آحمد صبحي منصور
في
الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً
نقلا عن كتاب( الافصاح والابانة فيمن قال آه يانه!! )
للمؤرخ المصرى الامام الفقيه ابن حنش الأزهرىالحنبلى المنوفى من أعلام القرن العشرين الهجرى، عليه سحائب الرحمة والرضوان .
فى الجزء الثالث من كتابه المذكور كتب المؤرخ ابن حنش أحداث شهر شعبان سنة 1426 هجرية – الموافق سبتمبر 2005..
نقتطف منها الصفحة التالية:
" استهل هذا الشهر مع تعاظم الحملات الانتخابية للمرشحين الرئاسية ، وتميز من بينهم الشاب أيمن نور المتحدى الأول لرئيس الجمهورية حسنى مبارك . وقد اجرى مبارك الانتخابات بمنطق العصا والخازوق ، ففى يده اليمنى عصا قانون الطوارىء يهدد به الجميع حيث لا يأمن الناخب من زوار الفجر اذا عبّر عن رأيه بصراحة، وفى يده اليسرى خازوق اللجنة العليا للانتخابات والتى عينها الرئيس بنفسه لادارة الانتخابات ولم تخف انحيازها له منذ الوهلة الأولى .
وفى يوم الجمعة الخامس من شهر شعبان سنة 1426 الموافق التاسع من شهر سبتمبر الافرنكى سنة 2005 – أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات فوز الرئيس حسنى مباركه بأغلبية ساحقة للمرة الخامسة.
واختلفت ردود الأفعال على فوزه : قال الصالحون :" الحمد لله تعالى الذى لا يحمد على مكروه سواه. انها فتنة تدوم مع حاكم غشوم " وقال الفاسدون : "لا بد لنا من تأكيد أقدامنا فى لجنة السياسات لنصعد الى عالم البليونيرات " وقال الجائعون : على رأى المثل :قالوا حيسخطوك يا قرد ، قال وايه يعنى؟ حيعملونى غزال؟!! طول عمرنا جعانين اولاد جعانين .! المهم ربنا يبعد عننا شر البوليس والمخبرين .!!" وأصيب بعض المفكرين الحالمين الاصلاحيين باكتئاب وادمنوا شرب الكركديه –لعلاج ارتفاع ضغط الدم ، وبعضهم أدمن شراب الينسون عسى ان ينسى، وبعضهم علّق لافتة فى مكتبه تقول مقالة عمرو بن العاص :" مصر مطيّة راكب " وبعضهم زاد غضبه فعلّق لافتة لكلمة أخرى لعمرو بن العاص تقول : مصر كبيت الزانية يؤتى من كل مكان".
وبعد الفوز عقدت لجنة السياسات اجتماعا خاصا للاجابة على السؤال الحاسم : وماذا بعد ؟
لقد وعد الرئيس بالقيام بالاصلاح وتوفير الآف فرص العمل، ومع انه كان يكرر عبارة "سوف " منذ أربع وعشرين سنة مضت دون ان يحقق شيئا مما وعد بأنه "سوف " يعمله. الا انه لا بد أن يفعل شيئا فى ولايته الخامسة والأخيرة ، ليس لمصلحة الشعب فالشعب عنده عدوّ ، لا يستحق الخير، ثم انه شعب طيب سرعان ما ينسى ويسامح ويغفر. لا بد أن يفعل شيئا لكى يقيم لابنه جمال مبارك قاعدة يرث بها السلطة فى حياة أبيه وتحت رعايته. ولذلك تم تخصيص هذا الاجتماع السرى التاريخى لمناقشة الخطوة التالية بعد الفوز الساحق فى أول انتخابات رئاسية فى مصر المحروسة - بالشياطين والحرامية طول عمرها.
استمر الاجتماع المغلق خمس ساعات وتوصل الى خطة محكمة ناقش تفاصيلها الابن مع أبيه وأمه وأخيه. وانتهت المناقشة بالموافقة .
