إذا درسنا وتدبرنا القرءآن الكريم لوجدنا ان كل رواية فى كل سورة لها زاو
آيات لقوم يتفكرون (2)

محمد صادق في الثلاثاء ٠١ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

آيات لقوم يتفكرون (2)

"  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة 21

اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم ْ" 

إذا درسنا وتدبرنا القرءآن الكريم لوجدنا ان كل رواية فى كل سورة لها زاوية خاصة - وهذا من إعجاز القرءآن الكريم خطاب اللــه من السماء إلى الأرض وفوق ذلك هناك قضايا أساسية فى العقيدة والقرءآن الكريم من اسلوبه انه يأتى بها فى أماكن كثيرة كى تترسخ – الوالد ينصح ولده، إنتبه وإجتهد ليس مرة واحدة فى حياة ولده ولكن يكررها فى كل مناسبة وكل موقف يتعرض له ولده لكى تترسخ فى عقله هذه النصيحة الأبوية.

إن التكرار فى القرءآن الكريم له تفسير بلاغى، إن كل رواية أتت على الموضوع من زاوية وبمعنى آخر، فإن التكرار من مهمته القصوى البلاغية أن يؤكد المعنى الذى هو أساسى. كلنا نعلم أن فى حياتنا هناك مواضيع اساسية ومواضيع ثانوية، بتعبير آخر هناك موضوع مصيرى، فمثلا الصحة موضوع مصيرى إن أى خلل فى القلب قد يُنهى حياة الإنسان فالصحة موضوع خطير، الإيمان موضوع خطير قد يُنهى سعادة الإنسان. فالموضوعات الخطيرة أو المصيرية يعتنى بها القرءآن الكريم كثيرا، لذلك فى حياتنا موضوعات هى فرائض بمعنى تتوقف سعادتنا على تحقيقها بل تتوقف سعادتنا وسلامتنا على تحقيقها إذن هى فرائض، وموضوعات تحت باب المحرَّمات وهذه سبب شقؤنا وهلاكنا فى الدنيا والآخرة.

إذن على طرفى الآحكام.. الفرائض والمحرمات وبينهما فى الوسط المباحات. طريقة جلوسك فى البيت، الوان ثيابك... هناك آلاف الموضوعات ليس لها أثر إيجابى أو سلبى فى إيمانك. الموضوعات التى لها أثر إيجابى أو سلبى فى علاقتك باللـــه قد جاء ذكرها فى القرءآن الكريم بشكل واضح والأشياء التى سُكت عنها هى الأشياء التى ليس لها أثرإيجابى أو سلبى فى حياتك الإيمانية لذلك الأنبياء، ما من شيئ يُقربك إلى اللـــه إلا أتوا على ذكره وما من شيئ يٌبعدك عن اللـــه إلا أتوا على ذكره والذى أُغفل عن ذكره، هناك حكمة من عدم ذكره لا تقِلْ عن حكمة الذى ذكره اللـــه وهذا معنى قوله " ...ۗ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ...." المائدة 3

الإكمال نوعى والإتمام عددى، أى ان مجموع القضايا التى عالجها القرءآن تامة عددا وأن طريقة المعالجة التى عالجها القرءآن للقضايا التى عرضها كاملة نوعا. فهذا الدين توقيفى لا يُضاف عليه ولا يُحذف منه لأنه من عند الخالق الذات الكاملة- الرحمة والعلم المطلق- الدين لا يُضاف عليه ولا يُحذف منه. إنه عند بعض المشككين هو تراث، الدين ليس تراث، الدين وحى من السماء، وحى من عند اللــه، أما الحضارة والثقافة والتراث هى أشياء أرضية. الدين وحى السماء أو بمعنى آخر هو خطاب السماء للأرض، هذا الخطاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

والذى يقول بتجديد الدين، الدين لا يُجدد، الدين توقيفى، لعل الخطاب الدينى يُجدد، الخطاب الدعوى يُجدد، وإذا أصررنا على أن هناك تجديد فى الدين فهو كما يلى: " أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه " لذلك الأشياء الأصل فيها الإباحة ولا يُحرم شيئ إلا بالدليل القطعى الثبوت والدلالة. أما العبادات والعقائد الأصل فيها الحذر ولا يضاف عليها أشياء إلا بالدليل القطعى الثبوت والدلالة.

