كشفت بيانات وزارة المالية عن أرقام كارثية بشأن الوضع المالي في مصر خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام المالي 2024/2025، حيث وصلت فوائد الديون إلى 583.5 مليار جنيه وهو مبلغ يعكس حجم الفشل الحكومي في إدارة الاقتصاد المصري.
في ظل هذا الوضع المتدهور تكشف الأرقام عن أن 90% من الإيرادات الحكومية تتبخر في سداد فوائد الديون، ما يجعل الحكومة غير قادرة على تخصيص الموارد اللازمة لتحقيق أي تنمية اقتصادية حقيقية أو معالجة المشاكل المزمنة التي يعاني منها المواطنون.
هذا الوضع الكارثي يعكس تقاعس الحكومة عن معالجة الأزمة المالية المتفاقمة واللجوء إلى حلول قصيرة المدى لتمويل عجز الموازنة دون أي خطة إصلاحية جادة.
تستمر حكومة مصر في تحميل المواطن العبء الأكبر من الضرائب في الوقت الذي تغرق فيه في بحر من الديون التي تلتهم أكثر من نصف المصروفات الحكومية.
هذه الفجوة الكبيرة بين الإيرادات والمصروفات توضح بجلاء أن الحكومة عاجزة عن تحقيق توازن مالي حقيقي أو تقديم حلول مستدامة لتحسين الوضع الاقتصادي.
ففي الوقت الذي تشهد فيه الدولة ارتفاعًا ملحوظًا في إيرادات الضرائب بنسبة 38.3% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام المالي الجاري، إلا أن هذا النمو في الإيرادات لم يكن كافيًا لمواجهة الزيادة المطردة في فوائد الديون التي لا تقابلها زيادة في الاستثمارات أو المشاريع التي تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين.
إذا ألقينا نظرة على المصروفات الحكومية نجد أن إجمالي المصروفات قد ارتفع بنسبة 7.3% ليصل إلى 1.1 تريليون جنيه مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. من هذا المبلغ الضخم، تستهلك فوائد الديون 53.1% من إجمالي المصروفات، في حين لا تشكل الأجور سوى 17.9% من المصروفات، وهو ما يعكس أن الحكومة تركز كل جهودها على سداد الديون بدلاً من تحسين الخدمات العامة أو زيادة الأجور بشكل يتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
هذه النسب تشير بوضوح إلى التوجه السيئ الذي تسير فيه الحكومة والذي يتسبب في حرمان المواطن من أي فوائد تنعكس عليه من هذا الإنفاق الحكومي الضخم.
أما عن الإيرادات الضريبية، فيجب أن نلاحظ أن هذا الارتفاع الكبير في الإيرادات الضريبية، والذي يمثل أعلى نسبة نمو منذ عشرين عامًا، يعكس في الحقيقة زيادة في الضغوط على المواطن المصري من خلال رفع الضرائب والرسوم بشكل يساهم في تعزيز عجز الموازنة بدلاً من إصلاح الخلل البنيوي في الاقتصاد. هذه الزيادة في الإيرادات الضريبية لم تترافق مع زيادة في الاستثمارات الحكومية أو تحفيز للاقتصاد المحلي، ما يجعل هذه الزيادة مجرد حلقة مفرغة تزيد من الفقر وتفاقم الأوضاع المعيشية.
مما لا شك فيه أن ما تشهده مصر من عجز مستمر في الموازنة وارتفاع غير مسبوق في فوائد الديون يعكس الفشل التام في السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة. الحكومة المصرية لا تزال تعاني من غياب استراتيجية واضحة للإصلاح الاقتصادي ولا تجد حلولًا مبتكرة للتغلب على أزمة الديون المتفاقمة، بل تعتمد على الاقتراض المستمر لتمويل عجز الموازنة، مما يساهم في زيادة العبء على الأجيال القادمة ويزيد من أعباء المواطن المصري.
إن الأرقام التي تم نشرها تكشف عن حقيقة الوضع الاقتصادي الذي يغرق فيه البلد بشكل تدريجي ولا يخفى على أحد أن الحكومة لا تقوم بأدنى جهد للإصلاح. بدلًا من العمل على تخفيض الدين العام أو إيجاد طرق لزيادة الإنتاج المحلي، تكتفي الحكومة برفع الضرائب على المواطنين دون النظر إلى تأثير ذلك على حياتهم اليومية أو قدرتهم على الوفاء بمتطلباتهم الأساسية. هذا التوجه يعد انعكاسًا صارخًا للعجز عن تحقيق التنمية المستدامة أو تحسين الأوضاع الاقتصادية بشكل عام.
من المثير للقلق أن هذه الأرقام تشير إلى أن الحكومة لم تضع أي خطة استراتيجية للتعامل مع الأزمة المالية بشكل جذري. كل ما تقوم به هو إبرام اتفاقيات قروض جديدة وممارسة مزيد من السياسات التي لا تؤدي سوى إلى تدهور الوضع الاقتصادي أكثر وأكثر. في الوقت الذي يعاني فيه المواطن من تدني مستويات المعيشة وارتفاع معدلات الفقر، تواصل الحكومة سياسة الإنفاق على الديون بدلاً من استثمار الموارد في مشروعات تنموية حقيقية تساهم في تحسين الحياة اليومية للمواطنين.
بالنظر إلى هذا الوضع المتأزم، يصبح من الواضح أن الحلول المؤقتة التي تتبعها الحكومة ليست سوى مسكنات لا تعالج الجذور الحقيقية للمشكلة الاقتصادية. الفشل الحكومي في اتخاذ خطوات إصلاحية شجاعة يعكس بوضوح غياب الرؤية الاقتصادية الواعدة والجاهزية لمواجهة تحديات المستقبل. وفي الوقت الذي تتجه فيه الدول الأخرى نحو تحديث هياكلها الاقتصادية وزيادة استثماراتها في المشاريع الكبرى، نجد أن الحكومة المصرية تظل في دائرة مغلقة لا يمكن الخروج منها إلا بتغيير جذري في السياسات الاقتصادية والإدارة المالية.
إن ما تتعرض له مصر من أزمة اقتصادية خانقة هو نتيجة حتمية لسياسات فاشلة تتبناها الحكومة منذ سنوات طويلة دون أفق حقيقي للإصلاح. وعليه فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومة التي لم تعد قادرة على إخفاء عجزها عن إدارة اقتصاد البلاد بشكل سليم، مما يجعل الوضع في غاية الخطورة ويضع الشعب أمام خيارات صعبة للعيش الكريم.