(7 ) تطبيق الشريعة السنية فى مصر المملوكية
تعظيم سلام للصوص مصر العظام :

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٧ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

(7 ) تطبيق الشريعة السنية فى مصر المملوكية

أولا : ـ هذه قصة أحد لصوص مصر العظام فى العصر المملوكى ، وقد استفاد بتطبيق الشريعة السنية فى استحلال المال الحرام :
1 ـ إنه الأمير جمال الدين الاستادار، والاستادار هو الذي تولى الإشراف على نفقة القصور السلطانية في العصر المملوكي . وصاحبنا جمال الدين بدأ حياته العملية في السرقة حين كان يتولى " مشد " باب رشيد بمدينة الإسكندرية ، والمشد هو الموظف الذي يتولى تنفيذ أوامر السلطة المملوكية ، وينفذها بالضرب والعسف وعن طريق ذلك يجمع الأموال . وجمال الدين جمع ثروته الأولى عن هذا الطريق خصوصا وقد تصادف أن هجم الفريخة على الإسكندرية سنة 767 في ذلك الوقت فأتاح ذلك له فرصة للثراء واستغلال النفوذ ، يقول المقريزي " فيقال أن ماله الذي وجد له حصله يومئذ ثم انه سار للقاهرة . " .
2 ـ جاء صاحبنا للقاهرة ومعه أموال يريد أن يستغلها في شراء المناصب حيث كان البذل أو البرطلة هو الطريق الرسمي ( الشرعي ) لتولى المناصب ، وبأمواله يستطيع أحدهم أن يشتري الوظيفة ثم يربح في الوظيفة أضعاف ما دفع فيها ، وبهذا الطريق تقلب صاحبنا في المناصب وتضاعفت ثروته ، ففي أيام الظاهر برقوق عمل استدارا عند الأمير سودون باق ، ثم عمل شاد الدواوين إلى أن تولى الاستادارية للسلطان برقوق في يوم الثلاثاء الثالث من جمادى الآخرة سنة 790 ، ثم أصبح مشير الدولة وجمع بين الوزارة والاستادارية والإشراف على ديوان الخاص أو أملاك السلطان . أي أصبح أكبر شخصية مدنية بعد السلطان ، ثم قامت ثورة على الظاهر برقوق فاضطر برقوق للاختفاء ، واختفي أيضا جمال الدين الاستادار ، ثم أظهر نفسه لقائد الثورة وهو الأمير يلبغا الناصري ، وظن جمال الدين أنه يستطيع شراء يلبغا بأمواله ولكن يلبغا أخذ منه الأموال واعتقله في القلعة وعزله عن الاستادارية ، ثم قامت ثورة أخرى بزعامة منطاش أطاحت بالأمير يلبغا ، وكان ذلك في صالح جمال الدين الاستادار إذ طلقه منطاش من الاعتقال يوم الاثنين 8 رمضان سنة 791 وأكرمه ، وكان هدف منطاش أن يستولى على أموال جمال الدين الاستادار ، وفعلا أرغمه على تقديم هدية ضخمة من الذهب ثم بعدها اعتقله في القلعة وهي نفس الطريقة التي عامله بها يلبغا الناصري ، ويقول المقريزي أن جمال الدين دفع للأميرية يلبغا ومنطاش 58 قنطارا من الذهب ( نكرر بالحروف ثمانية وخمسين قنطارا من الذهب ) منها ثمانية عشر قنطارا ذهبا في ليلة واحدة ..!! ولم ينقذه ذلك من الاعتقال في المرتين . والمال الحرام لا ينفع ..
. وعاد برقوق بعد فشل تلك الثورات في 14 صفر 792 فعاد جمال الدين استادار للسلطان ثم عين السلطان ابن جمال الدين نائبا للسلطان في الإسكندرية . فاتسع نفوذ جمال الدين ، وازداد تحكمه إلى درجة أن ثارت عليه المماليك السلطانية حين تأخر في صرف كسوتهم وتجرأوا عليه فضربوه وكادوا يقتلونه وكان ذلك بداية التراجع في نفوذه . إذا أن السلطان برقوق سرعان ما عزله عن الاستادارية ثم أعاده إليها ، وفي كل مرة يأخذ منه الأموال على حسب العادة ، ثم ساءت علاقة السلطان به سنة 797 وعزم السلطان على الإيقاع به واستخلاص أمواله ، فأرسل إليه الأمير ابن الطبلاوي يطلب منه نصف مليون دينار وألا يضربه بالمقارع ، وتم الاتفاق على أن يدفع جمال الدين مائة وخمسين ألف دينار ، وبعدها صعد للقلعة ليقابل السلطان ، ولكن السلطان ترك المماليك السلطانية يضربونه ، ثم ضربه السلطان يوم الاثنين 30 ربيع الأخر 797 بسبب تأخره في دفع ما عليه من نفقة للمماليك السلطانية ، فعزله السلطان عن ديوان الخاص الأشراف على سك النقود ، وحسابه ابن الطبلاوي الذي خلفه في سك النقود وأثبت أنه اختلس ستة ألاف درهم فضة ، تعاقب السلطان صاحبنا جمال الدين بغرامة قدرها مائة وخمسين ألف دينار ، ثم مرض جمال الدين فأعتقل السلطان زوجتيه وكاتبه وابنه وصادر أمواله الظاهرة في بيته ، وبلغت الأموال النقدية السائلة خمسين ألف دينار ، غير الأمتعة والفراش ، وعزلة السلطان عن الاستدارية ، واستمال السلطان إليه كاتب جمال الدين واسمه ابن غراب فجعله ناظر الديوان المفرد كي يفشي أسرار جمال الدين وأماكن أمواله المخبأة ، واعتقل ابن الطبلاوي ابن جمال الدين كي يحصل منه على مائة ألف دينار ، وعن طريق ابن غراب – كاتب جمال الدين السابق – عثروا على أموال مخبأة في خرابة خلف مدرسة جمال الدين ، وكانت جملة تلك الأموال مليون درهم فضة . مع ستة ألاف دينار وأربعة ألاف وخمسمائة درهم في أماكن متفرقة ، وأمر السلطان بمصادرة كل أموال جمال الدين واعتقاله في داره واعتقل مماليكه وأتباعه ، وبدأت تظهر أمواله المخبأة شيئا فشيئا ، ثم تسلمه الأمير فرج شاد الدواوين فأخذ يعذبه ليعترف بما لديه من أموال ( وكانت تلك الوظيفة لجمال الدين من قبل ) : ومع شدة التعذيب لم يعترف جمال الدين بشيء ، فقام بتعذيبه عدوه ابن الطبلاوي فلم يعترف أيضا بشيء !! بل كان يسب ابن الطبلاوي وهو تحت العذاب ، ثم استدعاه السلطان وحقق معه بحضور كاتبه السابق ابن غراب الذي أفشى أسراره أمام السلطان فزاد من حقد السلطان عليه ، فأمر بتشديد التعذيب عليه حتى مات ليلة الأحد تاسع رجب عام 799 في الستين من عمره ، ودفنوه في مدرسته .

