القراءة والقرآن

عثمان محمد علي في الأحد ٢٨ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

القراءة والقرآن :

بسم الله الرحمن الرحيم

تكونت الأبجدية العربية من ثمانية وعشرون حرفاً بدأت  بحرف ( الألف ) وإنتهت  بحرف (الياء) ، وبالرغم من أن  هذه الحروف مُسخرات لاتقبل حرية القبول أو الرفض فى ترتيبها داخل  الكلمات المنطوقة أو المكتوبة  ،  إلا أن لكل  حرف منها دورً رئيسى  فى ترتيب الكلمة وتبيان معناها  و مرادها المقصود حسب سياق الجملة التى ذكرت فيها .وبالرغم من  أن ليس للحروف حرية فى إختيارها أو ترتيبها  داخل الكلمة ، إلا أن الكلمة  تترك طابعاً معيناً عند سماعها أو قولها أو  قراءتها ،فمثلاً الإنطباع الناتج  عن  سماع أو قراءة كلمة (فرح) يختلف إختلافاً كاملاً عن الناتج عند سماع كلمة  (حُزن)،  و (الحرب ) عن (السلام) ،وهكذا وهكذا .ومن الكلمات التى نود أن نلقى عليها الضوء اليوم هى  الفعل (قرأ) ، فلهذا الفعل وهذه الكلمة مكانة عالية مرموقة فى اللسان العربى لم  نلتفت إليها بعد ولم نعطها حقها حتى الآن ، فكفاها دلالة  على تلك المكانة وعلى ضرورة الإهتمام بها  أنها كانت أولى كلمات الرسالة الخاتمة إلى خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام (اقرا بإسم ربك الذى خلق )

وقد وردت مشتقات الفعل (قرأ) فى القرآن الكريم (88-ثمانية وثمانون مرة) ،تمثلت فى الكلمات الآتية :

اقرأ ----يقرءون ----نقرؤه-----أقرءوا----- فأقرءوا--- سنُقرئُك--- قُرىء---- قروء---قرأت ---وقرآنه ----قرآناه –قُرآناً---قرآن ----بقرآن ---- القرآن .

-فجاء الفعل (اقرأ) ثلاث مرات بصيغة المفرد ، اثنتان منها للأمر بالقراءة فى الدنيا ،  (اقرأ باسم ربك الذى خلق . خلق الإنسان من علق .اقرأ وربك الأكرم )  العلق 1-3-  ،وواحدة  لقراءة كتاب الأعمال الفردى فى الآخرة (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) الإسراء –14.

ومرتان بصيغة الجمع ،إحداها فى الأمر بقراءة ما تيسر من القرآن ( فاقرأوا ما تيسر منه ) – المزمل – 20- والثانية فى طلب قراءة كتاب الأعمال الجماعى  لأصحاب اليمين ( فأما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم أقرءوا كتابية ) الحاقة-19.

والفعل (اقرأ) هو أحد أهم سُبل المعرفة الإنسانية بالإضافة  للسمع وباقى أدوات المعرفة الآخرى ، إلا أنها الوسيلة الوحيدة التى تميز بها الإنسان عن باقى المخلوقات ،فقد يكون هناك وسائل إتصال ومعرفة بين أبناء الجنس الواحد من  الأجناس الآخرى، غير أنه بالتأكيد ليس من بينها القراءة ، فهى وسيلة تكريمية ضمن ما كرم الله به (الإنسان) من إكرام . واعتقد أننا بحاجة أن نتعامل معها  بالشكل الذى يتناسب بما  كرمنا وكرمها بها القرآن الكريم ، فقد ذكرها ربُنا مرتبطة بالتوكل عليه وحده سبحانه  فى قوله تعالى (اقرأ بإسم ربك الذى خلق .خلق الإنسان من علق .إقرأ وربك الأكرم) . فهى فى دلالتها  السريعة تُشير إلى الهدف الأصلى من الرسالات وهى الثقة والإيمان فى أنه  (لا إله إلا الله)  الخالق العظيم الذى خلق الإنسان من علق ، وأنه سبحانه المُعين على فهم القارىء للقراءة مثلما يستعيذ به  سبحانه من الشيطان الرجيم . وهُنا تكون النقطة الفاصلة دائما بين التوكل على الله والإعتماد عليه فى حياة المؤمن بما فيها القراءة وبين الغفلة والتغافل ونسيان الإعتماد والتوكل على الله . فالمؤمن تدور حياته كلها  فى فلك (قل إن صلاتى ونُسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين وبذلك أُمرت لا شريك له وبذلك أُمرت  وأنا أول المسلمين ) ، فالقارىء فى كُل  الأحوال سيقرأ المادة المقروءة أمامه سواء توكل على الله وأستعان به ليفتح أمامه سُبل ومفاتح فهمها ،أم تغافل عن الإستعانة به سُبحانه .ولكن لكل منهما درجات غيبية مختلفة ،فمن جعلها قربى لله وتوكل عليه فيها سيكون  أعظم درجة وستُحسب له  فى ميزان حسناته فى الدنيا والآخرة  ، أما الآخر سيقرأها  ورغم ذلك فقد يحصل على جزاءها دنيوياً ولكن بالتأكيد لن يجد صداها فى الاخرة وسيكون ممن قال عنهم القرآن (فمن الناس من يقول ربنا اتنا في الدنيا وما له في الاخرة من خلاق).ولنتخيل  كيف ستكون نتائج قراءة قارىء ً( يعتمد على الله متوكلاً عليه وحده فى قراءته )عليه وعلى الناس . ومن هنا كانت قيمة (اقرأ بإسم ربك الذى خلق.خلق الإنسان من علق .اقرأ وربك الأكرم) عند المؤمنين المتوكلين على الله وحده لا شريك له .---

