الباب الأول : منهج القرآن الكريم فى التأكيد على التقوى غاية ومقصدا لفريضة الحج :
ßÊÇÈ كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الفصل الثالث : التقوى أساس فى الدعوة للحج :

في الخميس ٢١ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

الفصل الثالث :  التقوى أساس فى الدعوة للحج :

(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ  )

 للقرآن الكريم أسلوب فريد في الدعوة للحج . هو اسلوب يعتمد على التقوى ، ورغبة المؤمن فى التطهّر إبتغاء مرضاة الله عزّ وجل . وهنا نتدبّر قول الله سبحانه وتعالى:( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ(96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ(97)آل عمران).

أولا :  (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )                                                                              

1 ــ  لم تأت الدعوة للحج بصيغة الأمر ( : حُجُّوا للبيت )وانما جاءت بالأسلوب الخبري فتقول الآية الكريمة:(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ).الأسلوب الخبرى أشدّ إلزاما من صيغة الأمر المباشر ، لأن الجملة الاسمية تفيد الثبوت والدوام وليست مقيدة بزمن معين. عندما تقول ( أكل فلان الطعام ، يأكل فلان الطعام سيأكل فلان الطعام ) فإنّ (أكل الطعام ) فى هذه الجملة الفعلية مرتبط بوقت ما فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل، ولكن عندما تقول ( فلان آكل للطعام ) فهنا جملة إسمية تفيد الدوام والثبوت ، وانه آكل للطعام فى كل وقت . أى إنّ التعبير بالجملة الإسمية فى قوله جلّ وعلا:(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) أكثر تشديدا فى صيغة الإلزام من الأمر المباشر العادى.

2 ـ  يؤكد هذا أن السياق هنا بدأ أيضا بجملة إسمية تؤكّد بأن الكعبة هى أول بيت وضعه الله للبشر ليكون مباركاً وهدى للعالمين وأن فيه آيات بينات ، وأنه آمن لمن يدخله . ثم تأت الجملة الخبرية الأخيرة :(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )  وفيها معنى الأمر اللازم لأي مؤمن يحرص فى قلبه على تقوى الله تعالى، لأنها تؤكد أن ( على ) البشر فريضة يؤدونها لله جل وعلا ، وأنها ( عليهم ) أى أنها ( دين ) عليهم ، وأنهم (مدينون ) لله جل وعلا بهذا ( الدّين ). وصياغة هذه الجملة الإسمية جاء محمّلا بكل أنواع الإلزام لقلب المؤمن التقى ، فلم يقل جل وعلا بالصيغة الإسمية (على الناس حج البيت )ولكن قال:(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )، تقديم لفظ الجلالة هنا :(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) يفيد القصر والحصر ،أى هو لله جل وعلا وحده ، والمؤمن حقا ـ الذى إذا ذُكر الله جل وعلا وجل قلبه ـ عندما يتدبّر الآية ويجد لفظ الجلالة يتقدّم هذه الجملة :(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) فإنه يشعر بمدى الإلتزام هنا ، لأنّ الذى يناديه ويطالبه بتأدية هذه الفريضة هو رب العزة جل وعلا وحده لا شريك له .

 ثانيا :  (مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)

المؤمن غير المستطيع ليس مطالبا بهذا الأمر ، ولكنه يتحرّق شوقا لتلبية الأمر لو كان مستطيعا . لأن الحج فريضة لله جل وعلا على المستطيع من الناس. تقدير الاستطاعة بالمال والقوة الجسدية لا دخل فيه للفقهاء الذين حشوا مصنفاتهم الفقهية باللغو آلاف الصفحات فى تحديد المستطيع ومدى الاستطاعة . فأقحموا أنفسهم بين الله جل وعلا وعباده، وتدخّلوا فى شرع الله جل وعلا بما لم يأذن به الله جل وعلا جهلا منهم بتشريع الاسلام ومنهج القرآن فى جعل الحج وكل العبادات وسائل للتقوى.

إنّ تقدير الاستطاعة متروك لقلب المؤمن وحده ، هو الذى يقدّر وهو الذى يقرّر مدى إستطاعته المالية وظروفه الاجتماعية والجسدية ، وإذا كان متقيا فهو يعلم أن الله جلّ وعلا يعلم  سريرته وعلانيته ومدى إستطاعته. ولو خدع الناس جميعا فليس بأستطاعته أن يخفى عن رب العالمين سرّه. وبالتالى فإن لغو الفقهاء فى تحديد الاستطاعة والمستطيع ليس فقط جرأة على رب العزّة وثرثرة فى الممنوع وتشريعا لم يأذنه به جلّ وعلا بل هو أيضا تأليه لأنفسهم إذ نصبوا من أنفسهم متحدثين عن الرحمن فيمن يستطيع ومن لا يستطيع، وجعلوا من أنفسهم واسطة بين الله جل وعلا والناس.وهذا يتنافى مع الاسلام وعقيدته ، بل ويتنافى أيضا مع بدء الآية الكريم بلفظ الجلالة :(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) لتفيد القصر والحصر فى أن هذه الفريضة لله جل وعلا وحده وليس لبشر أن يقحم نفسه فيها بديلا عن رب العزّة.إن قوله جل وعلا :(مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) يجعل العلاقة مباشرة بين المؤمن وربّه جل وعلا ، لا مجال فيها للواسطة . وهذه هى التقوى. 