وكان جمال الدين الاستادار يدين بالدين المملوكي ، يظلم ويسرق ويقدم الصدقات وينشئ المدارس مما يسرقه من المال الحرام ، وهذه هي نوعية التدين السائدة في العصر المملوكي ، عصر الظلم والتفنن في إنشاء العمائر الدينية ، لذا نجد المقريزي يصف جمال الدين بصفات متناقضة ، إذا كان كثير الصلاة والعبادة وقيام الليل " إلا أنه كان شرها في الأموال " وأفسد سك النقود بمصر ، وهو أيضا الذي أنشأ مدرسته الشهيرة المدرسة المحمودية وكان بها خزانة كتب يقول عنها المقريزي " لا يعرف اليوم بديار مصر ولا الشام مثلها " ويقول عن المدرسة " وهذه المدرسة من أحسن مدارس مصر " .
. وجمع جمال الدين الاستادار من سرقاته من خير مصر ما لا يصدقه عقل ، ويكفي أن السلطان برقوق صادر من أمواله بعد نكبته الأخيرة مائة وأربعين قنطارا من الذهب ومليون درهم فضة بالإضافة إلى بضائع قيمتها مليون درهم ، فإذا أضفنا إلى ذلك ما كان يدفعه إلى السلطان برقوق عن رضي وما دفعه إلى الأميرين منطاش ويلبغا ( 58 قنطارا من الذهب ) لعرفنا إلى أي حد كانت ثروته الظاهرة ، أما المدفون منها فالله تعالى هو الأعلم به .

