تكريم الإسلام للمرأة (1)
سلسلة تكريم ا لإسلام للمرأة

مهيب الأرنؤوطي في السبت ١١ - نوفمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

إن الإسلام العظيم هو الدين الوحيد الذي يعلي من شأن المرأة، ويصون عفافها وكرامتها، ويعمل علي رفعتها ويطلق حريتها، ويضمن لها حياة كريمة في ظل مجتمع كريم يعرف ربه ويمتثل لأوامره ويتقيه في تنفيذ مقتضيات دينه وتعاليماته:

والمقال الذي بين أيديكم الآن يعتبر واحداً من سلسلة مقالات سوف أصدرها إن شاء الله تعالي (تباعاً) علي صفحات هذا المنتدي، وسوف تتناول مفهوم الإسلام الصحيح للمرأة، مفهوم ملك اليمين في الإسلام (وأري أن الدكتور جمال قطب قد تهرب من الإجابة تماماً عن سؤال المذيعة له "بسمة وهبي" حينما سألته عن تفاصيل معاملة ملك اليمين، فما كان منه إلا أن ترك لها البرنامج غاضباً ثم ولي مدبراً متنصلاً من الإجابة!!!..... وأنا بالطبع لا أجد مبرراً لما فعله إطلاقاً، فهل في الإسلام غموض حتي تعطيه الحق في سلوك هذا المسلك الغريب؟؟!!!!!!!!!

أدعو الله تعالي أن يلهمني الصواب وحصافة الرأي لإظهار الجانب الحقيقي للإسلام الذي يجهله الجاهلون ويتجاهله الحاقدون، فسلسلة المقالات هذه توضح بما لا يدع مجالاً للشك لكل من يحاول (ولو أدني محاولة) أن يتجني علي الإسلام أن يلتزم حدوده في احترام هذا الدين الحنيف وإن كان غير مسلماً.........

وهذه الدراسة من القرآن الكريم فقط، ثم سوف أتعرض بعد ذلك إلي بعض الروايات التي يتخذها بعض المسلمون (بل قل معظمهم) حجة علي هذا الدين الحنيف، وبالطبع فهم بذلك يظلمونه ويظلمون أنفسهم، كما يظلمون دينهم بل وربهم أيضاً......!!!!!!..... فسوف أتعرض لها بالنقد العلمي المفصل حتي يكون القارئ علي بينة مما يقرأ، نسأل الله تعالي التوفيق إنه سميع قريب مجيب.....

1-إعلاء النساء في ركب الحياة:
أقصيت المرأة عن ركب الحياة تماماً في المجتمع الجاهلي، بل أنها حرمت من كافة صور النشاط الإنساني (الاجتماعي) علي وجه العموم فتخلف المجتمع تخلفاً بعيداً لاقتصاره علي نصف طاقته فضلاً عن تركه لكل أسباب الحضارة التي وجدت بعض مظاهرها حينئذ، والتي تقوم عادة علي تفتح العقل والأخذ بالعلم وتأصيل كرامة الإنسان.

وكان طبيعياً لذلك أن يغرق المجتمع في الشطط إغراقاً، ويسرف في الجهل إسرافاً، فلما جاء الإسلام (الخاتم) أعاد للناس حقهم في الحياة الكريمة، وللمرأة كيانها في بناء المجتمع علي وجه الخصوص، ومن أدلة ذلك:

1-ما بينه من نجاح المرأة في الموقف الإختباري القديم، حين وسوس لها الشيطان (اللعين) بعد أن وسوس إلي آدم عليه السلام أولاً مختصاً إياه بذلك، حتي انتقل أثر تلك الوسوسة للمرأة (زوجة) عن طريقه، وليس كما قيل من انتقال الوسوسة هي إليه (عليه السلام)، لقول القرآن الكريم:

(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى*فَأَكَلَا مِنْهَا) (طه 120، 121).

وكان هذا إحقاقاً للحق بعد أن طمست تحريفات أهل الكتاب العقول والقلوب فأضلتها جميعاً (وأضلتنا كذلك بما نقلناه منا) عن سواء السبيل.

2-ما أوضحه من إكرام المرأة (كزوجة) من إيجاب المهر، واستئذان الأهل قبل الزواج:

(فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء 25).
وفيه رفع كبير لقدر المرأة (كزوجة) بعد أن كانت تعامل كسائر الحيوان.

3-ما أوجبه من الإحسان إلي الوالدين (عموماً)، وإلي الأم بعد ذلك علي وجه الخصوص:

(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ
كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) (الأحقاف 15).

4-ما شرعه من جعل سورة (طويلة) كاملة في القرآن الكريم عن أحأحكام النساء هي: سورة النساء فضلاً عن اشتراكهن (من حيث توجيه الخطاب التكليفي) مع الرجال (أيضاً) في جميع الصور الأخري فضلاً عن عدم اختصاص الرجال (وحدهن) بأية سورة من سور القرآن الكريم، ولا شك أن هذا من باب رفع قدر وعلو المنزلة لاختصاص النساء بذلك.

