فاروق حسنى والدولة الفاشلة: جمع القمامة نموذجاً
سعد الدين ابراهيم
في
السبت ٠٣ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
يبدو أن مقالنا فى الأسبوع الماضى «فقه المؤامرة فى مسألة حسنى واليونسكو» (٢٦/٩/٢٠٠٩) قد أثار مواجع كثيرين. وقد تلقيت ردود فعل مُعظمها بالبريد الإلكترونى. وتجاوزت هذه الردود مسألة فاروق حسنى والإخفاق المصرى فى انتخابات مدير عام اليونسكو إلى كل مشكلات مصر المُعاصرة تقريباً ـ من تدهور مكانتها الدولية،
كما يشهد بذلك «صفر المونديال» (الذى ظفرت به ضد مصر دولة جنوب أفريقيا) والإخفاق فى اليونسكو (الذى ظفرت به ضد مصر Ïe; دولة بلغاريا)، إلى إخفاق الدولة المصرية فى جمع القمامة فى المراكز الحضرية الكُبرى، وفى مُقدمتها قاهرة المُعز. ولأن المُشكلة الأخيرة تبدو مقلقة للغاية، فإنها ستكون الموضوع الرئيسى لمقالنا هذا الأسبوع.
ولكن قبل ذلك، أشير فى عُجالة لبعض ما جاء بالبريد الإلكترونى من القُرّاء الكرام.
■ سر العلاقة بين حسنى الرئيس وحسنى الوزير؟
كان أكثر من قارئ قد تساءل عن سر العلاقة الوطيدة بين رئيس الجمهورية ووزير الثقافة، وهو ما يشهد به طول بقاء حسنى وزيراً طوال مُعظم سنوات عهد مُبارك. ويقول بعض القرّاء إنه كما أن حسنى مُبارك هو أطول رئيس فى السُلطة، منذ أصبحت مصر جمهورية عام ١٩٥٣، فكذلك يُعتبر فاروق حسنى أطول وزير ثقافة، منذ استحدثت هذه الوزارة. فإذا كان حسنى الرئيس قد ظل فى منصبه ٢٨ عاماً، فإن حسنى الوزير قد ظل فى منصبه ٢٢ عاماً.
■ وحسام هريدى يستعرض سجل الوزير، فى تعليق طويل باللغة الإنجليزية، يُركز على حريق قصر ثقافة المنيا، وسرقة الآثار، واتهام كبار مُساعدى الوزير بمُخالفات جسيمة، حُكم على البعض منهم فيها بالسجن، وظل فاروق رغم ذلك وزيراً. وعلّق على ذلك قارئ آخر بأنه لو كان ذلك قد حدث فى أى بلد آخر ذى حكومة رشيدة، لكان الوزير، وربما رئيس الوزراء، قد استقالا على الفور!
■ كسب العالم وخسر شعب مصر!
أما القُرّاء د. رفعت عيسى، ووجدى عبد الحليم، وبسمة بيومى والسيد المُرشدى، وأحمد المصرى، وفوزى الدرمللى، ورضا الأشرم وأحمد سمير الجابرى، وأحمد الجيزاوى، وشريف السعدنى، فهم إما شاركوا فى التنويه بمقالنا، أو أضافوا تفسيراتهم لما حدث من وقائع على الطريق من الإسكندرية (مسقط رأس الوزير) إلى القاهرة، وباريس.
كما ورد تعليق طريف من القارئ محمد أحمد، يقول فيه «إن خسارة فاروق حسنى فى الحصول على منصب اليونسكو هى خسارة لشعب مصر لأننا كنا سنتخلص منه، ولكن فوزه كان سيكون خسارة ووبالاً على العالم...»
وماذا عن الفشل فى جمع القمامة؟
إذا كانت الثقافة هى أرفع ما يُنتجه البشر، فإن القمامة (الزبالة) هى أدنى مُخلفات هؤلاء البشر. وحيث إن بعض القرّاء قد دلّلوا على فشل الدولة المصرية فى مواجهة مُشكلة جمع القمامة فى عاصمتها، فقد طلبت من بعض أمناء مركز ابن خلدون التقصى حول هذا الأمر...
خاصة أن «منشية ناصر»، وحيث يستوطن مُعظم جامعى القمامة بالقاهرة، تقع بالقرب من مقر مركز ابن خلدون بجبل المقطم. وفيما يلى مُلخص ما وردنى فى هذا الصدد:
١ـ نعم، تفاقمت مُشكلة جمع القمامة فى كل أحياء القاهرة، وخاصة، المُتميزة منها ـ مثل الزمالك، وجاردن سيتى، والمعادى بل ووصل تكدس القمامة على جانبى بعض شوارعها إلى أكثر من متر.
٢ـ إن جامعى القمامة على أطراف منشية ناصر، قالوا إنه بعد مذبحة الخنازير منذ شهرين، حيث أعدمت السُلطات ما يقرب من مليون خنزير، بدعوى الوقاية من «أنفلونزا الخنازير»، لم يعد لديهم ما يكفى من الحوافز لجمع القمامة، حيث كان الجانب الأكبر من هذه القمامة عضوياً (مثل فضلات الطعام) مما تقتات عليه الخنازير، والتى كانت بدورها تمثل ثروة حيوانية مهمة لهؤلاء الزبالين، مثلما الماشية عند الفلاحين فى الأرياف، والإبل والأغنام عند بدو الصحراء.