ختاما :
1 ـ مصر أغنى دولة فى العالم . وهذه حقيقة يعلمها اللصوص جيدا.
فليس هناك دولة استمتع فيها اللصوص مثل مصر ..
2 ـ بعض اللصوص كانوا من الصحابة مثل عمرو بن العاص ، الذى ترك عند موته سبعين بهارا من الذهب ، أي 210 قنطارا او 140 اردبا من الذهب ، واثناء موته عرض هذه الاموال علي اولاده فرفضوا وقالوا : حتي تعطي كل ذي حق حقه ، أي اعتبروها سحتا ، فلما مات عمرو صادر معاوية هذا المال وقال ( نحن نأخذه بما فيه ) أي بما فيه من سحت وظلم ( خطط المقريزي 1/ 140 ، 564 ). ولكن معظم اللصوص كانوا من الحكام الأجانب من يونانيين وروم و فرس و عرب و أتراك ومماليك وعثمانيين ..وانجليز وفرنسيين .
ثم تحقق الاستقلال (الوطنى ) بانقلاب 23 يولية 1952 ، ومن يومها أصبح اللصوص مصريين لحما ودما ، حتى أن بعضهم أصيب أو سبق له أن أصيب بالمرض المصرى المتوطن المسمى بالبلهارسيا .
3 ـ وتفخر مصر أنها بعد الاستقلال التام عن الاستعمار وبعد أن صار يحكمها العسكر المصرى فانها لم تعد تحتاج الى لصوص أجانب ، ففيها من اللصوص الوطنيين ما يكفى ويفيض . والدليل أن أغنى دولة فى العالم والتى كانت حقل القمح والحبوب للشعوب الأخرى من عهد يوسف عليه السلام الى عصر الاحتلال الرومى و العربى أصبح أبناؤها فى عصر العسكر المصرى يتقاتلون فى سبيل الفوز برغيف خبز.
دليل آخر هو أن الثروات الذهبية كانت تنتقل من حاكم ظالم لصّ الى حاكم ظالم آخر لا يقل عنه لصوصية ، وفى كل مرة تتضخم صناديق الذهب والمجوهرات الى أن وصلت الى يد محمد على باشا مؤسس الدولة الحديثة فى مصر ، وقام محمد على باشا بالحفاظ على خزائن الذهب و المجوهرات تلك لتكون ضمانة لحكمه ، وفى نفس الوقت عملت الحكومات التالية على تنمية رصيد مصر من الذهب ليكون غطاءا للعملة الورقية المصرية ، وحين جلا عن مصر المستعمر البريطانى كان بريطانيا مدينة لمصر ب 55 مليون جنيه استرلينى بقيمة العملة حينئذ ، وكانت قيمة الجنيه المصرى الورقى أكبر قليلا من قيمة الجنيه المصرى الذهبى .
جاء لصوص مصر العظام بانقلاب 1952 فاستولوا على عشرات الصناديق الى تحتوى على مجوهرات أسرة محمد على ، ولكى يسرقوها بالتى هى أحسن فقد ضموها الى عهدة وزارة الثقافة ، وعينوا لحراستها موظفة درجة سادسة ، لا تهش ولا تنش ، وبدأت تتسرب قطع المجوهرات قطعة قطعة بأوامر عليا ولا تملك الموظفة الغلبانة سوى القلق و الهلع فاصيبت بالمرض وماتت ..واستمر بعدها تسرب قطع المجوهرات الى أن انقطع الحديث عن مجوهرات أسرة محمد على وصنايقها المحفوظة .
ثم التفت لصوص مصر الوطنيون العظام الى ما فى مصر من مؤسسات وشركات و بنوك وحقول وقصور وتحف مصرية وأجنبية فقاموا بتأميم المصرى منها وتمصير الأجنبى ، وأصبح كله مملوكا للحاكم بامره تحت اسم ( القطاع العام ). وعلى هامش عملية المصادرة تلك ـ أو التأميم ـ تمت سرقة مئات الملايين بسعر الجنيه وقتها ، ثم أخيرا يباع الآن ذلك القطاع العام وعلى هامش البيع تم اهدار وسرقة مئات البلايين ،بل أن الوزير عاطف عبيد الذى انيطت به عملية البيع للقطاع العام اتهمته جريدة العربى الناصرية فى أواخر االتسعينيات فى مانشيت عريض بأنه أهدر فى بيع بعض وحداالقطاع العام ما قيمته 740 ألف مليون جنيه مصرى ، وكوفىء ذلك الوزير بترقيته فأصبح رئيس مجلس الوزراء .