فى نفس الجزء من تاريخ ابن حنش المنوفى ننقل هذه الصفحة من أحداث شهر رمضان المعظم سنة 1426- الموافق اكتوبر 2005 .
انتشرت اشاعة فى عموم مصر المحروسة من أقصاها الى أدناها ومدنها وقراها مفادها أن الرئيس مبارك رأى حلما مرعبا استيقظ منه مرعوبا مصابا بهلوسة وهرش مخ ، فبعثوا له بشيخ الأزهر ليستشيره ويرقيه ، فنصحه شيخ الأزهربالتوبة واعادة الأموال المهربة للخارج.
واختلفت الروايات فى الحلم الذى رآه الرئيس مبارك فى منامه.
تفصيلات ذلك المنام كثيرة ومتنوعة ولكن أشهرها وأكثرها ذيوعا انه رأى انه مات ودخل القبر فوجد منكرا ونكيرا فى شوق للقائه ، وقد أمسك منكر بخازوق حديدى مشتعل لا يدرك الناظر اليه مدى طرفيه، ومكتوب عليه " اللجنة العليا للاننة العليا للانتخابات الرئاسية" وأمسك نكير بخازوق أفظع منه يتلمظ لهبا ومكتوب عليه " قانون الطوارىء". وفى ناحية أخرى فى القبر مظلمة كئيبة ربض الثعبان الأقرع يتلوى ويرسل كل حين من فمه المخيف لسانا ملتهبا مشعا يتطاير الشرر منه وينير ظلمة المكان بأنواره الحارقة. وتمضى الرواية فتقول : انه قبل السلام والكلام والسؤال والاستفهام والتحقيق والتدقيق بادر منكر ونكير الى الأخذ بتلاليب حسنى مبارك فأجلساه فوق قفا الثعبان الأقرع فاشتعلت النيران فى جسده ، ورأى نفسه يتهاوى مع طيات جسد الثعبان الأقرع الى أسفل سافلين تسبقه صرخاته ، حتى اذا وصل الى ذيل الثعبان قذف به الذيل الى أعلى فتلقفه لسان الثعبان الأقرع الذى يفح نارا ، وتكرر ذلك مرارا وتكرارا فأصبح جسد مبارك كرة طائرة تدور وتطوف مشتعلة بالنار التى تتقد بداخله وخارجه على السواء، وهو يصرخ مستجيرا بمنكر ونكير، وأخيرا هرعا اليه بالخازوقين ؛ "اللجنة العليا للانتخابات " و"قانون الطوارىء" ضربه منكر بخازوق اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ، فرأى مبارك جسده وقد تحوّل 23% منه الى شرر متصاعد تعادل نسبة الحاضرين فى الانتخابات، بينما ظل نكير يضرب الجزء الباقى من جسده بخازوق قانون الطوارىء بمعدل ضربة لكل يوم عاشه المصريون تحت نير هذا القانون.
وتقول الرواية ان الرئيس مبارك استيقظ من هذا الكابوس وهو يصرخ وأيقظ صراخه أهل بيته والحرس ، فهرعوا اليه فوجدوا جسده وقد تحول الى اللون الأحمرالقانى ، وصرخ الرئيس فى هلوسته يأمر الحرس بالقبض على منكر ونكير وتعذيبهما بمعرفة وزير الداخلية نفسه، انطلق الحرس في كل أرجاء الدار يفتشون وينقبون فلم يجدوا شيئا . ووصل الخبر الى رئيس مباحث أمن الدولة فسرعان ما حضر ومعه ثلاثة من شباب الجماعات الاسلامية أجسادهم منتفخة من التعذيب ولكنهم يقسمون بالأيمان المغلظة انهم منكر ونكير والثعبان الأقرع الذين تسللوا للرئيس فى منامه وسببوا له الأرق. شخط فيهم الرئيس وكان قد استعان توازنه وأمرهم باطلاق سراح المساجين الثلاثة فورا. وقام يصلى ركعتين ثم طلب شيخ الأزهر ليقابله فى خلوة.