5- ما شرعه من المساواة الكاملة في أعمال البر ووجوه الخير بحيث يكون للمراة المشاركة فيها جميعاً مثل الرجال سواء بسواء:

(أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران 195).

6-ما بينه من إتاحة العمل الدنيوي (علي عمومه) للنساء ما دام يناسب المرأة كما هو الشأن بالنسبة للرجل دون استثناء:

(َقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة 105).

(عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله) (المزمل 20).

أما قوله تعالي:
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (الأحزاب 33)
فإنه مرتبط بالكف عن التبرج المسرف لقوله سبحانه بعده (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (نفس الآية الكريمة).

لو كان مقصوداً به الجلوس في البيت (مطلقاً) لما اقترن بذلك، وهو واضح تماماً، ولذا فمن حق المرأة العمل لكفالة نفسها وأولادها ووالديها وزوجها المريض وغير ذلك، ولكن المتجبرين لا يبصرون (وإن كانوا ينظرون).

7-ما شرعه من دخولهن كالرجال في الشوري في شئون المسلمين (كل الوضوح) حيث قال رب العالمين:

(وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) (الشوري 38).

وهي صفة مشتركة بين الرجال والنساء (جميعاً)، كما أن جميع الصفات الواردة في الآية الكريمة نفسها هي مشتركة أيضاً لهما (جميعاً)، ولكن الطابع الجاهلي قد خيم علي مجتمعاتنا الإسلامية حتي عادت إلي مفاهيم الجاهلية في أكثر شئون حياتها، فما يتضح هنا في مفهوم ملك اليمين خصوصاً (الذي نحن بصدد بيانه بحمد الله تعالي الآن).

فإن قيل: ولكن التطبيق الفعلي عند الصحابة الأفاضل (رضوان الله عليهم) يعارض ذلك حيث إنهم لم يفعلوه؟؟!!، قلنا.... بل علي العكس، فإنهم لا بد فعلوه حتي في أيام النبي (صلي الله عليه وسلم)، وإن لم يكن بالصورة التقليدية التي يجتمع فيها الرجال والنساء في مكان واحد للتشاور، فإن الأحكام الشرعية تتقرر من حيث المبدأ لا من حيث الشكل!!، فهذا هو كتاب الله (تعالي) المحكم ليس فيه أي اختصاص للرجال دون (النساء) في مسألة الشوري بأي حال.

8-ما بينه من عدم التزام المرأة بخدمة الزوج (في منزل الزوجية)، وجعل ذلك تفضلاً منها وتقرير أن علي الرجل (أساساً) أن يأتي بخادم لبيته (إن كان قادراً)، أو يكون عبء تهيئة بيته عليه كما يشاء، أو بالمشاركة (عند التراضي) في ذلك!!، ودللنا عليه بقوله تعالي:

(فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (الطلاق 6).

فانظر أيها المسلم كيف لا يلزمها الإسلام بإرضاع ابنها (وإن كان ذلك بعد الطلاق)، بل يجعل ذلك علي الزوج (الوالد)، فإن قامت هي به أخذت أجراً عليه لكون حق السعي علي الرزق والكسوة علي الزوج (أصلاً):

(وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة 233) !!

فأين هذا السمو الإلهي في حق المرأة في فهم هؤلاء المتخلفين الذين أقصوا المرأة عن ركب الحياة، وتحكموا فيها بدافع التعصب والتخلف وإتباع التقليد الأسود الذي يدعمه إبليس اللعين من ناحية، ويساعده الجهل (السحيق) من ناحية أخري، فالله ألطف بالأمة، وأنزل عليه رحمة من عندك للهداية (التي ترضيك) يا أرحم الراحمين)!!

9-ما بينه أيضاً من جعل النساء قدوة عموماً (للجميع)، وذلك بقوله سبحانه:

(فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) (النساء 34).

وتلك آية كريمة توضح أن القدوة ليست مقصورة علي الرجال وحدهم، وإنما في النساء الفضليات العفيفات الجديرات بهذا الوصف القرآني العظيم..... (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ).. كذلك أي: منهن من تحفظ الغيب (عند غياب زوجها) بنفس القدر الذي يرضاه الله أو بتوفيق من الله سبحانه، وتلك منزلة غاية في العلو، فإن قيل: ولكن نفس الآية الكريمة تقول: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) (الآية الكريمة نفسها)، وبذلك تكون منزلة المرأة علي هذا النحو من التدني الواضح في أسلوب التهذيب الذي يصل إلي الضرب فأي منزلة عليا للمرأة حينئذ؟؟

