بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين على أمور دنيانا والدين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, والصلاة والسلام على والدينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين... وبعد
وتعالوا معا للتحدث والتعريف فيما يخص نظرية المؤامرة والتي تتردد على مسامعنا ومنذ نعومة أظفارنا... بأن اليهود والنصارى والإمبريالية العالمية يتآمرون علينا وأنهم يضمرون لنا المكائد والأحقاد والكراهيات... نزولا عند قول الله جل جلاله:
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم... {120} البقرة
ويتلونها ناقصة!!!
فأصل الآية هو:
وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ {120} البقرة
والأصل في الآية هنا واضح.. وقد أعطى الله سبحانه وتعالى الرد على تلكم الطائفة من اليهود والنصارى في نفس الآية.. بإن أمر رسوله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) بالقول لهم بأن هدى الله هو الهدى (بأن ملتهم هي كملتنا وإلهنا وإلههم واحد وكلها تقود إلى دين الله).. وأوضح الله سبحانه وتعالى في نفس الآية بعدم اتباع أهواءهم بعد الذي جاءه من العلم.. لإرادة الله جل جلاله بأن يكون لكل منا شريعته ومنهاجه (وهي كلها رسالات سماوية) أراد الله جل جلاله إتباعها لنستبق الخيرات إليه .
لقوله تعالى:
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {48} المائدة
والواضح هنا ان الأمزجة والأهواء والرضى أو عدم الرضاء هنا هي سلوكات فردية.. لا ترتقي إلى حد العدوان والتآمر من خلال فئة أو طائفة... على الرغم من ان الخير والشر هما موجودان في كل البشر.. ناهيك عن شياطين الجن والإنس والمتربصة بنا جميعا.. وإن وجد أي كراهية أو عدم رضى فإن الله به عليم.
ومن يتدبر القرآن الكريم سيجد أن الخلاف هنا مع اليهود والنصارى هو خلاف عقائدي وعلمي في آن واحد..
لقوله تعالى:
بعد الذى جاءك من العلم ( 120 ) البقرة
للوصول إلى إله واحد...
وبالعودة إلى أمر الله والواضح تماما إلى رسوله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في قوله تعالى:
وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ {130} إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {131} وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ {132} البقرة
وقوله تعالى:
وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {135}
قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {136} البقرة
قوله تعالى:
قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {95} آل عمران
قوله تعالى:
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً {125} وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً {126} النساء
قوله تعالى:
قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {161} الأنعام
قوله تعالى:
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {123} النحل
وبحكم ان الخلاف هنا عقائدي.. ما كان يجب من (الملوك وأصحاب الجلالة والسلاطين والأمراء العرب والحكام غير الشرعيين !!! وكذا من شيوخنا أصحاب الشريعة الأفاضل المدَعين!!!) بأن ينموا فينا روح العدوان والكره والتفرقة تجاه أهل الكتاب من أمم اليهود والنصارى من أُمم رسلنا وأنبيائنا إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام).. وربطها بنظريات المؤامرة!!! لأن ملتهم هي ملة أبيهم إبراهيم كما هي ملتنا تماما!!!
أما ما جاء في القرآن الكريم في سورة الكافرون:
قوله تعالى:
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ {4} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ {5} لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6} الكافرون
ويوعز بعض الجاهلين والمدَعين من أن هذه السورة نزلت على اليهود والنصارى!!! وهذه كلها تدخل في إطار الأكاذيب والإفتراءات!!! والعدوان على الله جل جلاله وكتابه الكريم (القرآن الكريم)!!!
فأصل هذه السورة موجَه أساسا لعبدة الأصنام من الأعراب... حينما كانت الأصنام تُعبد من حول الكعبة الشريفة في مكة المكرمة... أثناء نزول القرآن الكريم... وهم من قوم وسادة قريش من الأعراب... ويؤكد الله جل جلاله في سورة أخرى تحديدا (في سورة قريش):
قوله تعالى:
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ {1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4} قريش
وكل تلك المفاهيم المغلوطة والعدوانية والتشويش والأكاذيب والإفتراءات التي تعلمناها منذ نعومة أظفارنا... وتربينا عليها وكرسها فينا الملوك العرب والسلاطين والمشايخ والأمراء الغير شرعيين !!!... ومعهم بعض من أئمة الكُفر والنفاق... وتم تصديرها إلى الأميين (ما يسمى بالدول الإسلامية) أثرت تأثيرا سلبيا علينا نحن الأعراب والمسلمين من أمة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم).. وأصبحت حياتنا وحياة أولادنا أساسها قائم ومبني على حالة من العدوان والاستنفار الدائم وغير المبرر... وإستعداد دائم للحرب والدمار... ضد عدو مجهول... مع أننا لا نملك مقومات الإستمرارية والقوة... ولخروجنا عن منهج الله جل جلاله!!!
لقد تسبب هؤلاء الحكام مدَعمين ببطانة فاسدة ممن يدَعون الفقه والتشريع الإسلامي... بأن أتبع هؤلاء الملوك والحكام العظماء الفاسدين أهواء الذين كفروا من اليهود والنصارى وأتبعوا ملتهم... وتجد أموالهم ومدخراتهم المهولة، وكلها أموال حرام سلبت من عرق وجبين الأمة المستضعفة في الدول العربية والإسلامية... موجودة في كل من أوروبا وأمريكا ومهربة هناك... وقد مردوا على النفاق وأكل أموال الناس بالباطل... ونمَوا في عُقولنا الفرقة والكراهية والعدوان (بنظرية فَرق تسُد) !!!.
هؤلاء الحكام الفاسدون، أفقدونا مصداقياتنا وفهمنا وقدراتنا وادراكنا واستيعابنا وتمعننا وتدبرنا لديننا الحنيف... القائم على الوسطية والعدل والإحسان والمساواة والتعايش السلمي وإستباق الخيرات إلى الله جل جلاله (كل على دينه، ولا إكراه بالدين كما أمرنا الله) مع أهل الكتاب أولا... والوسطية والعدل والإقساط والمساواة والتعايش السلمي مع باقي الاُمم ثانيا.. والرحمة والتآلف والتسامح والعفو والمغفرة... والتي تقوم عليها جميع الأديان السماوية (الملل والشرائع السماوية)!!!
لقوله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {208} البقرة
وقوله تعالى مخاطبا رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم):
ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين {99} يونس
وأنظروا إلى الآية العظيمة الواضحة والتي يعاتب الله جل جلاله فيها رسوله ونبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) المبعوث رحمة الى كل أمم الجن والإنس، ومؤكدا له بإن:
لا يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين.. وكل القرآن الكريم يقوم على ذلك.
وقوله تعالى (كمنهج حياة تقوم عليه كل الأديان):
لا إكراه فى الدَين قد تبين الرشد من الغى {256} البقرة
وقوله تعالى:
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {48} المائدة
وقوله تعالى:
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً {29} الكهف
لقد أصبحت نظرية المؤامرة هي أسلوب حياة معقَدَة، تقوم على الإكراه والعدوان.. فرضها علينا هؤلاء الحكام الفاسدون والمتآمرون الذين رفضوا الشورى في الإسلام (حُكم بالوراثة والأُسر الحاكمة).. ولم ينكرها المدَعون من أهل العلم الفقهي الشرعي... ممن يدعون الفقه والمرجعية والتشريع الإسلامي!!!