1 ـ نشرت مؤسسة أخبار اليوم هذا الكتاب فى سلسلة (كتاب اليوم) العدد 306 فى ابريل عام 1990 .
لم يكن سهلاً أن تنشر لى مؤسسة حكومية كتاباً ، خصوصاً مؤسسة أخبار اليوم ، وعلى الأخص دائرة التوزيع والنشر فيها ، والتى كان يسيطر عليها مريدو الشيخ متولى الشعراوى بزعامة احمد زين ، والذين كانوا يتكسبون الكثير من بيع مؤلفات الشعراوى وأجزاء تفسيره وخواطره. وقتها كان الشعراوى فى عصره الذهبى ، نفوذا وثروة ، تتنافس المجلات و الجرائد على نشر rc;ر صورته وأى كلام يقوله ، وفازت مؤسسة الأخبار بالقسط الأكبر من الشعراوى .
وفى هذا الوقت كان رئيس مجلس الأدارة ورئيس التحرير هو الاستاذ سعيد سنبل ، وبحكم كونه مسيحيا فقد ترك الشئون الإسلامية فى يد الاستاذ أحمد زين فأصبح أقوى رجل فى المؤسسة يسيطر على الصفحة الدينية وعلى جريدة اللواء الإسلامى التابعة للمؤسسة وعلى شركة التوزيع . وكان يقال أن الشيخ الشعراوى تنازل لهم عن حقوقه كمؤلف فكان هذا دافعاً آخر لمحاربة أى فكر دينى غير الشعراوى ، فما بالك اذا كان فكرا يتناقض مع فكر الشعراوى ويلغيه من داخل الإسلام، لذا قامت معركة داخل مؤسسة أخبار اليوم أو (الأخبار ) بسبب هذا الكتاب قبيل نشره....
رجلان هما بطلا هذه المعركة أحدهما يمثل الخير والآخر يمثل الشر ..
الاستاذ عبدالوارث الدسوقى هو ممثل الخير فى تلك المعركة .
والدكتور عبد المعنم النمر – وزير الأوقاف الأسبق كان يمثل الشر ..
2 ـ ونبدأبالخير ..
قيبل الموجة الأولى من القبض على القرآنيين ، كنت اخطب فى المساجد اتنقل من مسجد لأخر وخلفى رفاقى آهل القرآن ، ويطاردنا السنيون يفتعلون المشاكل ، وخلف الجميع مباحث أمن الدولة تراقب وتنتظر أوامر الانقضاض علينا .. استمررت حوالى عام أخطب اسبوعيا فى مسجد تحت الانشاء فى منطقة ابو الفداء على نيل الزمالك ، حيث كان أهل المنطقة من كبار المثقفين والطبقة الراقية المتعلمة . كان من رواد المسجد الاستاذ عبد الوارث الدسوقى ، ولم أعرفه وقتها ، ولم يكن من عادتى التعرف على أحد ، إذ سرعان ما كنت اعود الى البيت فى المطرية بعد إنتهاء صلاة الجمعة . بعدها بأشهر تركت مسجد الزمالك إلى مسجد أخر فى العجوزة بنيناه ، ثم ما لبث أن اخرجنا منه السنيون واحتلوه بمساعدة أمن الدولة ، ثم كان القبض علينا فى ديسمبر 1987 ..
أثناء القبض علينا ظهرت مقالة فى الأخبار فى عمود دخان فى الهواء تدافع عنى ..وعرفت فيما بعد أن الذى كان وراء هذا المقال هو الاستاذ : عبدالوارث الدسوقى
وعرفت أنه يريد مقابلتى : وكان ذلك فى عام 1989 ... ولم أكن قد قابلته من قبل .
