في الذكرى 57 لثورة يوليو
ثورة يوليو و أخطاء لا تغتفر

شادي طلعت في الخميس ٢٣ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

لن اتطرق في هذا المقال إلا لجزء من ألف جزء تستحق الكتابة و المناقشة عن ثورة يوليو ، و لكن في ظل الظروف التي تمر بها البلاد فإن حديثي سيقتصر على التطرق لأمر الشخصنة في مرحلة الثورة و التي لن أطيل فيها أيضآ لأنني أرى أنه كفانا صراعآ في أحداث الماضي و التي لن تؤتي بثمار أبدآ ، بل تؤتي بضياع الوقت فقط ، و كفى من الوقت ما ضاع .
و بداية أقول و أعترف أنها ثورة و ليست إنقلاب ، فمهوم الإنقلاب أنه يحدث عن طريق العسكر ، و يتم فيه الإستيلاء على السلطة و يأتي حاكم جديد ، أما الثورة فهي تغيير في جذور الدولة ، و هي تحدث إنقلابآ في كل شئ و يمتد أثرها إلى كل كبيرة و صغيرة و هذا هو ماحدث مع ثورة يوليو ، و اللذين يعترضون على تسميتها ثورة هم مخطؤن ذلك أنها لو كانت إنقلابآ لبقي كل شئ على ما هو عليه ، و ما كان تغيير إلا في النظام الحاكم فقط ، و من هنا فإنني أرى أنه لا جدوى من الإختلاف حول المسمى من إنقلاب أم ثورة ، فكلا المعنيين لن يغيرا شئ فيما آلت إليه أحوال الدولة بعد ذلك و يجعلنا نمسك بأمور فرعية بعيدة عن صلب الحدث و أثاره التي لازالت موجودة و التي تمس حياة الناس ليس في مصر فقط و إنما على مستوى رقعة كبيرة من الدول العربية و الشرق الأوسط ، و للحدث أخطاء لا تغتفر .
و أول أخطاء الحدث هو إختزال الثورة في شخص "جمال عبد الناصر" و الذي خرجت بعد وفاته حركة الناصريين ثم تطور الأمر لتأسيس أكثر من حزب ناصري سواء في مصر أو في الدول العربية ، و بالتالي تمت شخصنة الحدث في شخص عسكري بعيد عن الفكر أو السياسة ، فلم يكن "عبد الناصر" في يوم مفكر أو فيلسوف أو صاحب نظريات إقتصادية أو سياسية أو حتى عسكرية ، و لم يخلف لنا عبد الناصر سوى مجموعة خطبه و التي قام أنصاره بعد وفاته بتجميعها و نشرها و بيعها أيضآ ! و أنا هنا لا أريد أن أتطرق إلى الإنجازات أو الإنكسارات في عهده .
و أمر تجميع و توزيع تلك الخطب عمل مستحب و مطلوب للتاريخ ، و لكنه غير مستحب لإعتباره مرجعية لنظريات في الخيال و غير محسوبة فعندما يقول عبد الناصر "ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة" لا أستطيع أن أعتبرها نظرية أو قاعدة لأن تلك المقولة كا ذكرت خرجت من شخص لا هو بالفيلسوف و لا بالمفكر و لا صاحب نظريات و من ثم هو لم يضع إلينا نظرية أو إستراتيجية يتم إتباعها لإسترداد ما أخذ بالقوة !
و من هنا فإنه لا يجب علينا أن نسلم بشئ بدون منهج علمي واضح مقسم على مراحل و لا يتم الدخول في مرحلة إلا بعد الإنتهاء من المرحلة التي سبقتها ، و إن لم نفعل ذلك فإننا حتمآ سنكون كمن يسير وراء ساحر يوهم من حوله بقدرته على رزقهم في حين أنه لا يقدر على رزق نفسه ! و في نهاية المطاف نجد أن المسألة كلها دجل في دجل !
إن القوى العظمى في عهد عبد الناصر و حتى الآن ، لا تتخذ قرارآ قبل أن تبحث كافة الظروف المحيطة به و بعد أن تنشر باحثيها لدراسة الأمر دراسة متأنية و تضع كل الإحتمالات لكافة النتائج ثم تعلن موقفها و تقول كلمتها .
