار والرسول ينادي عند الحوض أصحابي أصحابي...؟؟..!!... ومن هم الذين يتحدث إليهم الرسول ويقول لهم (الله الله في أصحابي..؟؟..) أليسوا أصحابه أيضاً..؟؟.. وكيف يتخذوهم غرضاً بعد موته.. فهل كان يُحذر أصحابه من أصحابه مع أن كلهم رضي الله عنهم (بزعمك أنت ومن علي شاكلتك)...؟؟.. أجبنا يا دكتور وأفتنا بعلم إن كنت صادق....!!..
ثم ماذا لو أن أحداً لم يحب أحد ولكنه لم يضره بكلمة أو فعل..؟؟.. فهل البغض اثم يعاقب عليه...؟؟.. ولماذا يا دكتور لم تذكر الحديث في البخاري الذي يقول: (6550 حدثنا حجاج منهال حدثنا شعبة أخبرني واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم يقول: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض).
ألم يقل الرسول: لا ترجعوا بعدي كفاراً كما تقول..؟؟.. إذن فمن هم الكفار في نظرك… هل هم كفار مكة.. أم هم الصحابة الذين يكلمهم رسول الله وهو حي..؟؟.. ألم يضرب بعضهم رقاب بعض يا دكتور… فهل الكفار الذين ضربوا رقاب بعض أيضاً رضي الله عنهم…؟؟..
ولكنني سوف أُذكِرك بحديث الحوض الذي يثبت أن الرسول كان لا يدري أن بعض الصحابة لم يرضي الله عنهم:
(3347 حدثنا محمود بن غليان حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، كما خُلِقوا ثم قرأ (….كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء 104)، وأول من يكسي من الخلائق إبراهيم ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين وذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة 118)، حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثني قالا: حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن المغيرة بن النعمان بهذا الإسناد فذكر نحوه قال أبو عيسي هذا حديث حسن صحيح)..!!..
وهل الذين ما زالوا مرتدين علي أعقابهم أيضاً رضي الله عنهم..؟؟…!!... المشكلة الحقيقية في العجز عن إدراك التناقض في الروايات بعضها مع بعض وبينها وبين القرءان مع الموروث السلفي الخاطئ الذي أصبح عقيدة وحسبنا الله ونعم الوكيل..!!..
لذلك فيجب أن يعاقب القانون المنتفعين بمغلوط الدين الذين يتخذون من التراث السلفي كله علي بعضه صحيحه وباطله غثة وسمينه صنماً يعبد من دون الله، وإذا سألهم أحد فلا يستطيعوا إدراك ما يقولونه من متناقضات تبلبل أفكار المسلمين، وبالتالي فيكون أكل العيش علي المبلبلة أفكارهم والله تعالي يقول: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) (البقرة 170).