عرفت بعدها أنه أحد شيوخ الصحافة فى مصر . وانه مدرسة تخرج فيها وتعلم على يديه كبار الصحفيين فى السبعينيات والثمانينيات ، وانه آثر ان يظل فى الظل بعيدا عن الضوء وصراعات المناصب وما يقتضيه ذلك من نفاق للسلطة. ظل مشرفا على ادارة التحرير لا يكتب الا نادراً ، ورأى تلاميذه يترقون ويصبحون رؤساء للتحرير ، وهو فى مكانه قانع بفلسفته واختياره ، يحظى بأحترام الجميع وحبهم ، كان بمثابة الأب الروحى لمعظمهم بسبب نزاهته وترفعه وكرمه وتعففه وسماحتة ...
قابلته فى مكتبه بناء على طلبه ، وتكررت زيارتى له ، وفتح لى صفحة (( رأى الشعب )) لأكتب فيها من عام 1989 ... ولم أتوقف الإ بعد صدور قرار فوقى بمنعى من الكتابة فى الأخبار ، وذلك بتدخل شيخ الأزهر وقتها الشيخ جاد الحق الذى قدم شكوى ضدى فى نيابة أمن الدولة العليا لإنى كتبت فى الأخبار أثبت أن فوائد البنوك حلال ، وأن شركات توظيف الأموال حرام ... وتلك قصة أخرى ... مؤلمة ...
الاستاذ عبد الوارث الدسوقى – رحمه الله تعالى – اتاح لى النشر فى الأخبار ،. وحين قابلت الأستاذ عبد الوارث الدسوقى قلت له أنى لا اطلب أكثر من أتاحة النشر أسبوعيا لو أمكن . اعترف بأنه ذلك صعب ولكنه سيحاول النشر لى كلما امكن . وعرفت فيما بعد أنه كان يحارب بقوة حتى يتيح لى فرصة النشر كل بضعة اسابيع . وكنت أكتب مجاناً بطبيعة الحال ، ولم يكن منتظرا أن تعطينى مؤسسة الأخبار ثمنا لمقالاتى مثلما تفعل مع أهل الثقة من المحظوظين ، فغاية المنى لى وغاية التفضل منهم هو مجرد السماح بنشر مقالاتى عندهم بين حين وحين .
كنت أعيش سنوات فقر غاية فى الضنك ، وبعاطفة الاب الحنون أدرك الفقر الذى أعانية ، والذى كان مظهرى دليلاً عليه، برغم إشاعات التمويل الخارجى التى كانت تلاحقنى . عرض الاستاذ عبد الوارث الدسوقى أن يساعدنى بالتوسط لى كى أعمل فى إحدى الجهات فرفضت لأننى لا أصلح للوظيفة ، أعاد العرض بالمساعدة المالية فرفضت باصرار . ثم خطرت لى فكرة أن اؤلف كتاباً تنشره مؤسسة الاخبار فى ( كتاب اليوم ) ورحب الاستاذ عبد الوارث ، وطلب أن يكون موضوعاً هادئا لا يسبب مشاكل، فأخترت عنوان ( مصر فى القرآن الكريم ) فأعجبه الموضوع .. وفى اليوم التالى كنت قد اتممت كتابة هذا الكتاب وسلمته له.
ومن أجل خاطره ، وحتى لا أسبب له مشاكل فقد جعلت الكتاب ثقافيا هادئا بقدر الامكان . لم أتحدث فيه عن سيناء و جبل الطور ـ أو المسجد الأقصى الحقيقى الذى شهد ليلة الاسراء ونزول القرآن الكريم مرة واحدة على قلب النبى محمد خاتم المرسلين ـ عليهم جميعا سلام الله. ( وقد أضفت بعض معلومات قرآنية عن سيناء فى هذه طبعة هذا الكتاب والتى سننشرها على حلقات هنا )
بذلت كل ما فى وسعى لتخفيف النبرة إحتراما لرغبة الاستاذ عبد الوارث الدسوقى ، وحتى لا أسبب له أى نوع من المشاكل .
ولكن مع ذلك حدثت المشاكل.