قصة الخلق وردت فى سور عديدة ومن زوايا عديدة ولكن ما يعنينا فى هذه القصة إن اللــه هو الخالق، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " البقرة 21

فمن هى الجهة الوحيدة فى الكون التى تستحق العبادة، إنها الجهة الخبيرة قال تعالى:"... وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" فالإنسان حين يتوجه إلى اللـــه يكون عاقلا أما إذا توجه إلى غير اللــه يكون غير عاقل، فى حياتك اليومية، إذا إشتريت آلة غالية الثمن عظيمة النفع وأصابها عُطل أو خلل، لا يمكن أن تذهب إلى من تُحبه بل تذهب إلى من هو الخبير فى إصلاحها. إذن اللــه سبحانه يقول: " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ... " الأعراف 11

ومن معانى هذه الكلمة " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ... " أنه ينبغى أن تستمعوا إلى كلام اللــه وينبغى أن تُطيعوا تعليماته وينبغى أن تنصعوا لأوامره، ينبغى أن تطبقوا تعليماته لأنها تعليمات الخالق، تعليمات الخبير، تعليمات الرب الذى يعلم أسباب سلامتنا وسعادتنا. ثم يقول سبحانه "  ... ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " فالبعض يقول المخلوقات كلها خُلقت من عالم الذر إستنادا على الآية الكريمة: "  إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " الأحزاب72

هذا عالم الذر، النفوس مجردة من الصور فى عالم الذر، بعض من فى هذا العالم أشفق من حملها وبعض من فى هذا العالم قبل حملها لأننا من بنى البشر فنحن حتما قبلنا حمل الأمانة. " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُم ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " فى الحياة الدنيا هى عالم الصور، الحصان أخذ صورة، الشمس لها صورة والقمر له صورة والإنسان له صورة وأنواع النباتات والحيوانات لهم صور، فى عالم الذر عالم النفوس وفى عالم الدنيا عالم الصور.

الإنسان قَبِلَ حمل الأمانة، فما هى الأمانة... فى الرأى السائد أنها نفسك الذى بين جنبيك - واللــه أعلم – هذه أمرها بيدك - حرية الإختيار- مصيرها إليك، كُلفت حملها أى أن تُعرِّفُها بربها، كُلفت أن تحملها على طاعته  وكلفت أن تُزكيها وتؤهلها للجنة. كُلفت أن تسمو بها والذى يؤكد هذا المعنى قوله تعالى: " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " الشمس  9،10

قد أفلح يعنى النجاح والتفوق هو تحقيق الهدف والإنسان بطبعه يُحب النجاح فالناجح هو الذى يُحقق الهدف. من هنا يمكن أن اقول متى يتحقق الهدف؟ الجواب إذا صح عملُك.. ومتى يصح عملك؟ إذا عرفت سبب وجودك فى الدنيا. الناس فى ضياع، هناك من يتوهم انه يعيش ليأكل أو يأكل ليعيش أو يعيش ليستمتع أو يعيش ليعرف اللــه عز وجل. إسأل نفسك هذا السؤال وهو سؤال دقيق ومهم : لماذا أنت فى الدنيا..؟

إذا سافرت إلى بلد وسألتنا ماذا أفعل؟ نقول عجيب سؤالك هذا... لماذا جئت لهاذا البلد؟ إن جئت طالب علم فالطريق واضح إلى الجامعات والمعاهد، وإن جئت سائح فالطريق واضح إلى الملاهى والمنتزهات وإن جئت تاجرا فالطريق واضح إلى المعامل والمؤسسات. أى أنه لا يصح حركتك فى مكان ما إلا إذا علمت لماذا أنت فى هذا المكان.

أنت حينما تعلم لماذا أنت فى الدنيا... ان تعرف اللــه عز وجل، أن تستقيم على أوامره وأن تتقرب إليه بالأعمال الصالحة، فالآن ما دام الهدف واضح جدا فتختار آلآف الوسائل لبلوغ هذه الهدف. أما الذى لا يعرف هدفه هو" الإمعة " فهو مع الناس إن إحسنوا وهو مع الناس إن اساؤا تابع للمفاهيم السائدة تابع للإعلام تابع لكل مؤثرات البيئة.. هذا على هامش الحياة. إنما المؤمن حين يُعمِل عقله ويقرأ كتاب ربه ويتدبره يعرف سر وجوده سيكتشف انه مخلوق للعبادة " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " الذاريات56   وأن العبادة سر وجوده ويرقى إلى أعلى مقام حينما يكون عبدا للــه. إذن العبودية سر وغاية وجودنا، والعبودية خضوع للــه خالص ومحبة له خالصة وحرية خالصة وطاعة خالصة وعمل صالح وتضحية خالصة...

