شهدت سوريا تطوراً مفاجئاً في اليومين الماضيين، بعد أن شنت "هيئة تحرير الشام" وفصائل حليفة لها الأربعاء، هجوماً واسعاً على مواقع لقوات الجيش شمال غرب البلاد.
وقطعت الهيئة الطريق الدولي الذي يصل العاصمة دمشق بحلب، كبرى مدن شمال سوريا، كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس.
وأوضح المرصد أن المعارك أسفرت عن مقتل 182 من جميع الأطراف: "102 من هيئة تحرير الشام و19 من فصائل المعارضة الأخرى"، إضافة إلى 61 من الجيش السوري وفصائل حليفة له.
كما أفاد المرصد بمقتل 19 مدنياً على الأقلّ "بقصف روسي" على قرى في ريفي حلب (شمال) وإدلب (شمال غرب).كما أفادت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية أن قائداً كبيراً في الحرس الثوري الإيراني قُتل في الاشتباكات في حلب وهو العميد كيومارس بورهاشمي من فيلق القدس، الفرع الخارجي للحرس الثوري الإيراني.وأعلنت فصائل المعارضة السورية - بقيادة هيئة تحرير الشام - في شمال غربي البلاد، أمس الأربعاء، بدء عملية عسكرية واسعة ضد قوات الجيش السوري و"المليشيات الموالية لإيران" في ريف حلب الغربي.
"تحرير الشام" أحدث نسخ تنظيم القاعدة في سوريا
من يسيطر على سوريا التي مزقتها الحرب بعد 13 عاما من الصراع؟
فصائل المعارضة تقطع الطريق الدولي بين دمشق وحلب بهجوم "مفاجئ" على الجيش السوري، وتسيطر على عشرات القرى شمال البلاد
وقال الناطق باسم "إدارة العمليات العسكرية لمعركة ردع العدوان" حسن عبد الغني، إن الهدف من العملية توجيه "ضربة استباقية للحشود العسكرية لقوات النظام والمليشيات الموالية لها، والتي تهدد المناطق المحررة"، بحسب تعبيره.
وقيل إن الهجوم، الذي أطلق عليه اسم "ردع العدوان"، يدار من قبل غرفة عمليات مشتركة تسمى "إدارة العمليات العسكرية"، ولم يُعرف ممكن تتكون ولكن يبدو أنها مرتبطة بتنظيم الفتح المبين التابع لهيئة تحرير الشام. وقيل إن مقاتلي هيئة تحرير الشام وشريكتها أحرار الشام يشاركون في الهجوم.
مقاتلون يأخذون استراحة من المعركة في الأتارب في الجزء الغربي من محافظة حلب شمال سوريا في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024
صدر الصورة،Getty Images
التعليق على الصورة،مقاتلون من الفصائل المسلحة المعارضة يأخذون استراحة من المعركة في الأتارب في الجزء الغربي من محافظة حلب شمال سوريا في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024
لماذا الآن؟
يقول الصحفي المختص بالإعلام الجهادي من فريق بي بي سي مونيترينغ، جاكوب بوزوول، في اتصال معنا، إنّ العملية الأخيرة "هي أكبر عملية وأكثرها تعقيداً في السنوات القليلة الماضية، ويمكن مقارنتها بالعملية التي قامت بها فصائل المعارضة المسلحة عام 2015 عندما استولت على إدلب".
وعن مقاتلي هذه الفصائل المسلحة، يقول بوزوول، إنه "يوجد بالتأكيد مقاتلون مرتزقة ضمن المجموعات المقاتلة الجهادية في شمال سوريا، إذ أتى الكثير منهم إلى سوريا خلال الحرب الأهلية ومنهم من بقي هناك".
ويضيف: "اطلعت خلال عملي على مقاتلين منهم من كان من بلدان آسيا الوسطى وبينهم من طاجيكستان ويعتقد أنهم يقاتلون في صفوف هيئة تحرير الشام".
ويتابع: "نحن نشاهد مقاطع فيديو من التدريبات العسكرية لهذه المجموعات بانتظام، ويمكنني القول إن عددهم كبير، بالمئات، ويمكن القول إنهم يعملون أيضاً بطريقة يمكن مقارنتها مع تلك التي يتبعها حزب الله في لبنان على سبيل المثال، أي أن بعض مقاتليهم لديهم أعمال عادية خلال اليوم، ويلتحقون بصفوف المقاتلين في حال تم استدعاؤهم لذلك".وعن أسباب توقيت الهجوم، يقول بوزوول، إن أسبابه قد تكون متعددة. ويشرح قائلاً: "يمكن النظر إلى العلاقات الديبلوماسية بين سوريا وتركيا التي كانت تتحسن خلال الأشهر الأخيرة، قد يكون هناك نوع من اتفاق بين البلدين بأن تسمح تركيا للحكومة السورية باستعادة السيطرة على مناطق المعارضة المسلحة شمال سوريا".