إذ بعدها بأيام سمعت فى الاروقة الصحفية أن هناك معركة فى الأخبار لمنع طبع ونشر كتابى . وأكد لى هذه الحقيقة صديقى الاستاذ فيليب جلاب . وفى مجلة ( الهلال ) كتب الأستاذ غنيم عبده ينتقد تدخل الدكتور عبد المنعم النمر لمنع طبع ونشر الكتاب ، كما كتب الاستاذ فيليب جلاب فى الأهالى خبراً تحت عنوان ( أسرار ) تقول أن شيخا من كبار الشيوخ يتزعم حمله لمنع نشر كتاب فى مؤسسه قوميه لمفكر اسلامى مرموق .
3 ـ وهنا ندخل على عنصر الشّر فى الموضوع والذى تزعمه د. عبد المنعم النمر ، ومعهم مريدو الشيخ الشعراوى يقودهم أحمد زين الذين حاولوا منع طبع الكتاب ، ومعهم نفوذ الشيخ الشعراوى .
كراهية الدكتور عبد المنعم النمر لى مبعثها قصة كنت قد نسيتها ولكنه لم ينسها.
كانت هناك حرب صامتة بين رئيس جامعة الأزهر وأعوانه من جهة و شيخ الأزهر وقتها ومعه د. عبد المنعم النمر من جهة اخرى . وفى إحدى مراحل هذه الحرب تم الاتصال بى عبر طرف ثالث لأعود للجامعة لاصلاحها ( ظاهريا ) و للتنكيل برئيسها والنافذين فيها (عمليا) ، حيث كان إخراجى من الجامعة سقطة قانونية واخلاقية هائلة ،لأن قانون الجامعة يؤكد على أن وظيفة عضو هيئة التدريس هى تجلية حقائق الاسلام ،أى إن من حقائق الاسلام ما هو مجهول يستلزم التجلية ، وهناك خرافات لبست ثوب الحقائق و تحتاج الى تجلية ، وهنا أساس عمل عضو هيئة التدريس فى جامعة الأزهر ، وهذا بالتحديد ما قمت به ولا زلت أقوم به . فكان أن عوقبت بتهمة أننى أتيت بما يزرى بمكانتى كعالم فى الأزهر . وتلك تهمة تسرى عليهم هم بالتحديد لأنهم تنكبوا الاجتهاد وحاربوا المجتهد الذى قام بدوره القانونى و العلمى والاسلامى ، ثم أنهم فيما أصدروه من قرارات تعسفية ضدى مثل الوقف عن العمل والاحالة للتحقيق ومجلس التاديب كان فيها تحامل و استعمال خاطىء للسلطة و نبرة تحيز عدائى واضحة .
قيل لى إن عودتى منتصرا ستقترن بفتح ملف اضطهادى فى الجامعة بما يعنى الانتقام السافر ممن ظلمنى . فكرت فى الأمر ، ثم رفضت لأن أولئك الذين يقفون معى وقتها كانوا ضدى من قبل ، ولأنهم لا يشاركوننى معتقدى ، هم فقط يريدوننى سلاحا فى معركتهم الرخيصة من أجل حطام الدنيا ، وهذا لا يشرفنى أبدا.
بعدها حاول صحفى شاب يعمل فى صحيفة خليجية ( إسمها المسلمون على ما أتذكر ) ان يعقد مناظرة بينى وبين مجموعة من الشيوخ حول موضوع ( السّنة )، وهى قصة طويلة استمرت المفاوضات فيها شهورا وانتهت بالرفض القاطع منى . وجاء رفضى للمناظرة بسبب أن الصحفى فشل فى أن يعطينى تأكيدا بأن أقوالى لن يمسها التغيير والحذف والتبديل . كان المعسكر الآخر يتكون من كبار الشيوخ وعلى رأسهم د. عبد المنعم النمر .
وكان دافعهم هو المال الذى كانوا يسألون عن مقداره بلهفة ، حسبما أخبرنى الصحفى . جاء رفضى المناظرة معهم صفعة قوية لهم ، خصوصا عبد المنعم النمر . وجاء موضوع نشر الأخبار لكتابى فوجدها فرصة للانتقام .
