واصل سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الهبوط إلى مستويات قياسية في السوق الموازي، لكن بوتيرة أسرع خلال الأيام القليلة الماضية.
وصعد الدولار في السوق السوداء، السوق الفعلي للتعاملات اليومية، ليصل إلى 70 جنيها، بزيادة 10 جنيهات عن الأسبوع الماضي، وأكثر من 15 جنيها منذ بداية العام.
ولم تتلق العملة المحلية أي دفعة إيجابية من وجود بعثة الصندوق النقد الدولي في القاهرة لمناقشة المراجعة الأولى والثانية لبرنامج الإصلاح المصري المدعوم بتسهيل الصندوق الممدد والحصول على تمويل إضافي لتخفيف الضغوط المرتبطة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عن مصر.
وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأربعاء الماضي، إن مشكلة الدولار طالما كانت موجودة في البلاد، وسببها يعود إلى أن الدولة تشتري السلع بالعملة الأجنبية، ثم تقدمها للمواطنين بالجنيه المصري، على حد تعبيره.
ووفق مراقبين، فإن الهبوط المتسارع للجنيه منذ بدء الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أثار قلق المتعاملين، وخلق حالة من الاضطراب في الأسواق، حيث كان سعر صرف الدولار نحو 38 جنيها، قبل بداية الحرب.يشار إلى أن هناك شحا في الدولار، رغم وجود أزمات في سلاسل التوريد، وهو ما يضغط على الجنيه في السوق غير الرسمية.
يأتي ذلك بالتزامن مع تخفيض وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية مؤخرا، نظرتها المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، كما حذرت وكالة "فيتش" من تأثير الاضطرابات الإقليمية على وضع مصر الائتماني.
ويبدو سعر الدولار في السوق الموازي بعيدا جدا عن تقديرات الحكومة المصرية البالغة 33.45 جنيها خلال 2024، و35.5 جنيها في 2025، ثم 37.12 جنيها في 2026، و38.45 جنيها في 2027، على أن يصل إلى 39.61 جنيها في 2028، لكن هذه التقديرات تؤشر على أن لا تعافي للجنيه يلوح في الأفق.
وبذلك اتسعت الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي إلى أكثر من الضعف، حيث يتداول الدولار الأميركي عند 70 جنيها في السوق السوداء، مقابل 31 جنيها في البنوك المحلية، من دون تغيير منذ مارس/آذار الماضي.
وهذا التراجع امتداد لمسلسل النزول الذي بدأ منذ تحرير سعر صرف الجنيه، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لتلبية شروط صندوق النقد الدولي.هذا الهبوط السريع والحاد في قيمة الجنيه ترجمته الأسواق المصرية بنفس السرعة بارتفاع أسعار السلع بمختلف أنواعها وبنسبة أعلى من قيمة الهبوط، بسبب حالة الاضطراب الناجمة عن مثل هذه التحركات، وهو ما يشكل عبئا على المستهلكين والتجار.
ولم تتعاف مصر، أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان، حتى الآن من ارتفاع تكلفة الواردات الأساسية مثل القمح والوقود، وانخفاض عائدات السياحة، وانخفاض الاستثمار الأجنبي.
وأدى الإنفاق الحكومي على المشروعات الضخمة والأسلحة، إلى ارتفاع ديون مصر.
يشار إلى أن انخفاض عائدات قناة السويس، أحد مصادر العملات الأجنبية في مصر، وانخفاض عوائد السياحة، وتحويلات العاملين للخارج، ووجود سوق سوداء للدولار بفارق كبير عن السعر الرسمي، يؤثر على سوق العملات الأجنبية لمصر، وهو ما أعطى انطباعا للمؤسسات الأجنبية بأن القاهرة تواجه صعوبة في سداد ما عليها من التزامات".
وعندما رفعت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسعار الفائدة للحد من التضخم، تضخمت مدفوعات تلك الديون، فيما يستمر ارتفاع الأسعار داخل مصر ليؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين وخطط الشركات للتوسع.وارتفع الدين الخارجي لمصر، إلى نحو 164.52 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول 2023، أي ما يعادل نحو 40% من الناتج المحلي للبلاد، و5 أمثال الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي البالغ 35.2 مليار دولار.
وتتوقع وزارة المالية المصرية ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة إلى 7.5% خلال العام المالي الحالي.
وقفز العجز بالموازنة خلال أول 5 أشهر من العام المالي الجاري 92% إلى 5.51%، مقابل 3.37% خلال الفترة المقابلة من العام المالي الماضي.
وتقدر الحكومة المصرية حجم الفجوة التمويلية للعام المالي الحالي 2023-2024 ما بين 6 إلى 8 مليارات دولار.
وأشار وزير المالية محمد معيط إلى أنه سيتم سدها بإصدار سندات دولية وتمويلات من بنوك بضمانات.
ويبلغ حجم احتياجات مصر التمويلية نحو 2.14 تريليون جنيه (69.26 مليار دولار) في موازنة 2023-2024 بارتفاع قدره نحو 27% مقارنة بالعام الماضي، وسيتم تمويلها عن طريق أذون الخزانة والسندات (اقتراض قصير الأجل).
وبشأن مستقبل الجنيه أمام العملات الأجنبية، توقع الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري الأمريكي محمد رزق، أن "يشهد الجنيه مزيدا من التراجع خلال العام المالي الحالي، الذي وصفته الحكومة بأنه الأصعب".
وقال: "في ظل حالة الضبابية قد يمتد العام إلى عامين و3 أعوام، وربما حتى 2030 للخروج من عنق الزجاجة، حسب تصريحات رئيس الوزراء نفسه".
وأكد رزق أن فرص مضاعفة قرض صندوق النقد الدولي لمصر لن يكون حلا أبديا ولا جوهريا، وسينتهي مفعوله بإنفاق القرض على بنود يصعب حصرها، على رأسها فوائد وأقساط الدين والعجز.
وتكمن الأزمة الاقتصادية، حسب رزق، في الإفراط في الاقتراض وزيادة حجم الاستدانة عن حجم الإنتاج (التصدير) والتوسع في مشروعات البنية التحتية، وهي ليست أزمة وليدة اليوم، بل هي أزمة مركبة بدأت قبل أكثر من 10 سنوات وكان لابد لكرة الثلج أن تكبر بسبب سلسلة السياسات النقدية والمالية الخاطئة، وفق تعبيره.
وتذهب نحو 70% من ديون مصر إلى المشروعات التنموية الخدمية، وفقا لتصريحات رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري فخري الفقي، لافتا إلى أن دخل مصر من العملة الصعبة 10 مليارات دولار سنويا.