قلنا: إن العلم أمره خطير، والجهل شأنه حقير لأن الجاهل حين يتكلم يكون أشبه بمن يتكلم بجملة ثم لا يكملها، فتخرج ناقصة مشوهة كمن يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ) ثم يسكت ولا يكمل، وكذلك هنا فإن الآية الكريمة تعطي هذا الحكم لفئة قليلة (نادرة جداً) من النساء هن اللائي يُخشي نشوزهن، (أي العصيان والتمرد وعدم الرجوع إلي الاعتدال)، وهؤلاء قلة نادرة (تمام الندرة)، كما هو معلوم، فهل يكون حكم القلة هو الحكم العام لجميع النساء؟؟ كلا؟؟.... ثم كلا؟؟، وهل إذا قلنا: (أن الجامعة فصلت طالباً بمجلس التأديب) نعني بذلك أن الطلاب جميعاً أن الطلاب قد فُصلوا من الجامعة بهذا الأسلوب؟؟.... أفيقوا أيها الجهلة، وانتبهوا أيها الغافلون!! وكدوا واسهروا وابحثوا وادرسوا، ولا تأخذوا حياتكم هكذا سهلة وأنتم خاملون كما تضع النعامة رأسها في الرمال، ثم تظن أنها قد اختبأت عن أعين الناظرين!!، وبذلك فلا يصح القول بأن النساء كلهن يعاملن هذه المعاملة علي الإطلاق، فبطل استدلالهم علي ما يقولون!!
12- ما شرعه كذلك (من تعبير النساء دائماً) عن أنفسهن مباشرة في كل الأمور الإرادية وليس بالوكالة كما أتتنا به عصابة الجاهلية وجماعة الصحراء، وهي تزعم أنه من الدين، بينما هو من الجهل المركب، والضلال المبين، ويكفي بيان صدق قولنا قوله تعالي:

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) (الممتحنة 12)

وهي آية كريمة تتحدث عن بيعة النساء (كما هو ثابت معلوم)، وهي التي كانت يوم فتح مكة حين جاءت النساء إلي الرسول (صلي الله عليه وسلم) للبيعة التي كانت بعد بيعة الرجال في هذه المناسبة!! مما يدل علي استواء الأمر تماماً في التعبير عن الإرادة بين الرجال والنساء دون أدني تمييز!!، ولو كانت المرأة تظل حبيسة بيتها أو لا تعبر عن رأيها بنفسها لأكتفي الشرع بإرسال من ينوب عنها في ذلك، أو اكتفي بإبلاغ ما يقوله النبي (صلي الله عليه وسلم) (إليهن) في بيوتهن دون أن يأتين إليه عموماً لسؤاله (صلي الله عليه وسلم)، والتعلم منه كما كان حادثاً في عهده!!، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث علي الإطلاق، فأين هذه الفتنة التي يقولون عنها ويطيلون في شرحها، ويسهبون في بيانها وهم لا يعلمون؟؟

انظر أيها المسلم كيف يجعل الإسلام بيعة للنساء بحيث يخرجن فيها لأنفسهن ليعبرن عن رأيهن، ولم يجعل الإسلام قيداً عليهن في ذلك إلا التنظيم (فحسب) الذي يجعل بيعة الرجال أولاً ثم بيعة النساء بعد ذلك!! لتحقيق الاحترام، وتجنب ما يمكن أن يفضي إليه الزحام والفوضي من أخطاء!!، وهي أمور عقلية شرعية في آن واحد!!.... أين هذه المبالغات (الجاهلة) التي صدنا عن ديننا بها الجاهلون، وصوروا لنا أن المرأة شيطان، وإنها كلها عورة، وإنها لا تخرج من بيتها إلا للزواج أو الموت؟؟.....

أي جريمة حمقاء ارتكبها في حق الأمة ذلك الطابع الصحراوي الغليظ الذي سار عليه هؤلاء الأجلاف، وصار علي منوالهم من بعدهم المقلدون!!... أفسدوا به كل جميل في الدين، وداسوا به فيه كل قبيح ينفر منه الشعور السوي والطبع المستقيم؟؟...... فاللهم لا حول ولا قوة إلا بك يا رب العالمين يا لطيف يا خبير، يا نعم المولي ويا نعم النصير.....

نكتفي بهذا البيان الموجز الذي يفي هنا إلي حد ما بالقصد الذي أرادنا بيانه في هذا المقام، وهو إعلاء الإسلام للنساء في ركب الحياة، وهناك أموراً أخري في نفس الموضوع تستحق أن تكتب عنها كتب مستقلة (قد يأذن الله تعالي بها بمشيئته ورحمته)، ولكننا أجلنا الحديث عنها هنا قصداً حتي يأذن الله سبحانه وتعالي بتناولها بفضله كاملة مفصلة، وهو جلت حكمته ولي الذين آمنوا، وهو جل شأنه علي كل شئ قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

2-تثبيت النساء في الميراث:
لم يكتفي المجتمع الجاهلي (الظالم) لإسقاط قدر المرأة من الكيان الإجتماعي للمجتمع تماماً، إنما أسقط كذلك حقها في الميراث، فكانت المرأة لا ترث أي قريب لها علي الإطلاق، إنما يرثها هي (ومالها) أقرب الناس إلي زوجها المتوفي، كما لم تكن ترث في مال أبيها أيضاً بل يرثه كل أخوتها الذكور دون مشاركتها في ذلك حتي لا ينتقل المال إلي خارج الأسرة عن طريقها إلي زوجها مستقبلاً!.... وكان هذا الميراث الظالم في حقيقته صورة مشوهة من ميراث حقيقي (صادق)، وجد قبل ذلك في مناهج النبوات السابقة، ولكنه حرف بعد ذلك تحت وطأة الأغراض والمصالح (شأن الكثير من حقائق الدين عموماً في كل زمان)، كما أنه كان تعبيراً عن ضرورة إجتماعية تأبي أن يضيع مال المتوفي دون أن يعود إلي أهله وزويه!.

