في حملته الرئاسية لعام 2024، أثار الرئيس دونالد ترامب جدلاً واسعاً بتعهده بتنفيذ ما وصفه بـ"أكبر عملية ترحيل للأجانب غير الشرعيين" في تاريخ الولايات المتحدة. هذا الوعد الذي أطلقه لمؤيديه، أثار الكثير حول تداعياته الإنسانية والقانونية، إذ أفصح ترامب عن نيته استخدام قانون "الأعداء الأجانب"، الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، كأداة لفرض عمليات الترحيل الجماعي.
فخلال تجمع حاشد في رينو بولاية نيفادا يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن ترامب أن عملية الترحيل ستبدأ في أورورا بولاية كولورادو تحت اسم "عملية أورورا". وادعى أن المهاجرين "يحاولون قهرنا"، مما أثار ردود فعل متباينة حول استخدامه لهذا الخطاب في سياق انتخابي.
وفي تجمع انتخابي سابق في أورورا، أوضح ترامب عزمه على استغلال قانون "الأعداء الأجانب" لعام 1798 لتسريع عمليات الترحيل. مدعياً أنه يستهدف تفكيك "كل شبكة إجرامية للمهاجرين غير الشرعيين تعمل على الأراضي الأميركية" مما أثار انتقادات وقلق واسع، حيث وصفه البعض بأنه خطوة مثيرة للانقسام قد تؤدي إلى تعقيدات قانونية وإنسانية كبيرة.
فما هو قانون "الأعداء الأجانب"وما علاقته بترحيل المهاجرين؟ وكيف ينوي ترامب استخدامه ضدهم؟قانون الأعداء الأجانب
يعود قانون الأعداء الأجانب إلى عام 1798، عندما كان جون آدامز رئيساً للولايات المتحدة، ووافق الكونغرس على هذا الإجراء لأول مرة في فترة كانت الولايات المتحدة تتألف فيها من 16 ولاية فقط.
يشكل هذا القانون جزءاً من مجموعة قوانين تُعرف باسم "قوانين الأجانب والتحريض"، التي أقرتها الولايات آنذاك المتحدة خوفاً من اندلاع حرب وشيكة مع فرنسا. كان الحزب الفيدرالي، الذي دعم فكرة حكومة مركزية قوية، يرى أن انتقادات الديمقراطيين والجمهوريين للسياسات الفيدرالية غير مخلصة، وكان يخشى أن يتعاطف "الأجانب" أو غير المواطنين المقيمين في الولايات المتحدة مع فرنسا أثناء الحرب.
لوحة إعلان الاستقلال للرسام الأمريكي (جون ترمبل) – shutterstock
ونتيجة لهذا، أقر الكونغرس الذي كان يسيطر عليه الفيدراليون أربعة قوانين، تُعرف مجتمعة باسم قوانين الأجانب والتحريض. إذ رفعت هذه القوانين متطلبات الإقامة للحصول على الجنسية من 5 إلى 14 عاماً، منحت للرئيس سلطات بترحيل الأجانب، كما سمحت باعتقالهم وسجنهم وترحيلهم أثناء الحرب.
ورغم أن ثلاثة من هذه القوانين قد أُلغيت أو انتهت صلاحيتها، فإن قانون الأعداء الأجانب هو القانون الوحيد الذي لا يزال ساري المفعول.
هذا القانون يمنح الرئيس صلاحيات واسعة، إذ يسمح له باحتجاز وترحيل الأشخاص من "دولة أو حكومة معادية" دون الحاجة إلى جلسة استماع، وذلك في حال كانت الولايات المتحدة في حالة حرب مع تلك الدولة الأجنبية، أو إذا قامت الدولة الأجنبية بـ"غزو" أو هددت بالقيام بـ"غزو مفترس" ضد الولايات المتحدة.هل سبق واستخدم هذا القانون؟
لجأ رؤساء الولايات المتحدة إلى هذا القانون ثلاث مرات، ولكن في زمن الحرب فقط:
استخدم الرئيس السابق جيمس ماديسون هذا القانون خلال الحرب عام 1812 ضد البريطانيين الذين طُلب منهم الإبلاغ عن معلومات بما في ذلك أعمارهم، ومدة إقامتهم في الولايات المتحدة، وما إذا كانوا قد تقدموا بطلب للحصول على الجنسية.
