من المتوقع أن يمهد تهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين الطريق لحرب تجارية عالمية شرسة ومريرة، وفقًا لخبراء تجارة واقتصاديين، مع تحذير المستهلكين والشركات من الاستعداد لتكاليف باهظة. وأعلن ترامب، ليلة الاثنين، أنه يعتزم فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين على جميع صادراتها إلى الولايات المتحدة، حتى تقلل من الهجرة وتدفق المخدرات إلى البلاد. وبينما سارع المسؤولون في الدول الثلاث للرد، توقع كيث روكويل، المدير السابق في منظمة التجارة العالمية، في تعليقات نقلتها صحيفة "ذا غارديان" مساء الثلاثاء، أن تؤدي خطوة ترامب إلى إشعال حرب تجارية. وقال: "إن الولايات المتحدة تصدر بضائع بقيمة مئات المليارات من الدولارات إلى هذه الدول". وتابع: "أي شخص يتوقع أنهم سيقفون ساكنين دون انتقام لم ينتبه". ويقول استطلاع للرأي إن ثلثي الأميركيين يعتقدون أن تعريفات ترامب الجمركية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وسرعان ما أشارت الصين إلى أن كلا الجانبين سيخسران من تصاعد التوترات الاقتصادية. وكتب ليو بينجيو، المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن، على موقع إكس: "لن يفوز أحد في حرب تجارية أو حرب رسوم جمركية". وقد أشادت كريستيا فريلاند، نائبة رئيس الوزراء الكندي، ودومينيك ليبلانك، وزير السلامة العامة، بالعلاقات الاقتصادية "المتوازنة والمنفعة المتبادلة" بين كندا والولايات المتحدة.
وفي بكين حذرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من أن تعهده بفرض رسوم جمركية إضافية على البضائع الصينية قد يجر أكبر اقتصادين في العالم إلى حرب تعريفية مدمرة للطرفين، وفق تقرير لوكالة رويترز اليوم الأربعاء.
وقال ترامب، الذي يتولى منصبه في 20 يناير/ كانون الثاني، الاثنين، إنه سيفرض "تعريفة إضافية بنسبة 10% فوق أي تعريفات" على الواردات من الصين إلى أن تتخذ بكين إجراءات صارمة ضد تهريب السلائف الكيميائية المستخدمة في صنع دواء الفنتانيل القاتل.
ومن المتوقع أن يكون للرسوم الجمركية التي يخطط ترامب لفرضها على كل من الصين والمكسيك وكندا تداعيات كبيرة على الاقتصاد والمستهلك الأميركي. وكان للتعريفات الجمركية التي فرضها خلال فترة رئاسته الأولى على البضائع القادمة من الصين ودول أخرى آثار كبيرة على الاقتصاد الأميركي. وكانت هذه التعريفات جزءًا من سياسة تجارية أوسع تهدف إلى حماية التصنيع الأميركي ومعالجة الاختلالات في الميزان التجاري مع شركاء أميركا الرئيسيين في التجارة. ولكن كانت لها ارتدادات عكسية على الاقتصاد الأميركي.
النمو الاقتصادي والحرب التجارية
وفقاً لتقرير صادر عن بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك في عام 2019، فإن التعريفات الجمركية أدت إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل بنحو 0.2%. وفيما أشار البنك إلى أن بعض القطاعات قد تستفيد من انخفاض المنافسة، أكد أن النشاط الاقتصادي العام سيتعرض للعرقلة بسبب زيادة التكاليف على المستهلكين والشركات التي تعتمد على السلع المستوردة. وأبرز التقرير أن ارتفاع الأسعار الناتج عن التعريفات الجمركية أدى إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وهو محرك حاسم للنمو الاقتصادي.على صعيد التوظيف، توقع بنك غولدمان ساكس في تقرير أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى فقدان الوظائف في قطاعات معينة، بينما تخلق وظائف في قطاعات أخرى، خاصة في التصنيع. ومع ذلك، فقد قدروا أن التأثير الصافي سيكون سلبياً، مع انخفاض إجمالي بنحو 142 ألف وظيفة مكافئة بدوام كامل في جميع أنحاء الاقتصاد الأميركي بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والإجراءات الانتقامية التي قد يتخذها الشركاء التجاريون. وشدد غولدمان ساكس في تقريره على أنه في حين أن بعض الصناعات قد تشهد مكاسب مؤقتة، فإن سوق العمل الأوسع سيعاني من تكيف الشركات مع زيادة تكاليف المدخلات.
