القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون
ßÊÇÈ كتاب ( مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية )
الإفتتـــاحية للمقدمــــة : القسم الأول : عرض مقدمة ابن خلدون

في الخميس ٢١ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

إفتتاحية مقدمة ابن خلدون

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية  

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

                                     الإفتتـــاحية للمقدمــــة

 الإشادة بعلم التاريخ

      يتنافس في معرفته الجميع ويتساوون في فهمه ، وأنه في ظاهره معرفة أخبار السابقين وفي باطنه النظر والتحقيق والتعليل .

 الحديث عن مناهج المؤرخين السابقين له

     المؤرخون القدماء جمعوا الروايات . واختلط فيها الصحيح بالمزيف ، إلا أنهم لم يلاحظوا أسباب الوقائع ولم يحققوا الصحيح والمزيف منها . وذلك في الأغلب ، وأشهر المؤرخين وأكثرهم أمانة : إبن اسحق والطبري وإبن الكلبي والواقدي وسيف بن عمر الأسدي والمسعودي . وهناك نقد في كتب المسعودي والواقدي . وإن نقل عنهم الجميع ، والناقد يستطيع الحكم على رواياتهم . وأكثر تاريخهم عام المناهج والمسالك بسبب إتساع الدولة في صدر الإسلام . ثم جاء المؤرخون فيما بعد فكتبوا في التاريخ المحلي مثل أبي حيان في تاريخ الأندلس وإبن الرفيق مؤرخ أفريقية .ثم جاء الجيل الثالث ينقل ويقلد دون نقد مع تكرار الموضوع والروايات دون تعليل أو تحقيق ، ثم جاء الجيل الرابع باختصار ما كتبه السابقون كما فعل إبن رشيق في ميزان العمل .

 تاريخ إبن خلدون

      وكتابه في التاريخ فيه تفصيل الأخبار والإعتبار ، وأسباب نشأة الدول والعمران وتاريخ المغرب وأهله من العرب والبربر ، وشرح أحوال العمران والتمدن وما يعرض في الإجتماع الإنساني من عوامل ذاتية . وينقسم إلى ثلاثة كتب .

     تقسيم موضوعات كتابه

·       الكتاب الأول : العمران وعوارضه الذاتية من الملك والسلطان والكسب والمعاش والعلوم وأسباب ذلك . وهو مانعرفه بمقدمة إبن خلدون .

·       الكتاب الثاني : أخبار العرب منذ الخليقة إلى عهده ، وتاريخ من عاصرهم من الأمم الأخرى .

·       الكتاب الثالث : أخبار البربر من زناته وملكهم . وبذلك فإن كتاب إبن خلدون يقسمه صاحبه إلى ثلاثة أجزاء ، فقط ، وذلك يخالف المعهود لدينا حين نقسم الكتاب إلى جزءين كبيرين ، المقدمة والتاريخ ، وهو قد بدأ بافتتاحية ، ثم بمقدمة عن علم التاريخ ، وبعدها الكتاب الأول الذي جعلناه نحن مقدمة ، ثم الكتاب الثاني والكتاب الثالث وهما في التاريخ .

  منهجه التفصيلي

      الإختصار والتلخيص في عرض الأخبار ، والدخول من باب الأسباب على العموم إلى الأخبار على الخصوص ، وتعليل الحوادث وبيان أسبابها ، وجعل العنوان محتويا لموضوع الكتاب ، وقال إنه لم يترك شيئا إلا استوعبه في الموضوع ومع ذلك فإنه  يقر بالتقصير .

 إهداء كتابه إلى السلطان أبي فارس

        ثم أهدى الكتاب لأمير المؤمنين أبي فارس عبدالعزيز بن أبي الحسن ، بعد أن مدحه ونافقه هو وآله ، وبعث بثمانية نسخ من الكتاب إلى خزائنه الموقوفة على طلبة العلم بجامع القرويين في مدينة فاس ، وبعد أن أسرف في نفاق السلطان أسرف أيضا في مدح عاصمة ملكه فاس ، ولم يذكر سنة إنتهائه من الكتاب على العادة السائدة ، أو متى بعث بالنسخ إلى فاس ، وقد ذكر ذلك في أواخر الكتاب الأول ( أو ما نسميه نحن بالمقدمة ) وذلك بمنتصف عام 779هـ .