 فالعبودية هى طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضى إلى سعادة أبدية. هناك جانب معرفى ، جانب سلوكى وجانب جمالى. تعرفه فتطيعه فتسعد بقربه فى الدنيا والآخرة. تعرفه فتعبده فتسعد وتسلم فى الدنيا والآخرة.

هذه هى العبادة، ولكن الذين يفهمون العبادة فهما ضيقا يتوهمون أنها صلاة وزكاة وصيام وحج فقط، العبادة منهج كامل يُغطى كل حياتك وكل شئونها وإهتماماتك. أكاد اقول المنهج العبادى فى القرءآن يشمل آلاف الموضوعات، أما نصلى ونزكى ونصوم ونحج وإنتهى الأمر... فما بال بيوتنا وعلاقاتنا العائلية والمادية وأفراحنا وأحزاننا وعلاقاتنا بالأهل والأقربين وتعاملاتنا مع الآخرين، إن كان كل ذلك على منهج غير منهج اللــه فهذا هو ليس الإسلام. فلذلك حين طبقنا ظاهر الإسلام خسرنا قيمة الإسلام وثمار الإسلام وخسرنا وعود الواحد الديان. "  اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ "...

ما كلفنا حمل الأمانة إلا وأعطانا مقومات حمل هذه الأمانة. إذن ما هى مقومات حمل الأمانة؟

أعطاك الكون الدليل " وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ۚ... " الجاثية 13

الكون مُسخر للإنسان وانت أيها الإنسان علمت أم لم تعلم أنك أكرم عند اللــه من معظم مخلوقاته ولأنك قبلت حمل الأمانة فسخر اللــه لك ما فى السماوات والأرض جميعا منه. تسخير تعريف وتسخير تكريم، تسخير التعريف يقتضى أن تؤمن به وتسخير تكريم يقتضى أن تشكره، قال تعالى: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۚ ... " النساء . 147 فإن شكرتم وآمنتم أو آمنتم وشكرتم قد حققتم علة وجودكم والغاية من وجودكم.

أما عامة الناس ... وهذا شيئ مؤلم، تُغطيهم هذه الآية الكريمة " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " الكهف 103،104

متى يسعد الإنسان... فالسعادة والسلامة هما مطلب كل إنسان على وجه الأرض، فلماذا الشقاء، اقول إن من أسباب الشقاء الجهل والدليل إن علة وجود الناس فى النار الجهل يقول اللــه عز وجل "  وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " الملك 10 .  والجهل أعدى أعداء الإنسان ... نحن كأمة من أعداؤنا؟ إياكم أن تظنوا أعداؤنا هؤلاء الأعداء التقليديون الذى نصفهم بالغدر والغرطسة والإبادة والبطش والتدمير...نحن أعداء أنفسنا، إن مصيرنا ليس بيدهم... بيدنا...  انظر إلى قول اللــه تعالى:

 " ... وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ..." الأنفال 19 ويقول " ... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ ..."الرعد11 . من شأن الأعداء أن يستغلوا ومن شأن الأعداء أن يعتدوا ومن شأن الأعداء ان ينهبوا التراث ومن شأن الأعداء أن يُفرقوا... هذا شأنهم، ولكن قوتهم جاءت من ضعفنا جاءت من تفرقنا وجاءت من جهلنا...

إن السعادة تأتى من تحقيق الهدف، لا تصلح حركتنا فى الحياة إلا إذا عرفنا سر وجودنا ولا نسعد إلا إذا جاءت حركتنا مطابقة لهدفنا " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ..." البقرة 11  ولكن حين كلَّفنا اللــه أن نحمل الآمانة أو نعبده- المعنيان يصبان فى خانة واحدة- إذن.. التفكر فى خلق السماوات والأرض أحد بنود العبادة:  " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ *  الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"  أل عمران 190،191

أعطاك اللــه عقلا .. العقل ميزان " وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ " الرحمــن 7 ، هذا العقل إذا أعملته أعطاك النتائج... معك عقلا باليمين ومعك القرءآن الكريم باليسار، فما إستخدمت عقلك ولا إستخدمت القرءآن الكريم... فشقى الإنسان. اللــه سبحانه قال إفعل ولا تفعل فإذا حكَّمْت عقلك، العقل ينطبق مع النقل، العقل مقياس أودعه اللــه فينا والنقل كلامه فلو أعملت العقل بدون إنحياز وبدون اسلوب تغطية وتسويغ وتبرير وبدون قرارات مُسبقة لهداك عقلك إلى اللــه سبحانه لأن الآيات التى تتحدث عن التفكر والعلم تقترب من ألف آية. أعطاك قرءآن فيه الحلال والحرام فلذلك الشقاء بسبب جهل الإنسان بعدم إستخدام العقل والنقل معا وهما متطابقان والحمد للــه. أعطاك فطرة لو أنك لم تُعمل عقلك كما أنه لم تقرأ كتابه، أعطاك بُنية نفسية...فطرة تكشف لك الخطأ فورا يقول السميع العليم: " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا" الحلال بيِّن والحرام بيِّن .