من جانبه، أشار تقرير صادر عن بنك أوف أميركا ميريل لينش إلى أن التعريفات الجمركية التي فرضت في الماضي كان لها تأثير بالفعل على أسعار المستهلكين بشكل كبير. وقدروا أن الأسرة الأميركية المتوسطة واجهت زيادة سنوية في التكلفة تبلغت حوالي 1000 دولار بسبب ارتفاع أسعار السلع المستوردة الخاضعة للتعريفات الجمركية. ولا يُعزى هذا الضغط التضخمي إلى تكاليف التعريفات المباشرة فحسب، بل أيضًا إلى اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن التوترات التجارية. وحذر البنك في تقريره من أن مستويات التعريفات المستمرة يمكن أن تؤدي إلى اتجاهات تضخمية أكثر استمرارًا إذا استمرت الشركات في تحميل هذه التكاليف على المستهلكين.
حرب تجارية مع المكسيك
من المتوقع أن يكون التأثير الاقتصادي لسياسات دونالد ترامب على المكسيك كبيراً، خاصة في مجالات التجارة والاستثمار. وكان أحد أبرز تصرفاته تهديده بفرض رسوم جمركية على البضائع المكسيكية، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأميركيين وتعطيل سلاسل التوريد التي تعد جزءًا لا يتجزأ من الاقتصادين. والولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري للمكسيك، حيث تستورد ما يقرب من 480 مليار دولار من السلع من المكسيك سنوياً، بما في ذلك المركبات والآلات والإلكترونيات وقطع الغيار. ويمكن أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى إجراءات انتقامية من المكسيك، مما قد يتصاعد إلى حرب تجارية من شأنها أن تضر الشركات والمستهلكين في كلا البلدين.وحذر الاقتصاديون من أن مثل هذه التعريفات من المرجح أن تؤدي إلى زيادة التضخم في الولايات المتحدة، حيث تشير التقديرات إلى تكلفة إضافية تبلغ حوالي 1300 دولار سنوياً للأسرة الأميركية المتوسطة بسبب ارتفاع أسعار السلع المستوردة. ويمكن أن يؤثر هذا الضغط التضخمي أيضًا على الإنفاق الاستهلاكي والنمو الاقتصادي العام.
كندا والاقتصاد الأميركي
في مارس 2018، أعلن الرئيس ترامب عن رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على واردات الألومنيوم. وكندا، كونها واحدة من أكبر موردي الصلب والألمنيوم إلى الولايات المتحدة، تأثرت بشكل مباشر بهذه التعريفات. وأدى فرض الرسوم الجمركية إلى زيادة التكاليف على المصنعين الكنديين الذين اعتمدوا على تصدير هذه المعادن إلى السوق الأميركية. ووفقًا لتقرير صادر عن بنك مونتريال (BMO) الكندي، أدت التعريفات الجمركية إلى تقليل نمو الناتج المحلي الإجمالي لكندا بنسبة 0.5% تقريبًا بسبب انخفاض الصادرات والإجراءات الانتقامية التي اتخذتها كندا ضد البضائع الأميركية.
من جانبه، أشار بنك سكوتشيا بنك Scotiabank إلى أن الشركات الكندية واجهت تحديات في الحفاظ على القدرة التنافسية بسبب ارتفاع تكاليف المدخلات الناتجة عن التعريفات الجمركية. ودفع هذا الوضع بعض الشركات الكندية إلى البحث عن أسواق بديلة أو تعديل سلاسل التوريد الخاصة بها.
على صعيد التأثير الاقتصادي على الولايات المتحدة، رغم أن المقصود من الجمارك حماية الوظائف الأميركية في صناعات الصلب والألمنيوم، إلا أن هذه التعريفات كانت لها آثار مختلطة على الاقتصاد الأميركي. وأشار تقرير صادر عن بنك غولدمان ساكس الاستثماري الأميركي إلى أنه في حين شهد منتجو الصلب المحليون زيادة مؤقتة في الأرباح وأسعار الأسهم، واجهت الصناعات التحويلية، مثل تصنيع السيارات، تكاليف متزايدة قد تؤدي إلى فقدان الوظائف.