أيضآ من أخطاء الثورة و الذي يجب أن يحاسب عليه "جمال عبد الناصر" قبل أي شخص آخر ، هو أن الناس قامت بتأليهه ، و إعتبرته خليفة الله و أن امره لا يرد حتى لو تطلب الأمر أن يضحوا بأنفسهم و بأموالهم أو بأبنائهم ، و كان عبد الناصر يعلم ذلك جيدآ ، بل و ساعد على ترسيخ هذا المعتقد بين الشعوب التي آمنت به و لم تؤمن بالثورة .
فحينما يقول "عبد الناصر في خطبه "لو مات جمال عبد الناصر" فسيخرج ملايين كلهم جمال عبد الناصر ! كلمة غريبة و عجيبة على شخص يبحث عن المصلحة العامة ! فلماذا لم يقول لو مات جمال عبد الناصر" سيخرج ملايين من الوطنيين أو المجاهدين أو المخلصين أو المدافعين عن الوطن أو .. إلخ
إنه كان يذكر إسمه ترسيخآ لأن يظل إسمه محفور في قلوب كل من يسمعوه ، و أملآ في أن تنتقل القصص التي تحكي عنه و عن بطولاته إلى أجيال أخرى قادمة ، و تلك هي نظرية الزعامة و البحث عن مكان في التاريخ لقد كان بوسع عبد الناصر أن يقضي على مقولة أن المحتلين لا يريدون إلا الخلاص منه بإستبدالها بمقولة أن المحتلين لا يريدون للشعوب أن تحرر و تتخلص من الإحتلال ! و لكنه كان يعمق كل ما يضيف إليه و إلى إسمه الذي أحبه أكثر من حبه لأي شئ .
إن الناصرية نتيجة لخطأ ، و على الناصريين أن يعيدوا تفكيرهم مرة أخرى ، فالرجل ليس نبي يتبع كما أنه لم يترك إلينا نظريات منهجية علمية نسير عليها ، فكيف لمجموعة أن تعلن الإنتماء إلى شئ ليس له وجود فهو لم يترك لنا إلا مجموعة خطب كان أغلبها أيضآ إرتجالي يخاطب عواطف الناس و مشاعرهم و لا يخاطب فيها العقول .
تحديات اليوم و آثار الماضي :
أنا لم أتطرق في حديثي هذا إلى آثار أو منهجية الثورة و تحليل نتائجها ما إذا كانت بالسلب أو بالإيجاب ، فهذا ليس موضوع المقال و إنما فقط أريد أن أوضح نقطة فاصلة يجب أن نقف عندها و هي تخص طريقة التفكير و هي إما بالعقل أو بالقلب ، و بكل أسف نحن الآن نحيا في قرن يفكر فيه من هم حولنا بعقولهم و لا زلنا نحن نفكر بالقلب و بالعواطف ، و هذا هو التحدي الحقيقي للشعوب العربية المقهورة على أمرها و المسلوبة الإرادة لقد آن الأوان أن نخرج مما نحن فيه من سبات عميق آن الأوان إلى تحكيم العقول و الفصل في المسائل بإستخدام المنطق ، آن الآوان إلى أن نشعر بالغيرة على أوطاننا و على تخلفها في عالم متقدم في كل شئ .
إن لم يضف إلينا الماضي فعلينا نسيانه أو إستبعاده أو تجنيبه قليلآ حتى يتسع العقل للعمل و التحديات التي تزداد يومأ بعد يوم .
و أخيرآ أقول لقد رحلت الثورة و إن كانت آثارها باقية ، و رحل عبد الناصر و هو عند ربه الآن ليحاسبه و هو وحده القادر على أن يغفر له إن أخطأ أو أن يدخله جناته إذا شاء ، أما نحن لا زلنا أحياء نعاني من مرارة الأيام و الذل ، فلنعمل إذآ من أجل الحياة قليلآ دون الدخول في صراعات حول ثورة يوليو و جمال عبد الناصر .


و على الله قصد السبيل

 

اجمالي القراءات 18658