 ثالثا : ( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ )  : (وَمَنْ كَفَرَ ) 

بعدها يقول جل وعلا فى صيغة إسمية أيضا ولكن صاعقة للقلب المؤمن :( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ )، أى إنّ الذى يستطيع ولا يحج يكون كافرا،فيأتي التهديد صاعقا للمستطيع الرافض للحج بعد هذه الصيغة الاسمية بالغة الدلالة . هنا نتوقف مع نوع خاص من الكفر العقيدى يقع فيه ( المؤمن ). هو ليس كفرا بالله جلّ وعلا،ولكنه كفر بنعمته إذ مكّنه رب العزّة بالاستطاعة التى يقدر بها على تأدية فريضة الحج ، فكفر بالنعمة وجحدها ورفض تأدية حقّها ، رفض تأدية الفريضة. يؤيد هذا قوله جل وعلا بعدها إنه غنى عن العالمين ( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ )، أى ليس جل وعلا محتاجا لاستطاعة هذا المستطيع ،ولكن المتقى يعلم إنه المحتاج لربه حتى ينجو من النار ويدخل الجنة ، فالتقوى هى الأساس وهى المبنى وهى المعنى .والتقوى بالنسبة للمستطيع أن يقدّم حق الله جل وعلا فى الصدقة والزكاة المالية والجهاد فى سبيله وفى الحج الى بيته الحرام . ومن يجحد نعمة الله ويقع فى ( كفران النعمة ) يصبح ضمن الذين يبخلون ، ومصيرهم النار ، قال عنهم رب العزّة : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) آل عمران) (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (37) ( النساء ).ويحذّر رب العزة المؤمنين من سوء هذا المصير فيأمرهم بالانفاق فى سبيل الله جل وعلا قبل أن يحلّ بهم الموت ومعه الندم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)( المنافقون ).

رابعا :( وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ )  : ( فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ )

التأكيد هنا بالجملة الاسمية أيضا بأنّ الله جلّ وعلا غنى عن العالمين: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ )، أي فمن أعرض عن فريضة الحج مع أستطاعته فقد كفر وإن الله تعالى ليس محتاجاً لأحد من الخلق . نحن الذين نحتاج الى تزكية أنفسنا وتطهيرها بالتقوى،والحج أحد وسائل التقوى . وبالتقوى ننجو من النار والخلود فيها ، ونسعد بالخلود فى الجنّة. ونتوقف هنا مع قوله جل وعلا :( فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ) وصلته بموضوع التقوى. ونبدأ بتقرير هذه الحقائق القرآنية :

 1 ــ الله جل وعلا يخاطب البشر بلسانهم ، واللسان البشرى يعرف ما يدركه ، ولا يستطيع التعبير عن الغيوب التى لا يدركها . وصفات ( الله ) جل وعلا ضمن ما لا يستطيع الادراك البشرى التعبير عنها ، لذا خاطب الله جل وعلا البشر بلسانهم ليقرّب لهم فهم صفاته ، ومن هنا ترى أوصافا لله جل وعلا تأتى بنفس أوصاف البشر ، مع التناقض الحقيقى بين صفات الله وصفات البشر . ولكنها طريقة لتقريب المعنى من أفهام البشر . لذا يستعمل رب العزة ( الكرسى ) و ( العرش ) ليدلّ على التحكم والسيطرة ، ويستعمل مصطلح الكيد ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) الطارق  ) ومصطلح (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الانفال ) (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (50) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) النمل ) ليدل على إحباط كيد ومكر المعتدين المشركين . نفس الحال فى مصطلح الغنى ، يأتى وصفا للبشر ووصفا لرب البشر جلّ وعلا .

