حكم المسلم العاصي(موضوع الرواق)

محمد مهند مراد ايهم في الثلاثاء ١٦ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بقلم : أحمد صبحي منصور

 

مقدمة

فى اوائل الثمانينيات كنت أجمع مع عملى فى جامعة الأزهر العمل متطوعا فى جماعة دعوة الحق الاسلامية . كنت الخطيب الأول فيها بعد سفر مؤسسها معارا الى السعودية ، و فى كل خطبة اسبوعية حرصت على مناقشة موضوع قرآنى جديد. بدأت الخطابة فى مساجدهم عام 1982 . ثم دخلت فى خصومة معهم واكبت خصومتى مع الأزهر سنة 1985 الى أن انتهت علاقتى بهم عام 1985 . بعدها تجولت أخطب الجمعة فى مساجد مختلفة ،وحرصت أن أكتب مختصرا لكل خطبة لتكون نواة لمقالة بحثية تنشر فيما بعد . وقبل شهور من القبض علينا فى الاسبوع الأول من نوفمبر عام 1987 كان قد تجمع لدى عدد كبير من تلك الملخصات ، وطلب إخوانى القرآنيون أن اصدرها فى مطبوعات صغيرة تحت عنوان ( دراسات قرآنية ). وكان كتاب ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ؟ ) هو الكتاب الوحيد الذى صدر من هذه السلسلة.

ولهذا الموضوع أيضا حكايته الخاصة. كنت أخطب الجمعة الأولى فى كل شهر بمسجد جماعة دعوة الحق فى طنطا ـ قبل تركى لهم. وحدث أن عاصرت مناقشة حامية احتدمت بينهم حول ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة كما يقول البخارى فى الأحاديث أم لا ؟ ) وقد انتظروا معرفة رأيى فى الموضوع عندما اذهب اليهم. قلت لهم إن من يدخل النار لن يخرج منها ،وذكرت لهم الآيات القرآنية. فطلبوا أن أخطب لهم فى الموضوع ـ فجعلته موضوع الخطبة. وسجلت موجز الخطبة فى ورقة كالعادة . وأحدث الموضوع ردود فعل هائلة فى مجتمعات السنيين المعتدلين بين مؤيد ورافض.

ولذلك عندما انفصلت عنهم وفكرت فى مشروع اصدار سلسلة دراسات قرآنية كان موضوع المسلم العاصى هو البداية لمقترح السلسلة القرآنية، وكان أملنا أن ننشر كتابا صغيرا من السلسلة كل شهرين، وأن نضع اعلانا فى كل كتاب ينوّه بالكتاب التالى. وفعلا كتبت فى الصفحة الأخيرة من كتاب ( المسلم العاصى ) اعلانا عن الكتاب التالى ، وكان ( النسخ فى القرآن الكريم يعنى الكتابة و الاثبات و ليس الحذف والالغاء )

وبمعاونة كريمة من بعض الأخوة القرآنيين قمت بطبع (15 ألف نسخة ) من كتاب (المسلم العاصى) فى مطبعة الأهرام على كورنيش النيل التابعة لمؤسسة الأهرام ،. وتم توزيعه فى شركة توزيع الأخبار، وسارت الأمور سيرا حسنا فى الظاهر ، ولم نكن نعرف أنهم يخططون للقبض علينا. وفعلا تم القبض علينا وصودر المرتجع من نسخ الكتاب ، واتخذوه دليلا ضدى فى نيابة امن الدولة العليا.

وأذكر ليلة القبض علينا أنهم صادروا كل ما وجدوه من نسخ الكتاب فى بيتى. وعندما سألونى فى أمن الدولة : هل توجد نسخ أخرى؟ قلت لهم نعم. فأرسلونى بنفس عربة الأمن المركزى ثانيا الى البيت ـ مصفدا بالأغلال ـ لأساعدهم فى جمع النسخ الباقية من أركان البيت.

أثناء وجودى فى السجن وبعد الافراج عنى صدرت مقالات تنتقد الكتاب وتهاجم مؤلفه ـ كانت تلك المقالات تفوق حجم الكتاب، وكان ممن انتقدالكتاب وهاجمنى الصحفى أحمد زين و الكاتب الصحفى فهمى هويدى . وقد بعثت لهما بالرد فلم ينشرا الرد .أدى هذا الهجوم ـ كالعادة ـ الى شهرة الكتاب و محاولة كثيرين البحث عنه. وتم تصوير بعض نسخ وتداولها فكتب الشيخ عبد المعطى بيومى يصف ذلك بأنه تداول منشورات ، ليحرض الأمن علينا.

الان .. وبعد عشرين عاما ـ وبعونه جل وعلا ـ يبدأ مشروع نشر مؤلفاتى على موقعنا ( أهل القرآن ) لتكون متاحة مجانا للجميع.

وأولها هو كتاب ( المسلم العاصى ).

وأعلن أنه من حق أى شركة نشر أن تترجمه و تنشره لمدة خمسة أعوام ، وبشرط عدم الاحتكار.

والله جل وعلا ـ هو المستعان.

