دعم “الفقراء” في المغرب.. قصة “مؤشر” حكومي استبعد مليون أُسرة من تعويضات شهرية بسبب “خروقات”

في الخميس ٢١ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

يشتكي عدد من المواطنين المغاربة، خصوصا من النساء، من انقطاع الدعم الاجتماعي للأسر في المغرب منذ أشهر، بعدما توصلوا به في الأشهر الأخيرة من عام 2023، قبل أن يتوقف لأسباب يجهلها المستفيدون من هذا الدعم المباشر، بينما تحدثت السلطات عن وجود خروقات في هذا الملف.

وتبلغ نسبة الأسر المغربية المستهدفة بالدعم الاجتماعي 60 في المائة من مجموع الأسر، تستفيد من تعويضات عائلية عن الأطفال، أو تستفيد من المنحة المقدرة بـ500 درهم (نحو 50 دولار)، بكلفة إجمالية تقدر بـ25 مليار درهم (2.5 مليار دولار) خلال 2024، وفق أرقام حكومية.

واعترفت الحكومة المغربية بإقصاء مئات آلاف المغاربة من الدعم الموجه للأسر، وقالت خلال شهر يونيو/حزيران 2024، "إن أزيد من مليون مواطنة ومواطن مغربي اشتكوا من إقصائهم من الاستفادة من الدعم الاجتماعي المباشر بدعوى ارتفاع المؤشر الاجتماعي".الدعم الاجتماعي للأسر في المغرب "مشروط"
تحكي السيدة مليكة. م، وهي أرملة في عقدها السادس، أنها لم تتوصل بدعمها المالي الحكومي منذ عدة أشهر، رغم احتياجها الكبير له. وقالت في حديثها لـ"عربي بوست": "أنا أمية لا أعرف القراءة ولا الكتابة، استفسرت في الإدارة المعنية عن الدعم المباشر، وقيل لي إن مؤشري لدى المصالح الحكومية ارتفع، ولم أعد من المعنيين بمنح دعم".

هو الحال نفسه في المجمل، الذي أقصى أسرا وأفرادا كثيرين على صعيد المملكة من الإعانات المادية المباشرة للأسر، التي شرعت الحكومة المغربية، التي يرأسها رجل الأعمال عزيز أخنوش، في صرفها منذ نهاية شهر ديسمبر 2023.

ولا يعد برنامج نظام الدعم الاجتماعي المباشر، شيكًا حكوميا على بياض يمنح لجميع الأسر، بل "يجب أن تستوفي هذه الأسر مجموعة من الشروط المحددة مسبقا والمنصوص عليها قانونا؛ وأبرزها الاستجابة للعتبة على أساس التنقيط المحصل عليه في السجل الاجتماعي الموحد"، تقول أستاذة القانون العام بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، سارة الطاهري.

تضيف الطاهري، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "الأسر المستهدفة، ستتلقى دعما اجتماعيا شهريا يختلف حسب تركيبة كل أسرة ووضعية أفرادها، دون أن يقل عن 500 درهم شهريا كحد أدنى".

واعتبرت أستاذة القانون العام، أن "هذا التوجه الحكومي ساهم فعلا في القطع مع العشوائية في تحديد الفئات المستهدفة بناء على معايير مقننة ومضبوطة، تضمن المساواة بين الجميع".
ممارسات غريبة" للاستفادة من الدعم
ويقوم نظام الدعم الاجتماعي المباشر، على تقديم دعم مباشر للأسر في شكل إعانات تروم الحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، أو إعانات جزافية لدعم قدرتها الشرائية، أو حمايتها من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة.

لكن الحكومة، سجلت بعد هذه المدة الوجيزة، وجود "خروقات" من طرف بعض الأسر في الاستفادة من هذا الدعم الاجتماعي، إذ كشف وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، عن ممارسات وصفها بـ"الغريبة" من قبل بعض المواطنين؛ مثل تقديم معلومات مغلوطة، أو اللجوء إلى طلاق صوري.

وشدد لفتيت، خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته بالبرلمان مؤخرا، على اتخاذ إجراءات صارمة للحد من التلاعبات التي تضر بمصداقية نظام الدعم، باعتبارها ممارسات غير أخلاقية تضر بالفئات الأكثر هشاشة في البلاد.

ولفت وزير الداخلية، أنه تم ضبط حالات لأشخاص يستفيدون من الدعم رغم امتلاكهم لعقارات، فيما يعمد البعض الآخر إلى تسجيل معلومات تدعي عدم امتلاكهم اسطوانات الغاز، أو الكهرباء، أو هواتفهم النقالة، بهدف تضليل الجهات المعنية.

مؤشر وسجل اجتماعي
ولذلك، يعد السجل الاجتماعي الموحد هو النظام المعلوماتي الذي تستند عليه الحكومة في استهداف الأسر المستحقة للدعم، باعتباره برنامجا يمنح لكل أسرة مسجلة مؤشرا اجتماعيا واقتصاديا خاصا يعكس مستواها المعيشي بناء على البيانات الاجتماعية والاقتصادية للأسرة.

يرى المتخصص في السياسات الاجتماعية، هشام معروف، أن "هذا النظام المعلوماتي مجاني، يدخله عموم المغاربة لتقديم معلومات متعلقة بالمستوى المعيشي، والظروف المعيشية، وعدد كثير من الأمور والمعطيات، والتي تتأكد من صحتها عدد من المصالح الإدارية الحكومية، ثم تحدد بعدها مؤشر الاستفادة؛ أي المواطنون والمواطنات الذين سيشملهم الدعم المالي المباشر".