4 ـ صمد الاستاذ عبد الوارث الدسوقى ضدهم مصمما على نشر الكتاب ، وأيده الاستاذ سعيد سنبل ، مما جعل د. عبد المنعم النمر يهبط إلى الدرك الأسفل فى سلّم الأخلاق ، اذ إتهم الاستاذ سعيد سنبل بأنه – لأنه مسيحى – يريد هدم الاسلام بأتاحة الفرصة لنشر هذا الكتاب لمنكر السنة ... غسل الاستاذ سعيد سنبل يده من الموضوع ، وآثر السلامة و ابتعد .!.
ذهبت إلى مكتب الاستاذ عبد الوارث فى الأخبارأستطلع الأمر ، وكنا فى شهر رمضان على ما اذكر ،فنصحنى بالسكوت وعدم التكلم فى الموضوع نهائيا حتى لا أتيح لكل التتار التدخل ضدى ، وطمأننى على أنه سينتصر عليهم ..
كان الكتاب قد تم طبعه بالفعل .
وعلمت أن جهة حكومية طلبت الاطلاع على الكتاب ، وعرضته على لجنة من شيوخ الأزهر المعتدلين ، كان منهم صديقى ( السابق ) د. سيد رزق الطويل ، والذى كنت نائبا له فى النصف الأول من الثمانينيات فى قيادة ( جماعة دعوة الحق الاسلامية ) والخطيب الأول فيها ، قبل أن نفترق عام 1985. جاء التقرير عن الكتاب منصفا ، فلم تجد اللجنة فيه ( العداء للاسلام ) أو أنكار السنة أو الاعتداء على ثوابت الأمة كما أذاع فضيلة الشيخ الدكتور عبد المنعم النمر الذى هاجم الكتاب دون أن يقرأه.
وجاء الضوء الأخضر للسماح للكتاب بالنشر .
وانتصر الكتاب وانتصر الاستاذ عبد الوارث الدسوقى ...
5 ـ ولكن بدأت مرحلة أخرى من التأمر ..
كانت العادة أن يكتب صحفيون وكتّاب عن موضوع كل كتاب تنشره المؤسسة فى سلسة ( كتاب اليوم ) كنوع من الدعاية للكتاب .. ولم يحدث هذا بالنسبة لكتاب ( مصر فى القرآن الكريم ) .
كانت العادة أن يوضع الكتاب الجديد فى منافذ التوزيع فى موضع بارز ، ولكن جاءت الشكاوى من أخفاء الباعة للكتاب وعدم إظهارة الا عندما يطلبه المشترى بالاسم ... وأن هذا تنبيه عليهم من ادارة التوزيع ... وتأكدت بنفسى من قيام أكشاك التوزيع ومنافذ التوزيع بإخفاء الكتاب ..
6 ـ بهذا كان مستحيلاً أن يحقق الكتاب مؤشراً هاماً فى التوزيع ...
ولكن المستحيل حدث ، إذ نشرت مؤسسة أخبار اليوم هذا الكتاب ، وطبعت منه عشرات الالوف من النسح لا أدرى العدد بالضبط ... ولكن الذى أتيقن منه هو أن النسخة كانت تباع بجنيه مصرى واحد ، وقد أتفقنا على أن يكون لى عشرة قروش عن كل نسخة تباع فى الطرحة الاولى للتوزيع .. وعند الحساب أعطونى شيكا بمبلغ يقترب من ألفين من الجنيهات ، وعرفت أن عدد النسخ المباع تعدى العشرين ألف نسخة ، وكانت مستحقاتى تتجاوز ألفى جنيه ، وبعد خصم الضرائب قبضت المكتوب فى الشيك وهو يبتعد بضع جنيهات عن الفى جنيه ... الأهمية هنا أن الكتاب باع أكثر من عشرين الف نسخة فى أقل من اسبوع من العرض .