الجذور الدينية والتاريخية



ـ نبدأ الإجابة بتحديد معنى المسلم العاصى : فهو الذى ظل حياته عاصيا دون توبة إلى أن مات . ومشكلة هذا "المسلم العاصى " لها جذورها الدينية والتاريخية .



2ـ وتتمثل هذه الجذور فى الأمانى التى يتمناها الإنسان فى أن يحيا على هواه عاصيا ثم يكافأ على عصيانه بدخول الجنة ، أو على الأقل إذا دخل النار فلا يلبث أن يخرج منها .وهذه الأمانى أساسها الشيطان . فالشيطان ـ لعنه الله ـ أعلن أمام رب العزة أنه سيستحوذ على أكثرية أبناء آدم ،" لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ " ( النساء : 118 ، 119 ) وعبقرية الشيطان تتجلى فى أنه يقرن الإضلال بالأمنيات . فالذى يضل من البشر إذا عرف أنه ضال فالأغلب أن يتوب . أما إذا كان ضالا يعيش فى أمنيات بأنه سيدخل الجنة فلا يمكن أن يتوب . وبذلك ينجح الشيطان دائما فى كل عصر ..

3 ـ وللشيطان وسائله فى نشر هذه الأمنيات التى توافق الهوى البشرى ، وهى الأحاديث الشيطانية التى يروجها أتباعه وينسبونها للدين ظلما وبهتانا .. يقول تعالى عن هذه الأحاديث الشيطانية التى يغتر بها الناس "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " ويقول تعالى عن إتباع الناس لهذا الوحى الشيطانى ووقوعهم فى المعاصى اعتمادا عليه " وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ " ويقول تعالى مبينا أن القرآن هو الفيصل الذى يزهق هذا الوحى الشيطانى : " أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ " ( الأنعام : آيات 112 ، 113 ، 114 ).

4ـ وقد أنزل الله التوراة " ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ " ( الأنعام : 154 ).

ولكن الشيطان ما لبث أن أغوى بعض بنى إسرائيل فحرفوا الكتاب وأضافوا الإفتراءات ومنها أنهم سيخرجون من النار ولن يمكثوا فيها إلا أياما قليلة . ولأن هذه الإفتراءات تشجعهم على العصيان فقد انتشرت حتى أصبحت معلوما لديهم من الدين بالضرورة . وحين نزل القرآن الكريم كان (الأميون ) من اليهود فى الجزيرة العربية لا يعلمون عن التوراة إلا أنها الوثيقة التى تدخلهم الجنة بدون عمل لمجرد أنهم يهود ، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم ( أميون ) مع إنهم كانوا يحترفون الكتابة وتزوير وتحريف الكتاب السماوى ، وهى هنا إشارة الى تضييعهم الكتاب السماوى الذى تميزوا به على العرب ( الأميين ) الذين لم يأتهم كتاب مثل أهل الكتاب .يقول تعالى عنهم " وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ " وأولئك الأميون الذين حسبوا التوراة أمانى وقعوا ضحية لأتباع الشيطان الذين زيفوا وحرفوا ، ولذلك قاموا بكتابة تلك الأكاذيب و نسبتها لله تعالى ، يقول تعالى " فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ". وكانت أمنية الخروج من النار أهم الإفتراء الذى تكسبوا به وهو ما يعرف بصكوك الغفران، تقول الآية التالية : " وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " وبعد أن سخر الله منهم بأنهم لا عهد لهم من الله وأنهم يقولون على الله ما لا يعلمون قال تعالى يضع القاعدة " بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " فالعاصى الذى أدمن السيئات دون توبة مصيره النار خالدا فيها ، وفى المقابل " وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " ( البقرة : آيات : 78 : 82 ).

إذن إما خلود فى النار لمن يموت مدمنا على المعصية وإما خلود فى الجنة لمن يقرن إيمانه بالعمل الصالح ، وليس هناك وسط بين المنزلتين .

وحتى تتضح الصورة كاملة أمام المسلمين فلا يقعوا فيما وقع فيه أهل الكتاب فإن القرآن الكريم كرر نفس الرد على إدعاءات أهل الكتاب بالخروج من النار ، فقال عن إعراضهم عن الإحتكام إلى القرآن " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ " ويبين القرآن السبب فى إعراضهم عن الحق القرآنى وهو أنهم مقتنعون بالأكاذيب التى تمنيهم بالخروج من النار إذا دخلوها عصاة يقول تعالى " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ " ثم يرد عليهم محذرا بما ينتظرهم فى اليوم الآخر من عدل مطلق : "فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ"( آل عمران : 23 ، 25 ).

5ـ والله تعالى لم ينزل ذلك فى القرآن عبثا ، تعالى الله ، وإنما لكى يقرر الحق ويزهق الباطل حتى لا يسلك المسلمين مسلك اليهود والنصارى .. فالقرآن جاء كتابا عالميا لكل البشر إلى قيام الساعة ولا بد أن تكون الحقائق فيه واضحة ترد الزيف فى أى زمان و أى مكان ، خصوصا وأن الشيطان ـ العدو الأكبر للبشر ـ لم يقدم استقالته حين انتشر الإسلام بعد الفتوحات ، بل وجد من أبناء اليهود والنصارى الذين أسلموا خير أعوان ، خصوصا بعد أن عرف المسلمون الحرب الأهلية واعتادوا الاقتتال فيما بينهم وانغمسوا فى الترف والعصيان ، وأصبحت الحاجة ماسة إلى أمنيات بدخول الجنة بالشفاعات والخروج من النار حتى يستمروا فى حياتهم اللاهية بدون رادع .