 

                              المقدمة : في فضل علم التاريخ

                     وتحقيق مذهبه ، ومايعرض للمؤرخين

                              من الأوهام ، وأسباب ذلك

وهذه المقدمة – كما سبق توضيحه – هي عن علم التاريخ ، وليست مقدمة إبن خلدون ، إذ أن مقدمة إبن خلدون هي الكتاب التالي بعد هذه المقدمة .

 فضل فن التاريخ

      قال أنه فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية ، وهو معرفة تاريخ الماضين لنستفيد منها .

 ثقافة المؤرخ الجيد

     وحتى تتم الفائدة فالمؤرخ محتاج إلى معارف متنوعة وحسن نظر حتى لايقع في الخطأ ، والأخبار ليست بمجرد النقل ولكن بفهم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران وقياس الغائب على الشاهد ، وإلا فإن المؤرخ والمفسر يقعان في الغلط  حين يقتصر على مجرد النقل ، خصوصا في إحصاء الأموال والعساكر .

 الرد على المسعودي في روايته عن عدد بني إسرائيل

       وقد حكى المسعودي عدد بني إسرائيل من الذكور البالغين ، كانوا أكثر من ستمائة ألف . وذلك يتنافى مع حقائق الزمان ، وقد كان ملك الفرس أعظم ولم تبلغ  جيوشهم مثل ذلك العدد ، وكان عدد جيش رستم الفارسي في القادسية 120 ألفا ، واتسع ملك بني إسرائيل بين الأردن وفلسطين والحجاز ، وبين يعقوب  وموسى أربعة آباء ، أو 220 سنة ، ولايعقل أن يبلغوا هذا العدد في تلك المدة أو حتى زمن سليمان . وقد ثبت في الإسرائيليات أن جند سليمان كانوا 12 ألفا ، وهو وقت عظمتهم .      

إنتقاد مبالغة المؤرخين في التأريخ القريب وفي تاريخ اليمن والعرب   

    وبعضهم يبالغ في التأريخ لعصرهم القريب في عدد العساكر والخراج والنفقات ، فإذا تحققت من ذلك لم تجد معشار ما يذكرونه ، وذلك بسبب الرغبة في الغرائب .

    ومن ذلك تأريخهم لليمن وقولهم إن أفريقش بن قيس غزا إفريقيا في عهدموسى وأنه الذى سمى أهلها بالبربر , وأنه جعل قبائل حمير تستوطن هناك ومنهم صنهاجة وكتامة , وذلك ما قاله الطبرى والجرجانى والمسعودي وإبن الكلبي والبيلي .

     وانتقد روايات المسعودي التي تجعل ملوك اليمن يغزون المغرب والفرس وأذربيجان والترك وسمرقند والصين ، وتركوا قبائل من حمير في الصين . وغزوا بلاد الروم . وانتقد هذه الروايات من واقع العجز عن بلوغ تلك البلاد برا وبحرا .ثم أنه لم يحدث أن تقاتل اليمنيون مع الممالك القوية في الشام ومصر وهي الأقرب لهم .

    إنتقاد مبالغة المفسرين في ذات العماد

       وبالغوا في وصف  ذات العماد ، قالوا إنها مدينة كانت لشداد بن عاد بن عوض بناها في صحاري عدن في ثلثمائة سنة من الذهب والزبرجد والياقوت ، وكان عمره 900 سنة ، ولما انتهى بناؤها سار إليها بجيشه ليسكنها فأهلكهم الله . الراوي لذلك كعب الأحبار ، وعنه تسلسلت  الرواية حتى ذكرها الطبري والثعالبي والزمخشري وغيرهم . ويرد إبن خلدون أن صحاري عدن في وسط اليمن وهو مأهول بالسكان ، ولم يتحدث أحد عن رؤيته لتلك المدينة أو آثارها ، وبعضهم يهذي بأنها دمشق  أو أنها مدينة مسحورة ، ويقول أن المفسرين أساءوا الفهم بسبب إعراب كلمة " إرم ذات العماد" ويرى أن العماد هى عماد الخيام وليس الأساطين أو الأعمدة  المبنية .