كانت مفاجأة قاسية لمريدى الشيخ الشعراوى الذين كانوا يلحّون على القارىء بطبعات متتالية ومكررة من تفسير الشيخ الشعراوى ، مما أصاب الناس بالسأم ، وظهر هذا بوضوح فى تراجع مؤشرات توزيع كتب الشيخ الشعراوى التى كان يعاد طبعها والالحاح فى الدعاية لها ، وكان مألوفا وجود أكوام منها لدى الباعة بما يستوقف النظر ، بحيث بدا الأمر كأنه طريقة مهذبة للسرقة يقوم بها المستفيدون من نشر تلك الكتب واعادة طبعها مرات عديدة بلا داع ، دون أن يدفعوا من جيوبهم شيئا ،لأن الخاسر هو مؤسسة الأخبار ، وهم مستفيدون فى كل حال .
ملل الناس من الالحاح المستمر على اعادة طبع كتب الشعرانى ظهر فى إقبالهم على كتابى ( مصر فى القرآن الكريم ) ، فالجديد الذى يقدمه كتاب ( مصر فى القرآن الكريم ) كان مطلوبا بشدة وقتها ، فالمؤلف لا ينقل ما قاله فلان وفلان فى الحديث والتفسير ، ولكن يستقى المعلومات من القرآن الكريم مباشرة ، ويقارنها بما جاء فى تاريخ مصر القديمة الفرعونية ، وبطريقة عقلية وسهلة وبعيدة عن المصطلحات الأصولية الجامدة.
اشتدت اللهفه على شراء كتاب ( مصر فى القرآن الكريم ) فخاف المنتفعون من تكية الشيخ الشعراوى ، أن تكون هذه بداية الانهيار لهم ولشيخهم حيث تشبع السوق بتفسير الشعراوى وخواطر الشعراوى ، يرونه فى التليفزيون ويسمعونه فى الاذاعة ، وتتراكم مؤلفاته لدى الباعة . كان لا بد لمنتفعى تكية الشيخ الشعراى من أن يتصرفوا بعد هزيمتهم وطبع الكتاب رغم أنفهم . لذا اسرعوا .. وجمعوا من السوق النسخ الباقية ، بل كانوا يأخذونها بينما يشتد الاقبال عليها من المشترين . وتم جمع آلاف النسخ من كتاب ( مصر فى القرآن الكريم ) بما يشبه مصادرة للكتاب ، وألقوا بها لتتحول الى جثث فى المخازن .
أى إن الكتاب الذى كان يمثل ربحا للمؤسسة صادروه ، والكتب التى تتراكم بالخسارة على المؤسسة يعيدون طبعها لمنفعتهم الخاصة . هذا ما يفعله أهل الثقة حين يسيطرون على البلاد و العباد .
وبعدها بعدة أشهر نشروا كتاباً بنفس العنوان (( مصر فى القرآن )) لأحد الشيوخ على أمل أن يستفيدوا من شهرة كتابى ((الراحل )) ولكن الكتاب الجديد فشل فشلاً ذريعاً لان المؤلف ملأه بروايات عن فلان وفلان ، قال ابن مسعود وروى مسروق .. الخ .
بعدها بدأت نسخ كتابى (( مصر فى القرآن الكريم )) تظهر على أستحياء فى معارض الكتاب وفى المعرض الدائم لأخبار اليوم .. واشتريت أنا منه بضع نسخ .. ثم نفذت كل النسخ ...