 2ـ جاء وصف البشر بالغنى فى قوله تعالى فى تشريع الوصىّ على مال اليتيم:( وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ )(النساء 6). الوصف بالغنى والفقر هما للوصى على مال اليتيم . وجاء وصف الأقارب بالغنى والفقر :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً ) ( النساء 135). وصف الغنى والفقر للبشر هو نتيجة للتفاوت فى الرزق الذى يتحكّم فيه رب العزّة : (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ)( الرعد 26 )( وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ) ( النحل 71 ). كما أن لصفة الغنى والفقر فى نفسية البشر أبعادا أخرى لا تقتصر على وجود الثروة أو عدمها ، ونحن هنا نتحدث عن القناعة ، فهناك فقير فى ماله لكنه قانع راض لا يمتد بصره الى ما فى يد الغير. وهناك من هم على سنّة أبى لهب وحسنى مبارك وآل سعود ، مهما تضخمت ثرواتهم فهم لا يشبعون . هذا فى التعامل مع البشر فيما يخص صفة الغنى . ولكن فى كل الأحوال وفى تعامل البشر مع رب العزة فهم جميعا مفتقرون اليه ، وهو غنى عنهم : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )(فاطر 15).

3 ـ وجاء وصف البشر بالاستغناء عن دعوة الحق ، فالبخيل لا يحب الاسلام لأنّ الاسلام هو دين العطاء والزكاة ، لذا يستغنى عن الاسلام ويكذّب بالقرآن (وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )( الليل 8ـ ).وأحد أولئك المترفين الذين إستغنوا عن الاسلام حاول النبى دعوته للحق ، وأعرض النبى وعبس فى وجه فقير أعمى حتى لا يأنف المترف المستغنى من دين يدخله الفقراء والمستضعفون ، ونزل تأنيب النبى بسبب هذا الموقف: ( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى ) ( عبس ـ 5 ـ ). ولكن تظل الحقيقة باقية ، وهى أن الله جل وعلا هو الذى يجعل هذا فقيرا ويجعل ذاك غنيا :( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ) (النجم 48) ( وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ) ( الضحى 8 ). ومن حمق الانسان الغنى أن يظنّ نفسه مستغنيا فيطغى بثروته:(كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى)(العلق 6: 7). نوجز القول بأن الفقر والغنى للبشر حالات عرضية وقتية ، وهم فقراء لله جل وعلا المتحكّم فى الرزق.

4 ـ لذا فإن الغنى الحقيقى هو رب العزة وحده ، وكلنا فقراء محتاجون له :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)(فاطر 15 :17 )، وهو الله الغنى عن الصدقة:(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ) (البقرة 263) (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)(البقرة 267)، وهو الغنى عن جهاد المجاهدين: ( وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (العنكبوت 6 )، وهو الغنى عن إيمان الناس به:( وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً)(النساء 131)وعن شكرهم له:(وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )(النمل 40 )، ولا يهتم إذا كفروا به :( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ )(الزمرِ 7)( ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)(التغابن 6). هو جل وعلا يهتم بالناس لو إستغاثوا به ، عندها يعبأ بهم :( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ )(الفرقان 77).  

5 ـ ان الله الصمد جل وعلا قد قرّر حرية كل فرد فى الايمان والكفر،ومسئولية الفرد على عمله ، فمن يجاهد إنما يجاهد لنفسه ( وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت 6 )،ومن يؤمن ويشكر فلنفسه( وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )(النمل 40)،ومن أحسن فلنفسه ومن إهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعلى نفسه:(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا )( مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا)(الاسراء 7 ، 15 ).ومن أدّى فريضة الحج فقد فعل لنفسه خيرا، ومن كفر وبخل مع إستطاعته فإن الله جلّ وعلا غنى عن العالمين :(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ )(آل عمران 97).  ولذا فالمؤمن لا يمنّ على الله جل وعلا بإيمانه بل هو الذى يحمد ربه أن هداه الى الايمان :(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (17) ( الحجرات)، وبعض الحمقى يظنّ أنه لو أدّى بعض ركعات لله جل وعلا فقد أدّى خدمة لله تعالى . كلا إنه إذا إهتدى فقد أدى خدمة لنفسه ، وإذا تزكّى فقد تزكّى لنفسه:( وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) فاطر ). والنفس التى تتزكى بالعبادة والعمل الصالح هى التى تدخل الجنة . فلا يدخل الجنة إلا  المتقون. ومن هنا ترتبط الدعوة للحج بالتقوى .

وفى النهاية فهى حريتنا المطلقة فى الاختيار ؛ من يشاء أن يتقى ومن يشاء أن يعصى ، من يشاء أن يؤمن ومن يشاء أن يكفر،وما نختاره سنواجه عاقبته بالخلود فى الجنة أو الخلود فى النار:(وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)  ) ( الكهف ) ، المؤمن المتقى هو الذى يحتاج الى أن ينجو من النار و أن يتمتع بالجنة ، لذا يلتزم بالتقوى لصالح نفسه ، فالله جل وعلا ليس محتاجا لأن يعذّبنا طالما آمنّا وشكرنا :( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً)(النساء 147 ).