نشرت العديد من الصحف اخبارا غير دقيقة عن زيارة الرئيس مبارك لأمريكا واستعدادات الأقباط هناك لاحراجه أمام مضيفه الرئيس باراك اوباما، ويهمنى توضيح عددا من النقاط حول هذا الموضوع:
اولا: الاحتجاجات السلمية هى حقوق دستورية مقننة وجزء أساسى من آليات العمل الحقوقى فى المجتمعات الديموقراطية الحرة أو التى تسعى للحرية، ولأن الكثيرين فى المجتمع المصرى ذاته يتطلعون للحرية فقد رصد أحد مراكز المجتمع اáCcedil;لمدنى فى مصر 1500 احتجاجا سلميا قام به المصريون فى عام 2008 فقط.
فى أمريكا هذه الاحتجاجات تتم بشكل يومى فى اماكن كثيرة من الولايات المتحدة المترامية الاطراف،وتتكرر بشكل يومى تقريبا امام الكونجرس أو امام البيت الأبيض حيث مقابلات الرئيس الأمريكى مع ضيوفه الاجانب، ولأن المجتمع الأمريكى مجتمع غنى بالتعددية العرقية والدينية وخليط من مهاجرين قادمين من قارات الدنيا الست، فلا يخلو يوم من احتجاجات تقوم بها واحد او اكثر من هذا الموزاييك الإنسانى الفريد.
والاحتجاجات تحديدا امام البيت الابيض منضبطة جدا ويلزمها تصريح خاص من بوليس العاصمة واشنطن، وتتم وفقا لتعليمات صارمة وتحت اشراف البوليس وحمايته.
ثانيا: الحركة القبطية هى حركة حقوقية، ومن ثم فأن المطالب القبطية هى مطالب حقوقية مشروعة مصريا وامريكيا ودوليا، وما نطالب به داخل مصر هو نفسه ما نطالب به خارج مصر وهو ما يطالب به اشقاءنا وشركائنا فى الوطن المصرى من المسلمين أيضا. وقد يقول قائل ولماذا لا تطالبون بها من داخل مصر؟ والجواب حدث ويحدث بشكل متكرر وقد تقدمنا بعشرات المذكرات للمسئولين فى مصر تتضمن رؤيتنا ليس فقط فيما يتعلق بوضع الأقباط وأنما أيضا فيما يتعلق بأوضاع مصر عموما المتعلقة بالديموقراطية والحريات واستقلال القضاء والاصلاح الدستورى ومدنية الدولة وحرية الصحافة والاحزاب...الخ.
والسؤال المهم ماذا عن أكثر من نصف مليون قبطى يعيشون فى امريكا، هل يتركون وطنهم الجديد واعمالهم وأسرهم لكى يأتوا للاحتجاج فى مصر؟،أم نطلب منهم أن يتخلوا عن حقوقهم الدستورية فى أوطانهم الجديدة لصالح قيود وثقافة تعادى حقوق الإنسان والحريات الدينية فى وطنهم الأم؟.
أننا نسعد بنضال المصريين فى الداخل لإنتزاع الحق فى الاحتجاج السلمى فى كل ما يتعلق بشئون حياتهم السياسية الأقتصادية والدينية، وينبغى ان نفرح لوجود تفاعل وأهتمام من المصريين فى الخارج مع وطنهم الأم لا أن ننتقد سلوكهم هذا.
المكان لم يعد ذو اهمية فى المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان لأن لها مشروعية دولية عابرة للحدود.
ثالثا: الحركة القبطية باعتبارها حركة حقوقية لا تشكل معارضة أو مناهضة لنظام الحكم فى مصر وأنما ترفع مطالب حقوقية صرفة، ولهذا لم يحدث مطلقا رفع شعارات مثل " فليسقط نظام مبارك" أو " لا للتوريث" كما يحدث فى الاحتجاجات داخل مصر لأن هذه الأمور لا تخصنا كحركة حقوقية من ناحية ولأنها شأن مصرى داخلى خالص من ناحية أخرى.