ونكتفى بذلك عن القراءة ولا نريد الحديث عن الكلام العام والمعروف عن قيمة القراءة ،ولكن أردنا أن ننوه عن الفارق بين القراءة بإسم الله ،والقراءة بإسم الشيطان أو تحت أى أسم من مخلوقاته .

--

أما عن الصيغة التى تحدثت عن الفعل (اقرأ) بالمفرد عن قراءة كتاب الأعمال لكل فرد على حده كأحد الأدلة على المسئولية الفردية ،والحساب الفردى كما وردت فى قوله تعالى ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ) ،وقوله تعالى (وكلهم اتيه يوم القيامة فردا ) ،فجاءت قراءة كتاب الأعمال الأولى  فردية ايضاً فى قوله تعالى (وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونُخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً) .الإسراء 13-14-.ثم بعد ذلك يفرح المؤمنون بكتابهم فيقول المؤمن فرحاً بكتابه ( فاما من أوتى كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه. إنى ظننت أنى ملاق حسابيه .فهو فى عيشة راضية .فى جنة عالية .قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئاً بما اسلفتم فى الأيام الخالية) . الحاقة – 19-24... وهنا لنا أن نتأكد من أهمية دور القراءة فى حياة المرأ فى الدنيا والآخرة ،وعلى كُل منا أن يختار فى دُنياه  نوعية ما يريد قراءته فى الآخرة .  

ولنا أن نسال هل ستكون نفس طريقة  القراءة  فى الآخرة هى نفس ما كانت فى الدنيا ؟؟ أم ستتغير مثلما ستُبدل  (السموات والأرض ) والخلائق بما يتناسب مع الحياة الآبدية ؟؟

وهل ستكون قاصرة على القراءة بالعين واللسان أم ستكون متعددة الوسائل باللسان  والجلد والسمع والعين وكل ما فى الإنسان من حواس يومئذ ؟؟؟

 وهل ستكون بلسان (بلغة ) واحدة  أم بلغات متعددة كما كانت فى الددنيا ؟؟ ----

 الله أعلم ... ولكن المؤكد أنها (قراءة كتاب الأعمال ) آتية لا محالة فلنستعد لها بتوكلنا على الله وإعتمادنا عليه وحده فى قراءتنا الدنيوية .

-(سنُقرئُك)

وردت الكلمة القرآنية الكريمة فى قوله تعالى (سنُقرئُك فلا تنسى .إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى) . الأعلى -6-7 فى وعد رب العالمين لعبده ومصطفاه –محمد بن عبدالله- بحفظه لقرآنه الكريم فى ذاكرته   ضمن مراحل حفظه سبحانه  للقرآن  فى الحياة الدنيا  ، ولتُخبرنا وتؤكد لنا  على أن النبى محمد بن عبدالله عليه السلام لم يك ليستطيع أن يخرج بعيدا عن حكم الله  هذا  ،بل  كان مُتبعا لتعاليم المولى عزّ وجل فى تلقيه وتبليغه للرسالة كما علمه ربه ،وأنه لم يتقول على الله فيها و دون أن يضيف إليها أو يمحو منها دون إذن المولى جل ّ وعلا  .وقد شهد  له رب العالمين بذلك حين قال ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا) .  ولم يكتف (عليه السلام ) بحفظه للأمانة كما أرادها ربنا سبحانه فقط  ،ولكنه  إمتاز معها بأنه كان أول المُسلمين بها ،والداعى  والمُطبق الأول على نفسه لها  ،حتى  تحول بها  إلى قرآن يمشى على الأرض .  فإستحق بذلك أن يفوز برضوان الله ، وأن  يتلقى وعده  بالغفران حين قال له ربه  (ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما) .