فلما جاءت الرسالة الخاتمة أعادت الميراث الصحيح إلي أصحابه (كما شرعه الله تعالي قديماً)، وأضافت إليه من التفصيلات والفرعيات ما لم يكن قائماً عند الأقدمين، فرأينا التشريع الإسلامي يجعل للمرأة حقوقاً ثابتة محددة لا يمكن لمسلم أن يطمس واحداً منها بأي حال!!.... حتي صارت كتب المواريث تخصص أبواباً مستقلة لذلك بناء علي الحقوق الشرعية التي حددها القرآن الكريم، ومن أمثلتها علي سبيل العموم:

أ‌-حق المرأة كزوجة: إذ جعل لها الإسلام:
الربع عند عدم الولد
الثمن عند وجوده

ب-حق المرأة كأم: حيث يجعل لها الإسلام:
السدس عند وجود الولد أو الأخوين (أو الأختين) معا
ثلث جميع المال عند عدم وجود هؤلاء
الثلث الباقي عند عدم وجود هؤلاء بعد فرض أحد الزوجين

ج- حق المرأة كجدة: وهذه جعل لها الإسلام:
السدس تستقل به الواحدة ويشترك فيه الأكثر (مع تساوي الدرجة)
الحَجْب: بحيث تسقط بلأم (إذا كانت أم الأم)، وتسقط بالأب (إذا كانت أم الأب)، كما تسقط (بالحجب أيضاً) البعيدة من الجدات بالقريبة منهن علي العموم.

د- حق المرأة كأخت شقيقة: فقد جعل لها الإسلام:
النصف... للواحدة المنفردة عند عدم وجود الولد
الثلثين: للثلثين فصاعداً عند عدم الولد وعدم الأخ الشقيق
التعصيب: وذلك إذا وجد معهن أخ شقيق (مع عدم من تقدم ذكره)، فهو يعصبهن (للذكر مثل حظ الأنثيين)، وأيضاً يصرن عصبة مع البنات (أو بنات الإبن) فيشتركن في الباقي (بعد نصيب البنات أو بنات الإبن)
الحَجْب: بحيث تسقط الأخت الشقيقة (بالإبن وأبنه)، وكذلك الأب.

هـ- حق المرأة كأخت لأب، وهذه جعل لها الإسلام:
النصف للواحدة (عندم عدم الشقيقة)
الثلثان للإثنين فصاعداً (عند عدم الشقيقة).
السدس مع الأخت الشقيقة (تكملة للثلثين).
التعصيب: عند وجود أخ للأب (للذكر مثل حظ الأنثيين).
عدم الميراث: مع الأختين الشقيقتين (إلا عند وجود أخ لأب فيعصبهن)
التعصيب: مع البنات أو بنات الإبن، فيأخذن الباقي عند عدم الأخت الشقيقة.

و- حق المرأة كبنت (من الصلب): وتلك جعل لها الإسلام:
النصف للواحدة.
الثلثين للإثنين فصاعداً
التعصيب عند وجود الإبن (للذكر مثل حظ الأنثيين)

ز- حق المرأة كبنت للإبن: إذ جعل لها الإسلام:
النصف للواحدة (عند عدم ولد الصلب).
الثلثين للإثنين فصاعداً (عند عدم ولد الصلب).
السدس للواحدة فأكثر مع الواحدة الصلبية (تكملة للثلثين)، إلا عند وجود إبن للإبن (في درجتهن) فيعصبهن ويكون الباقي (بعد نصيب البنت) علي قاعدة: (للذكر مثل حظ الأنثيين).
عدم الميراث: عند عدم وجود الإبن وكذلك مع البنتين الصلبيتين (فأكثر) إلا إذا كان معهن ابن الابن (بغير اشتراط الدرجة هنا) فيعصبهن.
وتلك هي الأسس العامة التي فرضها الإسلام في توريث المرأة (علي وجه العموم) دون الدخول في التفصيلات الدقيقة التي تذكر في أبوابها الخاصة كما هو معلوم عند المتخصصين، ونحن بحمد الله تعالي علي إلمام دقيق بكل ذلك، وقصاري القول: أن هذا التحول الكبير من ضياع حق المرأة في الميراث تماماً وإهمالها بالكلية لدرجة الإسقاط عند اعتبار أية حقوق مالية إلي هذه الدرجة من العناية التشريعية التي تثبت أساسها وبنيانها بنص القرآن الكريم، إنما يعكس لنا بكل القوة مدي تقدير الإسلام لدور المرأة في المجتمع الإنساني، وكذا إقراره لمنزلة المرأة الرفيعة التي لا تقل عن منزلة الرجل (عموماً)، وفي الميراث (خصوصاً) لأي حال من الأحوال!!... مع التنبيه إلي أنها إن اختلفت معه في قدر التقسيم بحيث تدخل في قاعدة: (للذكر مثل حظ الأنثيين) فإن ذلك لا يدل علي اختلاف المنزلة إطلاقاً، إنما علي اختلاف قدر العطاء (فحسب)، لأن كل التقسيمين صالح لصاحبه محقق للكمال عنده (عند من يفقهون)، فالذكر يأخذ ضعف الأنثى لأنه مكلف بالمهر والإنفاق علي الزوجة علي عكس المرأة التي ليست مكلفة بذلك (بل تأخذ مهراً)، وبهذا تتحقق السوائية في المنزلة بينهما دون خلاف!!..... وقد بين القرآن الكريم ذلك بوضوح بقوله تعالي:

(فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (النساء 25).