تقول الرواية انهم دقوا الباب عنوة على بيت شيخ الأزهر فاستشاط غضبا. وهو معروف بالهياج الشديد اذا غضب حيث لا يستطيع التحكم فى لسانه فينطلق فى الفاحش من القول والبذىء من الشتم ، لا يعرف صغيرا ولا يوقّر كبيرا. انطلق شيخ الأزهر – على عادته يسب القادمين اليه ويسب من أرسلهم اليه بلا احتراز أو تمييز، فلما هدأ وزال عنه الحال استعاد وجهه السمح المريح ورسم ابتسامته العذبة ، وأحكم رباط العمامة متأهبا للقاء الرئيس.
تسكت الرواية عن سرد ما حدث فى ذلك اللقاء السرى حيث لم يكن الراوى حاضرا.
بعض المراقبين شكّك فى هذه الرواية بجملتها وتفاصيلها وأكّد ان الرئيس مبارك قابل شيخ الأزهر معلنا لمن حوله أنه يريد الاعتكاف فى رمضان ، ويريد جرعة روحية من جلوسه مع الشيخ طنطاوى ، ونفى نفيا باتا ما تردد فى تفصيلات أخرى فى ثنايا تلك الرواية والتى تزعم ان منكرا ونكيرا قالا لحسنى مبارك وهما يعذبانه وقد أجلساه فوق الخازوقين معا:" انك الوحيد الذى أجلس شعبه على خازوقين؛ خازوق الطوارىء وخازوق اللجنة العليا للانتخابات المهلبية ، فاستمتع بطعم الخازوقين معا ."
وفى مناسبة الاحتفال بغزوة بدر الكبرى فى هذا الشهر صدر بيان مفاجىء يعلن فيه الرئيس مبارك مهلة شهرين لارجاع كل الأموال المهربة للخارج لكى تعود الى مصر دون عقاب لأصحابها، وبعد الشهرين سيطبق القانون بيد من حديد على من يمتنع عن اعادة المال المنهوب لمصر . وأعلن بداية عهد جديد من الشفافية والنزاهة شعارها :"الكفن بلا جيوب ولنعترف بما فينا من عيوب" ، وأعلن انه نفسه واسرته وكبار معاونيه سيبادرون باعادة اموالهم الى الخزينة المصرية تحت بند جديد هو – كفّارة – الذى سيستخدم فى تمويل عمليات الاصلاح السياسى ، ، ويحث المصريين على التقدم طواعية للاخبار عن اى معلومات عمن قام بتهريب اموال للخارج والمتهربين من الضرائب ، وانه ستتكون هيئة خاصة لهذا المشروع هى هيئة "كفّارة للشفافية المصرية"، وذلك للرد على حركة كفاية المصرية.
وبعدها نشرت الصحف المصرية ان الرئيس مبارك حوّل لهيئة كفارة خمسين بليون دولار من مدخراته فى الخارج هو واسرته، وفى اليوم التالى تم تحويل ارصدة بقية كبار الدولة والوزراء ونوابهم وكبار المستثمرين ذوى العلاقة بالوزراء .
أقام الحزب الوطنى مواكب للاحتفال ، ألقيت فيه الخطب وغنى فيه الفنانون أغنية تترجم شعار" الكفن بلا جيوب ولنعترف بما فينا من عيوب"وتقرر اعتبار يوم السابع عشر من رمضان عيد الشفافية و أن تقام فيه احتفالات الشفافية بدلا عن الاحتفال بغزوة بدر تعبيرا عن أنها جهاد أصغر أما مجاهدة النفس عن السرقة وتهريب أموال الشعب فهو الجهاد الأكبر والأولى بالاحتفال والابتهاج. وتغنى كتبة الحزب الوطنى فى الصحف والتليفزيون بالرخاء الذى سينعم به الفقراء قريبا جدا.
اقترب يوم عيد الفطر، ولم تنفتح كنوز هيئة كفارة لاطعام الجائعين ومواساة المحرومين.
