الله العظيم
اردت في هذه المقالة القصيرة ان اسلط الضوء على امور ثلاثة لفتتني خلال قراءتي للقرآن الكريم، امور يمر بها كل من يقرأ القرآن لكنني احببت ان الفت نظر القارئ الى ما لفتني، هذه الأمور الثلاثة بينها قاسم مشترك يتمثل في حلم الله سبحانه على الناس وصبره وسعته في خطابه لهذا الكائن البشري، هذا الكائن كثير الجدل ناكر النعم، والذي قال الله سبحانه فيه: ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان اكثر شيء جدلاً، وقال كذلك: واذا انعمنا على الانسان اعرض ونأى بجانبه واذا مسه الشر كان يؤوسا، وقال ايضاً: كلا ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى، وقال: ان الانسان لربه لكنود، فهذا الانسان كثير الجدل ناكر للنعم غافل عن ذكر الله رغم التهديد والوعيد ورغم الترغيب والخطاب اللين الودود من الله الكبير اليه؛
الامر الاول من هذه الامور هو استخدام القسم في القرآن لاثبات الحقائق للإنسان، الله العلي الكبير يقسم بذاته العلية فيقول: ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون، كما يقسم بمخلوقات كالشمس والقمر والجبال والشجر...، فيقول: وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُور فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِن دَافِعٍ"، يقسم بذاته وبهذه المخلوقات " ليقنع! " هذا الكائن، كثير الجدل، الصغير الهائم في بحر الكون اللامحدود.
ان الانسان ذا الخلق السوي ليخجل من نفسه اذا اقسم له انسان كبير مهيب ليصدقه في امر ما، فكيف لا يخجل هذا الانسان عندما يقسم له خالق السماوات والارض الكبير المتعال لكي يصدقه فيما يقول؟!!!!! من هو هذا المخلوق الذي لا يصدق رب العزة الا اذا اقسم له؟! بل ان الكثير من البشر لا يصدق قول الله سبحانه حتى بعد القسم!!!
الامر الثاني: ان الله العلي الكبير يكتب عل نفسه، وامام مَن؟! امام هذا الكائن، ناكر النعم كثير الجدل، فيقول سبحانه: كتب ربكم على نفسه الرحمة انه من عمل منكم سوءً بجهالة ثم تاب من بعده واصلح فأنه غفور رحيم. في القانون الذي يحتكم الناس اليه في الحياة الدنيا يكتب على نفسه الذي عليه الحق، يتعهد امام الحضور!! ويلزم نفسه بتأدية الحق الذي عليه!!، الله سبحانه يكتب على نفسه فعل اشياء معينة، يكتب على نفسه امام هذا الكائن الضئيل، يكتب على نفسه وهو مالك الملك، قاهر الجبارين!!
الامر الثالث: ان الله العلي الكبير شكور، يشكر هذا الانسان الضئيل اذا امتثل لاوامره العلية!!، وهي اوامر ملزمة لهذا الانسان ليس له الخيار في تنفيذها بعد ان يعلن نفسه عبداً لله وحده، ومع هذا فإن الله سبحانه يشكره على امتثاله لهذه الاوامر رغم انها واجبة ـ وهنا تسقط المقولة الشعبية الشائعة بين الناس " لا شكر على واجب "! ـ فرب العزة سبحانه يشكر عباده على ادائهم واجباتهم! وهو سبحانه يقول: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ان الله غفور شكور، ويقول كذلك: ان هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورا .
بعد هذا العرض السريع لهذه الامور اللافتة للانتباه هل نستطيع عقد مقارنة بين رب العالمين سبحانه وبين الآلهة الارضية بكافة اشكالها، أي من الآلهة الارضية على ضآلتها شكور لأفعال عبيده؟!، وأي من هؤلاء يقسم لعبيده ليصدقوه؟!، واي منهم يكتب على نفسه امام عبيده ان يفعل لهم كذا وكذا؟!!!!!! كلا، لا يوجد من الآلهة الارضية من يفعل ذلك، كما انه لا سبيل لنا نحن لعقد هذه المقارنة لأن البشر لا يقارنون بين ضدين ليس بينهما شبه البتة، ولكن الله الكبير المتعال " عقد " هذه المقارنة حيث قال: هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه، وقال ايضاً: قل ارأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله اروني ماذا خلقوا من الارض...، وهذا امر عجيب آخر يضاف الى الامور الثلاثة التي ذكرناها، ان يعقد رب العزة مقارنة بين ذاته العلية وبين الآلهة العاجزة لكي يقتنع عبيدها بعجزها وفسادها كما اراد سبحانه اقناع هؤلاء العبيد عندما اقسم لهم!! ولا بد ان القرآن الكريم يشتمل على امور اخرى لم اذكرها، وهي امور نعجب منها للوهلة الأولى، لكن العجب يزول عندما نستحضر في انفسنا انها صادرة عن الله العظيم، الواسع الحليم الصبور.