تستعد مصر لجلسة المراجعة الدورية الشاملة في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، المتوقع عقدها مطلع يناير/كانون الثاني المقبل، ومواجهة الانتقادات الدولية التي تطاول سجلها في مجال حقوق الإنسان والحريات السياسية. وتشمل الانتقادات تقليص المجال العام وتضييق المساحة المتاحة للأحزاب السياسية والنشطاء وحرية الإعلام والصحافة، بالإضافة إلى حالات الاحتجاز التعسفي وغياب المحاكمات العادلة في بعض القضايا والقيود على النقابات المستقلة والجمعيات الأهلية، والتي تؤثر في قدرة المجتمع المدني على العمل بحرية.
وأمس الأربعاء، وجه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، خلال اجتماعه مع وزير الخارجية بدر عبد العاطي، "باستمرار جهود الدولة لتعزيز حقوق الإنسان المصري بمفهومها الشامل، من منطلق حرص الدولة على تحقيق ذلك، وبما يكفل للمواطنين المصريين حياة كريمة ومستقرة، ويضمن تمتعهم بحقوقهم، ويرسخ أسس المواطنة وسيادة القانون وعدم التمييز"، وفق المتحدث باسم الرئاسة. وأضاف أن "وزير الخارجية، بصفته رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان في مصر، قدم للرئيس التقرير التنفيذي الثالث للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان".
وفي مواجهة الانتقادات الدولية، تعمل الحكومة المصرية على إبراز ما تسميها جهود تطوير منظومة حقوق الإنسان. وفي هذا السياق، أوضحت وزارة الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، في بيان الأسبوع الماضي، خطواتها لتعزيز المشاركة السياسية والمجتمعية من خلال الحوار الوطني، مشيرة إلى تدشين كتيب يوثق رحلة وإنجازات الحوار الوطني منذ انطلاقه في عام 2022 وحتى الآن. وشدّد البيان على أن الحكومة المصرية تسعى لتحقيق رؤية مشتركة لما وصفته بـ"الجمهورية الجديدة"، مشيراً إلى أن الحوار الوطني يهدف إلى تحقيق التوازن بين الحقوق والحريات وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي. وتم توزيع الكتيب المذكور على هامش فعالية نظمتها البعثة المصرية الدائمة بجنيف في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الحالي، بمشاركة وزير الشؤون النيابية والقانونية محمود فوزي، والمنسق العام للحوار الوطني وضياء رشوان، إلى جانب رئيس البعثة المصرية في جنيف علاء حجازي. وسلطت الفعالية الضوء على ما حققته مصر من خلال الحوار الوطني، والذي يمثل بحسب المسؤولين المصريين، منصة شاملة لتعزيز التفاهم الوطني بين مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية.
إصلاح اقتصادي
وتتزامن جلسة المراجعة الدورية الشاملة لمصر في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة مع تنفيذ الحكومة المصرية برنامج إصلاح اقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. ورغم أن شروط الصندوق تركز أساساً على الإصلاحات الاقتصادية، إلا أن هناك تداخلاً بين هذه الشروط وبعض الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان. لهذه الإصلاحات، رغم طابعها الاقتصادي، تأثيرات مباشرة على حقوق الإنسان، خصوصاً في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. على سبيل المثال، فإن تحرير سعر الصرف أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين، وزاد من معدلات الفقر. كما أن تقليص الدعم على الوقود والكهرباء، في جزء من سياسات الضبط المالي، أثر سلباً على الفئات الأكثر ضعفاً.ويدعو صندوق النقد الدولي إلى تعزيز الحوكمة والشفافية، وهو ما يتقاطع مع مبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بالشفافية والمساءلة. كما يشدّد على أهمية توسيع شبكات الأمان الاجتماعي لحماية الفئات الضعيفة، ما يعكس اهتماماً بالجوانب الاجتماعية والحقوقية. في هذا السياق، أصدرت منظمات حقوقية، مثل "هيومن رايتس ووتش"، بيانات تدعو فيها صندوق النقد الدولي إلى تضمين شروط تتعلق بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في برامج القروض المقدمة لمصر، مطالبة بضرورة توسيع الحماية الاجتماعية وتعزيز استقلالية القضاء، والتصدي للفساد، بما يشمل شركات الجيش.