ولم يكن صعبا على المسلمين فى العصر العباسى أن يعيدوا ما قاله آباؤهم من اليهود والنصارى ، فأقوال الأسلاف تراث قومى يحافظ عليه الأبناء فى وجدانهم ، خصوصا وأن أبناء البلاد المفتوحة هم الذين كتبوا الحضارة الإسلامية ، فكتبوها وفق ما اعتادوه قبل الفتح العربى وقاموا بسد الفجوة بين القرآن وبين واقع حياتهم عن طريق وضع الأحاديث الضالة والتفسيرات الاسرائيلية .

6ـ وآيات القرآن واضحة فى التحذير من الوقوع فى تصديق الوعود الشيطانية بالخروج من النار ، يقول تعالى عن الشيطان " وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا" ويقول عن كيده " وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا" ويقول عن وعوده وتغريره بالناس " يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا " وعن مصيرهم إذا إتبعوا أمنيات الشيطان "أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا" وبعد هذا التحذير يأتى التبشير لمن آمن وعمل صالحا بالخلود فى الجنة وهذا وعد الله: "وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً " فالقضية إيمان وعمل صالح وبه يتحقق وعد الله بالخلود فى الجنة ، أما وعد الشيطان للعصاة فهو غرور ، فالأمر ليس أمانى ، لذا تقول الآية التالية تحذر المسلمين من الوقوع فيما وقع فيه أهل الكتاب: "لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا " ويقول تعالى عن من يقرن الايمان بالعمل الصالح :"وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا " "( النساء : 117 : 124 ). فالعاصى يجازيه الله بعصيانه بالنار ولا يجد له وليا ولا نصيرا أى لا يجد له شفيعا، والمؤمن الذى عمل الصالحات يدخل الجنة ، وليست هناك منطقة وسط .

7 ـ ومع وضوح التحذير القرآنى فإن الأمنيات الشيطانية بالخروج من النار وجدت طريقها عبر أحاديث منسوبة للرسول ، وقد انتشرت تلك الأحاديث لأنها تنسجم مع الأهواء وتيسر للناس أن يستمروا فى المعصية . وما أسهل انتشار الدعوات الهدامة خصوصا إذا ما ارتبطت بالدين وانتسبت لله أو الرسول ظلما وعدوانا


أحاديث الخروج من النار والرد عليها :



ـ ينسب البخارى للرسول قوله " يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى : أخرجوا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد إسودوا فيلقون فى نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة فى جانب السيل ".

ومعنى هذا القول أن من يقل إيمانه إلى درجة حبة الخردل يخرج من النار ،ومعناه بالتالى أن الكافر أيضا يخرج من النار ، لأن الكافر إيمانه بالله قليل ، يقول تعالى عن اليهود الذين حرفوا التوراة وعصوا الله " وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً " ( النساء : 46 ) فأولئك الكافرون إيمانهم قليل استحقوا عليه اللعن من الله . ويقول تعالى عنهم "فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً " ( النساء : 155) وأولئك إيمانهم أكبر من حبة الخردل التى يقول عنها البخارى فى حديثه الكاذب. إن القرآن يجعل مصير الكافرين من أهل الكتاب والمشركين هو الخلود فى جهنم يقول تعالى "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ " ( البينة :6) إذن لا خروج من النار لمن كان فى قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ، وإلا كان فرعون الذى آمن حين الغرق أسعد الناس بذلك .



2ـ ويروى البخارى حديثا آخر يدعى أن النبى محمدا عليه السلام قال " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفى قلبه وزن شعيرة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفى قلبه وزن برة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفى قلبه ذرة من خير ".

ومعناه أن الخروج من النار يستلزم مجرد النطق بلا إله إلا الله مع أقل كمية من الخير فى القلب . ومعناه أيضا أن المنافقين سيخرجون من النار لأنهم كانوا يقولون لا إله إلا الله "إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" (المنافقون :1) . وكانوا أيضا يؤدون الصلاة ويقدمون الصدقات ، ولكن لم يقبل الله تعالى صلاتهم ونفقاتهم "وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ " ( التوبة :54 ) والمنافقون بعد قولهم لا إله إلا الله وبعد صلاتهم ونفقاتهم هم فى الدرك الأسفل من النار "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً" "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا " ( النساء 142 ،145 ) والمنافقون لن يخرجوا من النار أبدا وهذا وعد الله لهم "وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ " ( التوبة : 68 ).



3ـ ويروى البخارى أحاديث أخرى مطولة فى الخروج من النار يصور فيها رب العزة جل وعلا كآلهة الأغريق يتندر مع الخلق ويضحك عليهم ، منها حديث " إنى لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا : رجل يخرج من النار كبوا فيقول الله : إذهب فأدخل الجنة فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول : يا رب وجدتها ملأى فيقول إذهب فأدخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها فيقول : تسخر منى أو تضحك منى وأنت الملك ..!!".

