الكيل بمكيالين.. وبثلاثة أحياناً!

ابراهيم عيسى في الجمعة ١٠ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

كل ردود الأفعال التي أحاطت بمقتل بنت الإسكندرية مروة الشربيني في محكمة ألمانية علي يد متعصب ألماني من أصل روسي كانت خيرًا. نعم وسط محنة فقد عائلة مصرية ابنة عزيزة وغالية فإن هذه المظاهر (والمظاهرة ) التي لاحقت الإعلان عن مقتلها كانت تحمل جوانب إيجابية كثيرة، ورغم بعض العاطفة التي جنحت للمبالغة وبعض المبالغات التي تورطت في التطرف والتعصب المضاد، فإنها..

1- أعادتنا أخيراً إلي الإحساس بأن المصري مش رخيص وأن دمه لا يجب أن يروح هدراً.

2- أظهرت نوعا غائباً منuml; التضامن والتكاتف بين المصريين في مصيبة مواطن مصري من بينهم، ومن ثم ضمرت ــ ولو مؤقتاً ــ روح الأنانية وتباعدت ــ ولو جزئياً ــ سلوكيات السلبية.

3- شاهدنا مسئولين حكوميين يتمتعون ببعض الدم في عروق المسئولية وقد وقفوا جنب العائلة المصرية وتحركوا حتي شاركوا في جنازة الفقيدة ولم يتعاملوا بالطريقة الحكومية المقيتة التي ترخص من روح المواطن المصري وتهين من قيمته في الدول الأجنبية والعربية.

لكن علي الناحية الأخري فإن هذه الحادثة تقدم لنا العقلية المصرية التي تعيش حالة ازدواج فكري ونفسي بل تقوقع حول الذات والكيل بمكيالين وبثلاثة أحياناً. ففي الوقت الذي نهتز فيه (عن حق ) من حادث فردي أجرم فيه متعصب ومتطرف أجنبي فإننا نتجاهل بمنتهي البساطة حالة الحرية الدينية في الملبس والزي وممارسة الشعائر وبناء المساجد وإقامة المظاهر الإسلامية في أوروبا التي شهدت دولها قاطبة نواباً مسلمين في برلماناتها ومجالسها التشريعية، ولم يتم التزوير لمنع أي مسلم من الصعود لهذه المكانة، ثم هناك مسلمون وزراء في حكومات أوروبا بل في أكثر مواقعها حساسية ومسئولية، ومع ذلك فإننا مع أي عمل متطرف جبان يتم اتخاذه من فريق مهووس أو فرد متعصب نحوِّل القضية كلها إلي اتهام عام وشامل وقاطع للغرب وكأن العالم الغربي كله يحارب الإسلام والمسلمين وليس هو الغرب الذي يأوي معظم قيادات التيارات الإسلامية التي يحكم عليها رؤساء دولهم العربية بالإعدام أو السجن، وليس هو الغرب الذي تشهد مساجده كل جمعة آلاف المصلين دون أن يمس أحدهم قرح ولا جرح، وليس هو الغرب الذي يقدم منحاً للدول الإسلامية التي تعاني من المجاعات مثلا، أو يدعم اللاجئين في المناطق العربية بالغذاء والدواء ويعمل أفراده في منظمات الإغاثة الإنسانية. هذا في الوقت الذي نعتدي فيه نحن المصريين المسلمين الغاضبين علي كنائس يتم بناؤها في قري الصعيد، أو نحرق بيوت بهائيين مخالفين لنا في العقيدة ولا يرمش لنا رمش ولا يرتعش لنا جفن وكأنه لم يحدث شيء ولا ارتكبت جريمة متعصبة ومتطرفة، بينما نكاد نهد الدنيا غضباً لأن مجنوناً متعصباً قتل ابنتنا في ألمانيا، فإننا نكاد لا نعير الأمر اهتماما ولا أهمية لو مات مسيحي قبطي في معركة طائفية في الصعيد وكأنه يستاهل !

ثم نحن أنفسنا الذين نري أن قتل شابة مصرية محجبة في ألمانيا جريمة من المجتمع الألماني وليس جريمة من شخص ألماني، فإننا علي العكس ننفعل جداً لو بالغ الغرب وقال إن المصريين يقتلون السياح أو إن المواطن الأجنبي غير آمن في شوارع القاهرة بعدما طعن مواطن مصري سائحاً أمريكياً في ميدان الحسين، نقول فوراً عن حوادثنا إنها حادثة فردية (وهذا حقيقي ) ونغضب من الغرب المتآمر ونلعن سنسفيله حين يبالغ فيها وينفخ في حقيقتها ويعطي إحساساً بأن مصر شعب من المتطرفين والمتعصبين، لكن إذا بنا نفعل الأمر نفسه أمام حادث فردي في ألمانيا ونطالب بأن تتحرك ألمانيا وأن تعتذر ألمانيا (وهي أعلنت أسفها فعلا ممثلة في مستشارتها وسفيرها ) بينما نحن لا نعتذر للأجانب الذين يقتلهم مجانيننا أيضاً، وبينما يشعر المصريون بجنون الاضطهاد وأن العالم كله يستهدفهم ويستقصدهم وندين ما تفعله قوات الحدود في الدول الأوروبية مع شبابنا المصري الذي يهرب في قوارب وزوارق البحر في هجرة غير شرعية فيموت أو يغرق أو يسجن فإننا نصمت تماما، بل لا نكاد نشعر ولا نحس ولا نتأثر قطعاً بعشرات الشباب الأفريقي الذين تقتلهم الشرطة المصرية تقريباً كل يوم علي حدودنا الشمالية حين يحاول هؤلاء الهجرة غير الشرعية إلي إسرائيل. نقتل ونسفك دماء هؤلاء دون تردد بينما لا نعيرهم اهتماما ولا لأهاليهم ولا لفقرهم ولا لقسوة مصر عليهم كلاجئين أفارقة فيها. ولعلك تذكر هذه النطاعة الشديدة التي مارسها بعضنا تجاه اللاجئين السودانيين الذين ناموا في شارع جامعة الدول العربية لأيام وتعاملنا معهم بمنتهي التعصب والعنصرية والقسوة والإيذاء النفسي والبدني، بينما كان المصريون يخرجون في البرامج الفضائية المولولة يمتدحون أفعال الأمن مع اللاجئين السودانيين وكأننا كنا فخورين بانعدام إنسانيتنا !

الوقوف ضد التعصب والتطرف والعنصرية لا يتجزأ ويجب أن ندينه عندنا وفينا كما عند غيرنا.. وشكر الله سعيكم في ابنة مصر الغالية.

اجمالي القراءات 10634