تحسين صورة حقوق الإنسان
في هذا الصدد قال المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض السابق في مصر، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة المصرية تواجه ضغوطاً مكثفة من جهات دولية، مثل لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والجهات المانحة، بسبب استمرار احتجاز آلاف السجناء السياسيين والمحبوسين احتياطياً دون محاكمة. وأوضح أن هذه الضغوط دفعت السلطات إلى إحالة أكثر من أربعة آلاف متهم إلى المحاكمات في خطوة وصفت بأنها "رقم قياسي غير مسبوق" في تاريخ القضاء المصري. وأشار دربالة إلى أن الهدف من هذه الإحالات مزدوج؛ "الأول هو تحسين صورة النظام أمام المجتمع الدولي عبر تقديم المتهمين للمحاكمة بعد سنوات من الحبس الاحتياطي، والثاني هو التخلص من العبء الكبير الذي يمثله هؤلاء السجناء، وذلك عبر إلقاء المسؤولية على القضاء لمنح العملية غطاءً قانونياً".
وعن أهمية المراجعة الدورية الشاملة لمصر أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، اعتبر بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها تنبع من "افتقار الحكومة المصرية لأي قنوات جدية لمساءلتها بشأن أوضاع حقوق الإنسان، بالإضافة إلى غياب المحاسبة عن سياساتها في مجالات حيوية أخرى مثل السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة". وأشار حسن إلى أن عملية المراجعة تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة للشعوب التي تعاني من القمع وتعيش تحت أنظمة استبدادية، بينما تقل هذه الأهمية في الدول الديمقراطية التي تمتلك آليات محلية قوية للمحاسبة والمساءلة. وأوضح أن "المراجعة الدورية الشاملة تضع الأنظمة الديكتاتورية، في موقف يضطرها إلى الانخراط في مناقشات منظمة ومحددة القواعد، يتمتع خلالها ممثلو الحكومات ومندوبي المجتمع المدني بفرص متوازنة لتبادل الآراء والتقييم".
عصام شيحة: الحكومة اتخذت عدة خطوات إيجابية في ملف حقوق الإنسان
بالمقابل اعتبر عصام شيحة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان (غير حكومية) وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (يعرّف عن نفسه بحسب موقعه الرسمي أنه مؤسسة وطنية مستقلة أنشئت عام 2003 برئاسة بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، بناء على التوصية الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فيينا عام 1993، والخاصة بإنشاء مؤسسات وطنية لمساعدة الحكومات بالرأي والمشورة حول حالة حقوق الإنسان بما يتضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية)، أن آلية المراجعة الدورية الشاملة "تُعد أداة أممية فريدة وذات أهمية كبيرة في منظومة حقوق الإنسان العالمية". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أنها "تتميز عن الآليات الأخرى بكونها شاملة وتخضع لها جميع الدول دون استثناء، ما يتيح تناول كافة ملفات حقوق الإنسان بشكل شامل، وليس فقط موضوعات نوعية كما هو الحال مع هيئات المعاهدات". ولفت شيحة إلى أن مصر "شأنها شأن العديد من الدول، تُظهر اهتماماً خاصاً بالتعاطي مع هذه الآلية، ليس فقط لتقديم صورة عن التدابير التي اتخذتها لدعم حقوق الإنسان، ولكن أيضاً لترويج ما حققته من إنجازات في هذا المجال". وأضاف أنه "في المقابل، تسعى المنظمات غير الحكومية المصرية للتفاعل مع هذه الآلية لتقديم تقييم موضوعي ومختلف لحالة حقوق الإنسان في مصر، مع التركيز على التحديات الكبيرة التي تواجه هذا الملف".
وأشار شيحة إلى أن الحكومة المصرية، كغيرها من الحكومات التي تقدم تقارير وطنية ضمن هذه الآلية، تحرص على استعراض "الجوانب الإيجابية والنجاحات التي حققتها". وفي حالة مصر، وفق شيحة "هناك رغبة واضحة في تغيير الصورة النمطية السلبية المرتبطة بحقوق الإنسان في البلاد، عبر تسليط الضوء على التدابير الوطنية التي تهدف إلى تحسين هذه الحالة". وقال إن الحكومة اتخذت عدة خطوات وصفها بالإيجابية، مثل عدم تمديد حالة الطوارئ، والإفراج عن مئات المحبوسين العاملين في السياسة والصحافة والمجال العام، فضلاً عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والحوار الوطني. ومع ذلك، أكد أن هذه التدابير، رغم أهميتها "لا تزال غير كافية لمعالجة الخلل الهيكلي في التشريعات والسياسات التي تؤثر سلبًا على حقوق الإنسان والحريات الأساسية في مصر".