أيمن عبد الرسول يكتب.. حرية الاعتقاد ضبطها القرآن بالحرية واعتدى عليها الفقهاء.. وأحاديث الردة ضعيفة
الجمعة، 8 مايو 2009 - 20:03
اختلاف الفقهاء حول الحريات يثير الجدل
من بين المسائل الحرجة فى الشريعة الإسلامية مسألة حرية العقيدة، حيث يضبطها النص القرآنى بالحرية، ويعتدى عليها النص الفقهى بالجبر والقهر بحيث تبدو حرية العقيدة فى السياق الفقهى الإسلامى هى حرية الانتقال من المذهب الشافعى إلى الحنفية أو الحنبلية داخل المدونة الفقهية السنية نفسها، وبين حرية الاجتهاد ـ المجهضة ـ بشروط الاجتهاد الكلاسيكى، وحرية الاعتقاد ـ المحرمة ـ بأصول نصوص منسوبة إلى الرسول تقول بقتل المرتد، يقف العقل المسلم حائرا، هل نغلق باب الحرية على من دخل الإسلام مكرها بالوارثة مثلا.. أم نفتحه ليختار كل شخص أيمانه ودينه كما يشاء.. وهل المرتد عن الإسلام ـ أيا كانت أسباب ارتداده ـ يقتل أم يستتاب أبدا، وهل صرح النبى بقتل التارك لدينه المفارق للجماعة؟
فى ظل التداعيات التى يعيشها العالم الإسلامى بعد 11 سبتمبر ـ هل كان قرار ـ فتوى ـ لجنة العقيدة والفلسفة بمجمع البحوث الإسلامية الأزهرى، بأن المرتد عن الإسلام لا يقتل، بل يظل يستتاب حتى نهاية عمره، خرجت فتوى اللجنة وقتها ـ فى 2003 ـ متسقة مع روح الإسلام الحقيقية التى تستند إلى القرآن كمصدر أول للتشريع.. هل كانت حقا كذلك؟
أم أن الفتوى المستنيرة ـ وقتها ـ كانت من باب الترضية للآخر الغربى الذى يتهمنا بالإرهاب, هذا السؤال كان السبب فى طرح قضية حد الردة للمناقشة الآن، وبعد إعلان نية نواب الإخوان عن تقديم قانون حد الردة، إلى مجلس الشعب المصرى.. وما كشفه الشيخ يوسف البدرى لليوم السابع عن وجود قانون لحد الردة مكون من (11) مادة أعده دكتور صوفى أبو طالب رئيس مجلس الشعب الأسبق، وكان من المقرر أن يصدق عليه الرئيس السادات، لكن القدر لم يمهله ـ بل حكم عليه بالإعدام لارتداده من وجهة نظر الإسلام السياسى بعقده صلحا مع إسرائيل ـ يالها من مفارقة مخجلة.!!
وحتى يقوم يوسف البدرى بطبع هذا القانون القنبلة.. والذى ينص حسب تصريحاته على إعدام المرتد بعد استتابته لمدة 30 يوما، وبغض النظر عن الاستنادات الفقهية، التى أظنها ستخلو من أية إشارة لآيات قرآنية تعاقب المرتد بالإعدام.. فأيا كان هذا القانون فإنه مخالف ـ شرعا ـ لنص كتاب الله على حرية العقيدة، وعدم الإكراه فى الدين.
لم يكن كاتب هذه السطور يعلم وهو يدرس هذا الموضوع منذ أكثر من 13 عاما أن هناك قانونا بصدد العرض على مجلس الشعب، ولم يكن يعلم أن الإسلام بحاجة إلى تشريع وضعى لحماية معتنقيه من تغيير ديانتهم إذا رأوا ذلك.. كان يعرف فقط، أن الإسلام دين الفطرة والحرية.. فهل كان مخطئا فى تصوراته وهو يدرس حد الردة من منظور النص القرآنى، وعدم جواز نسخ السنة القولية لرسول الإسلام للقرآن؟ هذه الأسئلة طرحها الآن على نفسه قبل أن يعرض عليكم دراسة عمرها 12 عاما كان قد ظن كاتبها أن الإسلام لم يعد بحاجة لسيف يحميه.