ويروى البخارى صيغة أخرى لذلك الحديث " إن آخر أهل الجنة دخولا وآخر أهل النار خروجا من النار رجل يخرج حبوا فيقول له ربه أدخل الجنة فيقول رب ملأى فيقول له ذلك ثلاث مرات فكل ذلك يعيد عليه الجنة ملأى فيقول إن لك مثل الدنيا عشر مرات ، وتستمر الرواية تزعم أن هنا محادثات مطولة جرت بين الله وبين ذلك الرجل الذى يدخل الجنة أخيرا يقول البخارى فى آخر روايته " فيقول يا رب لا تجعلنى أشقى خلقك فلا يزال يدعو حتى يضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له فى دخول الجنة ..".

4ـ ومن السهل الرد على كل هذه المزاعم بحقيقة قرآنية هى أن النبى لا يعلم الغيب وإن الله أمره أن يعلن للناس عدم علمه بالغيب "قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ " ( الأنعام : 50 ) .

والإخبار عن أحوال القيامة من أهم أنواع الغيب ، بل حتى موعد الساعة لم يكن النبى يعلمه ، وسئل فى ذلك كثيرا وجاء الرد فى القرآن كثيرا "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " ( الأعراف : 187 :188) . وتكرر السؤال فتكررت نفس الاجابة تؤكد أنه عليه السلام لا يعلم الغيب (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا " ( النازعات 42 ـ ) بل أن الله أمر النبى أن يعلن أنه ليس متميزا على أحد من الرسل وأنه لا يدرى ماذا سيحدث له أو سيحدث للناس ، وأنه مأمور بإتباع الوحى "قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ " ( الأحقاف : 9) .

والمضحك أن دعاة الإفك فى عصرنا يستشهدون على أكذوبة علم النبى محمد بالغيب بقوله تعالى : " عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا " ( الجن 26 :27 ) فيزعمون أن الرسول الذى ارتضاه الله تعالى وأعلمه بالغيب هو النبى محمد عليه السلام ، وهم بذلك يتهمون القرآن الكريم بأن آياته تتناقض مع بعضها ، بل وأكثر من ذلك أنهم يكذّبون بالقرآن وهم يعلمون ، لأنهم يعرفون أن قبل الآيتين الكريمتين آية تقول : " قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا" ( الجن 25 )..وهذا نوع آخر من التحريف فى معانى القرآن الكريم. أى إنهم عندما عجزوا عن تحريف النص القرآنى المحفوظ من لدن الله جل وعلا قاموا بتجاهل آية و تأويل أخرى ، ثم أضافوا لذلك أحاديث ضالة. وبالتحريف فى معانى القرآن الكريم وتاويل آياته و بالكذب على رسول الله تأسست عقائد مخالفة للاسلام والقرآن ، وكلها تعتمد على اسناد علم الغيب للنبى محمد عليه السلام. ولنقرأ آيات سورة الجن مع بعضها لنتاكد من استقامة التاكيد القرآنى أن النبى محمدا لا يعلم الغيب : " قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ." ( الجن 25 : 27 ) أى لا أدرى و لا أعلم هل سينزل عليكم العذاب قريبا أم بعد وقت بعيد لأن عالم الغيب جل وعلا لا يعطى بعض غيبه أحدا غلا من ارتضى من بعض رسله، فيأتيه ذلك الغيب عن طريق (رصد ) من الملائكة، أو وحى عن طريقهم.

والمؤمن مطالب بالإيمان بأن الرسول متبع للوحى ، فطالما أمره ربه أن يعلن أنه لا يدرى ما يفعل به أو ما يفعل بالناس فلا بد أن يعلن ذلك ويتمسك به ولا يقول كلاما يخالف أوامر ربه .

أما من يصدق روايات البخارى وغيره هو بالتالى يكذب آيات القرآن الواضحة ويضيف عليها إتهاما للنبى بأنه خالف أوامر الله وتقوّل على الله ما لا يعلم .

وأولئك الذين يدافعون عن الحديث والسنة ألم يقرأوا حديث عثمان بن مظعون الذى كان من السابقين وأصحاب الهجرتين ثم أصيب فى غزوة أحد ، وهو يحتضر على فراش الموت قالت له إمرأة من الأنصار " لقد أكرمك الله فقال لها النبى وما يدريك أن الله أكرمه ؟ فقالت المرأة : بأبى أنت وأمى يا رسول الله فمن يكرمه الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما هو ـ أى عثمان بن مظعون ـ فقد جاءه اليقين ـ أى الموت ـ والله إنى لأرجو له الخير ، والله ما أدرى وأنا رسول الله ماذا يفعل بى ".

إذا كانوا يعتقدون أن هذا حديث صحيح قاله فعلا النبى محمد فيجب عليهم أن يبرءوا النبى من مئات الأحاديث الأخرى التى رواها البخارى و غيره و التى تجعل النيى محمدا يتكلم فى الغيبييات ومنها علم الساعة و الشفاعة و اسطورة الخروج من النار. وأحاديث الغيبيات المنسوبة للنبى محمد هى أساس تخلف المسلمين وابتعاد عقيدتهم عن منهج الاسلام الصافى الذى يخلص الاعتقاد فى الله وحده لا اله معه ولا اله غيره.