4 ـ ولا تسأل بعدها عن النهب اللاحق بعده خلال عشر سنوات الماضية ، وسنعرف ذلك فيما بعد ، عند زوال الحكم الحالى وظهور فضائحه ومنها الأموال المهربة للخارج ، وسنعرف كيف كانت أموال البنوك يتم تهريبها بأوامر مباشرة من راس النظام ، وعندما سيتكلم الهاربون من صغار الحرامية سنعرف مقدار ما سرقه الحرامى الأكبر، وحين تقوم فى مصر دولة مدنية سنعرف حجم سرقات أموال المصريين من خلال ميزانية الجيش و مؤسسة الرئاسة التى لا يستطيع مجلس الشعب الحالى الاقتراب منها لأنها أسرار عليا ، مع أن صفقات التسليح تكون معروفة لكل من يهمه الأمر ، ويعرف بأمرها القاصى و الدانى بطريق مباشر وغير مباشر ، ولكن الأسرار الحقيقيقية هى العمولات وتجارة السلاح التى يمتنع عن المصريين معرفتها ، ويمتنع مجلس الشعب عن مراجعة ميزانياتها ، مع أن الوظيفة الأولى لأى مجلس نيابى هو التحكم فى ميزانية الدولة و الحفاظ على اموال الشعب ومراقبة ومحاسبة الحكومة أو السلطة التنفيذية وبقية السلطات فى كيفية إنفاق أموال الشعب. أما عندنا فالشعب مملوك للحاكم العسكرى ، يسرق أمواله ويعذب أفراده ويطارد الأحرار من أبنائه.
عندما تقام فى مصر دولة مدنية ديمقراطية سيعرف المصريون أن الحرامى الأعظم أعاشهم فى إفتقار لرغيف الخبز ، وكان يمكنه أن يجعل مصر ـ كما كانت طوال تاريخها مصدرا للحبوب ـ ولكنه منع مصر من الاكتفاء الذاتى وجعلها تعيش على استجداء القمح حتى تتضخم حساباته ومكاسبه. سيعرف المصريون حينئذ أن كل الحرامية السابقين طوال التاريخ المصرى سينحنون فى احترام لهذا الحرامى الذى تفوق عليهم .
5 ـ نسينا أن نذكر أن الرصيد المصرى الذهبى للعملة المصرية قد أضاعه عبد الناصر فى مغامرته الفاشلة فى اليمن . والان مصر بلا رصيد لعملتها ، والجنيه المصرى الذى كان يساوى فى الستينيات 4 دولار أصبح الدولار الان يساوى حوالى 6 جنيهات مصرية ، ومصر التى كانت تدين بريطانيا أصبحت مدينة لدول ومصارف عالمية ..
والكلام يطول ، ولكنه فى النهاية شهادة بأن لصوص مصر الوطنيين قد تفوقوا على اللصوص الوافدين من عرب ومن عجم ، إذ سرق لصوص مصر الوطنيون العظام خلال نصف قرن فقط أضعاف ما سرقه من مصر اللصوص الأجانب فى 70 قرنا من الزمان.
ومصر الآن يحكمها لصوص عظام لا يجاريهم فى السرقة إلا تفوقهم فى قهر الشعب المسكين.
ولهذا يحتاج اللصوص العظام الى الاستبداد لأنه الذى يحمى السرقة و الفساد ..

آخر السطر :
من قال أن مصر تخلو من العباقرة ..؟؟!!
تعظيم سلام للصوص مصر العظام ...!!

اجمالي القراءات 9169