7 ـ الواقع أن كتاب (( مصر فى القرآن الكريم )) حورب قبل طبعة ثم حورب أثناء نشره . وفاز الكتاب على خصومه بكل ما لديهم من نفوذ ؛ ليؤكد على عدة حقائق :
* لو أتيحت للقرآنيين واحد على مليون من الامكانات التى يملكها السنيون لتغير تاريخ المسلمين الى الأفضل ، وتغير معهم تاريخ العالم المعاصر .. ودعنا نتخيل أن لآهل القرآن مؤسسة أعلامية كأخبار اليوم وقناه قضائية كالجزيرة وموقعا على الانترنت مثل ( الإسلام اليوم ) ومعهداً علميا لتخريج الدعاة . لو تحقق هذا الحلم فلن يصل أهل القرآن الى واحد على عشرة مما لدى السنيين من امكانات..
ولكن لو تحقق هذا الحلم لآهل القرآن لتغير تاريخ العالم .. وعاش فى أمن وسلام ..
* إن الدين التراثى لا يمكن أن يصمد بذاته ، لابد لكى يعيش أن يتكىء على قوة تحميه وتفرضه على الناس على انه الاسلام ، وحتى يتقبله الناس لا بد من مصادرة أى نقد له ، خصوصا إذا جاء من داخل الاسلام نفسه. وهذا يفسر تلك الحملة الشعواء على أهل القرآن برغم قلة إمكاناتهم .
* المشكلة هى وجود رجال بمعنى الكلمة ، يصمدون دفاعا عن قيم الاسلام العليا من العدل والحق المطلق فى الرأى والفكر و العقيدة .. رجال مثل الاستاذ الراحل عبد الوارث الدسوقى ، الذى كان أهم ما يميزه هو القدرة على الاستغناء ليحتفظ بكرامته وحريته واحترامه لنفسه . كان نموذجا ساميا فى بيئة تم تسميمها وجرى إفسادها لتفسد عقول الناس ، بيئة الصحافة والصحفيين .
هناك من تلامذته من حاول التشبه به ، ولكن الأغلبية ارتضت لنفسها القاع ، قاعة بيع النفس والكرامة فى سوق النخاسة فى سبيل حطام دنيوى زائل ينعم بها المستبد عليهم ، فيتصارعون على هذا الفتات فى سقوط مزر لا مثيل له .
هم اختاروا ذلك بمحض ارادتهم ، بالضبط كما إختار الاستاذ عبد الوارث الدسوقى أن يعيش عفيفا أبيا محترما بمحض إرادته، فالمستبد المصرى لا يرغم أحدا على التهليل له والرقص فى مواكبه . المطبلاتية والأراجوزات والمشعوذون وأشباه الرجال وأنصاف البشر جاهزون . ومن أسف أنهم هم الذين يتولون صياغة عقول الجماهير. وقد أفلحوا فى إفساد عقل أكثر من جيل ..
8 ـ واليوم بعد مرور 19 عاما على معركة كتاب ( مصر فى القرآن الكريم ) نعيد نشره على موقعنا .
انتقل الى رحمة الله جل وعلا الأستاذ عبد الوارث الدسوقى ، ومات الآستاذ فيليب جلاب وهلك الشيخ الشعراوى ود. عبد المنعم النمر واحمد زين وسعيد سنبل .. وبقى هذا الكتاب ( مصر فى القرآن الكريم ) .
8 ـ يقول جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء ) صدق الله العظيم .
ونبدأ هنا بنشر أول ما جاء فى الكتاب وهو الاهداء والتمهيد .
الإهـــداء
إلي: سحرة فرعون.. المثل الأعلى الذي ضربه المصريون في التضحية في سبيل الحق..
" قَالُوا: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى .. 72، 73 من سورة طه."
إلي: سحرة فرعون.. المثل الأعلى الذي ضربه المصريون في التضحية في سبيل الحق..
" قَالُوا: لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى .. 72، 73 من سورة طه."
تمهيــــــــد
القرآن الكريم كتاب إلهي في الدعوة للهداية أساساً،وليس كتاباً متخصصاً في العلوم
أو في التاريخ ،إلا أنه من خلال دعوته للهداية حوى كل الأساليب من إيراد القصص
التاريخي وضرب الأمثلة والإتيان بالحقائق العلمية اليقينية.