وكذلك: (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا) (البقرة 233).

وبذلك تتحقق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في إطار ما أناط الشرع الحنيف بكل منهما ما يخصه من أحكام.

3- تزكية البنات:
جاء الإسلام (الخاتم) وقد عمَّت المجتمع الجاهلي تلك الظاهرة البشعة، التي كان الرجل فيها يذهب بعيداً وبيده ابنته الصغيرة فيحفر لها فيدفنها في الرمال، وهي حية تستغيث به، وتلهج باسمه، وتستعطفه أيما استعطاف ليرحمَها من الموت البطيئ (كتما للنفس) بالتراب الثقيل ولكن لا مجيب!!.... وقد سبق أن قلنا أنه ليس شئ أدل علي بشاعة وقسوة وغلظة الطبع العربي الجاف المنافي لكل صور الإنسانية من وجود تلك الظاهرة التي تحدث عنها القرآن الكريم بكل الوضوح كما بينا قبل ذلك!! بل إن الأدهي من حدوث هذه الظاهرة وقوع التفاخر بها بين العرب (الأجلاف) حيث كان يقول أحدهم (وأدت خمس بنات لي حتي الآن)، ويقول الآخر (وأدت سبعاً، وهكذا)!!

فلما جاء الإسلام قبح هذه الظاهرة أسوأ تقبيح وبين أنها وحدها ستكون محلاً لموقف خاص بها (تعييناً) في الحساب يوم القيامة: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير 8، 9).!!....ومع ذلك فقد عالجها الإسلام علاجاً حاسماً من جانبي شقيها الأساسيين، وهما: بيان قيمة هؤلاء البنات خصوصاً (والنساء عموماً) في بناء المجتمع الإسلامي الصحيح، وكذا في ما شرع من أحكام الدين الإسلامي (كله) علي وجه العموم، وذلك علي النحو التالي:

1-تبين أن قتل البنت هو من سوء حكم الفاعلين له، وأنه يُحدث ذنباً كبيراً، وإثماً خطيراً يكسبه القاتل بسبب ذلك، ويحاسَب عليه (حساباً عسيراً) يوم القيامة، كما بين ذلك القرآن الكريم: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ*يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) (النحل 58، 59)، (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) (التكوير 8، 9)!.

2-تأكيد أن المشيئة الإلهية قد قضت بولادة الأبناء والبنات ليعيشوا لا لِيُقتَل أحد منهم علي الإطلاق! كما بين سبحانه ذلك:

(ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) (الحج 5).

وبه يتضح أن قطع هذا التسلسل بالتدخل (بالقتل) مخالف ومعارض للمشيئة الإلهية تماماً، مما يستوجب العذاب الشديد يوم القيامة (كما هو مسلم به)، فضلاً عن بيان أن القتل جريمة بشعة يستحق فاعلها الخلود في النار، والغضب الإلهي، واللعنة الإلهية، والعذاب العظيم جميعاً يوم القيامة!!

(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء 93).

ولا شك أن الطفل يكون علي الفطرة (أي الإيمان) !!

هذا إلي جانب التأكيد علي تحريم قتل النفس (أي نفس) ولو كانت لكافر أو مشرك إلا بالحق (المؤكد بالدليل الشرعي اليقيني):

(وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) (الفرقان 68).

وذلك ليباعد كل المباعدة بين هذه الظاهرة وبين عودتها (أو بالأحري احتمال عودتها) ثانية في مجتمع المسلمين.

3- تأكيد أن المشيئة الإلهية اقتضت الاهتمام والعناية بالمولود (الإنساني) عموماً (ذكراً كان أم أنثي) دون أدني تميز، كما قال عز شأنه: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ) (البقرة 233) وهو اهتمام واضح بالمولود (عموماً) لئلا يتعرض لشئ من الضرر، كما أن قوله تعالي: (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (نفس الآية الكريمة) دال علي اهتمام ثان بالأم نتيجة مجئ مولودها إلي الحياة، وهو اهتمام فوق الاهتمام، وكل ذلك يلغي تماماً أية فكرة يمكن أن تنشأ (من جديد) لإلحاق أدني الضرر بالأبناء (عموماً)، مما يجعل من المستحيل وجود فكرة الوأد (هذه) في أي زمن من الأزمان.
4- بيان عدم التمايز أو الاختلاف (بأية درجة من الدرجات) بين الأبناء (من الذكور أو الإناث علي السواء) من حيث: التكليف، أو العناية، أو الجزا بأي شكل من الأشكال..... وذلك كما في الأمثلة الموجزة التالية:

ففي التكليف:
أ‌-المساواة في التكليف بتوحيد العبادات: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة 43)، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) (البقرة 183)، (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران 97)، (آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ) (النساء 136).....