حوار هادى حول حد الردة المشتعل
ذكر القرآن الكريم الردة فى أربعة مواضع تحديدا، لم يجعل فيها للمرتد عقوبة يقيمها عليه الحاكم، بل أوكل أمره إلى الله تعالى يعاقبه فى الدنيا والآخرة يقول تعالى "أن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم" (47 : 25 سورة محمد) أى خدعهم الشيطان.. وتقرأ الآيات بعدها لتبحث عن حد الردة المزعوم فلا تجد إلا تخويفا لهم مما سيحدث لهم عند الموت (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وَجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ( محمد 27)( وذلك بأنهم أتبعوا ما اسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم) (محمد 28) أى تأجيل العقوبة لله تعالى يوم القيامة .
وجاءت فى المواضع الأخرى فى تحذير المؤمنين من الوقوع فى الردة كأن يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) وذلك المعنى جاء فى قوله تعالى (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) ( محمد 38)
وهذا كل ما هناك.. يستبدلهم بقوم آخرين، لأنه تعالى غنى عن العالمين ولو كفر أهل الأرض كلهم جميعا فلن يضروه تعالى شيئا، ويقول تعالى يحذر المؤمنين من دسائس اليهود (يا أيها الذين أمنوا أن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين) ( آل عمران : 100)
ثم يقول تعالى يحببهم فى الإيمان (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم) ويقول تعالى يحذر المؤمنين من محاولات المشركين لاضطهادهم وفتنتهم (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة 217 ) لم يقل من يرتد منكم عن دينه فجزاؤه القتل وحد الردة.. وإنما جعل العقاب فى الآخرة إذا ظل الشخص يحيا مرتدا إلى نهاية حياته. والواضح مما سبق أنه لا حد للردة فى القرآن وذلك ما يمكن إيجازه فى رأى آخر (لم يتضمن القرآن أية عقوبة للردة وروى عن النبى أنه قال: من بدل دينه فاقتلوه. وقال :لا يحل دم أمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانى والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة... غير أنه لم يثبت عن النبى أنه وقع عقوبة الردة على أحد، وعقوبة الردة التى يذكرها الفقهاء، وهى الإعدام عقوبة أخطر من ألا يتحدث فيها القرآن بنص، مع وجود نص على عقوبة أقل وهى عقوبة القذف (حد قذف المحصنات المؤمنات الغافلات) والقرآن مع ذلك يعلى من شأن حرية العقيدة، وحق الإنسان فى اختبار ما يؤمن به (لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى) ( البقرة : 256)
ومن الملاحظ على مر التاريخ أن من دخل الإسلام مختارا لا يرتد عنه، أما إذا دخله لعلة فى نفسه، ومرض فى قلبه فإن خروجه أجدى للإسلام من بقائه على نفاقه، يضر ويفسد ويزعم أنه يفعل ما يفعل باسم الإسلام، وتحت رايته، ولعل هذا ما تم فيما نسميه الإسرائيليات .
مما سبق، يتأكد أنه لا حد للردة فى القرآن، أى المصدر التشريعى الأول فى الفقه الإسلامى، وبالتالى فلا وزن إطلاقا لكل ما يقوله الفقهاء، أولئك الذين يحتكرون الفهم والتفسير والحكم، لنا الله، الذى اعتدى الفقهاء على حقه فى التشريع وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومن ثم فإن تشريع عقوبة للردة اعتداء على حق من حقوق الله، أولا: إدعاء علم السرائر، وثانيا: تطبيق لأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، فهل من تأمروا بحسن نية على تشريع قتل المرتد أعلم من الله، حيث يجعل باب التوبة الاختيارى مفتوحا ما لم يشرك العبد به "أن الله يغفر الذنوب جميعا، إلا أن يشرك به " .