لذلك أعطاك كونا وأعطاك عقلا وأعطاك فطرة "  وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا " ألهمها حين تفجُر انها فجرت وألهما حين تتقى أنها إتقت، أعطاك شهوة، ما أودع اللــه فى الإنسان الشهوات إلا ليرقى بها مرتين مرة صابرا ومرة شاكرا إلى رب الأرض والسماوات. هذا الميل نحو المال ونحو المرأة ونحو الطعام ونحو العلو فى الأرض قال تعالى: "  زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ... " آل عمران 14 أعطاك الشهوات لترقى بها، وما من شهوة إلا وجعل لها قناة نظيفة تسرى خلالها، لا يوجد حرمان فى الإسلام.

لكن المحرمات لسيت قيودا لحريتك بل هى ضمان لسلامتك، المحرمات كلوحة كُتب عليها " حقل ألغام ممنوع التجاوز" لا تشعر بحقد على من وضع هذه اللوحة، بل بالعكس يجب أن تشكره لأنه بهذه اللوحة ضمن سلامتك أو كلوحة أمام تيار ذو قوة عالية كتب عليها " ممنوع الإقتراب خطر الموت " هذه لوحة رحيمة لوحة فيها علم وحكمة. لذلك أودع فيك الشهوات لترقى بها صابرا شاكرا.

أعطاك كونا سخره لك وأعطاك عقلا كى تتأكد به من صحة النقل وكيف تفهم النقل دون أن تلغى النقل بعقلك. العقل ليس حكما على النقل ولكن للتأكد من صحة النقل قبل النقل ولفهم النقل بعد النقل، أعطاك فطرة تكشف لك الخطأ ذاتيا. لديك فطرة تشعر حينما تُخطأ وتشعر حينما تُصيب، لذلك الفطرة متوافقة توافقا تاما مع منهج اللــه عز وجل سواء عليك أطعت اللــه أم إستجبت لنداء الفطرة فالأمر سِيـَّـان لأن منهج اللــه متوافق تماما مع فطرتك فأى شيئ أمرك اللــه به نفسك تتوق إلى تطبيقه دون أن تشعر.

أعطاك كونا وعقلا وفطرة وشهوة، أعطاك الحرية فأنت حر "  ...فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ... "  وقال سبحانه " إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ". ما لم تكن حرا لا يمكن أن ترتقى إلى اللــه فأنت حر فى ما كُلفت. لكن الذى لست حرا فيه ما إذا كنت ذكرا أم أنثى أو مَنْ ابوك وأمك فى أى مكان ولدت وفى أى مكان تموت...الخ، هذه لمصلحتك محض خير لك وليس فى إمكانك أبدع مما أعطاك. إذن أعطاك حرية إختيار ليُثمِنْ عملك، ولو أن اللــه أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب وإذا أجبر عباده على المعصية لبطل العقاب ولو تركهم هملا لكان عجزا فى القدرة. إن اللــه أمر عباده تسخيرا ونهاهم تحذيرا وكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا وأعطى على القليل كثيرا.

أنت حر مُخير وأى آية يُشم منها رائحة الجَبْر يجب أن تحملها على الآية المحكمة التى هى أصل فى الإختيار" سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ " الأنعام 148   هذه الاية الكريمة هى أصل فى أنك مُخير ولا يقول بالجبر إلا مُشرك .

إذن أعطاك كونا وعقلا وفطرة وأعطاك شهوة وأعطاك إختيارا وفضلا عن كل ذلك أعطاك منهجا.. لو إلتبس الأمر عليك فهناك منهج فى كتاب كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالشريعة عدل كلها والشريعة رحمة كلها، والشريعة حكمة كلها والشريعة مصلحة كلها. فاية قضية خرجت من العدل إلى الجور ومن الحكمة إلى خلافها ... ليست من الشريعة ولو أُدخلت عليها ألف تأويل وتأويل.

إذن... نحن قد خلقنا ربنا ولأنه خلقنا أمرنا أن نعبده " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ.... "

" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " البينة 6،7

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 18491