اشتعلت المظاهرات الجائعة ثائرة تطلب الخبزوالدعم والزواج وشقق السكن من بند يخصص من ميزانية كفارة ، وكان فى مقدمة المتظاهرين الجوعى جنود الأمن المركزى وعساكر البوليس مع الموظفين والعاطلين والمثقفين الذين أفزعهم ارقام البلايين المسروقة منهم. واعتصم المتظاهرون فى كل المساجد والمعاهد الأزهرية فاضطر الرئيس مبارك لتعيين شيخ الأزهررئيسا للوزراء.
في أول بيان له أعلن شيخ الأزهر انه بصفته رئيس مجلس الوزراء سيقوم بنفسه ومعه كبار العلماء والشيوخ بتوزيع منحة عاجلة، وسيكلف الوعاظ فى كل حى وقرية بكتابة اسماء المحتاجين . اثناء توزيع المنحة على المحتاجين فى الجامع الأزهر تكاثر المتدافعون على المنصة التى يجلس عليها شيخ الأزهرفانهارت بمن عليها ،ووقع شيخ الأزهروانكشفت عورته امام الحاضرين والصحفيين ووكالات الأنباء فاعترته حالة الهيجان اياها وفقد أعصابه وأخذ يسب الجميع من حسنى مبارك الى سائر الأمم والشعوب الشقيقة والصديقة. ثم اختفى، قيل انهم اعتقلوه وأقاموا عليه حد القذف ضربا بالنعال فمات ، ولكن تأكد ان هذه راوية ضعيفة فقد تبين أنه قدم استقالته وهاجر الى باركينا فاسو ومعه ما خف حمله وزاد وزنه.
انتشر الهرج والمرج فى البلاد فاقتنع مبارك برأى ابنه جمال بالضرب من يد من حديد ، وتم
صرف علاوات ضخمة للبوليس فى مقابل اقرار الأمن، فانتشر الأمن المركزى فى الشوارع والقرى وبيد كل منهم رغيف حواوشى ساخن وبيده الأخرى عصا كهربائية أو رشّاش يضرب به كيفما اتفق كل من يسير فى الشوارع فهدأ الحال فى كل أنحاء المحروسة بعد مقتل عشرات الألوف ، ودخل الزعماءالمعارضون الى السجون التى امتلأت عن آخرها فاختفى ملايين المحتجين فى الجحور والشقوق كأن لم يكن لهم وجود.
بعدها أعلن مبارك انه كلّف قيام اللجنة العليا للانتخابات بالتحقيق فى الادعاءات التى تزعم وقوع تجاوزات من الأمن المركزى ، وأكد بقوة انه عند وعده بتوفير مأوى وثلاثة وجبات لكل مواطن تحت اشراف الحكومة نفسها فى مكان آمن . وفهم المصريون أن المكان الآمن هو السجن. وأقيمت معسكرات على هيئة سجون لاطعام ملايين الجوعى تحت شعار وصول الدعم لمستحقيه، مع اقرار حق كل مسجون فى الخروج الى بيته اذا أراد لكنه حينها يفقد حقه فى الدعم . لم يذهب أحد الى معسكرات الدعم ولكن بذلك انتهت مشكلة الفقراء.
بقيت مشكلة الأثرياء الذين تم تحويل اموالهم من الخارج الى حساب " كفّارة" فى جيب حسنى مبارك . سأل الصحفيون حسنى مبارك عن الأموال التى وضعها فى حساب كفارة فقال (انها فى الحفظ والصون ) وسيتولى صرفها بشرط ان تصل الى مستحقيها وهم فى مكان آمن..
صحفى خفيف الظل – مع انه من لجنة السياسات من الحزب الوطنى – ضحك وقال" لأول مرة فى ربع قرن يعطى الرئيس مبارك وعدا وينفذه من غير أن يقول " سوف".!!
وهتف كل من أخذ بمبة من المليونيرات :" تحيا لجنة السياسات."
انتهى ما نقلناه من كتاب: " الافصاح والابانه فيمن قال آه يانه !! "
للمؤرخ المصرى الامام الفقيه ابن حنش الأزهرىالحنبلى المنوفى من اعلام القرن العشرين الهجرى - عليه سحائب الرحمة والرضوان –