فضيحة تهز مصر: الحكومة تهدم تاريخ الأهرامات بتبريرات واهية

في الإثنين ١٨ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

في مشهد يُعد كارثياً ويعكس عمق الفساد والإهمال الذي يسيطر على الحكومة المصرية، أطل علينا فيديو متداول عبر منصات التواصل الاجتماعي ليوثق لحظة كارثية في تاريخ الحضارة المصرية.

الفيديو يُظهر بوضوح عمالًا يقومون بتكسير حجارة هرم خوفو الأكبر في منطقة الأهرامات بالجيزة، في تصرف أثار غضباً عارماً لدى المواطنين، خاصةً أن أهرامات الجيزة تعدّ من أعظم معالم التراث الإنساني على مر العصور.

لكن بدلًا من التحرك بشكل عاجل لحماية هذه الآثار التي تُعد رمزًا عالميًا لمصر، خرجت وزارة السياحة والآثار المصرية في بيان مفعم بالتبريرات التي لا ترقى لحجم الكارثة.

الوزارة نفت تمامًا ما ورد في الفيديو، مدعية أن ما يحدث ليس تكسيرًا أو هدمًا لأحجار الهرم الأصلية، بل هو “إزالة لمواد بناء حديثة” وُضعت منذ عقود مضت، بهدف تغطية شبكة الإنارة الخاصة بالهرم، وكأن هذه التبريرات السطحية ستكون كافية لتهدئة الرأي العام الغاضب.

الحقيقة المروعة التي تحاول الحكومة المصرية إخفاءها هي أن هذه الأعمال تتم في قلب منطقة أثرية تعد من أبرز معالم الحضارة الإنسانية، ومن الواضح أن هناك سوء تخطيط بل وربما فساداً يجعل التاريخ المصري عرضة للعبث والهدم بهذه الطريقة البشعة.

فبينما تحاول الوزارة التقليل من خطورة الأمر، يؤكد المتابعون والمختصون أن الفيديو يوثق تدميرًا لجزء لا يقدر بثمن من آثار مصر القديمة، ويثير العديد من الأسئلة حول الجهة المسؤولة فعلاً عن الإشراف على مثل هذه المشروعات التي تمس بأيقونات تاريخية لا تقدر بثمن.

وزارة السياحة والآثار المصرية ذكرت في بيانها أن هذه الأعمال تأتي ضمن مشروع “تحديث شبكة الإنارة” في منطقة الأهرامات، وهو ما يدعو للتساؤل عن مدى أولوية هذا المشروع مقارنة مع أهمية الحفاظ على سلامة وجمال هذه المعالم الأثرية.

هل يُعقل أن يكون مد سلك كهرباء أهم من الحفاظ على التراث الإنساني؟! وهل تعجز الحكومة المصرية عن إيجاد حلول بديلة لتنفيذ مثل هذه الأعمال دون المساس بواحدة من عجائب الدنيا السبع؟ يبدو أن وزارة السياحة والآثار لا تدرك قيمة الإرث الذي تحمله الأهرامات، أو أنها تفضل تغطية الفساد والإهمال بالتبريرات الزائفة.

ومن المثير للغضب أن بيان الوزارة لا يتحدث عن أي إجراءات فعلية للتحقيق في الواقعة أو محاسبة المتورطين، مما يفتح الباب واسعاً أمام الشكوك حول التواطؤ الحكومي في تدمير التراث المصري.

فقد رأينا في الماضي كيف تم السماح لشركات كبرى بتنفيذ مشاريع سياحية وتجارية بالقرب من المواقع الأثرية، دون أي اهتمام بتأثير هذه المشاريع على التراث التاريخي.

كما أن هذه الحادثة تأتي في ظل موجة من الانتقادات الواسعة للحكومة بسبب فشلها في حماية الآثار المصرية من السرقة والتهريب، حيث تم توثيق العديد من حالات اختفاء القطع الأثرية من المتاحف والمواقع التاريخية دون اتخاذ أي إجراءات صارمة.

وفي الوقت الذي يحاول فيه المواطنون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم واستيائهم من هذه الواقعة، تصر الحكومة المصرية على التقليل من أهمية ما يحدث، بل وتواصل سياسة الصمت المريب التي اعتادت عليها في مثل هذه الأزمات.

فبدلاً من الشفافية وإعلان تحقيق شامل في القضية، تكتفي الوزارة بإصدار بيانات إنشائية لا تحمل أي معنى فعلي، مما يزيد من حالة الغليان في الشارع المصري.

لا يمكن إنكار أن الأهرامات تمثل أحد أعظم الإنجازات الهندسية والبشرية في التاريخ، فهي لم تُبنَ لتكون مجرد أبنية شاهقة بل كانت رمزاً لعظمة الحضارة المصرية القديمة.

واليوم، ومع ما تم توثيقه في الفيديو الذي أثار الجدل، يتبين أن الحكومة المصرية لا تدرك حجم المسؤولية التي تقع على عاتقها لحماية هذا الإرث. ما يحدث الآن هو إهانة لتاريخ مصر وإرثها الحضاري الذي يزخر بآلاف السنين من الإنجازات الإنسانية.

وفي هذا السياق، يجب على الرأي العام المصري والدولي الضغط بشدة على الحكومة المصرية لفتح تحقيق جاد في هذه الواقعة.

فالصمت على ما يحدث الآن سيُفسح المجال لمزيد من الإهمال والفساد، وربما نصل إلى اليوم الذي نرى فيه الأهرامات مُدمرة بالكامل، وكل ذلك تحت ذريعة “مشاريع التحديث والتطوير”.

لقد أثبتت هذه الحادثة أن هناك من يرى في التراث المصري مجرد فرصة لتحقيق أرباح سريعة من مشاريع غير مدروسة، وأن الحماية الفعلية لهذا التراث تتطلب تحركًا جادًا وشجاعًا من قبل المصريين أنفسهم. فالتاريخ لا يُبنى بتبريرات زائفة، ولا يُحفظ عبر مشاريع خبيثة تهدف إلى تشويه أعظم معالم الحضارة المصرية.

فإن ما يحدث اليوم في منطقة الأهرامات ليس مجرد إهمال أو خطأ عرضي، بل هو جريمة في حق تاريخ البشرية، جريمة يتحمل مسؤوليتها كل من شارك في تنفيذ أو التستر على هذه الأعمال الهمجية.

ويجب أن يكون هناك رد فعل قوي وسريع لوقف هذه المهزلة ومحاسبة المسؤولين، وإلا فإن التاريخ سيحكم على هذه الحكومة بأنها كانت سببًا في تدمير أحد أهم معالم التراث الإنساني.

هذا ليس مجرد تكسير حجر أو مد سلك كهربائي، هذا تدمير لرموز الحضارة، وكل لحظة تمر دون اتخاذ إجراءات حازمة تجعلنا جميعًا شركاء في هذه الجريمة.
اجمالي القراءات 235