إنتقاده روايات نكبة البرامكة وقصة العباسةمع جعفر البرمكي

   وينكر أن تكون العباسة أخت الرشيد قد تحايلت حتى حملت من جعفر ، وقال إنها أعظم من أن تقع في ذلك . ويرى أن نكبة البرامكة بسبب إستبدادهم بالدولة واستئثارهم بالجباية وأموالها حتى زاحموا الرشيد في ملكه . حتى كان بدار الرشيد 25 رئيسا من ولد يحيى البرمكي ما بين قائد وكاتب ، مما دفع الحاقدين للكيد لهم واستغلوا  إطلاقجعفر سراح العلوي الثائر يحيى بن عبدالله الحسني ، وكان الرشيد قد إئتمن جعفر عليه ، ودس الحاقدون من يغني أمام الرشيد : إنما العاجز من لايستبد . كما أنكر مقالة المؤرخين أنالرشيد كان يعاقر الخمر مع جعفر ، وأكد على تقوىالرشيد وورعه . وتقوى أسلافه وورع عصرهم . وقال إن الرشيد كان يشرب نبيذ العراق وكان أهل العراق يرونه حلالا ، وهو غير الخمر الصرفة .

     واستنكر أيضا الرواية القائلة بأن المأمون كان يعاقر الخمر مع القاضي يحيى بن أكثم ، وذكر فضائل المأمون التي تنفي ذلك ، وكذا استنكر إتهام يحيى بن أكثم بالشذوذ مع الغلمان . وقد أنكر إبن حنبل هذا الاتهام ليحيى وكذلك إبن حيان في كتابه " الثقات " . وعلل إبن خلدون ذلك الإتهام ليحيى بأنه جاء من الحاسدين ، وأنكر رواية تعرف المأمون ببنت وزيرهالحسن بن سهل ، وكيف أنه وهو يطوف سرا صعد إلى منزل لايعرفه فرآها فيه وعاقرها الخمر، ثم في الصباح أرسل يتعرف على البيت فعرفها وتزوجها . وقال إن ذلك لا يليق بالمأمون ولا ببنت الحسن بن سهل ( بوران ).

 وقال إن أمثال هذه الحوادث كثيرة وتنتشر لرغبة الناس في التأسي والإقتداء بها طاعة للهوى ، واستشهد بنصيحته لبعض الأمراء الذين ولعوا بالفن ، ولكنه قال أنه يتأسى بإبراهيم بن المهدي رئيس المغنيين في زمانه .

 إنكاره الطعن في نسب العبيدين " الفاطميين"

         وقال إنهم يعتمدون في ذلك على روايات ملفقة لإرضاء بنيالعباس . ورد على ذلك بذكر ملخص لدعوة الفاطميين وإنشائهم الدولة ، وتوسع الفاطميين شرقا إلى العراق حتى دعا البساسيري لهم على منابر بغداد . وبرغم ذلك فلم يظهر وقتها إتهامهم بانتحال النسب العلوي ، وقد كان القرمطي منتحلا للنسب الشريف فتلاشى أتباعه وساءت عاقبتهم . أما الفاطميون فقد دامت دولتهم  نحو 270 سنة وتوسعت حتى مكة والمدينة , وبعد إنقراض دولتهم ظل أتباعهم في تقديسهم معتقدين في الوصية لأبنائهم ، وقد عاب إبن خلدون على القاضي الباقلاني إتهامه لهم في نسبهم بسبب عقائدهم الإسماعيلية " وما كانوا عليه من الإلحاد في الدين" . ويرى إبن خلدون أن كفرهم لا ينفي نسبهم الصحيح مثل إبننوح الذي ذكر القرآن عصيانه لأبيه . وقال إنهم كانوا تحت الرقابة والإضطهاد فاختفوا حتى سمي محمد بن إسماعيل بالمكتوم وهو جد المهدي ( عبيد الله ) وكان ذلك فرصة للعباسيين في الطعن في نسبهم ، وتقرب المنافقون بذلك إلى المستضعفين من خلفاء بني العباس ، واستراح لذلك أمراء الدولة العباسية لستر عجزهم عن مقاومة الغلبة الفاطمية على الشام ومصر والحجاز , وسجل القضاة والأشراف والعلماء وكبار الشيعة في العراق تلك الشهادة في الطعن في نسب الفاطميين , مع أن رسالة الخليفة المعتضد العباسي إلى إبن الأغلب بالقيروان وإبن مدرار بسجلماسة تعترف بصحة نسبهم .

إنكاره الطعن في نسب الأدارسة حكام المغرب الأقصى

        واستنكر أيضا طعن العباسيين في الأدارسة حكام المغرب الأقصى . حيث يقولون إن إدريس ليس ابن إدريس الأكبر ، وإنما هو إبنراشد مولاهم ، ويقول أن إدريس الأكبر أصهر إلى البربر ، وأنه كان عريقا في البداوة حيث لا مكان للريب والشبهة ,  وإن راشداَ كان يتولى خدمة الحرم أجمعين تحت المراقبة من الأولياء والشيعة ، وقد اتفق برابرة المغرب الأقصى على البيعة لإدريس الأصغر بعد أبيه وتفانوا في الولاء له مما يدل على صحة نسبه . والذي حدث أن إدريس الأكبر عندما فر من العباسيين بعد موقعة " بخ " ونجا من ملاحقة العباسيين وعملائهم من الأغالبة  ونجاحه في تأسيس ملكه في المغرب ، أرسل إليه الرشيد خادمه الشماخ جاسوسا فأصبح صديقا لإدريس وقتله ، وفرح العباسيون بقتله واجتثاث ملكه ، ولكن صعقوا عندما علموا أن امرأته حملت بولده إدريس الذي جدد الدعوة والدولة فطعنوا في نسبه إلى إدريس مع أنه قد ولد على فراش أبيه . ويرى إبن خلدون أن من ينكر نسبه لأبيه فقد كفر ، ويرى أن ذلك المحل منزه معصوم . ويتهم الطاعنين بالإنحراف عن آل البيت والإرتياب في الإيمان بسلفهم ، ويقول  " لكني جادلت عنهم في الحياة الدنيا وأرجوا أن يجادلوا عني يوم القيامة " ويقول إبن خلدون أن بعض منتحلي النسب الشريف حسد أحفاد إدريس وأنكر نسبهم لأن نسبهم الشريف بلغ حد التواتر  بالإضافة إلى ملكهم في المغرب ، لذلك ود كثير منهم لو يردونهم عن شرفهم وذلك " حسدا من عند أنفسهم " .

 إنكاره الطعن في نسب الإمام المهديصاحب دولة الموحدين

        قال إن أتباع  المهدي ( محمد بن تومرت ) زعموا إنتسابه لآل البيت ، وقد أيد إبن خلدون ذلك الإدعاء ، وأن الفقهاء حسدوه لامتيازه عليهم بالسلطان مع أنه كان فقيها مثلهم ، لذلك انضموا لأعدائه ملوك لمتونه، وكانوا ملوكا سذجا بدوا فاهتموا بأولئك الفقهاء .

      وقال إن المهدي دعا إلى الجهاد وأطاعه الموحدون حتى أقام الدولة ، وظل متمسكا بالزهد في الدنيا ، مما يدل على إخلاصه لله ، فلو كان قصده غير صالح لما تم أمره وانفسحت دعوته " سنة الله  قد خلت في عباده ".

 أثر تلك الأكاذيب في ضرورة التحليل التاريخي ، ومنهج التحليل التاريخي

         وهو يرى أن هذه الأكاذيب تستدعي منهج التحليل التاريخي ، فإن تلك الروايات  قد أثبتها المؤرخون الحفاظ ، ونقلها عنهم الكافة بدون دراية حتى صار فن التاريخ محتاجا إلى علم بقواعد السياسة وطبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع والأزمان في السير والأخلاق والعادات والمعتقدات ، والإحاطة بالحاضر من ذلك ومقارنته بالغائب وتعليل المتفق بينهما والمختلف ، وتفسير ظهور الدول والمعتقدات وانتشارها وأحوالها وأحوال القائمين عليها ، حتى يستوعب أسباب كل حادث ويشرح أصول كل خبر ويعرض المنقول على ما عنده من القواعد والأصول فإن وافقها كان صحيحا ، وإلا كان زيفا .