أما ما نؤمن نحن به وما نؤكد عليه فهو إن تلك الأحاديث ليست جزءا من الاسلام، وأنه

عليه السلام كان ملتزما بالوحى ، وينبغى لمن يحب النبى محمدا عليه السلام ويواليه أن يبرئه من الإفتراء الذى ينسبه له علماء السنة والحديث.



خلود العصاة فى النار من خلال القرآن :


للنجاة من النار ودخول الجنة لا بد من توافر شرطين معا ، وهما الإيمان والعمل الصالح ، لذا يتردد فى القرآن الكريم قوله تعالى " الذين آمنوا وعملوا الصالحات .."فالإيمان وحده بلا عمل صالح لا يثمر ، والعمل الصالح بدون إيمان حقيقى لا ينفع .

وأصحاب النار بالتالى هم الكفرة والمؤمنون العصاة . يقول تعالى "وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا " ( الجن : 23) فالعصاة سواء كانوا مؤمنين أم كافرين هم خالدون أبدا فى جهنم .

والشائع أن الكفرة فقط هم الخالدون فى جهنم أما المسلمون العصاة فلن تمسهم النار إلا أوقاتا معدودة ثم يخرجون منها إلى الجنة كما جاء فى الأحاديث السابقة ..

ولكن القرآن تحدث عن ذنوب يستحق أصحابها الخلود فى النار ، ومن أسف أن أكثرية المسلمين يقعون فى هذه الذنوب ..

*فالربا مثلا كان المسلمون يتعاملون به فى المدينة فى عصر الرسول إلى أن جاء قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ " ( البقرة : 278 ـ 279 ) وجاء تحذير آخر يخوف المؤمنين من الخلود فى النار إذا استمروا فى التعامل بالربا ، يقول تعالى " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " ( البقرة : 275 ) . فالمسلم إذا أقرض محتاجا بالربا كان خالدا فى النار .

*وأنزل الله تفصيلات الميراث ثم قال " تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ " ( النساء : 13 ، 14 ) .أى أن المسلم الذى لا يلتزم بقواعد الميراث القرآنية فهو خالد فى نار جهنم لأنه تعدى على حدود الله .

*والمسلم إذا اغتر بأمواله فطغى وبغى انطبق عليه قوله تعالى " وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ " (سورة الهمزة 1 ـ 9 ) أى يكون فى النار قد أقفلت عليه أبوابها أحقابا لا نهائية .

* والمسلم إذا قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه الخلود فى النار مع الغضب واللعنة ، يقول تعالى "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " ( النساء : 93 ) . فما مصير الصحابة و" السلف الصالح " الذين اقتتلوا فيما بينهم فى الفتنة الكبرى وما بعدها فى " الجمل " و " صفين " و " النهروان " وغيرها حيث زاد القتلى عن مائة ألف ؟ .

إن اختراع أحاديث الخروج من النار كان فى الأغلب لتبرئتهم من قوله تعالى " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " .

*والمسلم الزانى خالد فى عذاب شديد ، يقول تعالى " وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا

يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا " ( الفرفان : 68 ـ 70 ) .

إذن فالعصاة المسلمون إذا ماتوا بدون توبة فمصيرهم الخلود فى النار ..



درجات التوبة :



لا يخلو إنسان من الوقوع فى الذنب، ولكن المؤمن الذى ينجو من النار هو الذى يبادر بالتوبة ويقرن توبته بالعمل الصالح مصداقا لقوله تعالى " إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا " ( الفرفان : 68 ـ 71 )

وتوقيت التوبة مهم جدا بنفس أهمية الصدق فى التوبة، فأحسن التائبين حالا هو من يبادر بالتوبة وهو فى شرخ الشباب ، يقول تعالى " إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً " ( النساء : 17 ) .

وهذه التوبة القريبة التى يقبلها الله يحددها القرآن بسن الأربعين ، يقول تعالى " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ." (الأحقاف : 15 ـ 16 ) .

ففى سن الأربعين ينبغى على الإنسان أن يتوقف مع نفسه يحاسبها على ما مضى ويبدأ مع ربه صفحة جديدة ناصعة يستعد بها للشطر الآخر من حياته .

وقد يستيقظ الإنسان بعد سن الأربعين فيتوب بعد المشيب وقد نظر حاله فوجد ما مضى من عمره أكثر مما بقى له ، فيعترف بذنبه ويبكى على حاله صادقا فى توبته ، ويقوم بتعويض ما فاته بالتكفير عن ذنوبه بالصدقة و الانغماس فى الطاعة ليعوض ما فات.أولئك يتوب الله عليهم " وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا "( التوبة : 102 ـ 103 ) . فالصدقة من مظاهر التوبة الصادقة هنا .