والخلاصة: لا وجود لحد الردة فى القرآن الكريم ثم يأتى السؤال: وهل طبق الرسول صلى الله عليه وسلم، حد الردة على مرتد بالمعنى المجرد للردة؟
قبل الخوض فى هذه القضية الحساسة يجب أن نؤكد أن السنة النبوية لا تستقل بتشريع، ولا يجوز لها نسخ القرآن الكريم، وبما أن القرآن لا يثبت حدا للمرتد، فمن ثم السنة النبوية الصحيحة تتطابق مع القرآن، ولا تتعارض معه ومع نصوصه الصريحة والحريصة على حرية الاعتقاد، ولأن المنهج الأصولى يقرر فى قاعدته الفقهية، درأ تعارض النقل مع العقل وموافقة صحيح المعقول لصريح المنقول، وبغض النظر عن تخلى دعاتها عنها فى قلبهم للقاعدة رأسا عن عقب، حيث انتفى المعقول وساد المنقول. فإننا هنا نقدم المعقول، والنصوص محل الخلاف، المنسوبة إلى النبى هى:
1- من بدل دينه فاقتلوه
2- لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزانى والتارك لدينه المفارق للجماعة .
3- وفى رواية عائشة: لا يحل قتل مسلم إلا فى إحدى ثلاث خصال: زان محصن فيرجم، ورجل قتل مسلما متعمدا، ورجل يخرج من الإسلام فيحارب الله عز وجل ورسوله فيقتل، أو ينفى من الأرض .
ثمة رواية أخرى منغمة ومشهورة، لا يحل دم امرئ مسلم إلا فى ثلاث حالات: إن زنى بعد إحصان، أو ارتد بعد إيمان، أو قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق .!
إن هذه الأحاديث مكذوبة على النبى، لأنها تتعارض مع نصوص القرآن الواضحة والصريحة، وبدون توجس أو خوف، نقول إن هذه الأحاديث لا تزن جناح بعوضة أمام عشرات الآيات التى تنفى التهديد بقتل المرتدين، وكذلك فهى لا تشرع أمرا يخالف أوامر الله تعالى، وإنها بادية التلفيق، ولأن الحديث النبوى لا يستقل بتشريع.
أضف إلى ما سبق أن هذه الروايات، روايات آحاد، وتلك مشكلة أخرى، حيث أن أحاديث الآحاد لا تفيد اليقين، إلى هنا نصل إلى نتيجة مفادها، أن الرسول طالما لم يشرع حد الردة، ولا يجوز لسنته نسخ القرآن، فإنه من الطبيعى ألا يطبق حد الردة، وأن اعتراض البعض بحادثتى قتل ابن خطل لردته، وأم مروان، والحادثة الأولى مقترنة بقتل غلامين وهجاء الرسول والثانية مشكوك فى روايتها .
هذا عن إدعاءات أن النبى أقام حد الردة المزعوم، والواضح فى أغلب الأحايين أن حد الحرابة، أو الإفساد فى الأرض، وعادة ما اقترن بالقتل أو السرقة، أو كليهما معا، أما أن يطبق النبى حدا ليس له وجود على فرد لمجرد الارتداد، فهو لم يحدث وإن حدث فهذا حديث آخر عن التراث الإرهابى فى الإسلام، وإن احتجوا علينا بحروب الردة فهذا حديث ثالث نرد عليه فنقول :
1- إن حرب الردة كانت ضد حركة مسلحة قام بها بعض الخارجين على الدولة الإسلامية الناشئة، بقيادة القرشيين.
2- بدليل كونها ليست حجة لم يذكر لنا مؤرخ واحد أن أبا بكر احتج بهذه الأحاديث، أو أيها !.
3- احتجاج عمر بن الخطاب عليها يدل على اختلاف ما فى حجيتها الدينية إلى أن شرح الله صدره بتغيير مؤرخينا الكبار، هذا عن حرب الردة، أما حد الردة، فيتحدث عن فرد مسالم ابتغى غير الإسلام دينا ولم يقبل منه، ولكنه لا يقتل لمجرد الارتداد .