وهكذا فالحقيقة التاريخية المذكورة في القرآن ليست هدفاً في حد ذاتها وإنما هي وسيلة للهدف الأساس وهو الهداية للحق . وتبعاً لذلك فإن منهج القرآن في إيراد القصص التاريخي يختلف عن المنهج التاريخي للمؤرخين ، فالمؤرخ حين يذكر حادثة تاريخية معينة لابد أن يهبط بها على أرض الواقع بأن يذكر المكان والزمان والأبطال ولا يهتم المؤرخ بإيراد العبرة من الأحداث بل ربما يتركها للقارئ.
أما القرآن فله شأن مختلف فالعبرة هي الأساس من إيراد القصص القرآني، يقول تعالى في نهاية سورة يوسف التي ركزت على قصة يوسف عليه السلام وآله " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) .
وقد يكون من الأوقع في الاعتبار والإتعاظ أن تتحرر الحادثة التاريخية من قيود الزمان والمكان وأسماء الأشخاص لتتحول الحادثة المحددة بالزمان والمكان إلى قضية عامة تنطبق على كل عصر وكل مكان وكل شخص إذا انطبقت عليه ملابستها .
وتلك عظمة القصص القرآني الذي لم يتحدث عن كفار قريش مثلا بأن يحصرهم في الزمان والمكان بل عمم الوصف فقال " الذين كفروا" أو" الذين أشركوا. " لينطبق ذلك الوصف على كل من يستحقه يقول تعالى " أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ ؟ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ ؟،قُلْ :لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السماوات وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ " الزمر 43 :45 .
فالقرآن يحول عقيدة القرشيين في القرن السابع الميلادي إلى قضية عامة لم يرد فيها ذكر للتحديد بالزمان أو المكان وبذلك تنطبق الآية على جميع من وصفتهم الآية بالذين " لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ".
ومع أن القرآن قص كثيراً من الأحداث التي عاصرت نزول الوحي وكان يعقب عليها فإن المنهج القرآني كان يحول الحادثة التاريخية المحددة إلى قضية عامة ، ويكفى أن كلمة قريش لم تأت في القرآن إلا مرة واحدة وأن كلمة "عربي" لم تأت إلا للدلالة على اللغة العربية لغة القرآن الكريم. وحتى في الأحداث المحلية التي استدعت تحديد بعض الطوائف أو الأسماء فإن تذييل الآيات كان يتضمن الدعوة للعبرة والتخويف من الآخرة وبذلك تتحول الحادثة التاريخية إلى قضية عامة تستوجب من كل إنسان في أي زمان ومكان أن يتعقلها ويتدبرها .
ولا نعني أن القرآن أغفل نهائيا عنصر المكان وعنصر الأبطال القائمين بالحدث .
ففي القصص القرآني إشارات موحية عن المكان في حديثه عن سبأ وقوم عاد بالأحقاف ويثرب المدينة ومدين التي يعمل أهلها بالتجارة. وهذه الإشارات الموحية دعوة صريحة لعلماء الآثار لينقبوا ويستخرجوا ما يؤكد الوصف القرآني مما يزيد في جرعة الهداية .
لقد انتقلت الأمم والدول التي ذكرها القرآن إلى متحف التاريخ وبقيت " مصر" وحدها .
ولا نعني أن القرآن أغفل نهائيا عنصر المكان وعنصر الأبطال القائمين بالحدث .
ففي القصص القرآني إشارات موحية عن المكان في حديثه عن سبأ وقوم عاد بالأحقاف ويثرب المدينة ومدين التي يعمل أهلها بالتجارة. وهذه الإشارات الموحية دعوة صريحة لعلماء الآثار لينقبوا ويستخرجوا ما يؤكد الوصف القرآني مما يزيد في جرعة الهداية .
لقد انتقلت الأمم والدول التي ذكرها القرآن إلى متحف التاريخ وبقيت " مصر" وحدها .