ويشير إلى أنه "يمكن أن تكون هيئة تحرير الشام قد استنتجت ذلك، وتريد استباق حصول الهجوم عليها عبر القيام بهجوم استباقي".
ويعتقد الصحفي المختص بأنه كان هناك الكثير من الإشارات التي تدل على أن الرئيس السوري بشار الأسد كان يحضر للقيام بذلك الهجوم، "إذ كانت الحكومة تحشد قواتها نحو المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، وكان هناك ارتفاع في وتيرة القصف والمسيرات الانتحارية في هذه المناطق".
وهناك سبب ثانٍ، يقول بوزوول، إنه يمكن أيضاً النظر في أن "القوى الكبرى الداعمة للرئيس السوري في الحرب وهي كل من روسيا وإيران، منشغلة في مشاكل أخرى، هي الحرب الأوكرانية والوضع في لبنان، وحزب الله اللبناني غير قادر على مساندة الأسد في حربه الحالية كما فعل سابقاً".
ويضيف: "يمكن أن تكون هيئة تحرير الشام قد شعرت بنوع من الضعف لدى القوات الحكومية ووجدت في ذلك فرصة لأن تضرب القوات السورية في وقت هي ليست على أولويات روسيا وإيران".
ويضيف سبباً آخر انطلاقاً من متابعته للسياسة الداخلية لهيئة تحرير الشام، وهو أنه "خلال الأشهر الأخيرة، كان هناك استياء واسع النطاق تجاه أبو محمد الجولاني"، قائد الهيئة، لـ"تخليه عن الثورة على حد تعبير أتباعه، ولأنه ليس قاسٍ بما يكفي على النظام السوري، أي لا يهاجمه بشكل كافي".
ويعتقد بوزوول أن الأمور قد تكون وصلت إلى خلافات كبيرة جعلته يقوم بهذه الخطوة.
ويتابع: "أعتقد أن هذه المرة الأولى التي نرى فيها الأشخاص الذين ينتقدون عادةً كيفية تصرف هيئة تحرير الشام، يوافقون على قرار اتخذه الجولاني".
ورصد فريق بي بي سي مونيتورينغ أيضاً ردات فعل مراقبين أتراك على هجوم المسلحين في حلب.
ووصف الموقع الإخباري التركي المستقل "تي24" الهجوم بأنه "عملية غيرت الخريطة"، زاعماً أن قوات الحكومة السورية استهدفت مواقع عسكرية تركية بنيران المدفعية. وذكر التقرير أن تركيا نشرت جنوداً إضافيين في المنطقة كإجراء احترازي، رغم أن أنقرة لم تؤكد هذا الادعاء حتى الآن.
أما الصحفي مالك إجدر فنشر على موقع إكس: "يبدو أن روسيا وجهت كل تركيزها نحو أوكرانيا. ومع استيعاب حزب الله للتحديات التي يواجهها وتراجعه، أصبح الأسد والمعارضة وجهاً لوجه".
وقال الصحفي راجيب صويلو، "إن هجوم المتمردين السوريين جاء رداً على نيران أطلقتها قوات الحكومة السورية للمضايقة، والتي قال إنها "أجبرت المدنيين على الفرار إلى عمق أكبر باتجاه الحدود التركية". وأضاف أن قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا "لم تشارك إلى حد كبير في هذا الهجوم".
صورة ممزقة ملقاة على الأرض للرئيس السوري بشار الأسدصدر الصورة،Mohamed Kfarnabel / BBC
وهناك سبب ثانٍ، يقول بوزوول، إنه يمكن أيضاً النظر في أن "القوى الكبرى الداعمة للرئيس السوري في الحرب وهي كل من روسيا وإيران، منشغلة في مشاكل أخرى، هي الحرب الأوكرانية والوضع في لبنان، وحزب الله اللبناني غير قادر على مساندة الأسد في حربه الحالية كما فعل سابقاً".
ويضيف: "يمكن أن تكون هيئة تحرير الشام قد شعرت بنوع من الضعف لدى القوات الحكومية ووجدت في ذلك فرصة لأن تضرب القوات السورية في وقت هي ليست على أولويات روسيا وإيران".
ويضيف سبباً آخر انطلاقاً من متابعته للسياسة الداخلية لهيئة تحرير الشام، وهو أنه "خلال الأشهر الأخيرة، كان هناك استياء واسع النطاق تجاه أبو محمد الجولاني"، قائد الهيئة، لـ"تخليه عن الثورة على حد تعبير أتباعه، ولأنه ليس قاسٍ بما يكفي على النظام السوري، أي لا يهاجمه بشكل كافي".
ويعتقد بوزوول أن الأمور قد تكون وصلت إلى خلافات كبيرة جعلته يقوم بهذه الخطوة.
ويتابع: "أعتقد أن هذه المرة الأولى التي نرى فيها الأشخاص الذين ينتقدون عادةً كيفية تصرف هيئة تحرير الشام، يوافقون على قرار اتخذه الجولاني".