الحركات الحقوقية لا تعارض ولا تناهض الأنظمة بالمعنى السياسى للكلمة وأنما هى تنطلق من أجندة حقوقية للحقوق المقننة دستوريا والمحددة فى المواثيق الدولية.
ولهذا لم نتطرق لمثل هذه المسائل فى مسيراتنا السلمية المتعددة فى امريكا من قبل ولن نتطرق اليها فى مسيرتنا القادمة.كما أننا نحترم مقام رئيس الدولة ولا نتعدى على مقامه الرفيع وأنما فقط نحتج بشكل سلمى متحضر على إنتهاكات حقوق الإنسان والحريات الدينية.
وربما لا يعلم البعض إنه لاول مرة فى تاريخ المهجر الأمريكى سوف يخرج المسلمون والأقباط يدا بيد يوم 18 اغسطس فى مسيرتهم أمام البيت الأبيض، وفى حوارنا مع اصدقاءنا من المسلمين الليبراليين والنشطاء الذين سيشاركون معنا كان بعضهم متحمس جدا لرفع لافتات بسقوط النظام، بل وكان البعض الاخر يريد رفع الاحذية أثناء المظاهرة،وهذا ما رفضه الجانب القبطى بشدة لأن هذه الأمور لا تخصنا وليست من اساليبنا، فمن مبادئنا الأساسية إننا لا نهين ولا نشتم ولا نستخدم العنف ولا نتطاول على المقامات ولا نهين الأديان.
وقد شاركت فى السنوات العشر الماضية فى المسيرات القبطية وأشهد إنها لم تخرج عن هذه المبادئ، ونحن نعلن بوضوح لا لبس فيه قبل المسيرات لا للشتائم أو الاهانات أو الاقتراب من الأديان، وخاصة الإسلام، فهذه أمور تخرج عن أهداف عملنا.
وقد قلت لاشقائنا المسلمين المتحمسين أن الفلسطينيين قذفوا الرئيس السادات بالبيض والطماطم بعد معاهدة كامب ديفيد فى امريكا، ورجع السادات ليلقى التهمة على الأقباط حتى لا يقول ان هناك معارضة واسعة لصلحه مع إسرائيل، ولكن على مدى ثلاثين عاما يصر الإعلام المصرى الموجه على الصاق هذه الواقعة بالأقباط. وقلت لهم إنه إذا رفع أحدكم حذائه فى المسيرة أو شتم أو تطاول ستلصق هذه التهمة بنا لثلاثين عاما أخرى،علاوة على أننا نرفض ذلك لانه ضد مبادئنا، فالإعلام المصرى متربص بنا ولن يشير أحد إلى أن بعض المسلمين المصريين هم الذين فعلوا ذلك، كما ان هؤلاء المتحمسين أنفسهم سيسعدون برمى التهمة على الأقباط... خبرتى على الأقل تقول لى ذلك.
رابعا: من التهم النمطية التى الصقها الإعلام المصرى الموجه، للأقباط فى امريكا أنهم يطالبون بقطع المعونات عن مصر أو تخفيضها، وهذا كلام لا اساس له من الصحة وليس له دليل،وآخر جلسة استماع فى الكونجرس كانت يوم 7 مايو 2009 وقدم الأقباط خلالها ورقة عن الحريات الدينية فى مصر وطالبوا صراحة بالحفاظ على المعونة الأمريكية لمصر وعدم المساس بها. وقد قمت بترجمة نص الورقة المقدمة إلى العربية حتى لا يفتى البعض من عنده بما هو مخالف للحقيقة.
ولكن يستند البعض فى مصرعلى كلام شخص قبطى مهووس يعيش فى امريكا فى تشويه صورة أقباط المهجر. هذا الشخص دوره الأساسى لا يتعدى كتابة بيانات مستفزة وإرسالها للصحف المصرية لكى يغيظ بها المسلمين،ويساورنى الشك فى قواه العقلية واحيانا اتخيل بأن عمله هذا موجه من جهات داخل مصر لتشويه عمل الأقباط فى الخارج.
