-1-
كلنا يتساءل، عن سرِّ عدم الاستقرار السياسي في لبنان.
وكلنا يتساءل، عن سرِّ عدم تأليف حكومة لبنانية جديدة، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر.
وكلنا يتساءل، عن سرِّ خضوع لبنان وحده – دون الدول العربية الأخرى - للخصومات، والخلافات، والتكتلات، والمحاور الإقليمية العربية، وغير العربية.
والجواب عن كل هذه الأسئلة والتساؤلات، هو أن سبب أزمات لبنان السياسية، وجود سبع عشرة ديكتاتورية، وسبعة عشر ديكتاتوراً في لبنان.
ففي لبنان سبع عشرة طائفة. وكل زعيم طائفة، هو ديكتاتور قائم بذاته، بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
فإذا كانت البلدان العربية مُبتلية بدكتاتور واحد في كلٍ منها، عسكرياً كان، أم حزبياً، أم عائلياً، أم قبلياً، فإن لبنان مُبتلى بسبعة عشر ديكتاتوراً، أعتى، وأشد طغياناً وقسوة من الديكتاتوريين العرب الآخرين، في العالم العربي.
-2-
فالديكتاتور ( زعيم الطائفة ) في لبنان هو الذي يُحيي ويُميت.
وهو الذي يعطي ويأخذ.
وهو الذي يرزق ويمنع.
وهو الذي لا تُعادُ له كلمة، ولا يُخالفُ له أمر، ولا يُردُّ له قضاء.
وهو الذي تصبُّ في صندوق انتخابه أصوات كل الطائفة، دون استثناء. ومن لا ينتخبه، أو لا ينتخب قائمته، يتمُّ نفيه من الأرض، وربما تُُتخطفُ أطفاله، وتُشرَّدُ عائلته، ويُحرَّمُ على أقاربه العيش في الضيعة.
وهو الذي يملك ميليشيا مسلحة، خاصة به، لحمايته، وحماية مصالحه المختلفة.
وهو الذي يُعلنُ الحرب، والعداء، والمصالحة، والتحالف، مع الطوائف الأخرى.
وهو الذي يحمي أبناء طائفته من ملاحقات ومطالبات الأمن العام، والجيش، وخلاف ذلك. ويقبض ثمن ذلك ولاءً، وطاعة أبناء طائفته.
-3-
والديكتاتور (زعيم الطائفة) هو الذي ينوب عن الطائفة في الأفراح، والأتراح، والمناسبات الدينية والوطنية.
وهو قَدَرُ الطائفة، وربها على الأرض، حيث لا إله فوقه.
وهو الذي يقبضُ الأموال من الخارج، من الشرق ومن الغرب، ومن العرب والعجم، ويرمي بالفُتات في نهاية النهار، للأتباع والأزلام.
وهو الذي يجعل من السياسة، حين يكون ساعة مع المولاة وساعة مع المعارضة وساعة لا (هيك ولا هيك) تجارة رابحة، تدرُّ عليه مئات الآلاف من الدولارات، إن لم يكن ملايين الدولارات.
وهو الذي يزرع الأرض بما يشاء، وغالباً بالمخدرات، ويصدِّرها إلى كل أنحاء العالم، دون خشية من حساب، أو عقاب.
وهو الذي لا تُفتح حقائبه في جمرك المطارات، والموانئ البرية والبحرية، ولا يعرفُ أحدٌ ما بداخلها من ممنوعات ومهربات.
وهو الذي – مع أزلامه وتابعيه – لا يدفع فواتير الكهرباء، والماء، والخدمات الأخرى. ومن هنا تعاني شركة كهرباء لبنان من عجز مالي كبير.
-4-
فأي لبنان هذا الذي يحكمه سبعة عشر ديكتاتوراً بلطجياً، كهذا الديكتاتور؟
أي أن لكل 250 ألف نسمة دكتاتوراً في لبنان.
فأي لبنان هذا؟
وأية ديمقراطية توافقية، أو خلافية فيه؟
وبلد كهذا ليس من المستغرب، أن يكون كرة بين أرجل الحكّام والأنظمة العربية، وغير العربية، كما هو الآن.
فلا غرابة ولا استغراب، ولا دهشة ولا اندهاش، ولا سؤال ولا جواب، عن ما جرى ويجري في لبنان.
أما العالم العربي، فهو في نعيم، قياساً على لبنان الجحيم.
وخيرٌ لك أن تكون في لبنان سائحاً، من أن تكون مواطناً. لذا فقد هاجر شبابه وعلماؤه واختصاصيوه إلى بلاد الله الواسعة.
حيث لا مواطنين في لبنان بل رعايا. وكل زعيم طائفة يقود رعاياه، كما تقاد الأنعام.
وصدق من قال:
لبنان: "من برَّه رخام ومن جوَّه سخام".
حسناوات فاتنات في الصور، وعصابات وبلطجية سياسيون في الواقع.
السلام عليكم.