ورصد فريق بي بي سي مونيتورينغ أيضاً ردات فعل مراقبين أتراك على هجوم المسلحين في حلب.
ووصف الموقع الإخباري التركي المستقل "تي24" الهجوم بأنه "عملية غيرت الخريطة"، زاعماً أن قوات الحكومة السورية استهدفت مواقع عسكرية تركية بنيران المدفعية. وذكر التقرير أن تركيا نشرت جنوداً إضافيين في المنطقة كإجراء احترازي، رغم أن أنقرة لم تؤكد هذا الادعاء حتى الآن.
أما الصحفي مالك إجدر فنشر على موقع إكس: "يبدو أن روسيا وجهت كل تركيزها نحو أوكرانيا. ومع استيعاب حزب الله للتحديات التي يواجهها وتراجعه، أصبح الأسد والمعارضة وجهاً لوجه".
وقال الصحفي راجيب صويلو، "إن هجوم المتمردين السوريين جاء رداً على نيران أطلقتها قوات الحكومة السورية للمضايقة، والتي قال إنها "أجبرت المدنيين على الفرار إلى عمق أكبر باتجاه الحدود التركية". وأضاف أن قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا "لم تشارك إلى حد كبير في هذا الهجوم".
مقاتلون ينتشرون في مدينة الأتارب في المناطق الغربية بمحافظة حلب شمالي سوريا، في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.
صدر الصورة،Getty Images
التعليق على الصورة،مقاتلون ينتشرون في مدينة الأتارب في المناطق الغربية بمحافظة حلب شمالي سوريا، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
من هي الفصائل المشاركة؟
تعتبر هيئة تحرير الشام أبرز المجموعات المشاركة في الهجوم. وهي جماعة إسلامية مسلحة تشكلت في يناير/كانون الثاني 2017 نتيجة اندماج فصائل جهادية عدة. وكانت سلفها تعرف باسم جبهة النصرة، التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا قبل انفصال الطرفين في يوليو/تموز 2016.
وتسيطر هيئة تحرير الشام على معظم مناطق محافظة إدلب شمال غرب البلاد، وتديرها من خلال جبهة إدارية تسمى "حكومة الإنقاذ السورية". ويقود الهيئة أبو محمد الجولاني الذي كان يقود جبهة النصرة قبلها. أما هدف الهيئة العام، فهو تحرير سوريا من القوات الحكومية.
لافتة تدل على اتجاه مدينة إدلب السوريةصدر الصورة،Mohamed Kfarnabel / BBC
وعلى الرغم من إصرار هيئة تحرير الشام على أنها مستقلة وغير مرتبطة بكيان خارجي، وتزعم أنها ليس لديها طموحات جهادية عالمية، فإن الأمم المتحدة والولايات المتحدة وتركيا تعتبرها مجموعة مرتبطة بتنظيم القاعدة وتدرجها كمنظمة إرهابية.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان صدر في 3 مايو/أيار 2023، إن هيئة تحرير الشام "تطورت" من الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا. ويُعد هذا تحولاً ملحوظاً بعيداً عن الأوصاف الأمريكية السابقة لهيئة تحرير الشام باعتبارها "تابعة لتنظيم القاعدة".
غرفة عمليات الفتح المبين
هي تحالف يضم "مجموعات جهادية ومتمردين" ينشطون في شمال سوريا. ويضم التحالف الجماعة الجهادية "هيئة تحرير الشام" و"الجبهة الوطنية للتحرير" المدعومة من تركيا.
ظهرت غرفة العمليات لأول مرة في مايو/أيار 2019 تقريباً، رداً على هجوم كبير شنته القوات الموالية للحكومة السورية على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون في شمال غرب سوريا، وخاصة محافظة إدلب.
ويبدو أن هيئة تحرير الشام لعبت دوراً قيادياً في التحالف.
ويضم تحالف الفتح المبين: هيئة تحرير الشام، والجبهة الوطنية للتحرير المدعومة من تركيا، وجماعة جيش العزة المتمردة.
مقاتلون في مدينة الأتارب في الجزء الغربي من محافظة حلب شمال سوريا في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وسط اشتباكات بين الجيش السوري ومقاتلي هيئة تحرير الشام الجهادية، إلى جانب الفصائل المتحالفة معها.
صدر الصورة،Getty Images
التعليق على الصورة،مقاتلون في مدينة الأتارب في الجزء الغربي من محافظة حلب شمال سوريا في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وسط اشتباكات بين الجيش السوري ومقاتلي هيئة تحرير الشام الجهادية، وفصائل متحالفة معها.
الجيش الوطني السوري
هو تحالف من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا والتي تعارض القوات الموالية للحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة.
وتأسست في ديسمبر/كانون الأول 2017، وشاركت في عدة عمليات عسكرية للجيش التركي في شمال سوريا. ويعمل كجيش للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية ومقرها تركيا، في محاولة لوضع الجيش السوري الحر المجزأ تحت "قيادة موحدة".