إذن ولأنه لا وجوب لأحاديث الردة المختلفة تلك فلم يعاقب النبى مرتدا بالقتل والنص القرآنى يصرح بذلك "يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم " ( المائدة : 41) ويقرر كذلك: "ولا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر إنهم لن يرضوا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا فى الآخرة ولهم عذاب عظيم " (أل عمران : آية 176 )
أى أن محاكمتهم من قبل الرسول غير واردة أصلا، ولا يحق له الإفتاء فيهم بالقتل .
إن فكرة الردة أساسا فكرة سياسية، نبعت من الاختلاف والعرب البدو حملة الرسالة الأوائل ظاهريون، أجلاف، لا يعرفون غير الظاهر، لا خبر لهم بالتأويل، ولا المجاز، ولا الثقافات التى احتكوا بها فصدمتهم فجعلتهم يخشون الاختلاف، وهم يجنونه فى كل شبر بدءا من سقيفة بنى ساعده، والاختلاف حول خلافة النبى، وحتى ما بعد الدولة العثمانية، ما علينا أو قل علينا أن ننحت القوافى من مقاطعها وما علينا إذا لم يفهم العرب !!.
إنه لما كثرت الفرق الإسلامية، وكفرت بعضها بعضا، ظهرت الأحاديث الموضوعة التى تنصر كل فرقة على الأخرى، مثل(القدرية مجوس هذه الأمة) دون تحديد واضح للقدرية، هل هم مثبتو القدر كأهل السنة، أم نفاته كالمعتزلة، وغيرها من الأحاديث التى تخدم السلطة فى إيجاد مشروعية التخلص من الخصوم السياسيين، وقد يصح أن هناك دوما إسلاميين، إسلام سلطوى رسمى، وإسلام نقيض لخطاب السلطة، الأول يكون على وعى دائم بمتطلبات السياسة والسلطة "فى الخدمة دوما" فى دعمها بما تحتاج إليه من نصوص تبرر بها الاستبداد، وتسمى هذه الفئة صاحبة الحق فى التأويل، والوحيدة التى تمثل الإٍسلام الصحيح، والثانى يكون مع الجماهير فى تصوفها الثورى، أو الانطوائى الذى استأنسه صلاح الدين قاتل السهروردى، مؤسس الدولة الأيوبية .
أو فى ثوريته الراديكالية ضد كل من يدعى الحديث باسم الله والواضح أن فقهاء البلاط هم مؤسسو فكرة حدة الردة ولولا تسلط الخلفاء ما تسلط الفقهاء.
ومن هنا فإن حد الردة المزعوم من مخلفات التراث السياسى الإرهابى فى الإسلام، ونتاج صراعات سياسية ولا علاقة له بالدين، ويجب رفضه وشجبه واستنكاره.
فى النهاية، هناك عدد كبير من الإشكاليات المتعلقة بتجديد الفكر الدينى الإسلامى، أو كما نسميه ـ الإسلام الوضعى ـ ليس أهمها عدم الحسم، والخضوع للابتزاز الوقتى بتغيير المواقف حسبما تقتضيه الوقائع، وتلوين الثوابت تبعا لأحدث المستجدات.. أما قضية المتنصرون ومواجهتهم فى مصر فليس الأمر بحاجة إلى تشريع، بل بحاجة ماسة وملحة وضرورية لإعمال العقل للإجابة على السؤال الصعب، أين الخلل فى بنية الإسلام الوضعى.. ولعلنا أو آخرون نجيب على هذا السؤال المطروح على الجميع.. إن كنا حريصين على عصرنة الإسلام لا أسلمة العصر، وبين المنهجين اختلاف جذرى سنحاول إيضاحه فى كتابات أخرى قادمة .
كاتب وباحث فى الإسلاميات
صدر له: فى نقد الإسلام الوضعى (2002) فى نقد المثقف والسلطة والإرهاب (2004)