 والغريب من يأتى بعد ذلك  و يتقول  عليه من شياطين  الإنس  والجن ويقولون  أنه  ترك لهم القرآن ومثله معه !!!! هل هذا معقول ؟؟؟؟

(القرآن) –

لا إله إلا الله  وحده لا شريك له  الذى( ليس كمثله شىء وهو السميع البصير ) القدوس الرحمن .

  رغم تسخير وطواعية أبجديات اللسان العربى  للناطقين بها إلا ان هناك من كلماتها ما لا يمكن نطقه أو كتابته أو نسبته إلا لله  جل جلاله ، أى انها محصورة ومقصورة للتعبير عن الخالق الكبير المتعال  وحده. ومن هذه الكلمات أسماء الله ( الله ،و القدوس ،والرحمن ) ،فلم يجروء  أحد  من خلقه أن يُسمى نفسه أو يطلق على نفسه أى من  تلك الأسماء  حتى من إدعى منهم  الألوهية ،ومن  حارب الله ورسوله  من أمثال (فرعون موسى ، أو الذى حاج إبراهيم فى ربه  ، أو أبو لهب أو أبو جهل ) ،ففرعون فى أعلى درجات طغيانه وتكبره وجبروته قال (فقال أنا ربكم الأعلى ) ، والرب يطلق على (الله جل جلاله ) وعلى الأرباب الآخرين ، أى انه لم يقل (أنا الله ، أو أنا القدوس ، أو أنا الرحمن )  . أى أن هناك أسماء وصفات وكلمات لا تُنسب إلا إلى الله جل جلاله . وكما إختص ربنا سبحانه باسماء وصفات خاصة به  لا يشاركها فيها ولاينازعه فيها أحدا  ،فقد إختص رسالته الخاتمة وكتابه  الحكيم بإسم لا يشاركه أو ينازعه فيها كتاب آخر. و هذا الإسم هو ( القرآن) .

فابالرغم من سهولة  الأبجدية العربية  كما قلنا ، ورغم  أن من بين أبناء العربية من غالى فى إستخدام غرائب كلماتها ، ومن ألّف فى علومها من بين (نحو وصرف وبلاغة )، ومن سرد منها قصص وحكايات وروايات  ،ومن سُموا  (بالأدباء) ،ومنهم من حصل على جوائز عالمية فى آدابها ، ورغم وجود  أعداء القرآن عبر  الزمان والمكان  من المسلمين وغير المسلمين ، فلم نسمع أو نقرأ أو نعلم عن من سمى مؤلفه ( قرآن  فلان ) ، بل إن من زعموا أنهم يكملون شريعة الله بمؤلفاتهم ،ورغم أنهم كانوا ألعوبة الشيطان فلم نرى منهم أحداً  يقول عن (صحيحه أو مسنده ) أنه ( قرآن البخارى ، أو قرآن مسلم ، أو قرآن الشافعى ، أو قرآن محى الدين بن عربى ، أو قرآن الشعراوى ، أو قرآن القرضاوى ، أو أو ) ولكن أطلقوا عليهم  ( صحيح البخارى ، وموطأ مالك ، والأم للشافعى ، وطبقات إبن عربى ، ووووو ) ،أى انهم ومعهم شياطينهم من الإنس والجن لم يجرءوا على إطلاق إسم ( القرآن) على مؤلفاتهم البشرية ولم يستطيعوا أن يمحوه من اسماء الرسالة الخاتمة  ... وهذه هى  إحدى إعجازات المولى عزّ وجل فى  قرآنه الكريم  الذى سبق و تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله   .. فسبحان من جمع  الأسمين المقصورين عليه وعلى كتابه فى قوله تعالى ( الرحمن .علم القرآن) .

اجمالي القراءات 16351