تحولت منصات مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعاتها في مصر إلى وجهة مفضلة لمحترفي التحايل الإلكتروني لممارسة اصطياد الضحايا وجمع المال، ووقع الآلاف ضحايا محترفي ظاهرة التسول الإلكتروني
توسعت ظاهرة التسول الإلكتروني في مصر، وأصبحت وسيلة لتحقيق مكاسب باستخدام قصص تدغدغ المشاعر، عبر حسابات حقيقية أو وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي تطلب المساعدة، سواء مادية أو عينية، ما يشكل نوعاً جديداً من الاستغلال العاطفي بهدف الابتزاز المادي.
وخلال الفترة الأخيرة، اشتكى كثيرون من الوقوع ضحايا الاستجابة لرسائل ومنشورات لاستدرار العطف على مواقع مثل "فيسبوك" و"إنستغرام"، وغالباً ما تكون المناشدات نسائية تدعي صاحباتها أنهن مطلقات أو أرامل، ولديهن أطفال يعانون الجوع أو المرض. ويتواصل الجدل بين من يرى فيها انعكاساً للأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ومن يراها استغلالاً لمشاعر الآخرين بطرق غير مشروعة، وسط دعوات بتشديد التشريعات لمنع خداع المواطنين وإساءة استخدام مواقع التواصل.
يقول أحمد شريف، وهو موظف حكومي، لـ"العربي الجديد": أصبحنا نرى هذه المنشورات يومياً على شبكة الإنترنت التي تحولت إلى وسيلة للتسول والاستغلال، والمشكلة أن بعض الناس يتأثرون، ويرسلون أموالاً من دون التأكد من صحة القصة. شخصياً، كنت أتعاطف في البداية، وفي بعض المرات أرسلت مبالغ صغيرة، لكني اكتشفت لاحقاً أن إحدى النساء التي تواصلت معي كانت تدعي أنها مطلقة، وهي في الحقيقة متزوجة وزوجها يعمل بشكل طبيعي، والأزمة أن الناس تخلط بين من يحتاج فعلياً إلى المساعدة ومن يستغلهم، ما يشوه صورة المحتاجين الحقيقيين".وتقول أميمة محمود، وهي ربة منزل، إنها وقعت في فخ الاستغلال المادي من سيدة ادعت عبر "فيسبوك" أنها أوشكت على الولادة، بينما توفي زوجها فجأة، وأنها لا تملك المال لسد جوعها. وأضافت: "طلبت منها التواصل تليفونياً، وقد أقنعتني ببكائها وأسلوبها بحقيقة قصتها، فجمعت مبلغاً مالياً من الأهل والأصدقاء، وأرسلته إليها، ثم فوجئت من خلال منشورات لآخرين أنها جمعت أموالاً طائلة على مدار سنوات عبر القصة المختلقة نفسها، وعندما طلبت منها رد الأموال هاجمتني وهددتني".
وتوضح أستاذة علم الاجتماع بجامعة الإسكندرية، نهلة إبراهيم، أن "اللجوء إلى التسول الإلكتروني يعكس تغيراً في نمط التسول التقليدي، ففي الماضي كان المتسول يوجد في الشارع، ويطلب المساعدة وجهاً لوجه، بينما اليوم أصبح الإنترنت مساحة للتلاعب بالمشاعر من دون حاجة إلى الظهور، وهذه الظاهرة تُظهر ضعف
وتعتبر إبراهيم أن "هناك عوامل ساعدت على انتشار ظاهرة التسول الإلكتروني، من بينها الأوضاع الاقتصادية المتردية، وارتفاع نسب البطالة، وانخفاض الأجور، ما يجعل من التسول وسيلة البعض لتوفير احتياجاتهم، إضافة إلى سهولة إنشاء حسابات وهمية، وضعف التوعية الرقمية، وقلة وعي المستخدمين بكيفية التحقق من صحة المحتوى المنشور عبر الإنترنت، ما يجعلهم فريسة سهلة لهذه الحيل، ويضاف إلى كل ذلك تراجع العمل الخيري التقليدي مع توقف عدد كبير من الجمعيات الخيرية عن تقديم المساعدات".
ويرى اختصاصي علم النفس، محمد عز الدين، أن ظاهرة الاحتيال الإلكتروني شوهت أعمال الخير، وجعلت بعض المتبرعين في حيرة من أمرهم لعدم القدرة على التفرقة بين المحتاج والمحتال، مشيراً إلى أن "المتسول الإلكتروني يلعب على وتر العاطفة باستخدام أساليب نفسية مدروسة، فعندما يرى المتلقي صور أطفال جائعين يشعر بالذنب إذا لم يساعدهم، وهذا النوع من التسول يمكن أن يؤدي إلى استنزاف عاطفي ومالي للمتبرعين، خاصة إذا اكتشفوا لاحقاً أن القصة كاذبة".
ويطالب عز الدين، كل من يريد المساعدة بالتحقق من وصول تبرعه، سواء كان واقعياً أم افتراضياً، إلى مستحقيه عبر البحث عن التفاصيل، أو طلب إثباتات موثوقة، والتعامل مع جهات رسمية مثل الجمعيات الخيرية التي يمكنها التحقق من الحالات قبل تقديم المساعدة، والحذر من الحسابات الوهمية".
ويقول الخبير القانوني أحمد سمير، إن "التسول الإلكتروني يعد جريمة وفقاً للقانون المصري إذا ثبت أن الحسابات مزيفة، أو أن القصص مختلقة، فالقانون يجرم الاحتيال والابتزاز الإلكتروني، لكن التحدي يكمن في إثبات النيّات السيئة، خاصة أن بعض الحالات تبدو حقيقية، أو لا يمكن كشف كذبها بسهولة. على الحكومة العمل على الحد من ظاهرة التسول الإلكتروني عبر تعزيز التوعية الرقمية، وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن الحسابات المشبوهة، وتشديد الرقابة على التعاملات الإلكترونية".
ويضيف سمير: "تمثل تلك الظاهرة تحدياً جديداً في عصر التكنولوجيا، ما يتطلب وعياً أكبر من المجتمع، وقوانين أكثر صرامة. في ظل تزايد عدد المتسولين الرقميين، تظل المسؤولية على عاتق المستخدمين لعدم الوقوع في فخ الاستغلال، وللتمييز بين المحتاج الحقيقي والمحتالين".