وقد يضطر أحدهم للتوبة فى المشيب والشيخوخة بعد أن ضعف جسده وأصابته العلل والأمراض فأذعن واستكان ، فأمره بين يدى ربه إما أن يتوب عليه فيدخله الجنة وأما من يعذبه فيخلد فى النار، وليست هناك منزلة وسطى بين الجنة والنار ، يقول تعالى " وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم " ( التوبة : 106 ).

ثم نصل للصنف الأخير الذى يدمن المعصية فلا يستيقظ منها إلا عند الاحتضار فيصرخ عند الموت بالتوبة حيث لا تجدى ولا تنفع ، وحيث لا يسمعه سوى ملائكة الموت وهم يقبضون نفسه. هذا شأنه شأن الكافر تماما، يقول تعالى فيه " وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " ( النساء : 18 ) والآية صريحة فى وضع العاصى الذى لم تقبل توبته مع الكافر الذى أحبط الله أعماله كلاهما فى النار خالدا فيها ..



ليس هناك توسط بين الجنة أوالنار :


** يقول تعالى عن مصير البشر " فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ " (الشورى : 7 )، والمقصود أن مصير البشر ينحصر بين شيئين لا ثالث ولا توسط بينهما إما جنة وإما نار ..

**وبعد أن تنطوى صفحة أعمال الإنسان عند الاحتضار تأتيه ملائكة الموت تبشره إن كان من أصحاب الجنة وتنذره إن كان من أصحاب النار ، أى يكون المحتضر بين بشرى بالخلود فى الجنة أو الخلود فى الجحيم ولا توسط بين المنزلتين ، يقول تعالى " الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ فادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ " ( النحل : 28 : 29 ) والآية لم تتحدث عنهم بصفتهم كافرين فلم تقل الذين تتوفاهم الملائكة كافرين وإنما تحدثت عن ظلم النفس بالعقيدة السيئة والعمل السئ فقالت " الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ " لتنطبق على عصاة المسلمين الذين ظلموا أنفسهم بالكبائر ولم يتوبوا ، وحين الاحتضار يحاولون الاعتذار بالكذب قائلين " مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ " وترد عليهم ملائكة الموت " بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " فالقضية الأساسية عمل سئ أدى بصاحبه للخلود فى النار " فادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا " .

**وعند الحشر تتلون الوجوه إلى لونين لا ثالث لها، يقول تعالى " يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ "(آل عمران : 106 ) وليس هناك لون آخر للصنف المزعوم الذى يتأرجح بين الجنة والنار .

**ويقول تعالى " لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". لم تقل آمنوا ، وإنما قالت " أحسنوا الحسنى " أى أحسنوا الإيمان وأحسنوا العمل وجزاؤهم الخلود فى الجنة . وفى المقابل " وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " (يونس : 26 : 27 ) لم تقل الآية الذين كفروا وإنما قالت " الذين كسبوا السيئات " ومصيرهم النار هم فيها خالدون .

**وعند الحساب يتحدد البشر إلى صنفين فقط ، صنف يأخذ كتابه بيمينه وصنف يأخذ كتابه بشماله ، يقول تعالى " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ اِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ " ..."وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ." ( الحاقة : 19 ـ 29 ).

ومن يزعم بأن هناك صنف ثالث يتأرجح بين الجنة والنار لم يقل لنا كيف يتلقى كتاب أعماله ، هل هناك يد ثالثة غير اليمين والشمال؟

**وعند دخول الجنة أو النار يساق أهل النار إلى أبوابها فريقا واحدا يدخلها خالدا فيها دون أدنى أمل فى الخروج منها ، يقول تعالى " وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا " وتقول لهم الملائكة" ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فيها " .وفى المقابل يقول تعالى " وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ " ( الزمر 71 ـ 73 ) لم تقل الآية وسيق الذين آمنوا أو الذين أسلموا وإنما قالت الذين " الَّذِينَ اتَّقَوْا " لأن التقوى معناها الإيمان مع العمل الصالح والتوبة والخوف من الله . ومن آمن دون طاعة أصبح إيمانه يساوى صفرا أو كفرا ، لا فارق بينه وبين باقى الكفرة ..

والمؤمنون من أصحاب الجنة استحقوها بالعمل الصالح وليس بمجرد الإيمان بدون عمل ، يقول تعالى " لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " ( الإنعام : 127) ويقول الله تعالى عنهم وهم فى الجنة " وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " ( الأعراف :43) .

ومن الطبيعى أن يتفاوت أصحاب الجنة حسب درجة تقواهم وطاعتهم ، وتوقيت التوبة لديهم ، ولذا ينقسم أصحاب الجنة إلى فريقين ، الأعلى مقاما وهم السابقون المقربون ثم أصحاب اليمين ، أى يكون التقسيم ثلاثيا ، قسمان يدخلان الجنة بالترتيب وهم السابقون بالطاعة والتوبة ثم أصحاب اليمين ثم قسم يدخل النار وهم أصحاب الشمال ، يقول تعالى " وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ " وبعد وصف النعيم الذى يتمتع به السابقون تقول الآيات عن الصنف الثانى من أصحاب الجنة " وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ وَمَاء مَّسْكُوبٍ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ "ثم تقول عن أصحاب النار " وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ" ( الواقعة : 7 : 44 ) .

