كشفت أولى جلسات الحوار المجتمعي حول حكم الدستورية العليا، الصادر مطلع الشهر الجاري بعدم دستورية قانون إيجار الوحدات السكنية رقم 136 لسنة 1981، أن الحكم ينزع فتيل قنبلة اقتصادية واجتماعية، بينما يحمل ألغاما قابلة لتفجير مجتمع منقسم حول حق ملاك عقارات في استرداد مليون و800 ألف وحدة سكنية من مستأجرين ساعدتهم قرارات حكومية في أن يصبحوا شركاء في إيجارات مؤبدة للوحدات، مقابل أجر ثابت زهيد.
في ندوة نظمتها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، حضرها مئات من ملاك الوحدات السكنية والمحال التجارية، وغاب ممثلو المستأجرين، فاجأ عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي التابعة لمجلس الوزراء حسام سعيد مصطفى مئات الحضور الذين أتوا من أنحاء البلاد للمطالبة بمساعدتهم لاسترداد أملاكهم، ومحو آثار ما أسموه "قانون العار" بقوله إن نص حكم الدستورية العليا يختص بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من القانون 136 لسنة 1981، المتعلقة بثبات القيمة الإيجارية ثباتا لا يزايله مضي عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، وامتداده للأبد دون إرادة المالك، بما يشكل عدوانا على حق الملكية، مؤكدا أن أثره لا يمتد لغيره من القوانين السابقة له أو اللاحقة عليه، التي تحكم القطاع العقاري منذ بدء تنظيمه بالقانون عام 1920.
فجرت كلمات مصطفى خلافات واسعة وسط القاعة، وسط صرخات المتضررين الذين أتوا بحثا عن حل لأزمتهم الممتدة منذ عقود، فإذا بهم يتلقون صدمة من عضو لجنة اعداد مشروعات القوانين التي ترفع من قبل الحكومة إلى البرلمان، ما دفع رئيس المؤتمر سعيد عبد الخالق للتهديد بإلغاء الحوار.
استدرك عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي التابعة لمجلس الوزراء حالة الهياج التي انتابت الحضور، بتأكيده أن حالة العوار القانوني اقتضت أن تمتلك الدولة إرادة لحل العلاقة المتأزمة بين المالك والمستأجر والتي تحولت إلى صراع ينذر بمخاطر اجتماعية.
أفصح السعيد عن وجود تكليفات رئاسية بتوسع جلسات الحوار المجتمعي، بمشاركة طرفي الصراع، والخبراء الاقتصاديين والنواب ورجال أعمال، لإنهاء "العلاقة الظالمة" التي تحمل الملاك خسائرها بالقانون، مع المحافظة على حقوق المستأجرين، وعدم الإلقاء بهم في الشارع، وإنشاء علاقة صحيحة بين الطرفين.
أظهرت المناقشات الساخنة أن الحكومة لديها خطة واضحة للقفز على القوانين الاشتراكية التي صدرت في ستينيات القرن الماضي، وامتدت آثارها حتى صدور قانون 136 لسنة 1981، بتجهيز مشروع قانون موحد للإيجارات يحرر العلاقة بين المالك والمستأجر ويضع كافة المساكن والمحال للضريبة العقارية.تتضمن الخطة وجود جهة تنظيمية تحدد أسعار الإيجارات وفقاً لحالة السوق، مع تحديد جهة رسمية تتولى مساعدة المستأجرين على تجاوز الآثار الناجمة عن فك الارتباط بين الملّاك والمستأجرين، سواء بالدعم المادي أو توفير سكن بديل تتولى تنفيذه الإدارات المحلية ووزارة الإسكان.
تشمل الخطة دمج المساكن القديمة في السجل العيني للعقارات، ووضع رقم قومي موحد لكافة الوحدات السكنية، وتدوير 1.8 مليون وحدة بسوق العقارات، بما يضمن موارد مالية دائمة للدولة من الثروة العقارية، تساهم في دعم مشروعات الإسكان للمتضررين الحاليين والحالات الاجتماعية التي ستحتاج إلى إسكان اجتماعي في المستقبل.
وصف الحضور نظام التقاضي في المحاكم بأنه يكرس الظلم الفادح، مع بطء إجراءات التقاضي، داعين إلى تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر، وشمولية القوانين التي تدرس الحكومة إصدارها، قبل انتهاء الدورة التشريعية الحالية في يوليو/ تموز المقبل.
أوضح مدير الحوار سعيد عبد الخالق وجود 1.8 مليون وحدة سكنية خاصة للقانون المحكوم بعدم دستورية المواد المقيدة مدةَ العقدة وتثبيت قيمته، مشيرا إلى تعاظم المشكلة خلال السنوات الأخيرة، في ظل رصد جهاز الإحصاء الحكومي 450 ألف وحدة مغلقة من قبل المستأجرين منذ سنوات.
حذر عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة أفريقيا الفرنسية محمد عبد الكريم الحسيني من كثرة القوانين الاستثنائية التي تصدرها المؤسسات التشريعية لمواجهة أزمات طارئة في المجتمع وتتحول إلى قوانين دائمة، مثل قانون إيجارات المساكن 136 لسنة 1981، ما يجعل حقوق المواطنين مسفوحة طيلة العقود الماضية. أشار الحسيني إلى خطورة أن تظل القوانين الاستثنائية هي الحاكمة، رغم أنها مرفوضة دوليا لعرقلتها منظومةَ العدالة والقوانين القائمة، مشيرا إلى رفض المؤسسات الدولية أية قوانين مؤقتة، لأنها تعالج أزمات معينة، بينما القوانين أداة للإصلاح والصلاح وتطوير المجتمع.
قوانين أهدرت العدالة في مصر
وأشار رئيس الائتلاف الشعبي لملاك العقارات مصطفى عبد الرحمن إلى استخدام الدولة سلطتها في إصدار قوانين أهدرت العدالة، وحق الملاك في ملكية أموالهم، وعطلت استثماراتهم العقارية، لافتاً إلى أن تدوير تلك الأصول في السوق يساهم في حلّ الأزمة العقارية التي تتفاقم بسبب إحجام المستثمرين عن تأجير ملايين الوحدات السكنية المغلقة، خشية تباطؤ الفصل في قضايا الإيجار بالمحاكم، وعدم رغبة بعض المطورين العقاريين في الدفع بتلك الوحدات خوفاً من تراجع أسعار وحداتهم الجديدة.
دعا عبد الرحمن إلى أن تسرع الحكومة في إزالة ألغام قانون الإيجارات، والسير على نهج قانون تأجير العقارات للشخصيات الاعتبارية الذي أعاد الوحدات إلى أصحابها خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، مع رفع أسعار السكن تدريجياً بنسبة 15% سنويا، للتناسب مع العائد على الاستثمار العقاري، بدلاً من بقاء العلاقة بين المالك والمستأجر دائرة في منطقة مغلقة تهدد كافة الأطراف.
شارك الحضور في تقديم مقترحات لتعويض المستأجرين غير المقيمين في الوحدات المؤجرة، وغير القادرين على الانتقال إلى مساكن أخرى، بمساهمة من الملاك الذين يستحوذون حالياً على نحو 43 مليون وحدة سكنية في أنحاء البلاد، وفقاً للإحصاءات الرسمية.