أصدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة تقرير حديث عن حالة الأمن الغذائي وسوء التغذية في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، كشف عن حقيقة مريرة تتعلق بحياة ملايين المصريين الذين يعانون من الجوع.
تقرير المنظمة ألقى الضوء على واقع مأساوي يعيشه المصريون الذين يتضورون جوعًا في وقت يواصل فيه النظام السياسي الحالي إنفاق الأموال الطائلة على بناء قصر جديد في العاصمة الإدارية، في خطوة لا يمكن تفسيرها سوى بأنها تجسيد صارخ للفساد والانفصال عن واقع المواطنين.
بحسب التقرير، فإن سوء التغذية لا يقتصر فقط على الأشخاص الذين لا يحصلون على الطعام الكافي، بل يشمل أيضًا أولئك الذين يواجهون صعوبة في الحصول على الحد الأدنى من الغذاء.
تقرير الفاو يتحدث عن أن حوالي 9.4 مليون مصري لا يجدون طعامًا يوميًا يكفيهم، وهي كارثة لا يمكن تجاهلها أو السكوت عنها. النسبة التي وصل إليها الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في مصر تمثل صورة حقيقية لما يعيشه المواطنون من معاناة.
من بين هؤلاء، هناك من يعانون من انعدام حاد للأمن الغذائي يصل عددهم إلى حوالي 11.5 مليون شخص، وهم أشخاص يعيشون يومًا بيوم وهم لا يعرفون إن كانوا سيتناولون وجبة كافية لتلبية احتياجاتهم الجسدية. أما في الفئة التي يعانون من انعدام الأمن الغذائي المعتدل، فتتجاوز أعدادهم 33 مليون شخص.
هذه الأرقام ليست مفاجئة لمن يتابع الواقع المعيش في مصر، بل هي دليل على تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ظل النظام القائم.
هذا الواقع المأساوي يتماشى مع ما أظهرته إحصاءات جهاز التعبئة العامة والإحصاء، التي أكدت أن نسبة الفقراء في مصر تقترب من 35%.
إضافة إلى ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن 60% من المصريين إما يعيشون في فقر أو على وشك التحول إليه. بينما يكشف صندوق النقد الدولي عن حقيقة أن نصف سكان مصر يواجهون تهديدًا يوميًا بالجوع.
الواقع المصري يتناقض تمامًا مع الأرقام والإحصاءات، فبينما يعاني ملايين المصريين من الجوع والفقر، تتوالى أنباء بناء القصور الرئاسية والمشروعات الفخمة التي لا طائل من ورائها.
ففي الوقت الذي يُصدر فيه تقرير الفاو، الذي يصف معاناة المصريين مع الجوع، يخرج الرئيس ليعرض صورًا من قصره الجديد الذي يتجاوز حجمه ضعف مساحة البيت الأبيض في الولايات المتحدة.
ويكمن التساؤل هنا: كيف يتسنى لمن يعاني من الفقر والجوع أن يعيشوا في ظل قلة من هم في قمة السلطة ينعمون بالترف والرفاهية؟
من غير المنطقي ولا المقبول أن يواصل النظام في بناء قصر رئاسي بمساحة 50 ألف متر مربع بينما يعاني الملايين من الشعب من الجوع. لا يمكن لهذا أن يُعتبر سوى تجسيد واضح للفساد.
هل من المعقول أن تُصرف الأموال العامة على بناء قصور فاخرة بينما لا يجد الشعب قوت يومه؟ هل يُعقل أن تُستغل الأموال التي يمكن أن تُستثمر في تحسين حياة المصريين في بناء مشاريع لا تخدم سوى مصالح قلة من الناس في أعلى هرم السلطة؟
في المقابل، وبالرغم من الإنفاق الفاحش على مشروعات القصور الرئاسية، لم نشهد أي تغيير حقيقي في حياة المصريين اليومية. الوضع يزداد سوءًا من عام لآخر، والأوضاع الاقتصادية لا تلوح في الأفق أي بادرة لتحسن.
ما يزيد من الحزن أن الرئيس نفسه كان قد صرح في أكثر من مناسبة بأن المصريين “يستحملون”، فهل كان هذا التصريح إشارة إلى الاستمرار في تحميل الشعب عبء الفقر والجوع من أجل مشاريع لا فائدة منها سوى إرضاء غرور أصحاب السلطة؟
ما نشهده اليوم هو انفصال تام بين النظام والشعب، فبينما يعيش البعض في رفاهية غير مبررة، يعاني الآخرون من الجوع ويواجهون مصيرًا مجهولًا كل يوم.
ماذا يتوقع النظام من الشعب الذي يتحمل كل هذا العبء؟ هل يعتقد أن هذه السياسات ستؤدي إلى بناء تاريخ يشهد به العالم؟ الحقيقة هي أن مثل هذه السياسات، إذا ما استمرت، لن تترك سوى آثار الفشل في سجلات التاريخ، وبدلًا من أن تُحسن صورة النظام، ستظل علامة من علامات الحكم غير الرشيد الذي لا يأبه بمصالح الشعب.
من الجدير بالذكر أنه لم يعد خافيًا على أحد أن هذه المشاريع الفاخرة تترافق مع فساد غير مسبوق في إدارة المال العام. فالتساؤلات حول تكلفة بناء القصور والمشاريع الرئاسية تتزايد، ولكن لا إجابة شافية من الجهات المختصة.
والمثير للدهشة أن النظام لا يزال يتفاخر بهذه المشاريع رغم التردي الواضح في مستوى المعيشة للمواطنين. هؤلاء الذين يتظاهرون بأنهم يقدمون لمصر مستقبلًا أفضل، إنما يراهنون على الشعب الضعيف بينما يكتفون ببناء جدران فاخرة تحجب عنهم رؤية الجوع الذي يعاني منه ملايين المواطنين.
ليس من المستغرب أن تُظهر تقارير الفاو الفجوة بين الطبقات الاجتماعية في مصر بشكل واضح. في الوقت الذي يتلقى فيه القلة من الطبقة الحاكمة الامتيازات الفاخرة، يظل ملايين المصريين في حالة من البؤس المستمر.
من المفارقات المزعجة أن النظام المصري يواصل إنفاق أموال طائلة على مشروعات لا تؤثر على الحياة اليومية للغالبية العظمى من الشعب. بينما لا يزال العديد من المواطنين يتساءلون عن مصيرهم في ظل هذا الواقع المؤلم الذي لا يبدو أن هناك أي تحرك حقيقي لتغييره.
إذا كان الشعب يعاني من الجوع والفقر، فهل من المنطقي أن تتواصل مشاريع القصور الرئاسية المترفة؟ هل هناك من مبرر لهذا الإسراف في وقت يشهد فيه الشعب المصري أسوأ مستويات معيشية؟ النظام يتعامل مع هذه القضايا بعقلية لا تمت إلى الواقع بصلة، ويستمر في السير في طريقه، متجاهلًا المعاناة المستمرة للمواطنين.
بطون المصريين أولى من قصور الرؤساء، والحكومة التي تواصل تجاهل هذه الحقيقة المرة يجب أن تتحمل المسؤولية كاملة.