رأى الدكتور - عزالدين نجيب فى (آتى الزكاة)

عثمان محمد علي في الأربعاء ٢٤ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نظراً لعدم إمكانية التسجيل بالموقع الآن ،فإننا سنقوم بنشر (مقالات وتعقيبات) الدكتور -عزالدين نجيب - تحت باب (مقال أعجبنى ) فيما بعد ، ولكن يشرفنى أن انشر رأى سيادته عن (آتى الزكاة ) على صفحتى المتواضعة اليوم .

-----------

بسم الله الرحمن الرحيم .

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت بعض ما نشره موقعكم عن الزكاة، وأسعدنى أن البعض قارب فكرى فى معناها (كالأستاذ مصطفى فهمى فى تعليقه بتاريخ 26/12/2008 عندما فسر الزكاة بأäEgrave;أنها تزكية النفس وهو فهم ذكى لمن تدبر الآيات)، ولكنهم لم ينتقلوا بالأمر إلى خاتمته المنطقية كما أراها. برجاء نشر رأيى وطرحه للنقاش.

فـ زكا يزكو بمعنى: نما ينمو، أو زاد يزيد، أو علا يعلو
وهو نفس معنى كلمة ربا يربو ولكن الله فى قرآنه الكريم استعمل زكا فيما هو خير، واستعمل ربا فيما هو ليس كذلك.
ولنركز الآن على كلمة زكا ومشتقاتها فى القرآن الكريم:

زكيًا
{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَاماً زَكِيّاً }مريم19
أى غُلاما عالى القَدر عند ربه، أو تجاوزا: طاهرا، ولكننا سنجد أن الله تعالى استعمل أزكى وأطهر متجاورين، وتُطهرهم وتزكيهم متجاورين أيضا لإختلاف دقيق فى المعنى، كما سترى فى الآيات التالية.

يتزكى
{الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} الليل18
الذى يُعطى ماله يطلب علو قدره عند ربه

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} فاطر18
فمن يطلب عُلو قدره عند الله يعلو قدره لما فيه خيره

تزكى
{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى }طه76
أى: من أعلى قدره عند ربه ويكون هذا بالأعمال الصالحة وممارسة الفضائل، أو من تطهر

{فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى }النازعات18
{قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى }الأعلى14

تُزكوا
{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }النجم32
أى لا ترفعو من أقداركم (بالباطل)، اى لا تمدحوها

زكاها
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} الشمس9
قد أفلح من رفع قدره نفسه عند ربه، أو طهرها، ويكون هذا بالأعمال الصالحة زبالفضائل

أزكى
{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً }الكهف19
أى أعلى مقدارا أو أفضل أو أطهر

{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة232
أى أعلى قدرا لكم، أو أفضل (وهى غير أطهر)

{فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }النور28
أى أعلى قدرا لكم، أو أفضل

{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }النور30

تُزكيهم
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة103
أى تُعلى من قدرهم عند ربهم (ولا حظ أنها تختلف عن معنى تُطهرهم هنا)

يُزكون
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }النساء49
أى يرفعون من قدر أنفسهم (بالباطل) أى يمدحونها بما ليس فيهم، ولكن الله هو الذى يُعلى قدر من يشاء

زكا
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }النور21
أى ما زاد أو رفع وأعلى من قدر أحد منكم أبدا عنده

يُزكيكم
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151
أى يُعلى من قدركم عند ربكم بما علمكم من الفضائل وصالح الأعمال

يُزكيهم
{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }البقرة129
أى يُعلى من قدرهم عند ربهم بما تعلموه من فضائل وصالح الأعمال
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }البقرة174
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }آل عمران77
{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }آل عمران164
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2

زكية
{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً }الكهف74
أى عالية القدر عند ربها، أو طاهرة

الزكاة
{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ }البقرة43
أى افعلوا ما يُزكيكم عند ربكم أو افعلوا ما يُعلى قدركم عن ربكم، وليس معناها إعطاء الصدقة للفقراء فقط، فإعطاء الصدقة جزء صغير من الزكاة، والباقى هو عمل الصالحات أو ممارسة الفضائل، وباختصار هو عمل كل ما يرفع من قدرك عند ربك. فلا يُمكن أن يدخل الجنة من أعطى الصدقة فقط لو فهمنا معنى يتزكى فى الآية التالية بمعنى يُعطى الصدقة:
{جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى }طه76

ونُلاحط أن إقامة الصلاة تأتى مقرونة بإيتاء الزكاة فى 26 آية غير الآية السابقة التى ذكرناها، فقد كنت كلما قرأت "أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة" وأقرأ تفسيرها فى كتب التفسير، أقول لنفسى: أهذا كل شىء: أُقيم الصلاة وأُعطى قرشين للمساكين؟ ولذلك فقد قرأت وتدبرت كلمة زكا ومُشتقاتها حتى وصلت إلى الرأى الذى أعرضه عليكم.

ولاحظ هذه الآية جيدا:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ }المؤمنون4
أى يفعلونها وليس يُعطونها، فالزكاة فِعل وليست إعطاء

نأتى الآن إلى معنى كلمة آتى:
فهى تأتى بمعنى: أعطى
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }محمد17
{لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }البقرة177

وتأتى بمعنى: فعل
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً }الأحزاب14

إذن فـ "آتى الزكاة" تعنى: فعل ما يُعلى قدره عند ربه، ولا يكون ذلك إلا بفعل الصالحات وممارسة الفضائل.
أما أن نقصرها على إعطاء الصدقة فقط فهذا غير معقول فى نظرى. فالزكاة عندى هى فعل كُل ما يُعلى من قدر الإنسان عند ربه، فهى تعنى: آتى الصدقات، وأنفق فى سبيل الله، وأوفى بالعقود، وجاهد فى سبيل الله، وصدق فى كلامه، وصبر فى البأساء والضراء وحين البأس، ورحم اليتيم، وحض على طعام المسكين، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، إلخ ... إلخ

فقد حور الفقهاء معنى الزكاة وقصروها على مبلغ من المال يُدفع للفقراء والمساكين .... إلخ، وأضاعوا باقى معناها، واخترعوا لنا مصطلح النِّصاب، وأدخلونا فى متاهات زكاة الثمار، وزكاة المال، إلخ، وقدروا لها نسبا، وفى كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق عندما تحدث عن مصارف الزكاة، أورد الآية:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} {60} (التوبة)
فإذا قلنا يا مولانا هذه عن الصدقات وهى جزء من الزكاة التى هجرتم معناها، هاجوا وماجوا.

قد يكون هذا رأيا صادما، ولكن رجائى قبل أن تندفعوا فى الرفض والإنكار أن تقرأوأ الآيات مرات وتتفهموها، ثم نتحاور بالحُسنى؟
والسلام على من اتبع الهدى
عزالدين محمد نجيب
24/6/2009

اجمالي القراءات 18859