٣ـ نعم، لحوم الخنازير قد تكون مُحرمة على المسلمين واليهود، ولكنها ليست كذلك على المسيحيين المصريين (حوالى عشرة ملايين) والسُياح غير المسلمين الذى يترددون على مصر سنوياً (عشرة ملايين سائح). أى أننا نتحدث عن سوق حجمها عشرون مليوناً، يُمثلون طلباً دائماً على لحوم الخنازير، والتى أصبحت الآن نادرة أو مُنعدمة تماماً محلياً، ويضطر من يُريدونها الآن إلى استيرادها بالعملة الصعبة!
٤ـ وفضلاً عن حرمان حوالى مائة ألف أسرة كانت تعتمد على تربية الخنازير، فى مُدن مصر الكُبرى، من مصادر دخلها، فإن كثيراً من فقراء المسيحيين المصريين الآخرين أصبحوا محرومين من أحد مصادر البروتين الحيوانى الأرخص نسبياً من لحوم الدواجن والماشية.
٥ـ وهل هناك علاقة وطيدة، أو مؤكدة بين تربية الخنازير، ونوع الأنفلونزا التى تحمل اسمها؟
لا، لم يُثبت ذلك على وجه الإطلاق أو الاستبعاد. أى أن هذا النوع من الأنفلونزا، مُتعدد المصادر. والخنازير هى واحدة من هذه المصادر، ولكنها ليست المصدر الوحيد، بدليل اكتشاف حالات من هذه الأنفلونزا فى بُلدان لا توجد فيها خنازير بالمرة.
٦ـ وإذا كان ذلك كذلك، فلماذا يا ترى أطلق اسم الخنازير على هذا النوع الأشد من الأنفلونزا؟ مما تناقلته المصادر العلمية والإعلامية، أن أول حالة أنفلونزا شديدة أدت إلى موت من أصيب بها، كانت فى مزرعة خنازير فى المكسيك، كما كانت حالات مُشابهة فى مزارع دواجن فى سنوات سابقة، فأطلق عليها «أنفلونزا الطيور»، ومثلها «جنون البقر» فى أوروبا أيضاً منذ عدة سنوات.
٧ـ لماذا ـ إذن ـ تسرّعت السُلطات المصرية إلى إعدام أكثر من مليون خنزير؟ يُسأل فى ذلك من أصدروا القرار. ولكنه فى الغالب نتيجة العشوائية فى اتخاذ القرار، دون سند علمى أو بيطرى مكين.
وربما خوفاً من المسؤولية فى حالة انتشار الأنفلونزا. وربما نزعة تعصبية ضد الخنازير، التى لا يتعامل معها إلا المسيحيون، والذين حتى لو استاءوا من القرار، فهم يكظمون استياءهم، حتى لا يستفزوا المُتشددين والمُتطرفين من المسلمين المصريين.
٨ـ وهل كان المسؤولون عن مذبحة الخنازير المصرية على وعى أو معرفة بالعلاقة بين جمع القمامة وجامعى القمامة وتربية الخنازير؟ أغلب الظن أنهم لم يكونوا على وعى أو معرفة بهذه العلاقة.
فليس من عادات المسؤولين المصريين أن يسألوا أو يستشيروا أصحاب الشأن. فهل سمع أو رأى أحد من قُرّاء هذا المقال، رئيس الجمهورية، أو رئيس الوزراء، أو رئيس مجلس الشعب، أو وزير الزراعة أو الصحة أو التضامن الاجتماعى، يتحدث إلى جامع قمامة (زبال)؟
٩ـ طبعاً، فات عليّ أن أذكر مُبكراً فى هذا المقال أن حكومتنا تواجه مُشكلة جمع القمامة أحياناً باللجوء إلى شركات نظافة أجنبية، وكأن الخواجات وحدهم، هم الذين يمتلكون التكنولوجيا المتقدمة فى هذا الصدد.
فيا ترى من يجمع القمامة فى «القرية الذكية»، التى يفخر بها رئيس الوزراء، والسيد رئيس لجنة السياسات بالحزب الوطنى؟ فإذا كان الزبّالون المصريون قد فقدوا «حميتهم الوطنية» فى جمع زبالة أبناء الذوات فى الأحياء الراقية، فماذا حدث للشركات الأجنبية التى لا تفقد حميتها للربح أبداً؟
إن المطلوب فوراً، هو لجنة تقصى حقائق من مجلس الشعب، تذهب إلى الدويقة ومنشية ناصر، للحديث مع الزبالين المصريين، الذين جمعوا قمامة القاهرة لما يقرب من قرنين، أو دعوة مُمثلين لهم لجلسات استماع فى مجلس الشعب والشورى، لعلهم يجودون على المسؤولين بالجواب اليقين فى جمع قمامة الأقربين والأبعدين.. والله أعلم.