ومن الحمق أن يدعى بعضهم أن نفرا من أصحاب الشمال يقدم استقالته ليلتحق بالجنة .


ليس هناك من تتساوى حسناتهم وسيئاتهم :



بعض الناس لا يفرق بين الميزان الإلهى فى الآخرة وبين ميزان البشر فى الأسواق .إن ميزان البشر تتساوى فيه الكفتان دلالة على القسطاس أما الميزان الإلهى فلا مجال فيه للتساوى ، إذ لا بد أن تتحرك كفة الميزان ، يقول تعالى : " فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ" ( القارعة : 6ـ11).أى لا بد أن تثقل إحداهما وتخف الأخرى.

المفلحون تثقل موازينهم " فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " والخالدون فى جهنم تخف موازينهم " وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ " ( المؤمنون : 102 ـ 103 ).

إن حساب الآخرة يتم على أساس الإيمان والعمل الصالح معا ، فالمؤمن بالله إيمانا خالصا بدون أن يقع فى شرك أو رياء له وضعه الخاص فى الحساب ، فالله تعالى يضاعف حسناته " مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ " ( الأنعام :160) والله يجعل من حسناته تكفيرا لسيئاته " وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ " ( هود : 114 ) فتكون النتيجة أن تثقل أعماله الصالحة بالحسنات التى تضاعفت بينما يغفر الله سيئاته فينجو . ولا مجال هنا لتساوى الحسنات بالسيئات .

والمشرك الكافر لا يخلو من أعمال صالحة ولكن الله يحبط أعماله الصالحة " وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ " ( الزمر : 65 ) . وبعد أن تضيع على المشرك أعماله الصالحة لا يتبقى له إلا السيئات فتخف موازينه ويهلك .. فلا مجال هنا لتساوى الحسنات والسيئات ..

ثم نأتى لذلك المسلم الذى أدمن المعصية فلم يستيقظ منها إلا حين الاحتضار ، هذا الصنف لا مجال للتساوى بين حسناته وسيئاته، والسبب بسيط ، هو أن سيئاته التى أنشغل بها طيلة حياته لم تدع فراغا للطاعة ، فتكاثرت سيئاته على حساب الحسنات القليلة ، ثم تكون النكبة الكبرى وهو تأثير ذلك على درجة إيمانه الذى يتضاءل حين يبارز ربه بالمعصية ، ومعلوم أن الإيمان يزيد وينقص ، أى يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، يقول تعالى عن زيادة الإيمان " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا " ( الأنفال : 2 ) ويقول تعالى عن تناقص الإيمان بالمعاصى " كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ "( المطففين :14 ).بل إن الافراط فى الذنوب بدون توبة يوقع العاصى المدمن للمعصية فى الاستهزاء بدين الله تعالى و تكذيب آياته ، أى الكفر، يقول تعالى : " ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون "( الروم 10 )وهكذا يتضاءل إيمانه وحسناته ويتحول الى تكذيب لآيات الله تعالى واستخفاف بها بينما تتراكم سيئاته فيخف ميزانه ويهلك ..


أصحاب الأعراف
وقد ادعوا أن أصحاب الأعراف هم أولئك الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، والآية تقول عن أصحاب الجنة وأصحاب النار قبيل دخول أصحاب الجنة للجنة وأصحاب النار للنار " وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ " ( الأعراف : 46).

وكلمة رجال هنا لا تعنى بشرا من الرجال ولكن تعنى ملائكة مترجلين واقفين على أقدامهم. وكلمة " رجال" جاءت فى القرآن بمعنى "مترجل " " واقف على قدميه " فى قوله تعالى " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ " ( الحج : 27 ) وفى قوله تعالى " حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا" ( البقرة : 238 ـ 239 ) ثم فى قوله تعالى " وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ " أى ملائكة مترجلون يقفون على " الأعراف" "يعرفون " كلا من أصحاب الجنة وأصحاب النار بما يظهر على وجوههم، حيث تشرق وجوه أصحاب الجنة بالنورو تظلم وجوه أصحاب النار:" وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ " ( عبس: 38 ـ 42 ) .

والملائكة على (الأعراف) يتعرفون على أصحاب الجنة ينادونهم أولا بالسلام والتحية " وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ""وفى ذلك الوقت لم يكن أصحاب الجنة قد دخلوها بعد ، ولكن وقفوا ينتظرون دخولها تقول الآية: "لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ." وفى موقف الانتظار هذا إذا نظر أصحاب الجنة إلى أصحاب النار فزعوا وتعجلوا الخلاص من هذا الموقف، تقول الآية عن أصحاب الجنة : "وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . " وبعد أن تحيى ملائكة الأعراف أصحاب الجنة ـ الذين يتعجلون دخولها ـ يلتف أصحاب الأعراف إلى تبكيت أصحاب النار الذين كانوا يتندرون فى الدنيا بالمؤمنين فيقولون لهم أهؤلاء الذين كنتم تقسمون أنهم محرومون من رحمة الله أنظروا إليهم وهم يدخلون الجنة، وحينئذ يدخل أهل الجنة الجنة ، يقول تعالى: " وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ. " وينتهى دور أصحاب الأعراف بدخول أهل الجنة للجنة وأهل النار للنارويبدأ حوار آخر بين الفريقين : أهل الجنة و أهل النار :"وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ. " ( الأعراف : 46 ـ 50 ) .