وقد ورد ذكرها في القرآن خلال قصص الأنبياء يعقوب ويوسف وموسى عليهم السلام .
والله تعالى يعلم – وكفى به عليماً – أن مصر ستبقى بعد نزول القرآن كما كانت قبله فإلى أى حد يكون الدرس الذي نتعلمه من القصص القرآني عن مصر ؟
* * *
إن التاريخ المصري مستمر في جريانه في أغلب عصوره، وهو تاريخ يتميز بالرتابة والأصالة في أغلب أحداثه، وقد بدأ ذلك التاريخ المصري قبل نزول القرآن بنحو 3850 عاماً واستمر بعده حتى الآن وإلى أن يشاء الله. وذلك كله مما يؤكد أن حديث القرآن عن "مصر" لا يقتصر على الماضي فقط وإنما يمتد للحاضر والمستقبل، خصوصاً وأن القصص القرآني – كما سبق – يهدف للعبرة واستخلاص العظة حتى لا يقع الناس فيما وقع فيه أسلافهم ، وإن كان ذلك ينطبق على قصص الأمم البائدة من عاد وثمود فإنه أكثر انطباقاً على المصرين الذين يعيشون في مصر منذ سبعين قرنا من الزمان.
* * *
وهذا الكتاب .. " مصر في القرآن الكريم "
يحاول أن يستخلص الموعظة والعبرة من القصص القرآني عن مصر ، وذلك بعد أن يتتبع الإشارات القرآنية ليستضئ بها في رسم صورة تاريخية لأحوال مصر السياسية والاجتماعية في عصر الهكسوس والرعامسة " رمسيس الأول وخلفاؤه. "
* * *
إن التاريخ المصري مستمر في جريانه في أغلب عصوره، وهو تاريخ يتميز بالرتابة والأصالة في أغلب أحداثه، وقد بدأ ذلك التاريخ المصري قبل نزول القرآن بنحو 3850 عاماً واستمر بعده حتى الآن وإلى أن يشاء الله. وذلك كله مما يؤكد أن حديث القرآن عن "مصر" لا يقتصر على الماضي فقط وإنما يمتد للحاضر والمستقبل، خصوصاً وأن القصص القرآني – كما سبق – يهدف للعبرة واستخلاص العظة حتى لا يقع الناس فيما وقع فيه أسلافهم ، وإن كان ذلك ينطبق على قصص الأمم البائدة من عاد وثمود فإنه أكثر انطباقاً على المصرين الذين يعيشون في مصر منذ سبعين قرنا من الزمان.
* * *
وهذا الكتاب .. " مصر في القرآن الكريم "
يحاول أن يستخلص الموعظة والعبرة من القصص القرآني عن مصر ، وذلك بعد أن يتتبع الإشارات القرآنية ليستضئ بها في رسم صورة تاريخية لأحوال مصر السياسية والاجتماعية في عصر الهكسوس والرعامسة " رمسيس الأول وخلفاؤه. "
ومن الطبيعي أن تلك الإشارات القرآنية عن الحياة المصرية القديمة لا ترسم لوحة متكاملة،ولكن من قال أن كتب التاريخ وعلماء المصريات قد جاءوا لنا بتاريخ مفصل متكامل للحياة المصرية القديمة ، مع أن ذلك هو عملهم الأساسي وهدفهم الأصلي ، أما القرآن فليس كتابا في التاريخ ملتزم بمناهج المؤرخين.ومع ذلك فإن الإشارات القرآنية التي حفل بها كتاب الله منذ 1400 عام تؤكدها اكتشافات علماء الآثار ، ثم أن هذه الحقائق التاريخية القرآنية لا مجال فيها للريب أو الشك ، بينما يكتشف علماء الآثار كل حين أن بعض الفراعنة قد طمس أمجاد أسلافه ونسبها لنفسه، فالتاريخ البشري حتى بالهيروغليفية عرف التزييف أما قصص القرآن فهو كما قال تعالى " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (111) سورة يوسف .