1 ـ ذكر أكثر من مصدر تاريخي أن مكتشف القهوة هو الشيخ أبو بكر العيدروسى الشاذلي المتوفى سنة 909هـ وانه وجد نبات القهوة أثناء سياحته في الجبال فاقتات من ثمره حين رآه متروكاً مع كثرته ، فوجد فيه"تجفيفاً للدماغ واجتلاباً للسهر وتنشيطاً للعبادة" فاتخذها قوتاً وشراباً ، وأرشد أتباعه إلى تعاطيها ، وبذلك عرفها الناس وانتشرت في اليمن والحجاز ثم في الشام ومصر وسائر الأقطار.
وفي القرن العاشر الهجري ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني المتوفى عام 973 هجرية ما يفيد أن القهوة كانت معروفة في مصر منذ القرن السابع الهجري ، وأن الصوفي المصري المشهور إبراهيم الدسوقي المتوفى عام 669 ، كان يتعاطاها ، وكان يحض أصحابه على تعاطيها ، ويقول : "يا أبناء قلبي عليكم بشرب القهوة القرقفية واستعمالها فوعزته وجلاله من صدق منكم واخلص لا يمسى أحد إلا نبعت منه الحكمة ".
وواضح الصوفية كالعادة بهم حين يدعون لشيء فإنهم يضيفون عليه الجانب الديني ليكون أكثر تأثيراً،ويظهر ذلك في موضوع القهوة، فقد جعلها الشيخ العيدروسى منشطاً للعبادة وجعلها إبراهيم الدسوقي عاملاً مساعداً في الوصول الى العلم اللدنى طبقاً لعقائد التصوف وأوهامه.
والمهم أنه يوجد لدينا رأيان في المصادر التاريخية والصوفية عن اكتشاف القهوة ونشرها، أحدهما ينسب ذلك للشيخ العيدروسى في القرن العاشر، والآخر يجعلها معروفة في عصر الدسوقي في القرن السابع، فأين وجه الصواب؟
الذي يبدو لي هو أن مكتشفها هو الشيخ العيدروسى في القرن العاشر، ولأنها اكتشاف صوفي فقد وقف منها الفقهاء موقف العداء فحرموا تناولها نكاية فى خصومهم الصوفية، والشعراني كبير الصوفية في القرن العاشر عاب على فقهاء عصره إنهم يقعون في الذنوب المجمع على تحريمها مثل الغيبة والنميمة ومع ذلك تنفر نفوسهم من القهوة، ومن الطبيعي أن ينحاز الشعراني إلى جانب الدفاع عن القهوة وينسب تلك الكلمة إلى الشيخ إبراهيم الدسوقي في الحض على شرب القهوة وهو يعلم أن الفقهاء في القرن العاشر لا يجرؤ أحدهم على انتقاد الشيخ إبراهيم الدسوقي. وقد رجعت إلى مخطوطة "الجوهرة" التي كتبها إبراهيم الدسوقي فلم أجد فيها ذلك النص عن القهوة، إذن هي حيلة من الشعراني ليرد بها على خصومه من الفقهاء المتعصبين الذين أفتوا بتحريم القهوة والهجوم على عشاقها من الصوفية.
2 ـ وبسبب سطوة التصوف وكثرة وتشعب الطرق الصوفية فقد انتشرت القهوة سريعاً وسارت المشروب المفضل في جلسات الأذكار الصوفية وفي غيرها،وبدأ ذلك سريعاً في بداية القرن العاشر نفسه ، والسيوطي المتوفى سنة 911هـ يذكر في مخطوطة "شقائق الأترج فى دقائق الغنج " قصيدة غزلية يشبه فيها الشاعر ريق المحبوبة بأنه القهوة ، ويقول
وترشف من ريقها قهوة تغني عن الشهد وقطر النبات
3 ـ وبسبب ارتباط القهوة بالتصوف فقد أضيفت لها إحدى لوازم الصوفية وهى ادعاء علم الغيب والكشف عن المستقبل بقراءة فنجان القهوة ، تأثرا بتلك الكذبة التى روجها الشعرانى و نسبها لابراهيم الدسوقى عن صلة شرب القهوة بالعلم اللدنى الذى يعلم فيه الصوفى الغيب بزعمهم.
وحتى الآن تعتقد البيئات الشعبية في قارئة الفنجان أو قارئ الفنجان، وفي معرفته للغيب، مع أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، ويبدو أن ذلك الاعتقاد قد انحدر الينا من إصدار بعض الأشياخ الصوفية لبعض نبوءتهم وهم يرتشفون فنجان القهوة !!
4 ـ وأدى الفتح العثماني لمصر إلى سيطرة العثمانيين على معظم الأقطار الإسلامية، وأصبحت الدولة العثمانية تمثل العالم الإسلامي في مواجهة الغرب الصليبي، وكانت القهوة هي المشروب المفضل للأتراك ودخلت اليمن في التبعية للعثمانيين، وفي نفس الوقت بدأ الغرب في صناعة البن في المستعمرات الأمريكية والعالم الجديد، وأصبح البن من بنود الحرب الاقتصادية بين العالم الإسلامي العثماني والعالم الغربي الصليبي.
وبعد الفتح العثماني لمصر بأكثر من قرنين حظر العثمانيين استيراد البن من أمريكا، وكان اسمه البن الافرنجى كما حظروا تصدير البن العربي اليمني إلى أسواق أوروبا، وكانت مصر العثمانية هي الوسيط في تجارة البن بين أوروبا واليمن، وتعرض التجار المصريون للضرر من ذلك القرار فكانوا يتحايلون عليه عن طريق رشوة الموظفين العثمانيون في المواني البحرية. وكانوا يصدرون سنة 1760م ما بين 4000و 5000 طنا من البن العربي على مواني إيطاليا وفرنسا، ويحدث أحياناً أن يشتروا البن الأمريكي ليخلطوه بالبن اليمني عالي الجودة، واستمرت تجارة البن المخلوط برغم أنف القوانين العثمانية.