غياب قانون تداول المعلومات يقوّض الصحافة في مصر

في السبت ٢٠ - ديسمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

مرت عشر سنوات على إقرار الدستور المصري الذي نص على حق المواطن في المعرفة، ومع ذلك يظل قانون تداول المعلومات عالقاً في أدراج البرلمان والحكومة، ما يعكس الهوة بين النص الدستوري والواقع التشريعي والتنفيذي. في ظل ترقب الوسط الصحافي والحقوقي لإصدار القانون، اتجهت الحكومة نحو مقاربة مختلفة، مركزة على تغليظ العقوبات بدلاً من ضمان وصول المواطنين إلى المعلومات الرسمية. وعلى الرغم من أن المادة 68 من الدستور أكدت أن "المعلومات والبيانات ملك للشعب"، فإن السلطة التشريعية سلكت مساراً متباطئاً وغامضاً، ولم يُستكمل القانون بعد.

حركت القضية مجدداً، الأسبوع الماضي، عبر تصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الذي أصدر تعليمات عاجلة لاستكمال مشروع القانون بالتنسيق بين وزارتي العدل والاتصالات، مؤكداً أنه سيكون أداة لترسيخ الشفافية وتنظيم وصول المواطنين إلى المعلومات من مصادرها الأصلية، مما يقلل من التأويلات المضللة. وأكد المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني، أن الحكومة تركز على مواجهة الشائعات التي تضر بالدولة والاقتصاد عبر آليتين: إصدار قانون تداول المعلومات وإجراءات تغليظ الغرامات على مروجي الأخبار الكاذبة، من دون التوسع في عقوبات الحبس، وشدد على أن الهدف حماية المصلحة العامة وليس تقييد العمل الصحافي أو حرية التعبير.

ومع غياب القانون، تعتمد السلطات على نصوص أخرى، مثل المادة 188 من قانون العقوبات وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، لتوجيه اتهامات فضفاضة تشمل أي محتوى ينتقد الرواية الرسمية أو يكشف فساداً، ما أدى إلى محاكمات جائرة وحبس احتياطي طويل للصحافيين والناشطين.

نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي انتقد المقاربة الحكومية، ورأى أن الطريق الصحيح لمواجهة الشائعات يبدأ بإتاحة المعلومات وتنظيم تداولها، وليس بتغليظ الغرامات. وأوضح البلشي، في بيان رسمي، أن المبالغة في العقوبات قد تتحول إلى أداة للضغط على الصحف وتثبيط نقل المعلومات، مما يزيد انتشار الشائعات بدلاً من الحد منها.من جهته، أشار أستاذ الإعلام في جامعة السويس، حسن علي، إلى أن الحكومة تلجأ إلى "الأسهل" بسن قوانين مغلظة بدل معالجة السبب الجذري للشائعات، وهو غياب قانون تداول المعلومات، متسائلاً عما إذا كانت ستحاسب المسؤولين عن نشر معلومات خاطئة كما تعاقب المواطنين.

وفق مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود لعام 2025، تصنّف مصر في المرتبة 170 من أصل 180 دولة، بمجموع نقاط يبلغ 24.74، ما يعكس وضعاً شديد الانخفاض في حرية الصحافة مقارنة بمعظم دول العالم. وتشير النتائج إلى استمرار انعدام التعددية الإعلامية وسيطرة الدولة على المشهد الإعلامي، مع إحكام الرقابة على الوسائل المستقلة، واستمرار الاعتقالات القضائية والملاحقات ضد الصحافيين. وتوضح المنظمة أن مصر لا تزال واحدة من أكبر الدول سجناً للصحافيين، وأن التعددية الإعلامية شبه منعدمة، وتعمل معظم وسائل الإعلام تحت سيطرة الحكومة أو جهات مرتبطة بها، بينما تظل وسائل الإعلام المستقلة عرضة للملاحقة والحجب. ومن الأمثلة الحديثة على ملاحقة الصحافيين، التحقيق مع الكاتب والباحث السياسي عمار علي حسن وإخلاء سبيله بكفالة مالية في قضية "نشر أخبار وبيانات كاذبة"، وكذلك المتابعة المتكررة للناشط أحمد دومة على خلفية منشوراته على "فيسبوك"، رغم حصوله على عفو رئاسي سابق.

يبقى قانون تداول المعلومات المفقود حجر الزاوية لإحداث توازن بين حق المواطن في المعرفة والحاجة لحماية الأمن القومي، وهو السبيل الأنجع لمواجهة الشائعات عبر إتاحة المعلومات والشفافية، بدلاً من الاعتماد على العقوبات الصارمة التي أثبتت التجربة أنها تفاقم المشكلة.