مصر والصومال من أكبر المتضررين.. استراتيجية إثيوبيا تجاه البحر الأحمر تفجر صراع الهيمنة في القرن ال

في الثلاثاء ٠١ - أكتوبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مصر والصومال من أكبر المتضررين.. استراتيجية إثيوبيا تجاه البحر الأحمر تفجر صراع الهيمنة في القرن الأفريقي.
نشر موقع أسباب للشؤون الجيواستراتيجية تقريراً مطولاً حول وثيقة أصدرها مؤخراً "معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي" (IFA)، الذي يساهم في رسم السياسات الخارجية لأديس أبابا، عام 2024، والتي حملت عنوان "الاستراتيجية الرئيسية للجسمين المائيين: حوض النيل والبحر الأحمر"، وهو المعهد الذي استقبل مؤخراً أميت باياز مديرة شؤون شرق أفريقيا بوزارة الخارجية الإسرائيلية وتيمار بار لافي القائم بأعمال السفير الإسرائيلي في إثيوبيا لتنسيق المصالح المشتركة بين البلدين.

وبحسب موقع أسباب، شددت الوثيقة على أن "مياه النيل والبحر الأحمر يلعبان دورا محوريا في استمرارية أمن وسيادة إثيوبيا"، وتقدم منظورا تاريخيا حول "التعاون بين الحبشة قديما وملوك أوروبا خلال حقبة الحروب الصليبية لتنفيذ مشاريع لحجز مياه النيل عن مصر والسيطرة على التجارة في البحر الأحمر".

وتوصي الوثيقة بالتنمية المشتركة لأحواض المياه الإثيوبية عبر ربطها معا بواسطة سدود جديدة، وتحويل مسارات بعض الأنهار، وتطوير القدرات العسكرية الإثيوبية، وضرورة الحصول على منفذ بحري يتيح الوصول للبحر الأحمر، والاستعداد للرد على أي تحركات مصرية لا تتسق مع المصالح الإثيوبية.