الأقباط فى الخارج يطالبون دائما ببقاء المعونة المصرية بل وبزيادتها لأنها تؤثر فى معيشة الشعب المصرى وفى التنمية داخل مصر، وما يهم المصريون يهمنا لأنهم أخوة وأشقاء لنا.
كما أن تقوية العلاقات المصرية الأمريكية أمور تهمنا وتسعدنا، لأنه فى وجود علاقات مصرية أمريكية قوية ومستقرة نستطيع التأثير على كلا من الطرفين، ولهذا نتمنى النجاح للرئيس مبارك والوفد المرافق له فى عودة علاقات مصرية أمريكية أكثر دفئا وفاعلية لصالح الدولتين.
خامسا: هناك حقائق عن الأوضاع فى مصر لا مناص من الأعتراف بها ترصدها المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ومراكز الدراسات حول العالم. وهذه الحقائق توضح بجلاء العديد من الإنتهاكات الجسيمة التى تقوم بها مصر لحقوق الإنسان المصرى. وعلى المستوى القبطى تتسارع الحوادث التى تستهدف الأقباط ويكاد معدل تكرار هذه الاحداث أن يحدث بشكل يومى حاليا،فمنذ خطاب أوباما الشهير بالقاهرة فى 4 يونيه الماضى حدثت أكثر من 20 حادثة اعتداء على الأقباط منها حرق كنيسة ببنى مزار وغلق اربعة بيوت للصلاة والعبادة فى بنى سويف والمنيا، ويؤسفنى القول أن النظام السياسى فى مصر مسئول بشكل رئيسى عن هذه الإنتهاكات والاضطهادات التى تقع على الأقباط فى ظل تسليم ملف الأقباط للأجهزة الأمنية التى تساهم فى تفاقم الأوضاع بدلا من معالجتها، وفى ظل غياب عقاب قانونى رادع للمعتدين على الأقباط، وفى ظل عدم حياد أجهزة الدولة فى ملف الأسلمة بل تورط الكثير منها بشكل فاضح فى هذه المسائل،وفى ظل التمييز الممنهج والمنتظم والمتزايد ضد الأقباط فى كافة مناحى الحياة. وفى ظل هذا النظام وقع اكبر تهميش سياسى على الأقباط منذ محمد على باشا،وفى ظل هذا النظام وما سبقه زادت الفجوة بين طرفى الأمة التى تحولت إلى شرخ عميق يحتاج إلى سنوات طويلة لترميمه.
ومن المؤسف له أيضا أن مصر تلعب دورا تخريبيا فى ملف حقوق الإنسان على المستوى الدولى، فمنذ انتخابها فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ورئاستها للمجموعة الافريقية تحالفت مع مجموعة منظمة المؤتمر الإسلامى ومع مجموعة الدول العربية من آجل احداث عملية تخريب فى معايير حقوق الإنسان الدولية.
واخيرا: من الأفضل للنظام المصرى أن يسلك الطريق الطبيعى والضرورى فى نفس الوقت بالنسبة لمستقبل مصر، وهو العمل الحقيقى الجاد من آجل ترميم العلاقة بين المسلمين والأقباط بالإستجابة لطلبات الأقباط العادلة، والعمل الحقيقى من آجل اجندة متوسطة وطويلة المدى بالنسبة للإصلاح السياسى فى مصر تستجيب لتطلعات المصريين الوطنيين الشرفاء.
نحن نثق إنه فى ظل وجود نظام ديموقراطى حقيقى فى مصر يعلى ويعزز من دولة القانون، ويحمى الحريات العامة والدينية، ويستجيب لتطلعات المصريين فى صياغة دستور عصرى لدولة مدنية عصرية حديثة، ويعمل على ترسيخ الشفافية والمساواة والكرامة الإنسانية والعدل الاجتماعى... وقتها لن يتحدث احد عن مسلمين أو أقباط. لأن الديموقراطية الحقيقة ترتكز على المساواة والمشاركة والعدالة وحكم القانون.. وهذا مبتغى الجميع.