ب‌-المساواة في التكليف بالوفاء بالعقود: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) (المائدة 1)، (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء 34).

ج- المساواة في التكليف بترك المحرمات: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف 33).

د- المساواة في التكليف في سائر المعاملات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) (البقرة 282)، وهي آية كريمة طويلة (أطول آية في القرآن الكريم) تشتمل علي أحكام عديدة في هذا الصدد، وفيها قوله تعالي: (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء)، وهو قول عظيم دال علي الحكمة من معادلة الشاهد الواحد من الرجال بشاهدين من النساء، وهي الخوف من أن تضل المرأة بعاطفتها (أي تنسي كنسيان آدم، وهذا بالطبع ليس نقصاً فيه عليه السلام، فالأنبياء لا ينسب إليهم النقص) نظراً لسمو تلك العاطفة وتركز الإحساس بالبنوة عندهن، وهذا من مِنَح الله تعالي الزائدة لهن علي ما عند الرجال، مثلما يوجد عند الرجال ما يزيد كذلك عما هو عندهن من المنح الإلهية (كالقوة مثلاً) وكل ذلك من اكتمال الصفات المؤهلة لكل نوع منهما لأداء مهام وظيفته في المجتمع الإنساني الراقي وليس فيه أدني علو لواحد منهما علي الآخر!!

هـ- المساواة في أركان العقيدة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا) (الحجرات 15)، وهي آية كريمة جمعت أسس العقيدة الإسلامية، وبقيتها قوله سبحانه: (وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (نفس الآية الكريمة) الذي يظن معه أن الجهاد بالنفس مقصور علي الرجال (وحدهم) دون النساء!! وهذا خطأ كبير، لأن ذلك الأمر متسع للنوعين جميعاً، إذ إن الجهاد السلمي، والجهاد في الحروب يقومان علي تعاون الاثنين معاً، وهو للأسف مشاهد (بدرجة أوضح) عند بعض الدول الأخري في العالم المعاصر، والمسلمون أولي به، فدينهم يدعو إلي ذلك بكل وضوح!!
وفي العناية:
أ‌- العناية بتولي الله سبحانه أمر المؤمنين (جميعاً): (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ) (البقرة 257)،

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) (يونس 9).

ب‌-العناية بالوعد لهم بعدم الخوف والحزن (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأنعام 48).

(فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف 35).

ج- العناية بالوعد لهم جميعا بعدم الضلال والشقاء: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) (طه 123)، وهي آية كريمة (وحيدة) جامعة لهذين الشقين معاً.

د- العناية لهم بالنجاة والنصر (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر 61)

(وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم 47).

هـ- العناية كذلك بنزول الرحمات الخاصة لهم جميعاً دون تفريق (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف 56).

(يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (آل عمران 74).
في الجزاء:

أ‌-تساوي الجزاء في قبول العمل (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة 27).
ب‌- تساوي الجزاء في ثواب العمل (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) (آل عمران 195).

ج- تساوي الجزاء في دخول الجنة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) (الكهف 107).

د- تساوي الجزاء في التكريم الإلهي في الجنة (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ*فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (القمر 54، 55).

هـ- تساوي الجزاء في إلحاق الذرية بمنزلة الأبوين: (َالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (الطور 21).

وهكذا يتحقق التساوي الكامل (بالعدل والفضل) بين الرجال والنساء (ودون تفريق) في التكليف، والعناية، والجزاء، فلم يبق بعد ذلك أي سبيل حتي يزعم أحد أن بينهما أي خلاف!!

5-بيان حق البنت الكامل في العمل والاختلاط دون حاجة إلي ولاية رجل، وهي علامة واضحة لثقة الإسلام في البنت التي يصلحها كقاعدة أن تواجه الحياة وحدها دون أن يكون معها أب أو أخ أو زوج أو ابن أو قريب (كضرورة لبناء شخصيتها التي حرص علي تزكيتها الإسلام) ودليله قول الله سبحانه وتعالي:
(وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) (القصص 23).

وفيه يتضح أن هاتين المرأتين وكانتا بنتين (كما يوضحه السياق) بدليل قول أبيهما (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) (القصص 27)، وهو الأصل الذي لا يخرج عنه إلا بدليل ! كانتا قد خرجتا من أجل عمل يشترك فيه الرجال والنساء جميعاً (وليس عملاً خاصاً بالنساء وحدهن) دون أن يكون معهما أي رجل لوقايتهما، (كما يذهب المغفلون)، لأن الذي يقي البنت ويحصنها أصلاً عفافها وخلقها، كما أنه ليس معني خروجهما معاً أنه بديل عن الإحصان برجل، لأن المقام هنا مبين لعلة هذا الإزدواج وهو الرعي الذي يستلزم أكثر من شخص للإحاطة بالغنم من ناحيتين لئلا تتفرق، فلا ينبغي اختراع علة جديدة تخرج عن السياق العام للنص، اللهم إلا لو قام عليها دليل، وهذا من شأنه أن يفتح عين المسلم علي أهمية ما يعطيه الإسلام من ثقة (كاملة) للبنت في مواجهة مجتمعها مهما تعددت أنماطة أو تعقدت حياته، وبالتالي فلن تكون البنت محلاً للفتنة أو مجلبة للعار، أو مجالاً للمعايرة كما كان يعتقد أهل الجاهلية المتخلفون، ويجب ألا ننسي أن تشريع الأمم السابقة (شرع من كان قبلنا) هو شرع لنا ما لم يلغه نص (قرآني) واضح لا يختلف عليه اثنان وذلك لقوله تعالي:

(يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) (النساء 26)

وتلك من القواعد الأصولية الثابتة في الإسلام، وقد صرفنا عنها وللأسف أكثر الجهلة المقلدين!!

6-تخصيص البنات (خاصة) والنساء (عامة) بكونهن علي قمة المتاع الدنيوي للرجال لينلن المزيد من العناية والتكريم والإنفاق، وهذا واضح في قوله تعالي:

(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (آل عمران 14).

وفيه يتضح أن هذا التزيين (المتعلق بالنساء) تزيين إلهي (مقدس) لتقوم به الحياة (كما نراه في كل صور التزيين الأخري في الآية الكريمة)، ولا شك أن هذا سبيل شرعي واضح للاستمتاع الدنيوي المباح (الذي يَنْدُب إليه الشرع الحنيف ويرغب فيه ما دام في حدود ما يأذن به الله)، وهذا شأنه أن يجعل النساء موضعا للعناية والتكريم والإنفاق، إذ أن الشرع لم يجعل لنيل هذه المتعة السباحة (المندوبة)، وهي الاستمتاع بالنساء من وسيلة إلا الزواج منهن لقول الله تعالي:

(الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (النساء 1)

الذال علي كون المرأة لا تكون في علاقتها بالرجل الغريب عنها إلا زوجة له، وليست شيئاً آخر علي الإطلاق، مما يجعل العناية بها والتكريم لها والإنفاق عليها ضرورات ثابتة لهذه العلاقة دون استثناء، وهذا إعلاء من شأنها علي وجه العموم، وبيان لكونها محلا للتكريم الإلهي، وليست عبئاً علي أبيها، أو عاراً علي أسرتها، أو ناقصة في عقلها ودينها كما اخترع الكذابون، وردَّد الواهمون، واعتقد ذلك من بعدهم المغفلون الجاهلون!!

7-تخصيص البنات بالمهور عند الزواج تكريماً لهن، فإن الله تعالي يقول:
(فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء 25)

وفيه يتضح وجوب استئذان أهل البيت، (أي بما يقضي به العرف)، فلا بخس فيه، ولا وكس، بل إن الزيادة فيه مستحبة شرعاً (للقادر علي ذلك) لقول الله عز وجل:

(وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا) (النساء 20).

وفيه يتضح أيضاً أن هذه الزيادة لا تسترد بعد الطلاق كما هو ظاهر النص الكريم، وتبقي هنا مسألة هامة، وهي أن يقال:
كيف يسمي المهر (أجرا)؟؟.... وخصوصاً فإن كلمة (أجر) تنتقص من قدر العلاقة الزوجية (الإنسانية) كما قد يَفهم من ذلك بعض المتسرعون؟؟.... والجواب علي ذلك أن الأجر يكون دائماً للمكافأة الحسنة علي إنجاز شئ علي الوجه الحسن، وقد رضي الله تبارك وتعالي أن يجعل علاقة المؤمنين، والشهداء، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام به سبحانه (علي مستواها ونقائها) علاقة ذات أجر، وذلك كما في قوله سبحانه: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ) (البقرة 62)، وقوله جل علاه: (وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) (الحديد 19)، وقوله تبارك اسمه: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (العنكبوت 27)، كما كان للأنبياء جميعاً (عليهم الصلاة والسلام) يقولون (أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء 109، 127، 145، 164، 180)، وهي عن الأنبياء نوح وهود وصالح ولوط وشعيب (عليهم السلام)، وهي سمة عامة لهم جميعاً (عليهم الصلاة والسلام)، حتي قال محمد (صلي الله عليه وسلم): (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (سبأ 47)، مما يقطع بأن الأجر هو جزاء حسن لفعل حسن، وليس جزاءً تبادلياً علي فعل قبيح كما قد يتبادر إلي ذهن المنحرفين!، وهنا يقرر الشرع الحكيم مهر البنت حين زواجها جزاء حسنا علي مجرد قبولها لمبدأ الزواج، أي تخصيص نفسها لرجل (الزوج) بعينه ووقف حياتها الأسرية عليه، فإن ذلك في حد ذاته فعل حسن يستحق الجزاء الحسن كما هي القاعدة الشرعية: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن 60)، ولو لم يكن الشرع يقدر النساء تقديراً (عالياً) لجعل العلاقة الزوجية علاقة إيجاب وقبول (فحسب) دون هذا المهر، ولكن أيجاب المهر في حد ذاته شهادة من الشرع بعلو قدر المرأة عند ربها (سبحانه وتعالي) الذي شرع الزواج وفرض له المهر، وأوجب لها بعد ذلك حسن المعاملة من زوجها وجوباً: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء 19) بتقديره الحكيم وتدبيره العظيم.