في الحرب العالمية الأولى، لجأ الرئيس وودرو ويلسون إلى نفس القانون لاستهداف الأشخاص القادمين من ألمانيا وحلفائها، مثل النمسا والمجر. ووفقاً لتقرير CNN، كان تطبيق القانون في البداية يقتصر على الرعايا الأجانب الذكور. إلا أن الأمور تغيرت في عام 1918 عندما طلب وودرو ويلسون تعديل من الكونغرس منحه صلاحيات لتوسيع نطاق القانون ليشمل "النساء المولودات في ألمانيا" أثناء الحرب.
خلال الحرب العالمية الثانية، استغل الرئيس السابق فرانكلين روزفلت هذا القانون "لاحتجاز الأجانب الأعداء الذين يُعتقد أنهم يشكلون تهديدًا محتملاً"، وفقاً للأرشيف الوطني. وشمل ذلك في المقام الأول الألمان والإيطاليين واليابانيين. واستُخدم القانون لاحتجاز غير المواطنين من هذه الدول ووضعهم في معسكرات الاعتقال. أما بالنسبة للمواطنين الأمريكيين من أصل ياباني، فلم يُستخدم هذا القانون لاحتجازهم، بل تم اللجوء إلى أمر تنفيذي لتحقيق هذا الهدف.
هل يمكن استخدام قانون الأعداء الأجانب خارج إطار الحرب؟
أوضحت كاثرين يون إبرايت، خبيرة سلطات الحرب الدستورية في مركز برينان للعدالة، في تقرير لها صدر بتاريخ 9 أكتوبر الماضي، أن قانون الأعداء الأجانب، رغم إصداره في الأصل لمنع التجسس والتخريب الأجنبي خلال فترات الحرب، يمكن استخدامه – وقد تم بالفعل استخدامه – ضد مهاجرين لم يرتكبوا أي مخالفات، بمن فيهم من يقيمون بشكل قانوني في الولايات المتحدة.
هذا القانون، الذي يمنح السلطة التنفيذية صلاحيات استثنائية أثناء الصراعات الكبرى، لم يُقتصر استخدامه على أوقات الحرب فقط. فالتاريخ يشير إلى أن رؤساء الولايات المتحدة، مثل وودرو ويلسون وهاري إس ترومان، استخدموا هذا القانون في أعقاب الحروب العالمية حتى بعد توقف الأعمال العدائية.
فبرغم أن الحرب العالمية الأولى قد انتهت في عام 1918، استمرت إدارة وودرو ويلسون في استخدام القانون لاعتقال مهاجرين من جنسيات مثل الألمان والنمساويين المجريين حتى عام 1920.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، استمرت إدارة هاري إس ترومان في استغلال القانون لاعتقال وترحيل أجانب حتى عام 1951.
خطة ترامب للاستفادة من القانون
كثيرًا ما كان ترامب يعد بترحيل المهاجرين غير الشرعيين خلال حملاته الانتخابية، مستخدمًا تصريحات غير مدعومة وأكاذيب. على سبيل المثال، أثناء مناظراته مع المرشحة كامالا هاريس، ادعى زورًا أن المهاجرين "يأكلون الحيوانات الأليفة" في سبرينغفيلد بولاية أوهايو، وهي اتهامات تم نفيها على الفور من قبل المذيعين الذين ينظمون المناظرة.
فوز ترامب في الانتخابات
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب/رويترز
واستمر بعدها في في إطلاق وعوده بترحيل المهاجرين، و أشار ترامب إلى نيته استخدام قانون الأعداء الأجانب لعام 1798 لاستهداف عصابات المخدرات المكسيكية وعصابة ترين دي أراغوا الفنزويلية، مؤكدًا أن هذا الإجراء سيكون جزءًا من خطته لمكافحة ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية. كما وصف هو وحلفاؤه هذه المعدلات بأنها "غزو"، في محاولة لإضفاء طابع الأزمة الأمنية على الموضوع.
ومع ذلك، أوضح خبراء القانون والهجرة أن ترامب لا يستطيع قانونياً استخدام هذا القانون لتنفيذ عمليات ترحيل جماعية. إذ لا يمكن استدعاء قانون الأعداء الأجانب إلا إذا كانت حكومة أجنبية قد ارتكبت غزوًا أو هددت به. وبما أن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب حالياً مع أي حكومة أجنبية، فإن القانون لا يمكن أن يُطبق في السياق الذي يقترحه ترامب.
كما أشارت إبرايت في تقريرها إن استخدام هذا القانون "كسلطة ترحيل قوية يتعارض مع قرون من الممارسات التشريعية والرئاسية والقضائية، والتي تؤكد جميعها أن قانون الأعداء الأجانب هو سلطة حربية". وأضافت: "إن استخدام هذا القانون في زمن السلم لتجاوز قانون الهجرة التقليدي سيكون إساءة فادحة".