وسجل معروف في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "الغرض من هذا السجل الاجتماعي هو تحديد الفئات الأكثر هشاشة والأكثر احتياجا للدعم بصفة مؤقتة وليس بشكل دائم، آخذين بعين الاعتبار تغيير المؤشر".

يظهر هنا، أن الدعم الحكومي المباشر "حل مؤقت في انتظار تحسّن هؤلاء المواطنين إلى قطاع التنمية؛ من خلال حصولهم على فرصة عمل، أو أن يغيروا وضعهم الاجتماعي، أو أن تتحسن ظروفهم المعيشية"، يوضح المتخصص في السياسات الاجتماعية.

وأشار المتحدث ذاته، أن "برنامج الدعم حقق أهدافه خلال الأشهر الماضية"، مقترحا أن يتعزز ذلك بسن "مقاربة إدماجية من خلال تأهيل هؤلاء المستفيدين من الفئات النشيطة وتشجيعهم من خلال برامج أخرى للعمل في عدة مجالات مدرة للدخل".

ورش مفتوح لإعانة ملايين الأسر
الأرقام الرسمية، كشفت أن حصيلة التسجيل في السجل الاجتماعي الموحد، بلغت إلى متم شهر سبتمبر 2024 أزيد من 5.2 مليون أسرة، بما يعادل 18.9 مليون شخص على صعيد المملكة، ونسبة 56 في المائة من مجموع الأسر الموحدة تنحدر من الوسط القروي.

وأبرزت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، خلال مناقشة مشروع قانون المالية للسنة المالية 2025 مؤخراً، أن الأسر المستفيدة من الدعم الاجتماعي المباشر برسم شهر سبتمبر المنصرم، بلغ ما يفوق 3.9 ملايين أسرة، بكلفة مالية تجاوزت 2.4 مليار درهم.

وتواصل موازنة المغرب للعام 2025، في تخصيص مبلغ مالي من أجل استكمال هذا الورش المفتوح المتعلق بالدعم الاجتماعي المباشر للأسر في المملكة، والذي بلغ 26.5 مليار درهم، وفق ما جاء في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة الذي يناقش في الغرفة الثانية من البرلمان بعدما صادقت عليه الغرفة الأولى بالأغلبية نهاية الأسبوع الماضي.

القضاء على صندوق المقاصة
تسعى الحكومة الحالية إلى "تفكيك" صندوق المقاصة في القريب؛ وهو الصندوق الذي كانت تُخصص له الحكومات المتعاقبة في المغرب ميزانيات ضخمة لكي يضمن دعماً غير مباشر لجميع الفئات في المغرب.

وتقلّصت تدريجياً عدد من المواد التي يدعمها الصندوق، وعلى رأسها غاز البوتان، مع تحرير أثمنة المحروقات التي لم تعد من ضمن المواد المدعمة حكومياً. لكن الحكومة حافظت في ميزانية 2025 على دعم مواد أساسية؛ مثل السكر والدقيق الوطني للقمح اللين، مخصصة ما يزيد عن 16.5 مليار درهم للمقاصة.

تذهب أستاذة القانون العام بجامعة الجديدة، سارة الطاهري، إلى أن "الدعم الذي تم تبنيه سابقاً عن طريق اعتمادات صندوق المقاصة، والذي كان يشمل جميع الفئات دون استثناء، أبان على تحمل الحكومة لتكاليف بعض الفئات الاجتماعية ذات وضعية ميسورة".

وسجلت المتحدثة في تصريحها لـ"عربي بوست"، أن هذا ما "استدعى إعادة توزيع هذا الدعم، بشكل يضمن استفادة الأسر ذات وضعية صعبة من اعتماداته على قدم المساواة"، مشيرة إلى أن "ميزانية الدولة لسنة 2025 ركزت أيضاً على دعم القدرة الشرائية للمواطنين من خلال مجموعة من التدابير".

"مأسسة الفقر" في المغرب
في الأهداف الحكومية المعلنة حول نظام الدعم المباشر للأسر المغربية، مكافحة الفقر وتحسين القدرة الشرائية للأسر الفقيرة والهشة، لكن المؤشرات الأممية تفيد بأن حوالي 42 بالمائة من المغاربة لا يزالون معرضين لخطر الوقوع في الفقر، إذ تتعدد العوامل المساهمة في هذا التهديد.

ويتضح مع مرور الوقت، أن "الاعتماد المفرط على هذا النوع من الدعم، دون إرفاقه بسياسات اقتصادية وإصلاحات شاملة، يحمل مخاطر جسيمة تتمثل في مأسسة الفقر وجعل شرائح واسعة من المجتمع رهينة لوضعيات هشاشة مزمنة"، يورد رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري.

يقول الغنبوري لـ"عربي بوست": "رغم أهمية البرامج الاجتماعية في سد الاحتياجات الفورية للفئات الأكثر ضعفاً، إلا أنها غالبًا ما تفتقر إلى الاستدامة. فالتركيز على الدعم النقدي دون ربطه بآليات تمكين حقيقية يؤدي إلى تآكل ثقافة العمل والاعتماد على الذات، ويعزز هذا الوضع الإحساس بالاتكالية بدلاً من توفير فرص حقيقية لتحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأفراد".

لهذا، فالأساسي هو "بناء اقتصاد قوي يضمن فرصًا متكافئة وكرامة للجميع. ويتحقق ذلك من خلال خلق مجتمع إنتاجي، يصبح فيه المواطن شريكاً فاعلاً في التنمية، وهو ما يتطلب رؤية استراتيجية بعيدة المدى وإرادة سياسية صلبة، تنظر إلى الإنسان كعنصر أساسي في التنمية"، يخلص رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي.