الهجرة خيار دائم لشباب العراق... انعدام الاستقرار والفرص

في الإثنين ٠٢ - ديسمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

لا تتوقف ظاهرة هجرة الشباب من مختلف مدن العراق من أجل تحقيق حلم الحصول على الجنسية وبدء حياة يحلمون بها. لكن اللافت أن أرقام الهجرة ترتفع في محافظات إقليم كردستان التي تعتبر الأكثر استقراراً مقارنة بباقي المناطق.
وبين وقت وآخر، تعلن السلطات العراقية غرق شبان مهاجرين خلال محاولتهم العبور إلى أوروبا عبر تركيا أو ليبيا وتونس التي يصلون إليها بوصفهم سياحاً غالباً. وكشف مصدر في وزارة الداخلية عن وفاة أكثر من 70 مواطناً خلال العام الحالي، خلال محاولتهم الهجرة، وأن محافظات إقليم كردستان وبغداد تتصدر مدن العراق في ظاهرة الهجرة السرية، أو تقديم طلبات الهجرة، وأن السلطات تسلمت نحو 40 عراقياً بعد اعتقالهم وحبسهم أشهراً في دول مختلفة.
في محل صغير لبيع الحلويات في أحد أحياء بغداد، يزاول عمر عبد الرحمن (26 سنة) عملاً وجد نفسه مضطراً لممارسته لتأمين قوته اليومي، في ظل استمراره في البحث عن فرصة عمل بعدما كان تخرّج قبل ثلاث سنوات من كلية الهندسة في قسم البرمجيات. ويقول لـ"العربي الجديد": "أبحث عن عمل في تخصصي منذ تخرجت، لكن كل الأبواب مغلقة. كنت أحلم بتطوير نفسي والعمل في مشاريع هندسية، لكن الظروف جعلتني أعمل هنا لأعيش".
رغم التحديات، لم يتخلَ عمر عن حلمه بالهجرة إلى ألمانيا لإكمال دراسته العليا والعمل في مجاله. ويقول: "أتواصل باستمرار مع أصدقائي الذين درسوا معي في الجامعة، وهم الآن في ألمانيا. تخصصوا في علوم الكومبيوتر ويعملون في مجالاتهم بتقدير واحترام. عندما أسمع عن نجاحهم، أشعر بالأمل وأتمنى أن أكون مثلهم".
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، يتابع الشباب يوميات أقرانهم في دول أوروبية يعيشون فيها حياة مستقرة، ويتمتعون بفرص عمل مناسبة وتعليم ذي جودة عالية، ويحصلون على خدمات صحية متقدمة. يقول مناف صبار، وهو في سنته الجامعية الأولى، لـ"العربي الجديد": "أريد أن أطور مهاراتي وأبني مستقبلي في بيئة تقدّر الجهد والعلم. لدي اهتمام كبير بمجال الذكاء الاصطناعي، وأدرس البرمجيات وهو المجال الذي أتوقع أن أحقق فيه طموحي. أشعر أنني محاصر وأسعى إلى الحصول على فرصة للهجرة".

الشباب العراقي (سبنسر بلات/Getty)
البطالة أزمة مستعصية في العراق (سبنسر بلات/Getty)
ويواجه مناف العديد من الصعوبات، منها رفض عائلته فكرة الهجرة، لكنه يؤكد أنه يخطط لهذا الأمر، ويتواصل مع شبان عراقيين وعرب وصلوا عن طريق الهجرة السرّية إلى دول أوروبية. ويقول: "لن أرضخ لأي صعوبات أو معوقات، وسأصل إلى هدفي الذي لن يتحقق إلا بنيل جنسية بلد يقدّر الطاقات، ربما كندا أو بريطانيا أو بلجيكا أو ألمانيا. الذكاء الاصطناعي هو المستقبل الذي سيغيّر العالم، والدول المتقدمة تدرك ذلك، وتوفر فرصاً كبيرة للمتخصصين، بينما الإمكانات ضعيفة والفرص محدودة في العراق".
وتعدّ البطالة أحد أسباب تفكير الشبان العراقيين في الهجرة، وتبلغ نسبة البطالة في العراق 16.5%، وفق آخر مسح أجرته وزارة التخطيط في عام 2021. ويعلّق مناف: "يعمل قليلون في تخصصاتهم بعد تخرجهم في العراق بسبب البطالة، فكيف لا يفكرون في الهجرة؟".
بالنسبة إلى مروان كاظم (19 سنة)، ليست الهجرة مجرد حلم، بل خطة يعمل على تحقيقها. وهو يرى أن الدراسة في الخارج، لا سيما في دول مثل ألمانيا أو هولندا أو بلجيكا، ستفتح له الأبواب. ويقول لـ"العربي الجديد": "أريد أن يكون لي مستقبل جيد. أبي وإخوتي الذين يكبرونني يعملون في مهن تأخذ وقتهم وصحتهم كي يوفروا معيشة ملائمة نوعاً ما لأسرهم، ولا أريد أن أكون نسخة منهم، فحلمي أن أسير على درب كثيرين هاجروا واستطاعوا خلال أعوام قليلة أن يعيشوا في استقرار بعدما حصلوا على عمل جيد. أملك قدرات في العمل التجاري، وأعتقد أنني سأكون ناجحاً، وسأعمل في مشاريع تُحدث فرقاً في بلاد أخرى".
ورغم أنه أخفق في دراسته، إلا أنه يعتبر أن انشغاله بالعمل لجمع مبلغ يسمح له بالهجرة هو السبب. ويقول: "القصص التي يبثها عراقيون في المهجر عن نجاحهم في تحقيق طموحاتهم، سواء في الدراسة أو العمل، تدفع كثير من الشباب للسير على خطاهم".ويقول الباحث الاجتماعي أحمد كامل لـ"العربي الجديد": "تدفع عوامل عدة شباب العراق إلى الهجرة، من بينها غياب الفرص، فالاقتصاد العراقي يعاني من تحديات مستمرة، ما يترك الشباب بلا خيارات، إضافة إلى عدم الاستقرار الأمني والسياسي، إذ يوجد خلل يضر بمستقبل الأشخاص، لا سيما سيطرة القبلية، وعدم قدرة القانون على مواجهتها".
ويضيف كامل: "جاذبية الحياة في الدول المتقدمة تشجع الشبان على اتخاذ قرار الهجرة، وهناك غياب تام للإدارة الصحيحة طوال العقدين الماضيين من جراء التنافس السياسي، وإهمال كبير للقطاعات الخدماتية والبنى التحتية، ما جعل التعليم والصحة والبيئة في درجات متدنية، ما يؤثر سلباً على الشبان الذين يبحثون عن فرصة للتعبير عن طاقاتهم واستغلال مهاراتهم، ما يدفعهم للبحث عن بلد آخر يوفر لهم ما يطمحون إليه".