 ومن الأخطاء تناسى تبدل الأحوال بتبدل الزمان

     ويجعل من الأخطاء تناسي تبدل الأحوال بتبدل الزمان . يقول أن أحوال الأمم لا تدوم على وتيرة واحدة بل تختلف ، يحدث ذلك للإنسان كما يحدث في الدول والأمم والحضارات القديمة .

     والسبب أن الناس على دين ملوكهم ، والملك القائم يتأثر بأحوال الملوك السابقين كما يتأثر بعصره ، وبالتالي فيحدث إختلال في الجيل الثاني للدولة عن الجيل الأول ، ثم بمرور الزمن يتزايد الإختلاف حتى يصل إلى التناقض ، والمؤرخ الذي لا يفطن إلى تبدل الأحوال والزمان يقع في الخطأ . ومن ذلك تعييرالحجاج وأبيه بأنهما كانا معلمي صبيان ، مع أنه في ذلك العصر لم يكن التعليم صناعة بل كان شرفا يقوم به الشرفاء ، ثم تغير الحال وأصبح مهنة للتكسب يقوم بها الضعفاء ، وإذن فهي كانت للحجاج وأبيه شرفا في عصره ، ولكن تبدلت الأحوال في عصر التدوين فجعلوها نقيصة للحجاج .

      ومن ذلك أيضا إختلاف منزلة القاضي عن مكانتها العالية في عصر المنصور بن أبي عامر المتحكم في الأندلس في خلافة هشام والقاضي إبن عباد من ملوك الطوائف ، ولكن تحولت إلى وظيفة فقهية ، بعد أن كانت في أوان عظمتها بسبب العصبية من الموالي والأنصار .

     ومن ذلك تشبه المؤرخين اللاحقين بالمؤرخين السابقين حين كانوا يذكرون نسب الملك ونساءه ولقبه وخاتمه وقاضيه وحاجبه ووزيره . وكان المؤرخون الأوائل يقصدون بذلك  معرفة سير الأسلاف للملوك ليقتدي اللاحق بالسالف ، ولكن تغيرت الأحوال عن الدولتين الأموية والعباسية . فلم تعد هناك فائدة من تلك التفصيلات ولكنه تقليد المؤرخين اللاحقين للمؤرخين الأوائل .

 التاريخ الخاص والتاريخ العام

     والتاريخ هو ذكر الأخبار الخاصة بعصر أو جيل . أما ذكر الأحوال العامة للآفاق والأجيال وا لأعصار فهو أساس المؤرخ ينبني عليه أكثر مقاصده ، وذلك ما فعله المسعودي في الجزء الأول من كتابه ، وصار بذلك إماما للمؤرخين واقتفىالبكري أثره في المسالك والممالك .

    وقال إن عصره شهد تبدل الأحوال من الإزدهار إلى الخراب ومن الإنتصار إلى الهوان فأصبح محتاجا لمن يعيد تدوين أحوال الخليقة ، ولذلك قام بتأليف هذا الكتاب مقتفيا طريق المسعودي ، مع التركيز فيه على أحوال المغرب لعدم إطلاعه على أحوال المشرق ، ولأن المسعودي إستوفى أحوال المشرق وقصر في شرح أحوال المغرب .

     كتابته الحروف التي ليست في العربية

     وتحدث عن حروف الهجاء العربية واختلاف الحروف بين اللغات ، وكيف أن بعضهم يهمل كتابة الحرف الذي لا يوجد في العربية ، وربما يرسمه بشكل الحرف الذي يليه ، أما هو فقد اختار أن يضع ذلك الحرف الأعجمي بما يدل على الحرفين اللذين يكتنفانه ليتوسط القارئ بالنطق . مثل الحرف الذي يقع بين الجيم والقاف والكاف  (مثل G) وهذا الحرف يأتي كثيرا في لغة البربر.