8-تخصيص البنات باستحقاق نصف المهر المفروض إذا لم يتم الزواج، وذلك كما في قوله تعالي: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة 237)، وهو قول حكيم (عال في حكمته)، يبين ما شرعه العليم الحكيم البر الرحيم للبنت التي يعقد عليها شاب (رجل) ولم يسلم لها صداقها، ولكن اكتفي بتحديد مقداره ليدفع به إليها عند الدخول بها، ثم طلقها قبل الدخول بها حيث تتجه الأمور المتوقعة حينذاك (كما يبدو للعقل) إلي فض العقد وانتهاء الأمر إلي ما كان عليه تماماً، لكن الملك العظيم شرع هنا أن يتوجب علي الزوج الالتزام بنصف ما حدده من المهر لئلا يثقل الأمر عليه إذا التزم به كله (من ناحية) وإلا تضيع كرامة البنت (المطلقة قبل الدخول بها)، إذا أعفي منه كله من ناحية أخري، وهذا تشريع محايد لا يكون إلا من إله غني عن خلقه جميعاً، وهو في نفس الوقت تكريم خاص بالبنت يؤكده ما جاء من تتمة هذا الحكم حيث أوجب سبحانه استحضار العقل وإدخاله في المساءلة لكل من الطرفين (حسب حالة كل منهما)، فإما أن تعفو البنت المطلقة (علي هذا النحو) فتترك هذا النصف (مع كونه حقا لها) وأما أن يعفو الزوج (الذي طلق قبل الدخول) فيعطيها المهر المسمي كله (كاملاً)، وهذا للطرفين جميعاً، وقد ندب الحكم الشرعي هنا إلي اختيار منهج العفو بحيث يتنازل كل طرف عن حقه لإكرام الطرف الآخر لأن ذلك أقرب إلي تحقيق التقوي عند من يفعله، كما في قوله تعالي: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)، وهي للطرفين جميعاً (علي السواء)، ولكننا نري أنه متجه إلي الأزواج (الرجال)، خصوصاً بدليل قول الله سبحانه في موضع آخر: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً*وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء 20، 21)، الدال علي أن أخذ شئ من المرأة في مثل هذه الحالات الفراقية لا يحبذه الشرع الذي يراعي بدرجة أشد وقع المواثيق والعهود علي النساء وشدة تأثرهن بذلك لرقة إحساسهن وعلو مشاعرهن، وهذا واضح عندنا تمام الوضوح!! وكل ذلك من تقدير الإسلام للبنات (خاصة)، وفي مثل هذه الحالات وللنساء (كلهن) كذلك علي وجه العموم!!.

9- تزكية النساء (كزوجات) بكونهن سكناً لأزواجهن (وليس العكس)، كما بين ذلك القرآن العظيم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم 21)، وكذلك: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف 189)، وهو قاطع الدلالة علي أن الزوجات سكن للأزواج، وفي هذا تكريماً للمرأة، أي تكريم، ويمكننا أن نعرف فضل الله تعالي علي المرأة (في مواجهة الرجل)، بأن نتأمل قوله سبحانه: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا) (النحل 80)، حيث نري ضرورة وجود البيت لإنطلاق الإنسان وسعيه في الحياة، وإن من المستحيل عليه أن يتواصل في تعمير الأرض تبعاً لمقتضيات المنهاج الإلهي (الحق)، إلا انطلاقاً من بيت يأويه ويتسم بالسكينة والهدوء، وما يلحق ذلك من المودة والرحمة، وكذلك تكون المرأة (الزوجة) سكناً بالنسبة للرجل (الزوج) دائما حيث لا سبيل له لتحقيق الخلافة الأرضية المنوطة به إلا بالسكون إلي المرأة التي تكون له مستقراً آمناً كالبيت سواء بسواء، لتخفف عنه ضيق الحياة وشدتها وتزيل عنه عناء الأيام وقسوتها، وهذا في عموم الحالات والقليل النادر لا حكم له، وفي هذا فضل كبير اختص القدر الإلهي به المرأة منذ بداية الوجود البشري علي الإطلاق، وجعل الرجل مفتقراً إليها علي الدوام لتحقيق سكنه حتي يمكن أن يواصل رسالته في الحياة علي الوجه الصحيح، ولا شك أن هذا الافتقار الأساسي في رسالة الحياة للرجل دال علي مدي احتياجه للمرأة احتياجاً ضرورياً وآمناً بلا أدني انقطاع، وهو دليل عظيم علي تزكية الإسلام للمرأة (خصوصاً)، فهل يمكن أن يجول في ذهن أحد (بعد ذلك) أن يئد البنات، وقد منحهن الله سبحانه كل هذا التكريم؟

اجمالي القراءات 34173