ليس هناك خروج من النار للعصاة المسلمين :
القاعدة واضحة " بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " ( البقرة : 81 )فالذى تركزت أعماله الدنيوية فى سيئة ـ أحاطت به فلم يعرف التوبة عنها ـ يكون خالدا فى النار . يستوى فى ذلك من كان مسلما أو من أهل الكتاب .

والخلود فى النار يعنى أن من يدخل النار لن يخرج منها أبدا ، فأبوابها مقفلة على أصحابها، أو بالتعبير القرآنى العملى : " إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ".( الهمزة : 8 :9 )

وسيحاول كل منهم الخروج منها فلا يستطيع، يقول تعالى عن محاولة العصاة الخروج من النار " وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا " (السجدة : 20 ) التعبير هنا بالذين فسقوا أى العصاة.ونظير ذلك ما يفعله الكافرون فى النار أيضا ، يقول تعالى " فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا"( الحج : 19 ـ 22 ) .

وبعد اليأس من محاولة الخروج التى تزيدهم عذابا يصطرخون طالبين من الله أن يخرجهم من النار ، يقول تعالى يصف ذلك الموقف " وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ " لم يقولوا أخرجنا نؤمن أو أخرجنا نسلم ، فقد كانوا مسلمين ولكنهم لم يعملوا الصالحات واقترفوا مكانها المعاصى ويأتيهم الرد " أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ " ( فاطر: 37 )أى ليس لهم شفيع يخرجهم من النار كما تقول الأحاديث الضالة .

ويقول تعالى عنهم " تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ". وقد يسارع بعضهم ليقول أن الآيات تتحدث عن المشركين الذين يكذبون بالآيات القرآنية ، أما المسلم فلا يكذب بالقرآن ، ونقول أن الإيمان بالقرآن ليس شعارا يرفع وإنما منهج حياة ، فماذا يعنى إيمانك بالقرآن إذا كانت جوارحك عاصية له متمسكة بالعصيان ؟

ثم ـ وهذا هو الأهم ـ فالإيمان بالقرآن يظهرعلى حقيقته عندما تتعارض آية قرآنية مع أحاديث البخارى مثلا . وقد أوردنا أحاديث البخارى فى الخروج من النار وواضح لكل عقل أنها تناقض الآيات القرآنية ، فلابد للقارئ أن يحدد موقفه إما أن يكذب البخارى ويصدق بالآيات القرآنية ، وإما أن يصدق البخارى ويكذب بآيات الله .. وإذا خدع نفسه أو خدع الآخرين فلا يمكن أن يخدع رب العالمين وهو الذى يعلم السر وأخفى .

وعليه فقوله تعالى " أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ " تنطبق على أولئك العصاة ممن يدافع عن الأحاديث الضالة التى تخالف كتاب الله ، ويوم القيامة سيحاولون الاعتذار لربهم " قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ" ويطلبون الخروج من النار " رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ " ويرد عليهم رب العزة " قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ " (المؤمنون : 104 ـ 108 ) .

لقد جعلوا من البخارى ندا لله جل وعلا ، ووضعوا كتابه فى نفس مستوى القرآن ، بل فى درجة أعلى لأن حديثا واحدا للبخارى إذا تعارض مع عشر آيات قرآنية فمن السهل الإعراض عن القرآن كله مخافة الإعتراض على البخارى .. وأولئك مهما أعلنوا للناس إسلامهم فهم عند الله خالدون فى النار إذا ماتوا بدون توبة ، يقول تعالى " كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ " ( طه 99 ـ 100 ) .( صدق الله العظيم )
وتبقى لنا كلمة :
فقد ظهر مما سبق أن حقيقة الإسلام التى يقررها القرآن تختلف تماما عما كتبه الأسلاف ويعتقده جمهور المسلمون .. ولو أجمع البشر على شئ يخالف كلام الله ، فالله هو وحده الصادق ، " وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا".." وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ".( النساء 87 ، 122 )؟؟

والمفجع أن ما يهتم به المسلمون اليوم ليس تنقية عقائدهم من الأحاديث الضالة التى تحارب الله ورسوله ، وإنما يهتمون بالدعوة إلى تطبيق شريعة مستمدة من تلك الأحاديث الضالة نفسها .. والعقل السليم يقرر أن البداية المثلى تكون بشرح عقائد الإسلام الحقيقية فى القرآن بالحكمة والموعظة الحسنة وبعدها يكون التطبيق الفعلى للشريعة المستمدة من كتاب الله وحده ..

أما المتاجرة بالدعوة إلى تطبيق شريعة مستمدة من الكتب الصفراء والزج بالشباب فى صدام مع السلطة باسم الدين فهو تلاعب فى دين الله وإفساد فى الأرض .

وأفظع الفساد فى الأرض ما يتستر بالدين خداعا " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ".( البقرة 8 : 12 ).!!

ودائما : صدق الله العظيم ..

اجمالي القراءات 15478