حكايات طائفية

خالد منتصر في الجمعة ١٤ - أغسطس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الفتن الطائفية والحرائق العنصرية مظاهر واضحة لمشاعر مدفونة كالنار تحت الرماد، ولن يحل هذه المشاعر المكبوتة إلا إعلانها وتوضيحها والاعتراف بوجودها وعدم تجميلها بماكياج موائد الوحدة الوطنية وعناق الأيدى فى مؤتمرات التسامح، ففى الدولة المدنية تسود المساواة لا التسامح، هذه المعانى استدعيتها حين سمعت قصتين من الواقع المصرى الذى يمور بالطائفية البغيضة فى تلافيف وعيه ولا وعيه، الذى تسممت آبار المحبة فيه برصاص وزرنيخ عدم قبول ال&Acie;آخر.

الحكاية الطائفية الأولى من صناعة أهم مؤسسة لتشكيل العقل المصرى وهى مؤسسة التعليم، فعند إعلان وزارة التربية والتعليم نتيجة الثانوية العامة «قسم علمى علوم»، كان الترتيب المعلن، الذى اعتمدت عليه كل الجرائد والفضائيات فى تكريمها، هو الترتيب التالى: الأول رنا أبوبكر محمد محيى الدين ومجموعها ٤٠٩ ورقم جلوسها ١٦٥٠٢١٩ والأول مكرر رامى عماد يونان صادق بالمجموع نفسه ورقم جلوسه ١٦٥٠٢٠٥، وهما للمصادفة من المدرسة نفسها «المنيا الثانوية التجريبية لغات»، ونظام الوزارة فى الترتيب التكرارى يمنح الأولوية دائماً للترتيب الأبجدى، وهذا الترتيب يجعل رامى عماد هو الأول وليس الأول مكرر، وإذا جعلنا الأولوية للسن، فالأصغر هو رامى، وإذا جعلنا الأول طبقاً لرقم الجلوس فرامى هو الأول أيضاً!!.

 واكتمل الغيظ والإحباط حين تسلم رامى شهادته من محافظ المنيا ووجد نفسه الثانى!، وبالطبع ترجم هذا الترتيب طبقاً للديانة، وهذا قانون جديد اخترعته وزارة التربية والتعليم وهو ترتيب المسلم أولاً ثم المسيحى، وهو الترتيب الطائفى غير المعلن فى وزارة تتطرف فكرياً يوماً بعد يوم، ويصيبها الفيروس الطالبانى موسماً بعد موسم.

الحكاية الطائفية الثانية عاش أحداثها صديقى د. عماد صبحى، استشارى التغذية وعلاج السمنة، وهو رجل دمث الأخلاق هادئ النبرة، وكثيراً ما أرسل إليه مرضى ممن يستشيروننى فى علاج البدانة، وصلت الدكتور عماد رسالة على موقعه الإلكترونى، تصرخ فيها سيدة مسلمة من أنها قررت الانتحار لأن زوجها يكره البدانة وقد حاولت جميع المحاولات للريجيم وفشلت..

 تأثر الرجل بدموعها المسكوبة عبر الإنترنت وقرر د. عماد مساعدتها سواء بالإيميل أو بالتليفون أو بالكشف مجاناً فى العيادة.. فوجئ الرجل برد لم يتوقعه، ما ديانتك حتى يطمئن قلبى؟!!، فالسيدة لا يستطيع ضميرها أن يسمح لها بالتواصل علاجياً حتى ولو على النت بطبيب مسيحى، فهو فى عرفها غير مؤتمن على أسرارها!!، أحبط الرجل واكتشف لأول مرة فى حياته أن تواصله مع المرضى مازال ناقصاً شرط الديانة حتى يؤتمن على علاج المسلمات.

السؤال الذى يفرض نفسه: متى عرف مجتمعنا هذا القبح الأخلاقى وهذه العنصرية المقيتة.. لماذا بدأنا نسمع نبرة تضييق الطريق وعدم المصافحة ورفض تناول طعامهم والتهرب من تعيينهم.. إلخ، تعلو وترتفع من جديد، ألم نكن مسلمين فى العشرينيات والخمسينيات والستينيات حين كان مكرم عبيد ينجح فى الانتخابات لأنه وفدى، لم يسأل أحد عن ديانته، وحين كان هناك وزير يهودى، وحين كنا نسيجاً واحداً لا يعرف اللورد كرومر المسلم فينا من المسيحى إلا إذا ذهب الأول إلى الجامع والثانى إلى الكنيسة؟!

نعم كنا مسلمين دون نفاق ودون صراخ والأهم دون تمييز.

اجمالي القراءات 11885