بسم الله الرحمن الرحيم
هل نحن مقدّرون ما أنزل في ليلة القدر حقّ قدره؟
يعتقد الكثيرون أن ليلة السابع والعشرين من رمضان هي المرشحة أكثر من غيرها من بين الليالي العشر الأوخر لتكون خيرا من ألف شهر، والكل يحرص حسب اجتهاده في الإكثار من الأعمال الصالحة، ومنهاالتقرب إلى الله الرحمان الرحيم بالنوافل ، وهذا أمر معروف ومألوف .e;وف .
أما الأمر الذي هو في الحقيقة مستحدث ولم يكن معروفا، ولا يمكن أن يصبح مألوفا ولا ينبغي أن يكون كذلك ، لأن الظلم مهما دام فلن يتحول إلى معروف أو مألوف أو حتى متحمل .
نعم إن الظاهرة الجديدة التي نتأت مند بضع سنين هي الظاهرة الصوتية التي تملأ الأجواء في كل حين لا فرق لها ولا أدنى مراعاة ليلا أو نهارا. أما في تلك الليلة وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان فقد يحلو لبعض المساجد- وقد حدث ذلك فعلا- أن تنقل نوافلها وتهجّدها الذي يستمر إلى ما بعد الفجر الكاذب . ولا شئ في كل هذا، فالله نسأل أن يتقبل من المصلين المتقربين، ولكن الذي يكون مشكوكا فيه هو أن يتقبل الله هذه النوافل المنقولة – ولا ندري لمن هي منقولة ؟ - عبر مكبرات الصوت لتملأ الأجواء ولعل التعبير الأصح لتلوث الأجواء بلا كلل ولا ملل ، بدون أي موجب أو أي حق ولتغطي أصواتها التي تحولت إلى منكرة مساحات شاسعة وليتراجع الليل المتميز بسكونه وهدوئه تراجعا مهينا له لا نظير له ولتنتهك حرمته وليجرّد من وظيفته التي جعلها الله له ولما سخر له .
نعم يبقى السؤال واردا : لمن يا ترى تنقل هذه النوافل بهذه الأصوات المزعجة ؟
وإذا كانت لله الواحد القهار، - وهي حتما كذلك-، فهل هو الذي أمر بذلك ؟ وهل بهذا الأسلوب المفضوح يطمح المصلون ويطمعون في مزيد من الأجر ؟
وإذا كان المصلون يصلون ويعتقدون أنهم يتعبّدون، فلماذا كل هذا الإسراف في الصوت؟ علما أنه إسراف مركب أو مضاعف، لأنه إسراف متعــدّ ومعتــد ومنتهك حرية الغير.
وإن مثل هذه الظاهرة المتسمة بالإسراف يأتيها الكثيرون في صلاة التراويح في ليالي رمضان وفي مناسبات شتى ومنها في مناسبة ذكر الله في يوم الجمعة ، ومنهم أولئك المحتفلون بالأعراس، والجميع يتفنن في اقتناء أحدث الآلات التي تغطي بأصواتها المنكرة أبعد المسافات .
والظاهر أن الجميع ظالمون، وقد يكون ظلم المصلين أعظم لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وهم غير ذلك .
أما الأسباب التي تولدت منها هذه الملاحظات فهي التساؤل الذي يفرض نفسه قائلا ما محل هذه التعاليم الربانية من الإعراب إذا كانت لا تفهم ولا تهضم ولا تطبق ؟ وماذا يمكن أن يتبادر إلى الذهن عندما نقرؤها بتمعن ونتدبرها ؟ ومنها :
01) ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) 110 – الإسراء.
02) ( واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)
رقم 19 – لقمان –
ولنفرض أن هناك مسلما مريضا في حاجة ماسة إلى سكون الليل وراحته ، أو شخصا ناويا على مواجهة نهاره المقبل بكل ما يمكن أن يشحن به نفسه وإرادته من قوة ، أو أن هناك جارا مسيحيا أو يهوديا أو جارا لا دين له أصلا ، وهل يجوز لنا أن نتوجه إلى الخالق الرحمن الرحيم ونتطلع إليه ونتضرع إليه بواسطة رسائلنا القصيرة أو الطويلة ، هل يجوز لنا أن نفعل ذلك مع الله بكل هذه الجلبة وهذه الأصوات العدوانية ؟ وأن نعتدي بالتالي على غيرنا بدعوى أننا نصلي ونتقرب إلى الله ؟
ألا يدل موقفنا وتصرفنا على أننا لم نمتثل لأوامر الله في واجب تدبر تعاليمه وبذل قصارى الجهود لإخراجها إلى أرض الواقع ؟
ألا تكون تصرفاتنا وتصرفات ومواقف شتى المساجد مصابة بفيروس المنافسة أو المباراة أو تزكية النفس ؟
ولعل إيراد الآية رقم 35 في سورة الأنفال يزيد في إلفات الإنتباه إلى أن الأمر جدّ ليس بالهزل ؟ وهي: ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) .
ومهما جاء التعليق ، فحسب قاموس ما : إن معنى المكاء هو الصفير، وأما معنى التصدية فهو التصفيق، وكلا التصرفين أوالموقفين أو التعبيرين مصدر تصويت . وهنا بيت القصيد. وهوالقصيد الذي أصبح ومنذ عهود طويلة في حاجة ماسة إلى تأملنا وتدبرنا وتحديقنا وشجاعتنا وإرادتنا لتقدير ما أنزل في ليلة القدر حق قدره .