وفي التقرير التالي، يشرح موقع أسباب، عوامل تصاعد الأزمة في القرن الإفريقي ودور إثيوبيا فيها، ومن أكبر المتضررين من تحركاتها وخططها التي ستؤدي إلى الاصطدام بمصالح أطراف عديدة بالمنطقة وفي القرن الأفريقي.ماذا تريد إثيوبيا في البحر الأحمر؟
تصاعد التوتر في منطقة القرن الأفريقي منذ توقيع إثيوبيا لمذكرة تفاهم مطلع عام 2024 مع حكومة إقليم "أرض الصومال" الانفصالية، تحصل بموجبها أديس أبابا على حق بناء قاعدة بحرية عسكرية على امتداد 20 كيلومترا من السواحل الصومالية مع حق استخدام ميناء بربرة لاستيراد البضائع، مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال "أرض الصومال" عن دولة الصومال الاتحادية.
سرعان ما تحركت مقديشو لمواجهة المخطط الإثيوبي، فعقدت في شهر فبراير/شباط اتفاقية للتعاون الدفاعي مع أنقرة لمدة عشر سنوات تقضي بتولي البحرية التركية مهمة بناء وتأهيل القوات البحرية الصومالية، ومساعدة الصومال في تأمين سواحله ضد التهديدات والانتهاكات الخارجية.
ثم أقدمت مقديشيو على خطوة إضافية بتوقيع اتفاقية للتعاون العسكري مع القاهرة في أغسطس/آب، بالإضافة لتعهد مصر بالمساهمة للمرة الأولى بقوات عسكرية في بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال "أوصوم"، ومن المقرر أن تبدأ عملها يناير/ كانون الثاني 2025، فيما وصلت مساعدات عسكرية مصرية بالفعل إلى الأراضي الصومالية، وهو ما أثار غضب أديس أبابا التي تعهدت على لسان رئيس الوزراء آبي أحمد بعدم السماح بالمساس بسيادتها، وإذلال كل من يجرؤ على تهديدها.
يقول موقع أسباب للشؤون الجيواستراتيجية، إن أديس أبابا ترى بضرورة امتلاك منفذ بحري، تجاري وعسكري، لتعزيز دور إثيوبيا كقوة إقليمية مهيمنة؛ ليضعها مجددا كلاعب عسكري مؤثر في الملاحة في باب المندب الاستراتيجي، كما أن الميناء بصورة عامة يساهم في خفض تكاليف النقل، ويتيح تدشين بنية لوجستية وصناعية وتجارية تنهض بالاقتصاد. ولذلك؛ تعتقد نخب الحكم الإثيوبية أن البلاد تعرضت لظلم حين حُرمت من الاتصال البحري.
فإثيوبيا هي الدولة الأكبر من حيث عدد السكان في القرن الأفريقي بنحو 129 مليون نسمة، ولديها الجيش الأضخم والأكثر تجهيزا، وتمتلك موارد طبيعية وأرضا شاسعة صالحة للزراعة، ولديها علاقات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، ويوجد بها مقر الاتحاد الأفريقي. أي أنها تملك كافة عوامل التفوق الإقليمي في مواجهة جيرانها، لكنها تعاني من كونها دولة حبيسة منذ انفصال إريتريا عنها عام 1991، كما تواجه تمردات داخلية وصراعات عرقية، ومستويات عالية من الفقر، وتأمل في علاج تلك التحديات من خلال مشروع تنموي طموح يوحد الإثيوبيين خلف آبي أحمد.
تقع الحدود الإثيوبية على بعد 60 كم من ساحل البحر، وتعتمد أديس أبابا في حركة التجارة على الاستيراد والتصدير من أربعة موانئ، اثنين منها بعيدين عن وسط إثيوبيا مما يزيد من تكلفة النقل، وهما بورتسودان في السودان، والذي تأثر بتداعيات الحرب في السودان، وميناء مومباسا في كينيا. بينما يتسم ميناء بربرة في أرض الصومال بميزة من حيث الموقع لقربه من الأراضي الإثيوبية، لكنه يحتاج لتطوير بنيته التحتية وشبكة الطرق الواصلة بينه وبين إثيوبيا.
أما الميناء الرابع فهو ميناء جيبوتي، ويستقبل نحو 90% من التجارة الإثيوبية، ويكلف أديس أبابا رسوما تتراوح ما بين 1.5 إلى 2 مليار دولار سنويا، فضلا عن التهديد المتمثل في رهن التجارة الإثيوبية لصالح منفذ بحري في دولة واحدة، مما يجعل إثيوبيا تأخذ مصالح جيبوتي بعين الاعتبار في تحركاتها الخارجية فضلا عن حساسيتها لأي اضطرابات أو تقلبات سياسية قد تحدث مستقبلا في جيبوتي.
أمنيا، ترى أديس أبابا أن فقدانها لمنفذ بحري خاص بها، جعل جيشها يقتصر على قوات برية وجوية دون امتلاك قوات بحرية فاعلة، كما يحرمها من الملاحة في المحيطات والاستفادة من المشاعات البحرية، فضلا عن خضوع استيرادها لمعدات عسكرية وأمنية حساسة لموافقة جيبوتي مما يضعف السيادة، ويجعل إثيوبيا مقيدة ومنكفئة على نفسها.
تسعى إثيوبيا لتلافي تكرار تجربتها مع الموانئ الإريترية، فضمن الاتفاق على انفصال إريتريا، حصلت أديس أبابا على حق استخدام ميناء عصب دون دفع رسوم جمركية، ومن خلاله كانت تمر 75% من تجارة إثيوبيا الخارجية، ولكن مع اندلاع الحرب الإثيوبية الإريترية 1998-2000، توقف استخدام إثيوبيا لميناء عصب، ولجأت إثيوبيا لاستخدام ميناء جيبوتي بداية منذ عام 2002.
وهو ما أدخل البلدين في خلافات متكررة حول رسوم العبور والضرائب، فيما ساهمت الصين بحل المشاكل اللوجستية عبر توفير قروض لبناء خط السكة الحديدية الكهربائي بين إثيوبيا وجيبوتي بطول 750 كيلومتراً مما خفض وقت الرحلة بالطريق البري إلى أديس أبابا من ثلاثة أيام إلى حوالي 12 ساعة.
مع زيادة عدد السكان في إثيوبيا، وتولي قيادة جديدة طموحة للبلاد ممثلة في آبي أحمد، بدأت مساعي أديس أبابا لتنويع خياراتها، وتأمين منافذ بحرية جديدة يمكن استخدامها دون دفع رسوم، ولتجنب الاعتماد المفرط على نقطة وصول واحدة للتجارة والإمدادات الحيوية، وبناء قوات بحرية يمكنها النشاط في مضيق باب المندب وغرب المحيط الهندي مما يزيد من أوراق القوة في يد إثيوبيا لمواجهة دول مثل مصر، حيث سيتاح بذلك التأثير على حركة الملاحة في قناة السويس بجوار التحكم في معدل تدفق مياه النيل من خلال سد النهضة.
وجدت إثيوبيا بغيتها في ميناء بربرة، فهو قريب جغرافيا، ويقع شمال شرق إثيوبيا قرب مناطق يسكنها إثيوبيون من العرقية الصومالية وعرقية الأورومو، مما يتيح تعزيز وجود الدولة في تلك المناطق، ويوفر فرص عمل ومشاريع تنمية تتيح للحكومة المركزية إحكام قبضتها على تلك المناطق التي تشهد اضطرابات متكررة.

اجمالي القراءات 595